نظام الشورى

 نظام الشورى

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

من خطب الجمعة

خطبة الجمعة التي ألقاها حضرة مرزا طاهر أحمد – أيدَّه الله ونصره –

الخليفة الرابع لسيدنا الإمام المهدي

بتاريخ 27/3/ 1998م في مسجد فضل بلندن

نقلها إلى العربية: عبد المجيد عامر *

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ (آمين)

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران: 160)

لقد استهللتُ خُطبتي اليوم بتلاوة هذه الآية بمناسبة انعقاد مجلس الشورى في ربوة، للجماعة الإسلامية الأحمدية لباكستان. وقد أظهر المشاركون فيه رغبتهم في أن أُخاطبهم كالمعتاد مباشرةً من هنا. إنّ مجالس الشورى في باكستان ظلّتْ بفضل الله تعالى تُعقد دون انقطاع في غيابي أيضًا من هناك، وذلك على الرغم من وجود بعض العراقيل في هذا السبيل، و الله تعالى وحده أعلم متى ستزول هذه العوائق. لقد عُقدت مجالس الشورى بفضل الله تعالى كلَّ سنة بمراعاة روحها الحقيقية وكافة مُقتضياتها. لاشكَّ أنها لم تحمل تلك الصبغة التي كانت تحملها عن وجودي في باكستان، وذلك لإدخال بعض التعديلات الضرورية حسب مقتضى الظروف.

لقد سبق لي أن قرات أكثر من مرة الآية التي استهللتُ بها خُطبتي اليوم، ليس بمناسبة انعقاد مجلس الشورى في باكستان فحسب، بل بمناسبة انعقاد مجالس الشورى في البلاد الأخرى أيضًا. ولكن كلما تأمّلتُ هذه الآية كشف لي الله أمورًا لم تكن قد خطرت ببالي من قبل. وبما أنني لا أتذكر ما سبق لي أن بيَّنتُ في تفسيرها، لذا سوف أتناول -راجيًا الله العلي القدير أن يكشف عليَّ أمورًا جديدة تتعلَّق بها- شرح نقاطٍ تتضمَّنها الآية.

يقول الله تعالى مُخاطباً نبيّه الأكرم : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ والمراد من فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ هو: أي صرتَ رحمةً بسبب رحمةٍ من الله تعالى. والواقع أنّ الآية تُشير إلى كونه “رحمةً للعالَمين”. إنّني أرى أنّ مفعول كلمة “لِنتَ لَهُمْ” يشمل كلَّ مَنْ كانوا حوله في ذلك الزمن والذين سيأتون فيما بعد، لأنَّ النبي لم يكن رحمةً للعرب فحسب، كما لم تَعُمَّ رحمتُه الذين استفادوا من صحبته من غير العرب فقط، بل إنّ كلمة “رحمة” تُشير بكل وضوح إلى أنّ الله تعالى جعله “رحمةً للعالَمين”. والذي كانت مهمّته أن يجمع العالَم كله في سلكٍ واحد، ويوحِّدَ العالَم الموجود وقتئِذٍ والعالَم الذي كان سوف يُكتشف فيما بعد، تحت راية سيدنا محمد التي سلّمها إيّاه، كان من المفروض له أن يتحلّى بصفة لِنتَ لَهُمْ لأنّ الموحِّد لن يقدر على جمعِ الشملِ ما لم يكن مُحبًّا حبًّا جمًّا للذين ينوي توحيدهم أو لَمَّ شملِهم. وبما أنّ مهمة النبي لجمعِ الشملِ لم تكن مُقتصرة على ذلك الزمن فقط، لذا لا بدَّ أن نستنتج من كلمة لِنتَ لَهُمْ أنّ النبي كان يُكِنُّ حُبًّا صادقًا لكل إنسان مهما اختلفت عصورهم وأزمنتهم. وحبّه هذا لكل إنسان وفي كل زمان هو الذي سوف يجمعهم في سلكٍ واحد.

ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: كيف سيتم كل ذلك؟ وكيف يمكن لِحُبِّه لنا وللناس أجمعين أن يجمعنا اليوم في سلكٍ واحد، وقد مضى على وفاته أكثر من 14 قرنًا؟

فالجواب الحقيقي لكل هذه التساؤلات هو: إنّ الدعوات المستجابة لسيدنا محمد هي التي سوف تُنجز هذه المهمة في المستقبل لأنّه ليست ثمّةَ وسيلة مباشرة أخرى لتوحيده إيّانا.

فَمُهمة جمع الشمل التي أُنيطتْ بالنبي ما كان بوسعه أن يُنجزها معتمدًا على ملكَاتِه الشخصيّة، ولكن مَلكَاته عندما اتَّحدت مع قدرة الله باتَ حضرته قادرًا على إنجاز جميع المهام الملقاة عليه. فلاشكَّ أنّ الآية التي نحن بصددها تعني حتمًا أن مَلَكَات النبي عندما اتَّحدت مع قدرة الله تعالى عندها استُجيبت كافة تضرُّعاته المتعلِّقة بالمستقبل النابعة من أعماق قلبه، وبالتالي فإنّ المهمة العظيمة لخرطِ الناس في سلكٍ واحد تحقَّقت في نهاية المطاف بسبب التضرُّعات الفائِضة بالحب ولن تزال تتحقَّق.

فما أعمَقَ ما يحمل لنا جميعًا هذا الموضوعُ من درس! إذ إنّ من واجباتنا نحن أيضًا أن نوحِّد القلوب في محيطنا ووسطنا. ومما لاشكَّ فيه أنّ وسطنا هذا في اتساعٍ مستمر حتى باتت تشمل ما يربو على 160 بلدًا في العالَم. فخرطَ جميعِ الناسِ في سلكٍ واحد يستحيل بالتأكيد لعبدٍ متواضع مثلي جالس في مكاني هنا، إلا إذا اقتديتُ بقدوة النبي واعتمدتُ على أمرين، أحدهما: دعواتِه تساعدنا في ذلك وتسعفنا، فلو سِرنا مع تيار دعواته لنجحنا في مهمتنا حتمًا. وثانيهما: يتوجَّب على كل واحد منا الذي هو مسؤول عن الذين هم في دائرة رعايته ويطمح أن يوحِّدهم، أن يدعو لهم بدافع الحب القوي آخذًا في الحسبان أنّ دعوات النبي لم تكن خاليةً من الحب. وجملة “لِنتَ لَهُمْ” تحتوي على هذا الحب وقد أبرَزتْهُ كلمة “رحمةً” بصورةٍ خاصة.

فعلى المشاركين في مجلس الشورى في باكستان أن يتذكَّروا هذا الأمر جيدًا ويعملوا به، ولاسيما في الظروف الراهنة، إذ إنّ هناك رياحًا مُعادية تهبُّ في هذه الأيام وتستهدف نتيجةً مُعاكسة تمامًا لما ننويه. كل مكان حقَّقتْ فيه الجماعة الإسلامية الأحمدية انتصارًا متميّزًا في باكستان واعتنقها أهلُهُ بعيونٍ مُبصرة وانشراح صدر، فإنهم واثقون من أنّ الجماعة الإسلامية الأحمدية هي نفسُ الدين الذي أسّسه النبي بيده ولا تنحرف عنه قيد شعرة. ولو لم تكن لديهم هذه الثقة لاستحال انتشار الأحمدية في باكستان، لأنّ انتشارها يتسبّب في مواجهة كثير من المصائب للمنتمين إليها ويقتضي التضحيات الكثيرة لدى كل خطوة. تُحرَقُ بيوتهم، وهذه ليست قصص افتراضية بل إنّ بيوت الأحمديين تُحرق فعلاً لمجرد قبول أصحابها رسالة الله ورسوله ، ولا تُحرق للأسباب التي تُحرق من أجلها كل يوم مئات بل ألوف أو بالأحرى لا تُعدُّ ولا تُحصى من بيوت الآخرين في باكستان. ولكن ليس من تلك البيوت ولا واحدٌ تمَّ إحراقه بسبب حبِّ أهله لله ولرسوله أو لأنّهم شرعوا يعملون بما أمرتهم به السُنّة النبويّة الشريفة. بل إذا كانت هناك بيوت تُشعلُ فيها النيران لهذا السبب وحده فإنّما هي بيوت المسلمين الأحمديين حصرًا، إذ لا يوجد سببٌ غير أنّهم قبلوا دعوة الله ورسوله وآمنوا بالإمام الذي بُعثَ تحقيقًا لنبوءة سيدنا محمد .

هذه هي حقيقة الأمر، وفي هذه الظروف الصعبة أنتم مُطالبونَ بِلمِّ شملِ المبايعين الجُدد والأحمديين القُدامى على حدِّ السواء. لقد مرّتِ الجماعة أثناء غيابي من باكستان بفترةٍ من الزمن وجد فيها التشتُّتُ طريقًا مؤقّتًا إلى الأحمديين حين أخذ المشائخ على عاتقهم مهمة سَدَّ جميع الطرق دون وصول تعاليم الأحمدية الحقيقيّة إلى أبنائها. ومن ناحيةٍ ثانية كان المشائخ يملكون حريةً تامة للقيام بكل نوعٍ من الدعاية الكاذبة ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية، وتدعمهم في ذلك وسائل الإعلام الباكستانية بما فيها الإذاعة والتلفزة.

هذه الفترة كانت أصعب الفترات عليَّ، لأننا ما كنا نجدُ فيها سبيلاً إلى توضيح الموقف حتى للمسلمين الأحمديين أنّ هذه الدعاية تلفيقٌ بحتٌ ضد سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود  وتعليماته، وليس من صدق المقال في شيء.. كانت الدعاية المذكورة تستهدف أبناء الجماعة في الأرياف والقُرى بصفةٍ خاصة، ولم نكن نملك لتصدِّيها من الوسائل شيئًا. وإذا استطاع المبشِّرون الأحمديون الوصول إليها بالكاد، وجدوهم جِدَّ متأثِّرين من الدعاية المسمومة. وبالإضافة إلى ذلك كان المعارضون قد قطعوا جميع سُبل الاتصال بين المسلمين الأحمديين ومُبشِّريهم. هذه الفترة كانت أشدَّ الفترات قسوةً ومعاناةً على الجماعة الإسلامية الأحمدية بحيث لم تأتِ عليها في تاريخها فترةٌ مماثلةٌ لها إذ لم يكن لنا حولٌ ولا قوة لمكافحتها. ولكن الله بفضله البحت ردَّ على هذه الدعاية من السماء عن طريق القناة الفضائيّة الإسلاميّة الأحمدية، فأصبح صوتنا ينزل في كل بيت حتى أحاط بيوتَ ألدَّ أعداءِ الجماعة أيضًا، وبذلك وُضِعَ على حين غرّةٍ منهم أسسٌ لانقلابٍ روحانيٍّ عظيم.

ففي ذلك أيضًا يكمن برهانٌ قاطع على أنّ هذه الأحداث كلها قد حدثت نتيجة دعواتٍ مُستجابة للنبي . كنتُ قد ذكرتُ فيما سبق أن دعوات سيدنا محمد المصطفى تدعمنا وتُسعفنا دائمًا، والآن سأُقدِّم لكم شواهد حيّة على أنّها فعلاً تشدُّ عضدنا وتُعيننا إذ ليست في العالَم كله جماعة -أيًّا كان مذهبها- قد حَظِيَتْ بتوفيقٍ من الله تعالى لإبلاغ صوتها -لإزالة سوء فهم الناس عن الإسلام ولإثبات صدقه- على مدار الساعة إلى كافة أنحاء المعمورة بحيث لا توجد بقعةٌ من الأرض إلا وقد بلغها هذا الصوت.

لقد ذكرتُ لكم بعض التفاصيل لبرامج تبثُّها القناة الفضائيّة الإسلاميّة الأحمدية لإبراز أمرٍ مهم وهو: أنه بقدرِ ما تبعث فينا هذه القناةُ المباركةُ السرورَ والسعادة وعواطف الشكر لله ، بقدرِ ما تُلقي على أكتافنا مسئولياتٍ كبيرة أيضًا.

لقد بذلتِ الجماعة الإسلامية الأحمدية قُصارى جهدها وحاولت قدر المستطاع لتوسيع نِطاق القناة الفضائيّة الإسلاميّة الأحمدية ودائرة مُشاهديها عن طريق تهيئة الصحون المستقبِلة. وتقول التقارير التي وصلتنا إلى الآن إنّ عددًا كبيرًا من أبناء الجماعة تمكَّنوا بفضل الله تعالى من تركيب الصحون، وبالتالي يستطيعون مشاهدة برامج تبُثُّها المحطة الإسلاميّة الأحمدية وكذلك يستطيعون أن يسمعوا مباشرةً صوت الخليفة الذي من شأنه أن يوحِّدهم. ذلك الصوت نادرًا ما كان يصل إلى آذانهم من قبل، أصبح الآن يطرقُ أسماعهم كل يوم بل كل لحظة دون انقطاع. إنّه لفضلٌ عظيمٌ من الله القدير علينا وليس بوسعنا أن نؤدِّي حقَّ شكره ولو قضينا حياتنا كلها شاكرين حامدين.

ولكن إلى جانب ذلك هناك بعض المشاكل التي تُطلُّ برأسها ولا بدَّ أن نأخذها بعين الاعتبار.

المناطق التي تصلها هذه البرامج يجب أن نوسِّع فيها دائرة مشاهديها بالحكمة. من الأحمديين من يَشرَعون -إما لسذاجتهم أو لحماسهم المفرط للتبشير- يدعون الناس لمشاهدة برامج محطتنا المذكورة. قبل أن يستعرضوا مدى إخلاصهم وصدقهم ودون أن يعرفوا جيدًا إذا كان الذي يدعونه شريفًا أم شريرًا، مخلصًا أم مُنافقًا، صادقًا أم كاذبًا. فقد حدث عدّة مرات أن المدعوِّين يأتون بنيّة التجسُّس على الجماعة وفَورَ خروجهم من بيوت الأحمديين هناك يتّجهون إلى مخافر الشرطة ليرفعوا تقارير مزوَّرة تزعم أن الأحمديين يقومون بنشاطات تبشيريّة عن طريق القناة الفضائيّة الإسلاميّة الأحمدية، فيطالبون بإلقاء القبض عليهم. ويقولون بعض الأحيان إنّ هذه المحطة تبثُّ برامج خليعة (والعياذ بالله). ولقد حدث أكثر من مرّة أنّ الرُعاع حاصروا المكان الذي كانت القناةُ الفضائيّة الإسلاميّة الأحمدية تُشاهَدُ فيه ورَشقوهُ بالأحجار، وهكذا تَسُدُّ الحكومة قهرًا هذا الطريق للهداية. لاشكَّ أنّ هذا يحدث في مواضع قليلة لكن مما لاشكَّ فيه أيضًا أنّه كلما يحدث يُسبِّبُ لنا ألمــًا وقلقًا. وعلى أيّة حال يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّه من الممكن لنا الوصول إلى غايتنا المنشودة مُتحاشينَ هذا الوضع المحرج أيضًا.

لذا، أولاً: يجب على الذين يسمعون كلامي مباشرةً أن يُبلِّغوه للآخرين ويُعيروا للحكمة والرزانة في نشاطاتهم اهتمامًا أكثر من ذي قبل. ولا أقول للمشاركين في مجلس الشورى أن ينقلوا كلامي هذا إلى أوساطهم عند العودة إلى أوطانهم، لأنّ صوتي يكون قد وصل مباشرةً إلى كلِّ مكان قبل عودتكم إلى دياركم. وبما أنّ لكم علاقةً مباشرة بأمور إداريّة لذا عليكم أن تسهروا على هذه الأمور من حيث الإدارة. أمّا فيما يتعلَّق بأبناء الجماعة الآخرين فإنّهم يسمعون صوتي مباشرة ويُنفِّذون تعليماتي لهم ولن يزالوا كذلك بفضل الله تعالى.

ثانيًا: الأمر الثاني الذي تتضمَّنه الآية هو: أنّ جانب اللين الذي وردَ ذكره عن النبيّ ، يؤدِّي حتمًا إلى نتيجة فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ .. أي الذين لِنْتَ لهم والذين أحببتهم حُبًّا جمًّا لم تكتمل تربيتهم بعد، وقد تصدر منهم بعض الأخطاء لذا عامِلْهم عندها معاملةً ليّنة. ولو بطشتَ بهم بطشًا قاسيًا لابتعدوا من حولك شيئًا فشيئًا.

لقد سَلَّطتُ فيما مضى ضوءًا وافيًا على موضوع اللين والتقريب، ولا يعني ذلك مُطلقًا أنّ النبي ما كان يسخطُ على الذين كانوا يحاولون الحيلولةَ دون تنفيذه أوامرَ الله أو الذين كانوا يُقرُّون بلسانهم أنّهم غِلمان محمد وفي الوقت نفسه كانت تصدر منهم بعض الأخطاء أيضًا، إذ كانوا لا يؤدُّون حقَّ الطاعة في بعض الأحيان. إنّ تاريخ الإسلام حافلٌ بمثل هذه الأحداث أو على أقل تقدير توجد في التاريخ الإسلامي أحداثٌ حتمًا تفيد أن النبي أظهرَ سخطه أحيانًا على أصحابه أفرادًا، وأحيانًا أخرى سخِطَ على جماعاتٍ منهم. وكان سُخطهُ يصدر عن عزمٍ صميم يبدي مفعولَهُ على عكس لِيْنِهِ القلبيّ. أي بما أنّ سخطه وغضبه أيضًا كان لله تعالى لذا كان دائمًا يعتمد على مرضاة الله حتى لإظهار سخطه أيضًا. ولم يكن من الممكن إطلاقًا أن يغضب النبي على أحد ولم يشعر له بالكرب في قلبه. مما يعني أنّه كلما سخط الرسول على أحد شعر له بالألم والكرب في قرارة قلبه. لا شكَّ أنه كان يشعر بالألم القلبيّ على مثل هذا الوضع، فمن جرَّاء ذلك كانت الدعوات تتصاعد في حقِّهم من أعماق قلبه. هذا هو الموضوع الذي له علاقة بـ فَاعْفُ عَنْهُمْ .

ثم يقول الله تعالى وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ . مما يعني أنّ العفو وحده لا يكفي ما لم يستغفر لهم مرارًا. لاحِظوا كم هو مثيرٌ للاستغراب هذا الأمر! إذ يبدو في بادئ الأمر وكأن شخصًا يُحمَّل مسئوليةَ ما اقترفه غيره. أي يقترف أحد الناس ذنبًا ويُطلب من النبي أن يستغفر!! ولكن الحقيقة أننا لا نستطيع إدراك مدى رحمته ما لم نفهم هذا السر. إنّ النبي قد استغفر على ذنوبٍ ارتكبها أهل الأرض جميعًا. وفي ذلك درسٌ للنصارى بمعنى أنّه ليس ثمّة كفارةٍ للذنوب إلا الاستغفار، لأنّ الاستغفار يمحو الذنوب جميعًا. أما لو حُمِّلَ أحدٌ وِزرَ ذنوب غيره فإنّها لا تنمحي بل تزداد لأنّ صاحبها يتشجَّع عليها أكثر فأكثر. وإذا قلتَ لأحدٍ، ارتَكِبْ ما شئتَ من الذنوب والمعاصي وإنني سوف أحمل وزرها، فكيف تسقط ذنوبه بهذا القول؟ بل إنّه سوف يتشجَّع على اقترافها أكثر من ذي قبل. أما الاستغفار -إذا لقيَ القبول في حضرة الله تعالى- فإنّه يقضي على الميل إلى الذنوب حتى تتوارى تحت الثرى. ومن ثَمَّ يصبح مثل هذا الشخص جديرًا بالاعتماد عليه بفضل الله تعالى نظرًا إلى صفاء قلبه وخلوص نيّته. وإذا تمَّ كل ذلك عندها يمكن استشارتهم، إذا لا يأمر القرآن الكريم إطلاقًا باستشارة الخائنين ومَنْ ليس له إيمانٌ. لذا ينبغي أن تفهموا هذا الأمر جيدًا أنّكم حين دُعيتم للاشتراك في مجلس الشورى فقد دُعيتم في ضوء هَدي القرآن الكريم هذا.

ثم يقول الله :

وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ

أي طهِّرهم أوّلاً واجعلهم مؤهَّلين لتقديم المشورة، وعندما تأهَّلوا لذلك فشاورهم. ولاشكَّ أن الاستشارة تتسبَّب في تعزيز العلاقات أكثر بين الجانبين وهكذا تتوسَّع دائرة مضمون لِنْتَ لَهُمْ أكثر. لأنّه كلما يستشيركم أحدٌ في أمرٍ ترون فيه شرفًا لكم وتشعرون في قرارة قلوبكم أنّكم بذلك نِلتم شرفًا وإكرامًا من قِبَلِه. وإذا كان المستشار الحائز على هذا الشرف والإكرام قد تطهَّر وتزكَّى مثل الصحابة y الذين طهَّرهم النبي ، ازداد حُبًّا للمستشير كما كان الصحابة y يزدادون حبًّا له لدى استشارته إيَّاهم.

هذا هو نظام الشورى الذي ننوي إحياؤه في العالَم كله. وهذا هو نظام الاستشارة الذي ينبغي أن يتراءى كنموذج في مجلس الشورى المنعقد في ربوة بباكستان.

إذًا فانطلِقوا متمسكين بهذا النموذج كقُدْوةٍ لكم لأنّ عامة الناس في كثير من الأحيان يسمعون هذه الأمور ولكن لا يقدرون أن يقدِّموا أسوتهم في هذا الصدد. أما فيما يتعلَّق بأعضاء مجلس الشورى فيتوجَّب عليهم أن يقدِّموا أسوتهم في هذه الأمور بعد استيعابها جيدًا لأنّهم أيضًا سوف يقومون بالاستشارات عند عودتهم إلى أوطانهم.

وهناك موضوعٌ آخر أيضًا أُريد ان أوجِّه أنظاركم إليه بشكل خاص وهو: إنّ الاستشارة ليست مقتصرة على مستوى المركز فحسب بل تتم الاستشارة على كل المستويات. فمن المعروف أنّه قد تمّت الاستشارة مع أفراد الجماعة الذين هم مؤهَّلون لها قبل أن يُسافر ممثلوهم إلى المركز. وعلى غِرار ذلك فإنّ هؤلاء الممثلين سوف يعقدون جلسات الشورى الصغيرة النموذجيّة لدى عودتهم إلى مراكز الجماعة المعنيّة، لأنّ الجميع الذين قد أقاموا صِلاتِهم معي عبر القمر الصناعي، رغم أنّهم يسمعون الآن خطبتي مباشرةً في كافة أنحاء العالَم ولكنهم لا يعرفون شيئًا عمّا جرى في جلسات شوراكم في المركز. فالأمر الذي أُنبِّهكم إليه هو: أنّكم لستم مطالَبون بنقل كلامي هذا إليهم مرةً أخرى بل إنني أَلفِتُ أنظاركم إلى أن تسمعوا كلامي جيدًا حتى يصبح جزءًا لا يتجزَّأ من حياتكم. كذلك استوعِبوا كلَّ ما انطوت عليه جلسات الشورى في ضوء توجيهاتي واحفظوه في صدوركم. ثم عندما تعودون إلى مراكزكم المعنيّة يجب أن تعقدوا جلسات الشورى مثل التي عُقِدت في مركز الجماعة قبل مغادرتكم من هنا، وحاولوا أن يشترك في هذه الجلسات كل فرد من الجماعة المحليّة. واشرحوا لهم أنّه كانت هناك بعض المقترحات التي تقدَّمت بها مراكز الجماعة المختلفة ولكن بعضها كانت خالية من الحكمة ولم تكن صالحة للتنفيذ في الظروف الراهنة، ومن ثَمَّ لم تكن جديرةً بالنقاش لأنّها سبق أن قُدِّمتْ إليَّ وكنت قد أعطيت التعليمات بخصوصها بالتفصيل بعد دراستها المتأنِّية، فليس من المعقول أن تُطرح المقترحات نفسها على بساط النقاش في مجلس الشورى مرةً أخرى. والذين يفعلون ذلك فكأنّهم يريدون كسبَ الشهرة البحتة ويرغبون في أن يتركوا انطباعًا أننا أيضًا نملك بعضًا من أفكارٍ جيدة بحيث يجب أن تنفِّذوها أيضًا. لذا يجب أن تشرحوا الأمر جيدًا لمثل هؤلاء الناس وتقولوا لهم أن ما تملكونه من أفكارٍ جيدة قد أخبرنَا بها الخليفة مرارًا وتكرارًا ومنذ سنين طويلة. ليس من أساليب المشورة الـمُحَبَّذَة أن يتقدَّم أحدٌ باقتراح ثم يقول، هذا اقتراحٌ جيد يجب أن تتأمَّلوا فيه وتروا هل ينبغي تنفيذه أم لا؟ بل الـمُحبَّذ في هذا الصدد أن يتقدَّم الإخوة باقتراحات عن كيفيّة تنفيذ القرارات السابقة التي تمَّ اتِّخاذها. هذا هو الأمر الذي يجب التفكير فيه.

ثم يقول الله فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ . وهذا الجانب من العزم كما كان يتعلَّق بالنبيّ كذلك يتعلَّق بكم أيضًا، بمعنى أنّه عندما توصّلتم إلى قرارٍ حاسم ووافق عليه المركز أيضًا فنفِّذوه بالعزم. والمراد من العزم هنا هو التصميم القوي والإرادة الصارمة التي يستحيل التراجع عنها. نعم، ذلك العزم الذي لم يكن من الممكن أن يتزلزل بشكلٍ من الأشكال. والسبب لهذه الصرامة في العزم مذكورٌ في قول الله تعالى: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ . والعزم الذي توكَّل صاحبه على وجودٍ عظيم قوي وتدعمه قوة جبارة، فإنّ مثل هذا التوكل لا يمكن أن يتزلزل بشكلٍ من الأشكال. نعرف كثيرًا من أهل العزائم القوية -وعالم السياسة زاخرٌ بأمثال هؤلاء- الذين يُبرمون أمرًا ويُعلِنون بأنّهم سيمضون قُدمًا بقرار كذا وكذا ولن يتراجعوا عنه أبدًا، ولكن حين انقلبت الأوضاع في يومٍ ما لم يبقَ لهم مُعين ولا نصير، وبالتالي لم يجدوا بُدًّا من التراجع عن قراراتهم مُكرَهين فنقضوا عزائِمهم بأنفسهم.

لكن لا يوجد في حياة النبي ولا حادثٌ واحد يُفيد أنّه حسمَ الموقف في أمر وعقد العزم ثم تراجع عنه. والسبب في ذلك مذكورٌ في الآية نفسها فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ . والمعروف أنّ عزمه ما كان ناجمًا عن غطرسة أو عجرفة شخصيّة. فلا بُدَّ أن نستنتج من هذا أنّ رسول الله ما كان يملك العزم القوي فحسب، بل يؤدِّي بنا إلى أنّ إيمانه أيضًا وثقته بالله كانت قويةً جدًا. وكلما عقد حضرته العزم على أمرٍ عقده لمرضاةِ الله، وكان يؤمن إيمانًا قويًا أنه يعقد العزم لوجه الله تعالى الذي هو قادرٌ ومقتدرٌ على كل شيء.. فلم يكن من الممكن بعده إطلاقًا أن يتراجع حضرته من عزمه.

فعلينا نحن أيضًا أن نعقد مثل هذه العزائم القوية المذكورة آنفًا متوكِّلين على الله تعالى. وبقدر ما تكون عزائمنا مُتحليّة بالتقوى بقدرِ ما نزداد توكلاً وثقة بالله. لو كانت العزائم خاليةً من التقوى لكانت خاليةً من التوكُّل على الله نهائيًا. فكل قرارٍ تتوصلون إليه يجب أن يكون مبنيًّا على روح التقوى، وكل اقتراح تتقدَّمون به يجب أن يكون مصحوبًا بروح التقوى. وحين تفعلون كل ذلك بروح التقوى عندها تدخلون في موضوع التوكل على الله، فلن تكون هناك أيّة إمكانية -بعيدة ولا قريبة- لتراجعكم عن قراراتكم. الآن لقد عقدتم العزم أنكم سوف تمضون قُدُمًا بدعوة الأحمديّة في باكستان لا محالة، ولكن هناك قوانين قاسية وغاشمة جدًا تتصدَّى لكم لدرجة تسمح بالظالمين للدخول في بيوتكم والتعدِّي عليكم. وهذا هو الأمر الذي له علاقة بالعزم، بأن تقولوا للغاشمين المعتدين أنِ افعلوا ما أنتم فاعلون ضدنا، أما نحن فلن نُعطيكم فرصةً مشروعة للظلم مثل النبي الذي لم يُعطِ قطّ لمعارضيه فرصةً مشروعة للمعارضة. كذلك لن نُعطيكم نحن أيضًا فرصة ولكن مع ذلك نعرف جيدًا أنكم لا بدَّ أن تقوموا بمعارضتنا غير المشروعة. ومعارضتكم هذه غير المشروعة لن تحول دون مشاريعنا المشروعة ولن تسُدَّ طريق عزمنا المشروع ولن تقدر على أن تُزلزل توكُّلنا على الله تعالى.

هذا هو الأمر الذي أحاول إفهامكم إياه عبر الرسائل الموجَّهة إليكم وعبر الخطب أيضًا، ولكنه لطريقٌ في مُنتهى الصعوبة ولا يقدر الكثيرون على أداء مُتطلّباته. وإيجاد التوازن بين هذين الأمرين يقتضي الحكمة والفراسة التي تنبثِقانِ عن التقوى والإيمان. لذا ينبغي مراعاةُ التقوى والاهتمامُ بها كثيرًا لأنّها هي غايتنا المنشودة وبيت القصيد. يجب على كل أحمدي في باكستان أن تتحقَّق في شخصه آمال سيدنا الإمام المهدي بالنسبة إلى تحلِّيه بالتقوى. ومن هذه الناحية يتحتَّم على أعضاء مجلس الشورى أن يستعرضوا الأمور بعيونٍ مُبصرة عند عودتهم إلى أوطانهم، إذ أُلاحظ أنّ كثيرًا من الناس لا ينتبهون جيدًا إلى هذه الناحية ولا يصحون بل يظلون غافلين. وهناك عددٌ لا بأس به من فروع الجماعة حيث الحائزون على مستوى التقوى المطلوب ليسوا في أغلبية، بل هم قلائل. ومن ناحيةٍ ثانية تجدون كثيرًا من المتقدمين بالمقترحات باسم التقوى. هذه هي المشكلة التي تواجهنا كالأسد الكاشر عن أنيابه، ولا بدَّ لنا إلا أن نُعلن الجهاد ضدها. ولا يمكن القيام بهذا الجهاد دون فتح العيون.

يقول سيدنا الإمام المهدي في أحد مؤلّفاته: “بأيِّ دفٍّ أُنادي بينَ الناس”، كذلك أنا أيضًا أواجه المشكلة نفسها، حين أشرح لكم الأمور تأسيًّا بأُسوةِ النبي واتِّباع الإمام المهدي أرى في بعض الأحيان أمامي -أثناء الكلام- وجوهًا توحي ملامحها أنها لم تستوعب الموعظة بل مرّت بهم مرَّ الكرام، ولم يهزُّوا قلوبهم لدرجة حتى تنفتح عيونها. وما لم تنفتح العيون بهذا المعنى لن تنالوا ذلك التقدُّم الذي وعدنا به القرآن الكريم.

فَهُزُّوا كيان أبناء الجماعة بالمثابرة ليلَ نهارَ في كل مكان مُذكِّرينَ إيّاهم بهذه المبادئ السامية حتى تنفتح عيونهم، قولوا لهم إنكم لستم مُتَّقين في حياتكم اليوميّة، لستم قائمين على التقوى في معاملاتكم. هذه المشاحنات التافهة، والركض وراء المنافع الدنيويّة، والرغبةُ عن الدين، والخصومات التافهة على أموال الإرث، هل تتماشى كل هذه الأمور مع صفات المتقين؟ كلّا، من المستحيل أن تصدر هذه الأمور من المتقين. المشاجرات التي تعمُّ جميع مجالات الحياة إنْ دلّتْ على شيء فإنّما تدلُّ على أن التقوى قد طُلِّقتْ من كافة مجالات الحياة طلاقًا باتًا. هذا الشعور النابع من الوعي الكامل يجب أن يُحدث هزّةً قوية وزلزالاً شديدًا في كيانكم. إنني أُؤكِّدُ لكم أنّه إذا استيقظ هذا الشعور والوعي مرةً في الوجدان، فإنّ النفس تكادُ تزهق من خشية الله تعالى بحيث يُعيدُ المرء النظرَ في أعماله اليوميّة ويُحاسب نفسه، فيعرف أنَّ أعماله لا تُصدِّقُ أقواله. لاشكَّ أنه يحاول أن تنسجم أعمالُه مع أقواله ولكنه لو كان مُتقيًا وصادقًا في محاسبة نفسه لعرف أنه لا يزال هناك بُعدٌ شاسعٌ بين أعماله وأقواله. إنّكم إذا استوعبتم هذه الأمور بالوعي الكامل سوف تنالون تقدُّمًا ملموسًا دون عوائق.

تصلني أخبارٌ من باكستان عن الاعتداءات القاسية على أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية لمجرّد انتشار الجماعة هناك، وتكاد نفوسُ المشائخ تُزهق خوفًا من انتشار الجماعة انتشارًا واسعًا لدرجة لن يقدروا على وضع الحدود عليه. المشائخ يخافون الأحمديين من هذه الناحية، أما أنا فيُقلقني التفكير فيما إذا كان المبايعين الجدد مُخلصين وصادقين أيضًا أم لا.. وهل هم بالفعل يصلُحون للانتماء إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية؟ وما هي الوسائل التي تستخدمها الجماعة لتداركِ الموقف؟ إنّ ما يهمُّ المشائخ غيرَ ما يهمُّني. ما يهمهم هو العدد فقط. لا يهمهم أبدًا إذا كان الذي يرتدُّ (عن الأحمديّة) وينضمُّ إلى صفوفهم صالحًا أم طالحًا، إذ لم يحدث في باكستان كلها ولا مرة واحدة حيث ارتدَّ أحدٌ عن الأحمدية بإغواء المشائخ ثم بذل المشائخ أدنى جهودهم لرفع مستواه في البِرِّ والتقوى. وكيف يمكنهم ذلك إذ ليسوا هم أنفسهم من أهل البرِّ والتقوى؟ إذًا فالمشائخ يتركُونهم وشأنهم ويُسلِّمونهم للشيطان، الأمر الذي يُبرهن قطعًا أنّ خروجهم عن حظيرة الأحمدية كان ارتدادًا عن الإسلام في الواقع وليس اعتناقه. لأنّه من المعلوم أنّ الارتداد يزيد القلوب خُبثًا وسوءًا، بينما الاعتناق بالإسلام يُطهِّرها من أوساخ الذنوب. وهذا البعد الشاسع يتراءى جليًّا في باكستان في كل حدبٍ وصوب بمنتهى الوضوح، ولن تجدوا ولا حالةً واحدة خارجة عن نطاق هذا المبدأ. كلما أغوى المشائخ أحدًا عن الجماعة الإسلامية الأحمدية لم يزدد هو بِرًّا وتقوى.. بل ظلّت حالته الدينيّة تتحول من سيئة إلى أسوأ كل يوم، وبدأ يُمارس البذاءة والشناعة في كل تصرُّفاته، وطلَّق الأمانة والتقوى والورع والبِرّ بل الخيرات كلها طلاقًا باتًّا، وتحرَّر من جميع المسئوليّات الدينيّة إثر خروجه من الجماعة الإسلامية الأحمدية. إذ كان الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر والمسئوليات الدينيّة الأخرى تُثقلُ كاهله حين كان ضمن دائرة الأحمدية. وما يقدِّمه المشائخ إلى الناس خارج نطاق الجماعة الإسلامية الأحمدية ويُحاولون إغراء الأحمديين إليها أيضًا، هي جَنَّةٌ للكافر ورد ذكرها في الحديث الشريف القائل “الدنيا سجنٌ للمؤمن وجَنَّةٌ للكافر” (صحيح المسلم). كلما أعدتم النظر في الأحداث السائدة شاهدتم المشاهد نفسها دون استثناء.

إنني أُؤكِّدُ لكم أنّه إذا استيقظ هذا الشعور والوعي مرةً في الوجدان، فإنّ النفس تكادُ تزهق من خشية الله تعالى بحيث يُعيدُ المرء النظرَ في أعماله اليوميّة ويُحاسب نفسه، فيعرف أنَّ أعماله لا تُصدِّقُ أقواله. لاشكَّ أنه يحاول أن تنسجم أعمالُه مع أقواله ولكنه لو كان مُتقيًا وصادقًا في محاسبة نفسه لعرف أنه لا يزال هناك بُعدٌ شاسعٌ بين أعماله وأقواله.

أعرف شخصيًّا أُناسًا كانوا على قدر من الشرافة والنُبل ما داموا ضمن حظيرة الأحمدية ولكنهم حالما خرجوا من الأحمدية استولت النحوسة على وجوههم وجعلت رؤيتهم تبعثُ على القرف والاشمئزاز وسوَّدتِ الذنوبُ وجوهَهم. هذه إحدى الميزات التي يمتاز بها الأحمديون عن غيرهم. فأعيروا لها اهتمامًا دائمًا. لذا فكلُّ من ينضمُّ إلى صفوف الأحمدية يجب أن تُشرفوا عليهم كي تتحسَّن حالتهم الإيمانيّة. التفُّوا حولهم واجعلوهم أحمديين حقيقيين. لقد انضمَّ في السنوات الأخيرة عددٌ لا بأس به من الناس ولم يتحلَّ بعضهم بالتقوى كما يجب. ولَمَّا استفسرتُ المسئولين عن أحوال هؤلاء المبايعين الجدد وعن كيفيّة اشتراكهم في نظام التبرُّعات، وهل إنّهم من الشجاعة والجُرأة بحيث يستطيعون تسجيل أسمائهم في الإحصائيات كمسلمين أحمديين أم لا؟ فأساء المسئولون فَهْمَ هذا الاستفسار أيضًا وبدأ السباق بين فروع الجماعة لملء الاستمارات المحتوية على المبايعين الجدد لدى الإحصاءات، ظنًّا منهم أنهم بهذه الطريقة سوف ينالون مدحًا وثناءً مني وسيُقال: إنّ فُلانًا وعلّانًا وفرع الجماعة كذا وكذا قد قام بنشاطات تبشيرية لا تُضاهى، إذ أثبتت الإحصائيّات أن عددًا لا بأس به قد دخل الأحمدية بفضل مساعيهم. ولكن هذا الوضع أدّى في بعض المناطق إلى الاضطرابات، وتعرَّض الأحمديون الأبرياء للاضطهاد والتعذيب، وأُشعِلت النيران في بيوتهم ومحلّاتهم التجاريّة. وكنتُ متأكِّدًا من أنّ أسباب هذه الاعتداءات ناتجةٌ عن أخطائنا نحن الأحمديين. لذا استجوبتُ المسئولين بالإصرار والتكرار عن كثيرٍ ممن سُجِّلوا كأحمديين قبل سنتين أو ثلاث، وقلتُ: هل تبرَّع أحدهم ولو بقرشٍ واحد طوال هذه الفترة، وهل دخل مسجدًا أحمديًّا للصلاة ولو لمرةٍ واحدة؟ في البداية حاول الذين استفسرتُهم اللجوءَ إلى اللفِّ والدوران وحاولوا الإعراض، ولكنني -وكما يجري الحديث عن العزم- أملكُ والحمد لله عزمًا صميمًا ولا أترك الأمور على عواهِنها بل أَصِلُ قلبها ولُبَّها. فراسلتُهم بالتكرار حتى لم يجدوا بُدًّا من الردِّ على أسئلتي، وكان الردُّ على النحو التالي: أنّ الشخص المذكور منذ أن دخل الأحمدية مع عائلته، لم يتبرَّع ولا بقرشٍ واحد، ولم يدخل مسجدًا أحمديًّا ولا حتى مسجد غير الأحمديين، وإذا حضر صلاة الجمعة مرةً فكان حضوره صُدفةً فقط. مما يعني أنّه لا علاقة له بالأحمديّة بتاتًا، أو بالأحرى لم تبلغه رسالة الأحمدية أصلاً. فقلت لهم: فإذا كنتم تُبشِّرون من أجل التجنيد والإكثار في العدد فقط فهذه أول لَبنةٍ وضعتموها مُعوَّجَةً، ثم لو أقمتم البناء على هذه اللَبِنة المعوَّجَةِ سيكون البناءُ كلّه مُعوّجًا ولو ارتفع إلى عَنانِ السماء. لذا هناك حاجةٌ مُلِحّة لسبر أغوار التقوى. فلا يقومنَّ أحدكم بالتبليغ بنيّة التقرُّب منّي أو للرياء. ولا شكَّ أنّ بعض الدُعاة يُطلعونني على نشاطاتهم التبشيرية ليكسبوا -والله أعلم بما في صدورهم- دعواتي وتضرُّعاتي في حضرة الله. أمّا إذا كانوا يُخبرونني لكسب الثناء والمديح مني ولكي يُحمَدوا بما لم يفعلوا فَيُعَدُّوا من المتقين، فليَعلموا أنّهم لن يُكتبوا متقين عند الله تعالى. والذين انضمُّوا إلى الأحمديّة عن طريقهم سوف يخذلونكم في نهاية المطاف، ولا سيما حين كان المشائخ حريصين على أن يُثبتوا في الإحصائيّات أنّ عدد الأحمديين قليل، ويدعم المشائخ وزيرٌ حكومي ويوجِّه إليهم التوصيات بصورةٍ مستمرة في هذا الصدد، ويأمر موظّفي الحكومة وضباطها أنّه كلما رفع المشائخ إليهم تقريرًا بهذا الخصوص فليُلقوا القبض على الأحمديين على الفور ويُمارسوا كل نوعٍ من الظلم والاضطهاد عليهم، ويزجُّوا بهم في السجون، ويُكرِهُوهم على الارتداد عن الأحمدية. كل هذه المحاولات تتمُّ على صعيد الواقع، وعندي شواهد قاطعة على أنّ هذا الوزير -الذي يُكنّى بما معناه “السُلطان”، والذي في الحقيقة لا يستحق أن يُطلق عليه صفة الإنسان أيضًا- يخدع العالَم كله ويستشير المشائخ المتعصبين ويأمر الأجهزة الحكوميّة بممارسة الاعتداء على الأحمديين. وعندما يتصل الأحمديون المنزعجون من أوامره البغيضة، بالمسؤولين الكبار ليوضِّحوا لهم الموقف وليُميطوا اللثام عن الحقائق عندها نعرف بما يجري هناك، إذ يوضَّح المسئولون الحكوميون للأحمديين ويقولون لهم مُعتذرين، إننا مُكرَهون ومرغَمون على تنفيذ الأوامر الصادرة من الجهات العُليا. وبالرغم أنّهم لا يُصرِّحون باسم مصدرِ هذه الأوامر ولكن مصادر معلوماتنا الأخرى ترمز بكل تأكيد وثقة إلى شخص معين. كما يُثبتُ الأمرَ نفسه ثرثرةُ المشائخ الذين يُعلنون بكل صراحةٍ وتباهٍ أنّ هذا الوزير المذكور آنفًا (راجه ظفر الحق) قد أمرنا بهذا ووعدنا بدعم الحكومة إيّانا. فثرثرة المشائخ وتفاخرُ بعضهم على بعض يساعدنا للحصول على مثل هذه المعلومات. على أية حال يعترف المسئولون الكبار بأنهم لا يملكون شيئًا حيال الأوامر الصادرة من الجهات العُليا، إلا أنّ الضباط المنفِّذون لا يكونون ثرثارين في معظم الأحيان بل يُصرِّحون بأنهم مُكرَهون لتنفيذ الأوامر. ثم يتقدَّم المشائخ لمساعدتنا على غير قصدٍ منهم وكأنهم يقولون بلسان حالهم، اسألونا إن كنتم تُريدون الاطِّلاع على شيء نحن سنُخبركم من الذي يُصدر هذه الأوامر، وماذا يجري على ساحة الأحداث.

الحقيقة أنّ هذه الأحداث جلبتَ لي فوائد جمّةً، إذا أُتيحت لي الفرصة أن أُركِّز على تربية المبايعين الجدد أكثر من ذي قبل. ومن ناحيةٍ ثانية عثرتُ على كثيرٍ من الذين كانوا قد قاموا بالتبشير للرياء وليُحمَدوا بما لم يفعلوا. فيتحتّم على المركز في ضوء تعليماتي الحالية أن يستعرض ويتقصّى جيدًا عند تخطيط البرامج التبشيريّة أحوالَ من يدَّعي التبشير الناجح، ويتفقّد كيفيّة أعماله ونشاطاته الدينيّة الأخرى، فيما إذا كان نشيطًا في دفع التبرُّعات وأداء الصلوات أيضًا. ستلقُون الجواب في كثيرٍ من المرّات بالنفي، وستعرفون أن محور نشاطاته محصورٌ في التبشير، وأنّه يُبشِّر الآخرين فقط ولا يُبشِّر نفسَهُ. فكل هذه الأمور نتيجةٌ لعدم إدراك مغزى التقوى وعن عدم الإمعان العميق في معاني الآيات التي قراتها عليكم في مُستهلِّ الخُطبة.

وعندما أنصحكم بأخذ الحيطة والحذر في باكستان فلا يعني هذا أن تتوقّفوا عن النشاطات. اعلموا أنّ الذي يُعلن على الملأ أنّه أحمدي مسلم ثم بعد انضمامه إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية يبدأ بتقديم التبرُّعات -وإن كانت ضئيلة- ويولي اهتمامًا بالصلاة تدريجًا، علمًا أنّه ما كان يُصلي من قبل، فهو منّا، وبالرغم من أنه لم يبلغ درجةً روحيّة مرموقة بعدُ ولكنني واثقٌ من أنه سوف يتقدَّم إلى الأفضل خطوةً خطوة وسوف يكتبه الله تعالى في زمرة المتوكِّلين الحقيقيين الذين لا يعتمدون على مساعيهم بل يتوكَّلون على رحمة الله .

المشكلة أنّه عندما أشرح هذه الامور، قد يُسيء البعض فهمَ ما قلتُ وينسحبونَ تمامًا عن العمل ظنًّا منهم أنهم وقعوا في خطأ فيما سبق إذ لم يكن لهم أن يطلبوا من أحد الانضمامَ إلى الجماعة لدى الإحصائيّات. أنا لا أقصد هذا بتاتًا. فإذا كان تقريركم الأول القائل إنّ شخصًا كذا وكذا أحمدي حقيقي صائبًا فلا يجوز لكم الانسحاب منه الآن، ولا تستطيعون الفصلَ بين هذين الأمرين. إذا كانت التقارير التي وصلتني وصدَّقتُها أنا صائبةً فعلاً، فلا بدَّ أن تُسجِّلوا المبايعين الجدد أيضًا  كأحمديين في الإحصائيّات، وإلا فاعلموا أنّ تقاريركم الأوليّة كانت كاذبة. والآن تواجهكم هذه المشكلة وتفرض عليكم أن تتمسَّكوا بأحد الأمرين المذكورين. وإذا أردتم كليهما فبصدق المقال. حيثما كان المبايعين الجدد صادقين في بيعتهم سيكون تصنيفهم كأحمديين في الإحصاءات أيضًا صادقًا. فبمراعاة هذه التعليمات يجب الآن تسجيل أسماء المبايعين الجدد -الذين لم تسجل أسماءهم بعد- في الإحصاءات كأحمديين.

هناك جوٌّ من الفساد والاضطرابات في كافة أنحاء باكستان ضد الإحصائيات الجارية على مستوى البلد. والمسئولون لا يتراءى لهم إلا اشتراك الأحمديين في الإحصاءات أو امتناعهم عنها ولا يعرفون أنّ الأرضيّة التي كان عليها أساس الإحصاءات قد اهتزَّت وانقلبت. إنّ المشائخ يُثيرون ضجةً ضدنا ثم بأنفسهم يعترضون على الإحصاءات لأنهم يعلمون جيدًا أنّ أمر عدد مُريديهم سوف يُفتَضَحُ هكذا. على أيّة حال يجب علينا نحن أن نأخذ الحيطة بعين الاعتبار في صدد تسجيل الجدد مستفيدين من تجاربنا الحالية.

كنتُ قد اقتبستُ أحاديثَ كثيرةً تتعلَّق بموضوع الشورى وأردتُ شرحها لكم، ولكن تفسير الجزء الأول من هذه الآية لم يترك لي مُتّسعًا من الوقت حتى أتناول تلك الأحاديث، غيرَ أنني سأقرأ عليكم تبرُّكًا في هذه الدقائق الأخيرة من الخطبة، حديثًا واحدًا من الأحاديث التي تتعلَّق بنظام الشورى، فقد ورد في الحديث الشريف:

“يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ” (سنن الترمذي، كتاب الجهاد)

إنّ النبي الذي كان اللهُ تعالى هاديهِ ومرشِدَهُ كان يستشيرُ أصحابَهُ كثيرًا امتثالاً لأمر الله وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ حتى قال أبو هريرة

“مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ “.

إذاً فأَكثِروا أنتم أيضًا من الاستشارة فيما بينكم. من المعروف أنّ الناس يستشيرونَ بمناسبات الزواج وغيرها ولكنهم يُكِنُّونَ في قرارةِ قلوبهم أنّهم لو لم يتلقَّوا المشورةَ الملائمة مع رغباتهم فلن يقبلوها. إنني أُواجه مثل هذه الظروف كل يوم، إذ يستشيرني بعضهم بشأن الزواج ويقول، ما رأيكم في هذا الشاب عريسًا لبنتنا، إنّه شابٌ لطيف وطيّب، وحين أردُّ عليهم: إنني أرى الأمر على عكس ذلك تمامًا، لأنّه لا يُصلّي ولا يتبرَّع ولا يُساهم في نشاطات الجماعة الأخرى، فإذا نبذتم الدين وراء ظهوركم فأنّى لكم أن تظفروا بهناءِ العيش وطمأنينتها؟ فيقول المستشير بلسان حاله: شكرًا لكم، لقد سمعت المشورة ولكنني متأكِّدٌ أنّ الشاب المذكور يُناسب ابنتي. أخبروني الآن هل تجلب هذه المشورة أو مثيلاتها أي نفع؟ إنّ هؤلاء الناس إنّما يستشيرونني بنيّة أنّهم لو وجدوا المشورة مُطابقة لرغبتهم لعمِلوا بها وإلا فلا.

أما النبي فينطبق عليه كِلا الجانبين من الاستشارة، إذ كان يستشير أصحابه بكثرة وهم بدورهم يستشيرونه كثيرًا أيضًا. وفيما يخصُّ المستشيرين فيأمر الله سبحانه وتعالى أنّه إذا أشار عليكم الرسول وأصدر قراره في أمرٍ فلا يجوز لكم أن تتصرَّفوا مُهملينَ مشورته. ولاستشارة النبي جانبان: إنّه يستشير ويُستشار، وحين يستشيره أحد فلا يحقُّ له أن يُعرِضَ عن مشورته . أما إذا استشار النبي أحدًا منهم فيحقُّ له أن يقبل المشورة أم لا، لأنّه لم يكن هناك أحدٌ أعلمُ منه برضا الله تعالى. فهذا المبدأ يظلُّ ساري المفعول في كلتا الحالتين، إذ لكم يكن مسموحًا لـِمَنْ يستشيره أن يردَّ مشورته لأنها كانت مبنيّةً على رضا الله دائمًا.

وحينما يستشير حضرته أحدًا فكان مُخيّرًا في ردِّ المشورة أو قبولها، لأنّه إذا كان جانبًا من جوانب المشورة يُخالف مرضاة الله تعالى فليس هناك أحدٌ أكثر إدراكًا بذلك من رسول الله .

فنظام الشورى الذي يدور كلُه حول شخص سيدنا محمد ليس بوسعي تغطيةُ جميع جوانبه في هذه الخطبة. كنتُ قد جمعتُ مجموعةً كبيرةً من الأحاديث الشريفة التي تُلقي الضوء الوافي على جوانب مختلفة من هذا الموضوع وتشرح لنا عديدًا من أوامر النبي في هذا الصدد، لكنني لا أستطيع بيانها كلِّها في خطبةٍ واحدة، وسأشرح باقي الأحاديث حينما أُلقي الكلمات بمناسبة جلسات الشورى الأخرى في مختلف البلاد.

وفي الأخير نسأل الله تعالى التوفيقَ حتى نُخيِّب متبعين خطوات النبي آمال المشائخ وأمانيهم لوضع العقبات في سبيل تقدُّم الأحمديّة، وندعو الله تعالى أن تزدهر الأحمدية وتتقدَّم على سُبل التقوى دائمًا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك