مفهوم البلاء وفوائده
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِن الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِن الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّر الصَّابِرِينَ (156)

شرح الكلمات:

لنَبْلُونَّكم –البلاء هو إظهار خير أو شر، ويكون ذلك لثلاثة أغراض:

1.أن يزداد المبتلِي علما، مثلما يفعل الأستاذ مع تلميذه فيمتحنه ليعرف مقدار تحصيله وحفظه.

2.ليزداد المبتلي علما ويعرف ما هو حاله، لأن الناس عامة لا يعرفون ما فيهم من صلاحية أو نقص..كما قال الله عن المنافقين (وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)(البقرة: 10).

  1. ليعرف الآخرون حالة المبتلي …مثلما حدث في قصة آدم والملائكة؛ فقد سأل الله آدم ليعرف الملائكة الصلاحياتِ الكامنة في آدم؛ وليس ليعرف الله شيئا لأنه هو العليم الخبير. فعندما تُستخدم هذه الكلمة في حق الله تعالى تكون بالمعنيين الأخيرين، فإذا لم يبتل الإنسان لن يزداد إيمانا ولن يعرف مستواه في الإيمان. [لمزيد من الشرح راجع تفسير قوله تعالى (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)(البقرة: 50)].

الثمرات-الفواكه ونتائج الجهود(الأقرب).

بشِّر-البشارة هي الخبر يؤثر في بَشَرة الإنسان تغيرا، وهذا يكون للحزن أيضا لكن غلب استعماله فيما يفرح (الأقرب).

التفسير:

يذكر الله هنا خمسة أنواع من الابتلاءات والاختبارات، ويؤكد أنكم لن تحظوا بقرب الله ما لم تمرُّوا بها بنجاح. أولها – أنكم سوف تتعرضون لخطر هجوم الأعداء. سوف تقف كل الأمم في وجهكم وتهاجمكم، وستَغضب عليكم الحكومات، وتسعى لمحوكم. هذه أمور يخاف منها الجبناء، وتنهار العزائم عند كثير من الناس ويفقدون حواسهم. يقولون: لقد تحالف القوم والحكومة علينا، وأصدروا قرارات ضدنا، ولا ندري ماذا سيكون مصيرنا.

وثانيا- عندما يتقدم المؤمنون في هذا الابتلاء الأول يمتحنهم الله بالجوع، ليتبين ثبات قدمهم. والمراد من ابتلاء الجوع أن جماعة المؤمنين عندما تجتمع حول المأمور الإلهي يقاطعهم الناس، ويطردونهم من الوظائف، ولا يتعاملون معهم بيعا .وشراء. كانوا من قبل يكتفون بالتهديد ليخاف المؤمنون من الضرر، ولكنهم في الخطوة التالية يفرضون عليهم الجوع والإفلاس عمليا..وذلك مثلما حدث مع رسول الله والمؤمنين عندما حوصروا في شِعب أبي طالب، وكانت قريش لا تسمح بوصول أي نوع من الطعام والشراب إليهم، ولا يتعاملون معهم أبدا. واستمرت هذه المقاطعة لمدة طويلة من الزمن (السيرة النبوية لابن هشام، خبر الصحيفة).

ولا يعني الصبر ألا يهتم الإنسان ولا يغتم، وإنما الصبر ألا يصل به الغم إلى فقدان حواسه وبطلان قوة العقل والعمل فيه. ما أروع وما أسمى هذا التعليم الذي يوافق الفطرة الإنسانية. إن الإسلام لم يمنع من الهَمّ والغم لأنه أمر فطري؛ ولكنه لم يسمح بالجزع والفزع وترك العمل..

وثالثا –يقول الله تعالى إن هذه السلسلة من المصاعب والمتاعب لن تتوقف عند هذا الحد، بل سوف يستبيحون أموالكم. فكأنهم بعد امتناعهم عن البيع والشراء مع المؤمنين.. يخطون خطوة أبعد، فيسلبون المؤمنين ما ادخروه من مال وأسباب.

ورابعا-عندما يجدون أن هذه الخطوة لا تحقق أيضا غرضهم، يعتدون على أرواح المؤمنين. ولكن هؤلاء لا يترددون في تقديم أنفسهم في سبيل الله تعالى.

وخامسا-فعندئذ يهاجمون أولادهم. لقد وجدنا أن بعض الخبثاء يحضرون اجتماعنا السنوي لاختطاف أطفال الأحمديين إيذاء لهم بهذا السبيل.

ومما يدخل في نقص الثمرات أيضا أنهم يحاولون عرقلة جهود المؤمنين ليحرموهم منافع عديدة.

ولنعلَمْ أن الابتلاء يأتي على ضعفاء الإيمان ليعرفوا حالتهم الإيمانية. أما أقوياء الإيمان فإنهم يمرون بالابتلاء ليعرف الآخرون مدى قوة أيمانهم بأنهم لا تزِلُّ قدمهم بعد ثبوتها. فالناس عموما يظنون أن لهم قدما ثابتة في الإيمان، ولكن عند الابتلاء يظهر ضعفهم، فيطَّلعون على نواحي النقص فيهم، ويسعون لعلاجها، وهكذا يصلون إلى الكمال شيئا فشيئا.

يقول الله تعالى: سوف نفرض عليكم ابتلاءات لتنكشف لكم أحوالكم الباطنة، وهي من خمسة أنواع: الخوف، وهو ابتلاء خارجي. والجوع، وهو أذى داخلي. وكأن البعض يُختبرون بأذى خارجي، والبعض يُبتلون بأذى باطني. ذلك لأن هناك من هم مستعدون للقتال، ولكنهم لا يتحملون الجوع. فالجند من الجيش يقاتلون، ولكنهم يتأذون من الجوع، ولذلك يُزودون بشيء من الطعام الجاف كالحمص والتمر وغيرهما ليسد رمقهم. ولكن المؤمن ليس كذلك، فهو مستعد لاحتمال الجوع في سبيل الله كما حصل في زمن الرسول . بعث الرسول ذات مرة بعض الصحابة إلى الخارج، ولم يسألوا من أين نأكل. واقتاتوا على أوراق الأشجار والنبات. وفي مرات أخرى عاشوا على التمر (مسلم والنسائي، الصيد). فيقول الله تعالى: سوف نرى نصيبَكم من الشجاعة والاحتمال..هل ستواجهون العدو بلا خوف، وتتحملون الجوع بلا وهن أم لا؟

ثم هناك من القوم من يتحملون الخوف والجوع.. ولكنهم لا يتحملون الخطر على أموالهم. ومن الناس من يتحملون خطر ضياع الأموال، ولكنهم لا يصمدون أمام الخطر على حياتهم. فيقول الله تعالى إنه لا بد لكم من احتمال الخسائر في الأموال، وفي الأنفس، وأحيانا في ثمرة جهودكم حيث لا تكون حسب آمالكم. ومثال ذلك ما وقع للمسلمين يوم أحُد، فقد قاتلوا الكفار واستُشهد منهم الكثيرون، ولكنهم لم ينالوا ثمرة هذا. ومن نقص الثمرات ما يلحق بالتجارة والصناعة والحِرف من خسائر بسبب الحرب، لأن مثل هذه الخسائر نتيجة حتمية للحروب.

(وبشر الصابرين) الذين يتحملون هذه الاختبارات ويثبتون فيها بقوة على أرض الإيمان..فلا خوف عليهم. إنهم يقولون: لِيفعلِ الناسُ ما يشاءون: فليخوِّفونا أو يقاتلونا أو يقاطعونا أو يهجرونا.. سوف نستمر في تقديم التضحيات في سبيل الله. وإذا نهب العدو أموالهم، أو اعتدى على أرواحهم وسعى لقتلهم.. يقولون: لا ضيْر، انهبوا واقتلوا. وإذا أراد العدو القضاء على أولادهم وفلذات أكبادهم يقولون: لا نبالي. إنهم صامدون منذ البداية إلى النهاية، مستعدون للتصدي لكل هجمة من العدو بصبر لا ينفذ، ولا يتوقفون عن قول: افعلوا ما شئتم.. فلن تستطيعوا أبدا تحويلنا عن جادة الصدق. فإذا ما ثبتوا في كل هذه الاختبارات الخمسة ولا يعرضون عن موقفهم.. يبشرهم الله أن طوبى لكم، لقد ظهرت قوة إيمانكم ونجحتم في الامتحان.. فاستعدوا الآن لدخول الصف التالي، ونيل الدرجات التالية.

ولا يعني الصبر ألا يهتم الإنسان ولا يغتم، وإنما الصبر ألا يصل به الغم إلى فقدان حواسه وبطلان قوة العقل والعمل فيه. ما أروع وما أسمى هذا التعليم الذي يوافق الفطرة الإنسانية. إن الإسلام لم يمنع من الهَمّ والغم لأنه أمر فطري؛ ولكنه لم يسمح بالجزع والفزع وترك العمل..لأن هذا يدل على الجبن وضعف الهمّة.

ومن هذه الآية أيضا يتبين أن قوله تعالى (ومِن حيث خرجْتَ فوَلّ وجهك شطر المسجد الحرام)لا علاقة له بالاتجاه إلى المسجد الحرام وقت الصلاة.. وإنما هو أمرٌ بوَضْعِ فتح مكة نصب الأعين دائما.. وإلا فما العلاقة بين توجُّه المصلين نحو القبلة وبين القتل والوقوع في الاختبارات على مختلف أنواعها؟ إن هذا ليؤكد أن تلك الآية تتحدث عن فتح مكة. بقوله(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع…)بيّن أن هذه المهمة لن تتم بسهولة، بل لا بد أن تمروا بأشد المصاعب؛ ولكنها سوف تكون خيرا لكم لأنها سوف تظهر قوة إيمانكم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك