الإسلام الدين الحي

الإسلام الدين الحي

مصطفى ثابت

لقد اخترت لمقالتي عنوانا وهو “الإسلام – الدين الحي”، ورب سائل يسأل: أليست الأديان كلها أديانا حية حيث لها أتباع يؤمنون بها ويدعون لها؟ والجواب هو أن الدين لا يكون حيا لمجرد وجود أتباع يؤمنون به ويدعون إليه، وإنما الدين الحي هو الدين الذي يوصل الإنسان إلى خالقه، ويجعل في قلب المؤمن بذلك الدين حبا عظيما لله تبارك وتعالى، وحرصا بالغا على طاعته، وشوقا شديدا للوصول إليه والاتصال به، حتى تفوق صلة العبد بربه كل ما عداها من الصلات، ويفيض حب الله في قلب  المؤمن حتى يطغى على حب كل محبوب آخر سوى رب الكائنات، فيتطهر قلب  المؤمن من كل أنواع الشائبات، وينقى من الميل إلى الميول الأهوائية والشهوات. ويسطع نور الله في قلب المؤمن فتنقشع منه سحب الظلمات، وتتوحد إرادة العبد مع إرادة رب السماوات، فلا يشاء العبد إلا ما شاء ربه، ولا يحب إلا ما أحب حبه. وكون طاعة الله هي كل ما يتمناه المرء ويقضي به إربه، فلا تبقى له إرادة منفصلة عن إرادة الله، ولا تبقى له حياة إلا في كنف الله، ولا يهنأ له بال إلاّ في ظل الله. ويبذل العبد لرضاء ربه كل عزيز ونفيس، ويعطي عن طيب خاطر كل غال ورخيص، حتى إنه يعطي قلبه وحياته، وروحه وفؤاده، لمرضاة رب العالمين. فتغيب من قلبه شمس حب الدنيا الدنية، وتشرق فيه أنوار الله البهية، وتنعكس فيه صفات الله القدسية. ويكون العبد في ذلك الآن، مصداقا لما قال رسول الله ، وحكى لنا عن لسان ربه المنان، إذ قال وهو بعد الله أصدق القائلين:

“مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا”.

فإذا بلغ حب الله لعبده ذلك الحد، وإذا مضى العبد قدما في سبيل ربه بكل عزيمة وكد، فحينئذ يخبر  الله ملائكته أنه يحب ذلك الإنسان، الذي أخلص له الحب بصدق الجنان، فتحبه الملائكة أيضا ويخرون له معظمين، ويتنزلون عليه ويبلغونه سلام رب العالمين. يبشرونه بالجنة مثوى ومقصدا، ويدافع الله وملائكته عنه ويدفعون عنه العدا، ويخبرون بأنهم أصدقاؤه وأولياؤه في الحياة الدنيا، ويوحي إليه الله بكلام صحيح، ويحدثه بقول فصيح، ويثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا. ويلقى إليه بأنواع المخاطبات، ويكلمه بأحلى الكلمات ويبشره بأعظم البشارات، وفي ذلك يقول رب الكائنات في كتابه المجيد:

أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (يونس: 63-65).

كذلك يبعث الله ملائكته إلى ذلك المؤمن الوفي، ليحملوا إليه سلاما من الله الكريم العلي، ففي ليلة القدر العظيمة، تتنزل ملائكة الله الكريمة على قلوب المؤمنين، وتبلغهم سلام رب العالمين، وفي ذلك يقول أصدق القائلين:

تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (القدر: 5-6).

حينئذ تتخذه الملائكة صديقا، وتتنزل عليه وتجعله لها رفيقا، وتبلغه رسالة من رب العالمين، رسالة يشتاق إليها كل مؤمن من المتقين، ويهفو إليها كل ولي من الصالحين، رسالة تحمل البشرى والخير العميم، لكل من آمن بالله واستقام على الصراط المستقيم. وفي ذلك يقول الرحمن الرحيم:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (فصلت: 31-33).

حينئذ يفرح المؤمن بكلام ربه السديد، الذي يتلقاه من الملائكة في الحياة الدنيا ويشتاق إلى المزيد، وتفرح الملائكة بهذا العبد البار، وتكشف له بإذن ربها علوم القرآن وما خفي فيه من أسرار، ويؤتيه الله علوما لدنية، وينزل عليه من الحكم والدرر البهية، ويثبت قلبه وفؤاده بالقول الثابت الذي يوحي به إليه، كما يقول الله تعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من خلفه أو من بين يديه:

يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (إِبراهيم: 28).

من أجل هذا قلت أن الإسلام دين حيٌّ، لأنه يهدي الإنسان طريقا سويا، ولأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يوصل الإنسان إلى ربه، ويطهر الإنسان من هواجس الشيطان وكربه، وهو الدين الذي يعلن بكل وضوح أن الله يوحي إلى عباده الصالحين، وتبلغه ملائكته سلاما سلاما، وتأتيهم البشرى في الحياة الدنيا بأنهم أولياء الله وأقرب مقاما. وأما الأديان الأخرى كلها فقد أعلنت أن وحي الله قد انقطع، وأن كلام الله إلى أوليائه قد امتنع، وأن الله لا يكلم أحدا من عباده ولو قضى كل عمره في عبادة الله بخلوص النية، فكيف تكون تلك الأديان أديانا حيَّة، وهي لا تستطيع أن تهب لأتباعها الحياة؟

نعم قد كانت هذه الأديان أديانا حية، توصل متبعيها إلى عتبة الرب الرحيم، وتطهر معتنقيها من دنس الشيطان الرجيم، ولكن لم يكن مقدرا لها أن تبقى إلى أبد الآبدين، مثل دين الإسلام الذي أتى به سيد الخلق أجمعين، محمد المصطفى عليه وعلى أتباعه الكرام، أفضل الصلاة وأزكى السلام. لقد عبثت بتلك الأديان أيدي المحرفين، وضاعت الكثير من معانيها مع كثرة المترجمين، بل ماتت بنزول دين الإسلام من رب السماء على محمد المصطفى خير الأنام، وأفضل الخلق وسيد الأقوام. وجاء وعد رب العالمين بحفظ ذلك الدين المتين، فقال سبحانه وهو خير الحافظين:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر: 10).

وانتهى أمر التشريع بنزول الشريعة الغراء، وقضى الله صاحب الأمر والقضاء، أن يكون الإسلام آخر الأديان، وأن يكون محمد المصطفى هو آخر الرسل الذين يأتون بشريعة من الله الديان، وذلك لأن الله قد أنزل في الإسلام كل حكم صحيح، بلسان عربي بليغ وفصيح، وأكمل في القرآن كل الآيات، وجمع فيه كل البيانات، ولذلك قال عنه رب الكائنات:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة: 4).

وإذا كان الله قد رضي لنا الإسلام دينا، فكيف نقبل غير الإسلام دينا، وكيف يكون غير الإسلام دينا يهب الحياة. وقد ماتت كل الأديان، بنزول كتاب الله الفرقان، لقد لقّب القرآن بالروح لأنه يهب الحياة للأموات، فقال عنه بديع السماوات:

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا (الشورى: 53).

من أجل ذلك قال الله عن الإسلام، إنه الدين الحي الذي ارتضاه لكل الأنام، وإن من يبتغ دينا غير دين الإسلام، فإنه يعقد صفقة خاسرة، يخسر فيها الدنيا والآخرة، ويحشر يوم القيامة مع الخاسرين، وفي ذلك يقول أصدق القائلين:

وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران: 86).

لعل بعض القراء يقول: حسنا لقد أحسنت الكلام وأفضت في تبيان محاسن الإسلام، وذكرت أنه دين حي لأنه يخلص الإنسان من السقوط في حبائل الشيطان، وينقذ من آمن به من بين الناس، من شر الوسواس الخناس، ويوصل العابد إلى رب العالمين. وقلت إن الإسلام دين حي لأنه الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وإنه محفوظ بمده ومداده، وإن كل من ملأ منه قلبه وفؤاده، يهبه الله حبه ووداده، ويحييه حياة طيبة، في هذه الدنيا وفي الحياة الآخرة. كذلك فإنك ذكرت أن الإسلام دين حي لأن الله يتصل بعباده المسلمين، ويوحي إلى عباده الصالحين، ويبشر الصادقين المخلصين، ويرسل إليهم ملائكته تبشرهم في الدنيا بأنهم أولياءه، وتبلغهم سلام الله وتحمل إليهم آلاءه. وعلى ذلك فإن الوحي في الإسلام لم ينقطع، وكلام الله لعباده المخلصين لم يمتنع. ولكن ما هو دليلك على ما ادعيت، وما هو برهانك على صدق ما رويت، أين هؤلاء الذين أوحى إليهم الله، وأين هم الذين سمعوا كلام الله، وأين أولئك الذين نالوا حياة الوئام، بفضل اتباعهم لدين الإسلام؟

فاسمعوا دليلي على صدق الكلام. لقد وعدنا الله ورسوله بأن يأتي في زمان الضلال، نبي من أتباع نبينا الكريم عديم المثال، وسماه رسول الله بالمهدي والمسيح، لأن الله يهديه عن طريق الوحي فينطلق يدعو الناس ويصيح: أن ياأيها الملأ ويا أيها الناس، لقد أصاب الأديان كلها الإفلاس، ولكني جئت إليكم من الرب العلام لأبرهن لكم على صدق دين الإسلام، وإني تابع للشريعة الغراء، التي جاءت من لدن رب السماء. وإني خادم لسيد الخلق أعظم الأنبياء، محمد المصطفى أصفى الأصفياء، الذي اتبعت طريقه وسنته، وحافظت على وصاياه وشريعته. فاجتباني ربي وأوحى إلي لأنصر دين الديان، وأدل على علو منزلة القرآن. ذلك هو المهدي المعهود، والمسيح الموعود، الذي وعد بمجيئه الرسول الأعظم، ، وقال إن من لقيه منكم فليبلغه مني السلام، وقال عليكم أن تأتوه، وتبايعوه وتنصروه، حتى ولو كان ذلك حبوا على جبال الثلج.

والآن هداكم الله إلى سبل السلام، لقد جاء ذلك المسيح الموعود، وجاء المهدي المعهود. لم يأت من أمة بني إسرائيل، ولم يأت من بين النصارى أو ممن ضل السبيل، ولم يأت من بين الهندوس أو البوذيين، بل جاء من بين المسلمين المؤمنين. أليس في ذلك دليل عظيم على أن الإسلام وحده هو الدين الحي من بين كل الأديان؟ إذ لو كان هناك دين حي غير دين الإسلام لجاء منه نبي آخر الزمان، ولكن كل الأديان إلا الإسلام قد ماتت، ويئس منها أهلها فأعلنوا أن إلههم لا يتصل بأصفيائه، ولا يوحي إلى أوليائه، فأضفوا بقولهم هذا دليلا على إفلاس تلك الأديان، وأنها لا تنجي الإنسان من هواجس الشيطان، ولا توصله إلى رب الأكوان. فلا يوحي إليهم الله ولا يكلمهم، ولا يبعث من بينهم نبيا ولا يحدثهم. وأما الإسلام فإنه الدين الصحيح، ولذلك فقد بعث الله فيه نبيه المهدي والمسيح. وأنزل عليه من السماء الآيات، وأيده بكثير من المعجزات، وأوحى إليه بأحلى الكلمات، وخصه بأنواع البركات، وأدبه بجميل الصفات، وتجلى عليه بأجلى التجليات، وبعثه نبيا للعالمين، تابعا وخادما لخاتم النبيين، ولم يبعثه بشريعة تنقض القرآن، ولا تضيف مثقال ذرة إليه أو تنسخ حرفا من الفرقان. فالتشريع كما أوضحنا قد اكتمل، ولا نبي بعد رسولنا الأكرم، ، يأتي بشرع جديد، أو يخالف الكتاب المجيد. ولقد أخبرنا المهدي والمسيح، أن الإسلام وحده هو الدين الصحيح، وأنه وحده الذي ارتضاه الله المنان، وبه وحده يمكن الوصول إلى سدة السلطان، وأنه يطهر متبعيه من كل الآفات وينجيهم من كل أنواع النجاسات، وأن من يأتي ربه بخلوص النية ويخلص من حب الدنيا الدنية، ويؤمن برسولنا المصطفى، ويخلص في اتباع نبينا المجتبى، فإنه يكون مقبولا لدى رب الهدى، وأن الله يوحي إليه بأعذب الكلمات، ويبشره بأحلى البشارات، ويجعل حياته حياة طيبة، في هذه الدنيا وفي الآخرة. وقد آمن بالمهدي المسيح ألوف من الناس بل ملايين، وصاروا من عباد الله المخلصين. وجربوا بأنفسهم صدق ما قاله المهدي والمسيح، من أن الإسلام وحده هو الدين الصحيح. وكشف الله لهم أسراره، وعلمهم آياته وآتاهم أنواره، وبعث إليهم ملائكته تحمل إليهم البشرى، وتخبرهم بأن لهم جنة المأوى، وتقول لهم كما ذكر في القرآن:

أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (فصلت: 31-32).

هذا هو أيها السادة دليلي السوي، على أن الإسلام وحده هو الدين الحي. هدانا الله وإياكم طريق الصواب، وألهمنا الله وإياكم سبيل الهدى وفصل الخطاب، وشرح صدوركم لقبول الحق وآياته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك