42 خالدان من خوالد الأحنمدية

42 خالدان من خوالد الأحنمدية

داود أحمد عابد


في الجلسة السنوية عام 1956 منح حضرة الخليفة الثاني لقب “خالد الأحمدية” لثلاثة من علماء الجماعة الأجلاء،

 لجهادهم المشكور في سبيل الله ورسوله ودينه، وأخلاقهم الإسلامية المثالية،

وهم مولانا جلال الدين شمس، ومولانا أبو العطاء الجالندهري، والمحامي عبد الرحمن الغوجراتي.

 نذكر فيما يلي اثنين من هؤلاء الخوالد لما أسديا للعرب من خدمات مشكورة خلال إقامتهما في البلاد العربية.

 

مولانا جلال الديـن شمس

وُلد مولانا جلال الدين عام 1901. وكان أبوه من أجلّة أصحاب المسيح الموعود واسمه إمام الدين السيكهواني . جيءَ بمولانا جلال الدين وهو صغير إلى المسيح الموعود ، فرأى أنه ينظر إلى أعلى مرارًا، فمسح على رأسه مرارا وقال سيكون له شأن في خدمة الدين.

وقد تحقق النبأ.. فوقف حياته لخدمة الإسلام عام 1917، ودرس الدين بقاديان، وكان من خريجي الدفعة الأولى من مدرسة الدعاة. كان عالمًا ربانيًا، شاعرًا مجيدًا، خطيبًا مفوهًا، كاتبا فذا، ومناظرا لا يُشَقّ له غبار.. ألّف أكثر من أربعين كتابًا باللغات الأردية والعربية والإنجليزية، ودخل في مناظرات كتابية مع المشايخ والقساوسة ودعاة البهائية.

عندما شرّف الخليفة الثاني دمشقَ بقدومه الميمون أول مرة في عام 1924 قابله الشيخ عبد القادر المغربي، وقال له أثناء الحديث متحديًا: لا يمكن لعربي أن يقبل دعوتكم. فرد عليه حضرته : سأرسل إلى هنا داعيتنا فور عودتي، وسوف ترى كيف تنتشر الأحمدية في البلاد العربية. وفور عودة حضرته إلى الهند قرر إرسال المبشر الفاتح الشاب جلال الدين شمس إلى دمشق، وقد بعث معه الصحابي زين العابدين الذي رجع بعد أن مهد له الطريق.

أرسله الخليفة الثاني إلى الديار العربية، فوصل دمشق في 7/7/1925، فأنشأ فرع الجماعة هناك. ثم طردته الحكومة الفرنسية من سوريا، فوصل إلى حيفا في 17/3/1928، ثم اتخذ الكتبابير مقرا له. أسس هنالك أول مسجد للجماعة في الديار العربية ومدرسة لأطفال الأحمدية عام 1930.  وخلال هذه المدة زار مصر مرتين عام 1929 و1930 وأسس هناك فرع الجماعة. قضى في الديار العربية خمس سنوات ونصف.

ذات مرة ألقى محاضرة في “دار الحكمة” بمصر بعنوان: (عصمة الأنبياء).. شهدها عدد من العلماء والمثقفين والفضلاء. وفي وسط المحاضرة لم يملك أحد علماء الأزهر نفسه من الإعجاب فوقف مقاطعًا: على رِسْلِك أيها الأستاذ. فتوقف مولانا جلال الدين عن الكلام ونظر مستفسرا، وإذا بالرجل يقول: والله إنه لابن عباس فينا، وأخذ ينشد أبياتا من الشعر معبرا عن إعجابه وسروره بما يسمع.

يروي الأستاذ مصطفى نويلاتي:

“كان والدي السيد علي نويلاتي يقول لي: إن هذا الوقت وقتُ ظهور المهدي ، فقد تحققتْ جميع العلامات الدالة على ظهوره.. فإذا سمعتَ أحدًا يذكر شيئا عن بعثته فعليك بالتحقق والإيمان بدعوته. وقد أعطاني مبلغًا من المال لأتبرع به إلى من يبشر بظهور دعوة المهدي.”

 وبعد أن توفي الأستاذ علي نويلاتي سمع ابنه مصطفى بدعوة الأستاذ جلال الدين شمس، فزاره على الفور، واستمع لكلامه، وبعد التحقق كان أول المبايعين في دمشق، وقدّم له المبلغ هديةً من والده إلى جماعة المهدي حسب الوصية.

وأثناء جهاد الأستاذ شمس في دمشق طعنه أحد المتعصبين بالخنجر محاولاً قتله، ونفذت الطعنة قريبًا من القلب، فنُقل إلى المستشفى. فلما زاره الأستاذ منير الحصني طلب منه وهو مسجّى على سريره أن يذهب إلى غرفته ليأخذ ما يحتاج من المال -الذي هو هدية الأستاذ علي نويلاتي- ليرسل برقية إلى مولانا الخليفة الثاني ، ليخبره بما حدث وليطلب منه الدعاء له بالشفاء. فنفّذ المرحوم منير الحصني أوامره. وعندما بلغ الخبر قاديان جمع الخليفةُ الثاني أهلها في المسجد ودعا له بالشفاء دعاء حارًا. وفي اليوم التالي قال الطبيب الذي عالجه: لقد حدثت الليلة معجزة، كنا جزمنا بعدم نجاة المصاب، ولكن بدأت أحواله تتحسن فجأة، حتى إني أرى أنه قد شُفي تمامًا، ويمكنه أن يُغادر المستشفى إذا أراد ذلك.

وقد عاد مولانا جلال الدين شمس إلى قاديان في ديسمبر/كانون الأول عام 1931 بعد أن قام بجهاد عظيم لن يُنسى على مر التاريخ.

ثم أرسله أمير المؤمنين في سنة 1936 إلى لندن، فمكث فيها يبشر بالإسلام 11 سنة متتالية، بعيدًا عن الأهل والأولاد حيث رجع في سنة 1946. شغل حضرته عدة مناصب بارزة في الجماعة، منها: ناظر التصنيف والتأليف، وناظر الإصلاح والإرشاد، وعضو في مؤسسة (صدر أنجمن أحمدية)، ومدير الشركة الإسلامية للطباعة والنشر. ومن بين الأسماء التي اقتُرحت لتُطلق على المركز الجديد للجماعة في باكستان اختار حضرة الخليفة الثاني اقتراحه وهو “ربوة”.

وعندما مرض الخليفة الثاني مرضه الأخير.. أمره أن ينوب عنه في صلوات الجمعة وإلقاء الخطب.

توفي حضرته في ربوة في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1966 بعد أن قضى حياة حافلة بخدمة الدين الحنيف. رحمه الله تعالى وجزاه أكرم الجزاء.

مولانا أبو العطاء الجالندهري رحمه الله

اسمه (الله دتّا) أي عطاء الله، وكنيته أبو العطاء. وُلد في 14 إبريل/ نيسان 1904 في قرية (كريها) بمحافظة جالندهر بالهند. والده حضرة ميان إمام الدين من أكابر صحابة الإمام المهدي والمسيح الموعود .

نذر حياته لخدمة الإسلام. تخرّج في الجامعة الأحمدية، وبدأ يعمل داعية عام 1927. وفي عام 1928 ألقى أول خطاب له في الجلسة السنوية للجماعة، واستمر في إلقاء الخطب فيها كل عام إلى حين وفاته عام 1977.. فيما عدا السنوات التي خدم فيها في البلاد العربية.

وصل إلى فلسطين في 4 سبتمبر/أيلول عام 1931 ليأخذ مكان الأستاذ جلال الدين شمس، وظل يخدم في الديار العربية حتى 24 فبراير/شباط 1936.

في هذه الفترة أكمل مسجد “سيدنا محمود” بالكبابير، وأسس مجلة “البشارة الإسلامية الأحمدية” لسان حال الجماعة في الديار العربية، وغيّر اسمها إلى “البشرى” فيما بعد. قام  بمناظرات مشهودة مع المشايخ والقساوسة ودعاة البهائية.. اشتهرت منها مناظرة له مع بعض كبار القساوسة في مصر.

نقتبس مما نشرته مجلة “الأسبوع” من كلمات رقيقة جميلة تصف شخصية مولانا أبي العطاء، تقول الجريدة:

“له لسان خصب مقوال ينطلق به في العربية انطلاق واحد من شيوخ الأزهر…وهو مع ذلك هندي مثقف يجيد الحوار ويحسن التصرف في أبواب الحديث، وتلك بضاعة الرجل التي تهيئ له أسباب النجاح.”

ثم كتبت الجريدة معلقة على شخصية المسيح الموعود وجماعته:

 “ومن شأن الهند أن تفاخر دائما بأنها تُربة العقول التي تقود العالم في كل اتجاه وها هي تبتكر الرجل الذي يريد له أشياعه أن يقود الدنيا في حلبة الدين.” (مجلة الأسبوع عدد 25 يوليو 1931 ص27)

وبعد عودته للهند عمل أستاذا ثم عميدًا للجامعة الأحمدية عام 1944. كما تولى مناصب هامة أخرى منها: ناظر ثانٍ للإصلاح والإرشاد، ورئيس المجلس المشرف على نظام الوصية، وعضو مجلس الإفتاء المركزي. كان خطيبًا وكاتبًا ومناظرًا من الطراز الأول. له أكثر من سبعين مناظرة طويلة، وما ينوف على أربعين مؤلفا، أشهرها كتابه الضخم (تفهيمات ربانية) الذي يغني عن كثير من الكتب في المسائل الجدلية الخلافية بين الجماعة الإسلامية الأحمدية وغيرها مِن الفِرق. وله أيضا: “التعليق على الحركة البهائية”. ومن آثاره الخالدة أيضًا مجلة (الفرقان) التي كان يحررها ويصدرها بنفسه في قاديان ثم في ربوة لمدة 27 عامًا متواصلة إلى حين وفاته. وقد كانت مجلة رفيعة المستوى، وكان العلماء الكبار يكتبون فيها. كان حضرته عضوا في وفد الجماعة الإسلامية الأحمدية برئاسة حضرة الخليفة الثالث -رحمه الله- للدفاع عن موقف الجماعة أمام مجلس الشعب الباكستاني عام 1974.

توفي حضرته في 23 أيار 1977 بعد أن قضى حياته في إسداء جلائل الخدمات للإسلام والأحمدية والعرب. رحمه الله رحمات واسعة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك