4 سيأتي من بعدي آخرون، يكونون مظاهر قدرة الله الثانية


“الخليفة مَن يخلُف ويجددّ الدينَ. والخلفاء هم الذين يقومون مقام الأنبياء ويأتون لإزالة الظلمة التي تنتشر بعد عصر الأنبياء.”  (الملفوظات ج 4 ص 383)

“ينكر البعض عموم آية

وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم

يقولون إن المراد من كلمة (منكم) الصحابة فقط، وأن الخلافة الراشدة الحقة قد انتهتْ إلى زمنهم، وبعدها لن تعود في الإسلام إلى يوم القيامة. وكأن الخلافة جاءت لتبقى ثلاثين سنة ثم تنقرض كالحلم والخيال، وبعدها وقع الإسلام في حضيض النحوسة الأبدية!” (شهادة القرآن، الخزائن الروحانية ج 6  ص 330)

“الخليفة هو مَن يخلُف أحدًا، وخليفة النبي لا يكون إلا الذي يحظى ظلّيًا بكمالات النبي بمعناها الحقيقي، لذلك ما أراد النبي إطلاق كلمة الخليفة على الملوك الغاشمين، وذلك لأن الخليفة هو ظلّ الرسول في حقيقة الأمر. وبما أنّه لا خُلود لأحد من البشر لذا أراد الله تعالى أن يجعل الأنبياء – الذين هم أشرف المخلوقات وأفضلها- خالدين إلى الأبد، وقرّر إقامة الخلافة لكي لا تخلو الدنيا من بركات النبوّة في وقت من الأوقات. وإن الذي يعتقد ببقاء الخلافة إلى ثلاثين سنة فقط ولا يرى حرجًا إذا هلكت الدنيا بعد ذلك، فإنه في الواقع يُعرِض بسبب غبائه عن غاية الخلافة، ولا يعرف أن الله تعالى لم يُردْ قط إبقاء بركات الرسالة بعد وفاة رسول الله في زي الخلفاء إلى ثلاثين سنة فقط، كلا….. هل يليق نسبةُ الظن السخيف إلى الله تعالى أنه اهتمّ بهذه الأمة ثلاثين سنة فقط، ثم تركها تتيه في الضلال إلى الأبد، وأن ذلك النور الذي كان الله يُريه أممَ الأنبياء السابقين من خلال مرآة الخلافة لم يَرْضَ أن يُرِيَه هذه الأمةَ؟ هل يقبل العقل السليم نسبةَ هذه الأمور إلى الله الرحيم الكريم؟ كلا!

والآية الكريمة التالية أيضًا تشهد على خلافة الأئمة إذ تقول:

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ،

إذ تصرح تمامًا أن الخلافة الإسلامية دائمة، لأن كلمة “يرثها” تقتضي الدوام، ذلك أنه إذا كانت الفترة الأخيرة للفاسقين فإنهم هم الذين سوف يرثون الأرض وليس “الصالحون”. (شهادة القرآن، الخزائن الروحانية ج 6 ص 353-354)

“ولو قيل إن كلمة (منكم) تدل على أن الخلفاء هم من الصحابة حصرا، لأن الخطاب موجه إلى الصحابة فقط، فهذه الفكرة باطلة تماما، ولا يتفوه بمثل هذا الكلام إلا من لم يقرأ القرآن بتدبر، ولم يعرف أساليبه. إن اعتبار الخطاب موجها إلى المؤمنين الأحياء في ذلك الوقت فقط يقلب القرآن رأسا على عقب…..

لقد أورد المعترض هنا أيضا قوله تعالى

اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ،

ثم اعترض قائلا: ما دام الدين قد اكتمل والنعمة قد تمت فلا حاجة لمجدد ولا نبي من أي نوع.

المؤسف أن المعترض لم يفكر أنه يعترض على القرآن نفسه، لأن القرآن الكريم قد وعد بوجود الخلفاء في هذه الأمة كما مر ذكره، حيث أخبر الله تعالى أن الدين سوف يتقوى في زمن هؤلاء الخلفاء ويزول الضعف والتذبذب، ويأتي الأمن بعد الخوف. هذا، ولو لم يكن جائزًا أيُّ عمل.. أيا كان نوعه.. بعد اكتمال الدين كما يزعم المعترض، فستصبح الخلافة التي استمرت 30 سنة باطلة، لأن الدين قد اكتمل فلا حاجة لأحد بعد ذلك. فالحق أن المعترض الجاهل قد قدم قوله تعالى

اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

في غير محله. متى قلنا إن المجدد أو المحدث يأتي لينقص من الدين أو يزيد فيه؟ إنما نقول عندما يتراكم غبار الأفكار الفاسدة على التعاليم المقدسة بعد مرور الزمن ويختفي وجه الحق الخـالص يأتي المجـددون والمحدثون والخلفاء الروحـانيون ليكشفوا عن وجهه الجميل مرة أخرى.”

(شهادة القرآن، ص 324-339-340)

“هذه بشارة بالخلافة الظاهرة، ولكن كما هي السنة الإلهية في آيات القرآن الكريم أن لها معنى روحانيًا أيضا، فهذه الآيات تشير إلى خلافة روحانية أيضا.. أي عند كل حالة خوف حين تخلو القلوب من حب الله تعالى وتنتشر المذاهب الفاسدة في كل مكان، ويميل الناس إلى الدنيا، ويُخشى على الدين، سيقيم الله تعالى خلفاء روحانيين على الدوام، لتتحقق على أيديهم نُصرة الله وفتح الدين، ويعز الحق ويذل الباطل، ذلك لكي يعود الدين إلى أصالته ونضارته الأصلية في كل مرة إلى الأبد، ولكي يأمن المؤمنون من انتشار الضلال واندثار الدين.”

(البراهين الأحمدية الجزء الأول، الخزائن الروحانية المجلد1 ص 260 الهامش)

“….. الطريق الثاني لإنزال الرحمة هو إرسال المرسَلين والنبيين والأئمة والأولياء والخلفاء، حتى يهتدي الناس إلى الصراط المستقيم بواسطة هديهم والاقتداء بهم، وينالوا النجاة بالتأسي بأسوتهم. فأراد الله أن يتحقق كلا الجزأين من خلال ذرية هذا العبد المتواضع.”

(الإعلان الأخضر، الخزائن الروحانية ج 2 ص 462، الهامش)

“لقد أنبأني الله قائلا إنني سأقيم لجماعتك مِن ذريتك شخصا، وسأخصه بقربي ووحيي، وبواسطته سوف يزدهر الحق، وسيقبله الكثير من الناس. فانتظروا تلك الأيام. واعلموا أن كل مبعوث يُعرف في أوانه إذ يبدو للناس قبل ذلك شخصا بسيطا أو يكون محل اعتراض من جراء بعض الأفكار الخادعة، شأنه شأن الإنسان الذي يكون مجرد نطفة أو علقة في البطن قبل أن يصبح إنسانا كاملَ الخِلْقة.”

(الوصية، الخزائن الروحانية ج 20 ص 315 هامش)

“إن مِن سنة الله الجارية.. التي ما زال يبديها دون انقطاع منذ أن خلق الإنسان في الأرض.. أنه ينصر أنبياءه ومرسليه، ويكتب لهم الغلبة، كما يقول: كَتَبَ الله لأغلِبنَّ أنا ورُسُلي ، والمراد من الغلبة هو أن الرسل والأنبياء يريدون أن تتم حجة الله على الأرض بحيث لا يقدر أحد على مقاومتها، كذلك يُظهِر الله تعالى صدقهم بالبينات، ويزرع بأيديهم بذرةَ الحق الذي يريدون نشره في الدنيا، غير أنه تعالى لا يكمِّله على أيديهم، بل يتوفاهم في وقت يصحَبه الخوفُ من الفشل باديَ الرأي، فيُفسح بذلك المجالَ للمعارضين ليَسخَروا ويستهزئوا ويطعنوا ويشنّعوا، وحينما يكونون قد أخرجوا كل ما في جعبتهم من سخرية واستهزاء يُظهر الله تعالى يدَ القدرة الثانية، ويهيئ من الأسباب ما تكتمل به الأهداف التي كانت إلى ذلك الحين غير مكتملة لحدٍّ ما.

فالحاصل أنه تعالى يُري قسمين من قدرته: أولاً، يُري يدَ قدرته على أيدي الأنبياء أنفسهم، وثانيًا، يُري يدَ قدرته بعد وفاة النبي حين تواجه المحن ويتقوى الأعداء ويظنون أن الأمر الآن قد اختل، ويوقنون أن هذه الجماعة سوف تنمحي، حتى إن أعضاءها أنفسهم يقعون في الحيرة والتردد، وتنقصم ظهورهم، بل ويرتدّ العديد من الأشقياء، عندها يُظهر الله تعالى قدرتَه القوية ثانيةً ويُساند الجماعة المنهارة. فالذي يبقى صامدًا صابرًا حتى اللحظة الأخيرة يرى هذه المعجزة الإلهية، كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر الصديق ، حيث ظُنَّ أن وفاة الرسول قد سبقت أوانَها، وارتد كثير من جهال الأعراب، وأصبح الصحابة من شدة الحزن كالمجانين، عندها أقام الله تعالى أبا بكر الصديق ، وأظهر نموذجًا لقدرته مرة أخرى، وحمى الإسلام من الانقراض الوشيك. وهكذا أتم وعده الذي قال فيه:

وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ..

أي أنه تعالى سوف يثبّت أقدامهم بعد الخوف. وهذا ما حدث بالضبط في زمن موسى حين اختطفته يدُ المنون وهو في الطريق ما بين مصر وأرض كنعان قبل أن يصل ببني إسرائيل إلى غايتهم المنشودة حسب الوعد، فقام بموته مأتم كبير بين بني إسرائيل، فظلّوا يبكون وينوحون أربعين يوما بسبب صدمة موته المفاجئ، كما ورد في التوراة. وهذا ما حدث في زمن عيسى أيضا حيث تشتتَ الحواريون كلهم عند حادث الصلب وارتدّ واحد منهم أيضًا.

فيا أحبائي، ما دامت سنة الله القديمة هي أنه تعالى يُري قدرتين، لكي يحطّم بذلك فرحتَين كاذبتين للأعداء.. فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سنته الأزلية، لذلك فلا تحزنوا لما أخبرتُكم به ولا تكتئبوا، إذ لا بد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله الذي سجلتُه في كتابي “البراهين الأحمدية”، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم. كما يقول الله : إني جاعل هذه الجماعة الذين اتبعوك فوق غيرهم إلى يوم القيامة.

فمن الضروري أن يأتيكم يومُ فراقي لِيليه ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إن إلـهنا إلـهٌ صادق الوعد، وفِيٌّ وصَدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. ومع أن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آن وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها. لقد بُعثتُ من الله تعالى كمظهر لقدرته ، فأنا قدرة الله المتجسدة. وسيأتي من بعدي آخرون، يكونون مظاهر قدرة الله الثانية. لذلك فانتظروا قدرة الله الثانية داعين لمجيئها مجتمعين، ولتجتمع كل جماعة من الصالحين في كل قطر وليدْعوا حتى تنـزل القدرة الثانية من السماء، وتُريَكم أن إلهكم إله قادر كل القدرة. أيقِنوا أن موتكم قريب، إذ لا تعلمون متى ستحل تلك الساعة!

وينبغي لصلحاء الجماعة ذوي النفوس الطاهرة أن يأخذوا البيعة من الناس باسمي من بعدي.* فالله تعالى يريد أن يجذب إلى التوحيد جميع الأرواح ذوي الفطرة الصالحة من مختلف أقطار المعمورة، سواء كانوا من أوروبا أو آسيا، وأن يجمع عباده على دين واحد. هذه هي غاية الله التي أُرسلتُ من أجلها إلى الدنيا. لذلك اجعلوا هذه الغاية نصب أعينكم، ولكن باللطف وحسن الخلق وكثرة الدعاء. فإلى أن يقوم أحدٌ مؤيَّدا بروح القدس من عند الله، ثابِروا جميعًا على العمل بعدي متكاتفين”.

(كتيب “الوصية”، الخزائن الروحانية مجلد 20 ص 304-307)

————-

* يتوقف انتخاب مثل هؤلاء على اتفاق رأي المؤمنين، فالشخص الذي اتفق عليه أربعون مؤمنا أنه أهلٌ لأخذ البيعة باسمي فهو مجاز لذلك، وعليه أن يكون أسوة حسنة للآخرين. منه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك