49 ذكرياتي مع الخلفاء

49 ذكرياتي مع الخلفاء


محمد الشـوا، سوريـا

لا أنسى استشارة الخليفة الثاني جماعةَ دمشق بواسطة المبشر الأستاذ شيخ نور أحمد منير عند إقرار هيئة الأمم تقسيم فلسطين وموجة اللجوء إلى الدول المجاورة من فلسطين والتي كان العرب يشجّعون الفلسطينيين عليها، فطلب حضرته رأيهم هل يرون ضرورة بقاء جماعة فلسطين فيها أم يرون أن لجوءهم إلى الدول المجاورة هو الأَولى. وبالنظر لفظاعة اليهود وقتلهم أهالي فلسطين أجمعْنا على أن يأتونا وينجوا بأرواحهم. فكان جوابه : فليبقوا في ديارهم لأنهم إذا تركوا فلسطين لليهود فمن يبقى فيها لإعادتها إلى أهلها المسلمين؟

وأثبتت الأيام سداد رأيه وحدّة بصيرته، ويعلم العالم الآن أن الأحمديين الذين بقوا في فلسطين هم الذين يساهمون مساهمة كبيرة في الفضائية باللغة العربية في وقتنا الحاضر وينشرون دعوة الإسلام بين العرب خاصة والعالم عامة.

كما أن حضرته نبّه العرب إلى عدم الاعتماد على روسيا في صراعهم مع اليهود إذ كانوا قد رموا بأنفسهم في أحضانها لإنقاذهم. فألقى خطبة نُشرت باللغة العربية بأعداد كبيرة بعنوان: (الكفر ملة واحدة)، ذكّر فيها العرب أن روسيا هذه التي تدعي مساندتها للعرب قد صوتت على تقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية، ونبه العرب ألا ينخدعوا بوعودها فهي متفقة مع الغرب خلافا لما تعلنه.

كان يجيب على رسائل كل من يكتب له ويأتي الجواب بسرعة.

جرت مناظرة على صفحات الجرائد في دمشق بين المبشر الإسلامي البطل جلال الدين شمس وبين قسيس دانمركي اسمه زويمر الذي تحدى المسلمين في دمشق على صفحات الجرائد فلم يجبه أحد من مشايخ الشام ولكن تصدى له المرحوم جلال الدين وبعد المناظرة فر القسيس.

فاغتاظ مشايخ دمشق وعز عليهم انتصاره دونهم، فأرسلوا إليه مجرما طعنه بخنجر طعنة اخترقت صدره حتى بلغت قريبًا من قلبه، وأنذر الأطباء أن جرحه خطير وسيقضي نحبه خلال مدة نصف ساعة فقط.

أسرع إليه المرحوم منير الحصني أمير جماعة دمشق واطلع على حالته ورأى الأطباءَ ينذرون بالخطر المحدق به ويتوقعون موته، فأرسل برقية إلى أمير المؤمنين بشير الدين محمود أحمد يعلمه بالأمر، فلم يمض أكثر من 24 ساعة إلا وتلقى الجواب من مولانا يقول فيها: (دَعَوْنا له واستجيبتْ دعواتنا). فأبلغ الأستاذ منير الأطباء بأنه سيشفى بإذن الله، وهكذا حصل.

ولما حضر مرة ثانية إلى دمشق التفَّتْ حوله الجماعة تتبارك بتقبيل يديه والتمتع بطلعته البهية، وصاروا يتسابقون للفوز برضاه حتى فضّلوا أن يأكلوا طعامًا باكستانيا معه. فجيء بطباخ محب للجماعة ومؤمن بصدقها، كان لا يبايع لأسباب، ولكنه كان يفضح أكاذيب المفترين على الجماعة. فعمل لأمير المؤمنين وغيره من الحضور الشوربة، وكان طعامًا لذيذًا ونادرًا للجماعة، ووجدوا فيه بركة وسرورا.

ثم بعد ذلك تحرك الموكب إلى دار المرحوم السيد بدر الدين الحصني شقيقِ المرحوم منير الحصني، وكان يتمتع بمركز مرموق ومحبة زائدة بين التجار. والتففنا حول الإمام وصلينا معه، وشعرنا بالإيمان الزائد وتمتعنا بلذة الصدق والتقوى.

ثم سافر إلى بيروت لزيارة الأحمديين فيها، وقد رافقناه بدءًا من المرحوم أمير الجماعة منير الحصني وكاتب هذه الكلمات محمد الشوا، وشقيقي المرحوم زكريا الشوا والمرحوم السيد علاء الدين نويلاتي والسيد سليم الجابي والسيد نادر الحصني والسيد محمد خير الحصني وربما آخرون.

نزل حضرته في منطقة برج البراجنة في بيروت ضيفًا على عائلة رئيس الجماعة هناك السيد البريجاوي، ونزلنا تبعًا له، وصلَّينا وراءه في منظر مهيب وخشوع عميق وشعور روحاني فريد. كما زرنا مدينة بعلبك من أعمال لبنان، وهي معبد روماني وأثر قديم أصبح أطلالا على مر الزمان، فقال أمير المؤمنين : في هذا المكان كان يُعبَد غيرُ الله ، فليصلِّ هنا كلٌّ منا ركعتين نعبد بهما الله تعالى وحده. ففعلنا. وكنا قد تناولنا طعام الغداء قبل ذلك في مدينة زحلة القريبة، ثم تابعنا المسير إلى بيروت.

وفي مطار بيروت ودّعْنا سيدنا أمير المؤمنين حيث ركب الطائرة وحلقت في السماء وقلوبنا معه رضي الله عنه وأرضاه.

كانت ذكرى استقباله ووداعه وإقامته بين ظهرانينا نعمة وبركة تهتزّ لها مشاعرنا. بتجديد التعلق بحضرته ولطف معاشرته والشعور بجلاله وجماله تجددت فينا الهمم لتفهم أقواله وكتبه ووعظه والتبرك بأدعيته.

 

عبد الله أسعد، الكبابير

كان والدي الروحاني وأستاذي الموقر شودري محمد شريف يشجّعني دائمًا على مراسلة الخليفة. فراسلت الخليفة الثاني وأنا لم أزل في المدرسة، فتلقيت من حضرته الرسالة الأولى بتاريخ 30/12/1947.. كتبها من لاهور قبل أن يرتحل إلى ربوة المركز الجديد للجماعة. كانت الظروف غير مستقرة في تلك الفترة في أعقاب تقسيم الهند سنة 1947 ثم تقسيم فلسطين سنة 1948، وقد حرص حضرته في تلك الأجواء المضطربة على أن يدعو لنا ويوجهنا نحو الأفضل. فمما جاء في تلك الرسالة قوله: “أدعو الله أن يحفظكم ويثبتكم في بلدكم وأن ييسر لكم أموركم”. ثم في 15/5/1948 أرسل لمبشرنا الكريم محمد شريف توصيته لنا بأن لا نهاجر من وطننا بل نبقى في بيوتنا ونحافظ على ممتلكاتنا. فعملنا بنصحه، فحمانا الله ولم نهاجر مع الكثير الذين هاجروا من إخواننا العرب سكان فلسطين وتركوا وطنهم.

وشرفني حضرته برسالة مطوّلة في حزيران سنة 1954، أقتصر على ذكر ناحية هامة بالنسبة لنا حاضرًا ومستقبلاً حيث قال: “إن أهل الكبابير يتشابهون بأهل قاديان لأن كلا الحزبين مقيم في مركزهم الأول كأنهم نواة خير ينتشر منها ذكر الجماعة في البلاد، فلذلك لهم مكانة سامية عند الله. فاحفظوا هذه الدرجة دائمًا، كان الله معكم…”

أما الخليفة الثالث ميرزا ناصر أحمد -رحمه الله- فقد تشرفت بلقائه سنة 1967، وبذلك تحققت أحلامي بلقاء خليفة المسيح الموعود . كان اللقاء الأول في مدينة “فرانكفورت” بألمانيا. كنت خرجت من الكبابير وحدي ورافقني هناك أخي إبراهيم الذي كان يدرس في ألمانيا. وكانت بداية لقائنا بحضرته حين استقبلناه مع بعض الدعاة في المطار. وقد دُهش الجميع حين دخل قاعة الاستقبال هذا الضيف العظيم بقامته الكبيرة وعمامته البيضاء الناصعة، حتى هرعت بعض السيدات الألمانيات وأحضرن له الزهور -إضافة إلى ما أعددناه له- ظنًا منهن أنه أحد ملوك الشرق أو المسيح المنتظر.

وفي مركز الجماعة كان ينتظره العديد من الإخوان والأصدقاء. فطفق يسلّم على هذا ويسأل ذاك. ثم جاء دورنا نحن الأحمديين من الكبابير. وكانت دهشتنا أكبر لأننا نقابل خليفة من خلفاء الجماعة لأول مرة. وقد مكث معنا وقتًا طويلا يسألنا عن الجماعة خاصة بعد تلك الحرب الكاسحة التي انتهت للتو وأحدثت دمارًا هائلاً لفلسطين ومصر والأردن وسوريا. وسأل بشكل خاص عن المدرسة الأحمدية بالكبابير، والتي اختلف الناس حول تسليمها للحكومة، فأكد لنا أنه لن يسلِّمها وبخاصة لهذه الحكومة. وقبل سفره إلى أوروبا كان قد أرسل لنا أمرًا بعدم تسليم المدرسة.

طلبت منه الدعاء لعل الله يمنّ عليّ بولد ذكر بعد أن رزقني ثلاث بنات، فردّ عليّ:

“Don’t worry you will get one”..

أي لا تقلق! ستُرزق بإذن الله تعالى. ولم تمض سنة إلا جاء المولود، وتلاه اثنان ليصبحوا ثلاثة بفضل الله تعالى.

توجه حضرته من ألمانيا إلى الدنمارك بالقطار لافتتاح المسجد الجديد هناك. وقد التقينا مع حضرته في محطة القطار. وبسبب هطول البَرَد توقفت القطارات لمدة ساعة، فوقفنا مع حضرته في المحطة. كان الناس يجتمعون حولنا ويحاولون الاقتراب من شخصه، والإخوان يحاولون إبعادهم عنه، فقال لهم: “لم تردّونهم وهم يريدون الاقتراب منا، والأحرى أن نرحب بهم”. وصلنا سوية إلى الدنمارك وشاركنا والحمد لله في حفل الافتتاح.

وعندما كنا في الدنمارك قابل الخليفةَ مجموعة من القساوسة، فسأله أحدهم عن ماهية وظيفته في الجماعة، فأجاب: “الجماعة هي الجسد، والخليفة روحها”.

ثم سافر حضرته إلى لندن، فالتحقت به هناك. عقد حضرته -رحمه الله- في قاعة البلدية بلندن مؤتمرًا ألقى فيه خطابه الإنذاري الموجه لدول الغرب. لقد حضر المؤتمرَ العديد من كبار الشخصيات وممثلي الشعب ورؤساء البلديات وغيرهم. وقد التقيت في هذا المؤتمر ولأول مرة بحضرة محمد ظفر الله خان وكذلك البروفسور والعالم الفيزيائي الدكتور “عبد السلام”، اللذيْن كنت أقرأ عنهما الكثير وأراسلهما أحيانًا. كان محمد ظفر الله خان عريف المؤتمر.

وجدتُ من الخليفة الثالث -رحمه الله- 14 رسالة، وهنا أذكر فقط عدد الرسائل لأشير إلى اهتمام الخلفاء بأبناء الجماعة وكيف أنهم لا يهملون عبدا مثلي بل يردون على الرسائل.

أما الخليفة الرابع مولانا طاهر أحمد -رحمه الله- فلقد وجدت عندي 35 رسالة منه، وكان دائما يلقانا نحن أهل الكبابير بكل سرور ومحبة. وفي إبريل/نيسان سنة 1985 انعقدت الجلسة السنوية لأول مرة خارج ربوة، وكنا نحن أهل الكبابير موجودين فيها أيضا، وكنا مع بعض الإخوة العرب حوالي العشرين. في نهاية الاحتفال لفت نظري أحد الإخوة من ألمانيا وقال لي: أنتم محظوظون أيها العرب! ألا تعلم أن المسيح الموعود قد تلقى الوحي الشهير عن العرب: “يدْعون لك أبدالُ الشام وعبادُ الله من العرب” في هذا التاريخ.. الخامس من نيسان.. قبل 100 سنة بالضبط. وقد عُقد الاحتفال بالفعل في 4 إلى 6 نيسان، أي أن الإلهام وقع في اليوم الوسط من أيام الاحتفال. وأذكر منذ طفولتي أن بعض الدعاة كتبوا هذا الوحي على جدران المسجد بالكبابير.

أما الخليفة الخامس – نصره الله – فلقد تشرفت بلقاء حضرته مع وفد الكبابير في الجلسة السنوية الماضية، فلمست فيه ذلك الرجل الهادئ المطمئن. كانت لديه الطاقة وسعة الصدر أن يسمع مِن كل واحد ممن حضروا ما يجول بخاطره، والكل يطلب منه الدعاء لتحقيق ما يصبو إليه. وفي الأخير أسعدنا بقوله إنه يحب الكبابير ويرغب بشدة في زيارة مركزنا على جبل الكرمل.

طه القزق، الأردن

وضعتْ زوجتي الولد الأول بعملية قيصرية، وعندما حملت المرة الثانية أجمع الأطباء أنها ستلد هذه المرة أيضا بعملية قيصرية، فأرسلتُ رسالة لأمير المؤمنين (الخليفة الثاني ) أطلب فيها الدعاء لكي تلد ولادة طبيعية. وبمجرد أن وضعتُ الرسالة في البريد أعلنت للجميع أن زوجتي ستلد ولادة طبيعية على خلاف ما جاءت به التقارير الطبية كلها. وعندما جاءها المخاض بقيت ثلاثة أيام تتألم والأطباء يطلبون إجراء العملية وأنا أقول ستلد طبيعيا. وعندما يئس الجميع وأخذوها إلى غرفة العمليات ذهبتُ إلى غرفة تحت الأرض، وتضرعت إلى الله وقلت: يا ربّ كيف يكون موقفي أمام الناس؟ وعندما أُدخلتِ الغرفة خرج المولود طبيعيا، وبدأوا يصيحون ويبحثون عني ويقولون يا طه أين أنت؟ لقد ولدتْ بدون عملية.

في السبعينات قررتُ الذهاب لحضور الجلسة السنوية في ربوة باكستان وأن أدفع  المبلغ الذي جمعته كتبرع، لأننا بعد هجرتنا من فلسطين توقفنا عن دفع التبرعات، وكنا نجمعها ونبقيها عندنا. كنت اشتريت مصحفا جميلا لكي أقدمه هدية لمولانا أمير المؤمنين مرزا ناصر أحمد رحمه الله. كنت أريد السفر إلى باكستان بالسيارة ولكن حدثت أمور وأخرتُ السفر. وفي يوم من الأيام جاء عندي الأستاذ منير الدين شمس قادمًا من لندن في طريقه إلى باكستان، فقلت له: أرجو أن تقدم هذا المصحف هديةً لمولانا أمير المؤمنين، فحمل هذه الأمانة بسرور، ولكنه من كثرة أعباء السفر نسي المصحف في القطار. وعندما قابل مولانا أميرَ المؤمنين قال له: يا سيدي إن طه القزق أعطاني مصحفًا لأقدمه لحضرتكم هديةً منه وأنا متأسف لأني نسيتُه في القطار. فقال له حضرته: ولماذا جئت؟! ارجِعْ إلى القطار وفتّشْ عن المصحف. ومن حسن حظه أنه رجع ووجد المصحف.

في سنة 1979 ذهبتُ أول مرة إلى الجلسة السنوية بقاديان وربوة. قضيت ليلة باردة جدا في ربوة، لم أحسّ بمثل ذلك البرد في حياتي. وفي اليوم التالي ذهبت لمقابلة مولانا مرزا ناصر أحمد رحمه الله. تحدثنا، وقلت له أريد أن أذهب إلى كشمير. فقال: لا تذهب إلى كشمير لأن هناك بردًا قارسًا في هذه الأيام، بل اذهبْ إلى آغرا ودلهي. تركت نقودًا على مكتب حضرته ورجعت إلى دار الضيافة. فأرسل حضرته شخصا على دراجة يسألني: لماذا تركت هذه النقود؟ فقلت له: تبرعًا مني. فسألني: في أي صندوق. فقلت: كما يريد أمير المؤمنين. فذهبت لحضور الجلسة في قاديان ثم عدت وحضرت الجلسة في ربوة.

عند انتهاء الجلسة ذهبت لوداع أمير المؤمنين. فرأيت كثيرا من الناس في صف طويل جدًا وقد أتى جميعهم لوداعه. فقلت في نفسي: متى سأقابله؟ لم أكن أعرف أن المقابلة تكون في مجموعات. وكنت أنا العربي الوحيد بين القوم. فجاء دوري بسرعة. والعجيب أنني حين قابلت حضرته عانقني وشعرت وكأن هناك سلكًا موصولا من قلبه إلى قلبي وكأنه يشحن بطارية. وأشعرَني كأني أنا الضيف الوحيد الأعز عليه. فتصوَّرْنا معا، وتحدثنا وكنت خجولاً، لأن الناس كثيرون، وأخذتُ كثيرا من وقته الثمين، ولكنه أشعرَني أنه مرتاح بمقابلتي فلا حاجة للقلق. بعدها قال لي: انتظرني في الخارج مع الإخوة لأني سوف أخرج وأقابل الجميع. وعندما خرج توجهَ إليَّ، ثم أُخذِتْ لنا صورة، فقال: هذه الصورة لي. فقلت أنا أريد صورة أيضا. فأمر بعض الإخوة أن يأخذ صورة أخرى، وخرجت الصورةُ فورًا.

بعدها ذهبوا بي إلى مطار فيصل آباد، وقبيل أن نُدعى لركوب الطائرة سمعت مناديا ينادي باسمي، فالتفتُّ وإذا بأحد موظفي المطار يعطيني رسالة من أمير المؤمنين فيها وصْلٌ بالنقود التي دفعتُها تبرعًا مني.

في عام 1981 ذهبت إلى ربوة للجلسة السنوية، وهي آخر جلسة في عهد الخليفة الثالث رحمه الله تعالى. وبعد الجلسة في أحد الأيام دعاني مولانا أمير المؤمنين للنـزهة في بساتينه وبساتين أقاربه. وكانت هناك سيارة كبيرة فيها ثمانية مقاعد، فركبها شخصيات كبيرة في الجماعة، من بينهم مرزا مظفر أحمد، حفيد المسيح الموعود ، وأكرمني مولانا أمير المؤمنين بالجلوس معه في سيارته. وكان في الطريق يعرِّفني على أصحاب هذه البساتين ويقول هذه لفلان وتلك لفلان.

ونزلنا في بستانه، وعُرضتْ عليه خيوله التي كان مولعا بتربيتها. وكانت في البستان على جانبي الشارع أشجار كثيرة من الخيزران وكانت كثيفة الأغصان تغطي الطريق من فوق حتى جعلت محرابًا على الطريق. فأعطاني حضرته حبة برتقال، ولكن لم يوجد فيها أي رحيق. فاستدعى البستاني وقال له: أعطني برتقالا من الأشجار الفلانية، فجاء بها وكانت لذيذة وحلوة جدا.

في عام 1982 وفقني الله لزيارة ربوة في الجلسة الأولى في عهد الخليفة الرابع رحمه الله تعالى. في هذه الجلسة كان الحضور كبيرا جدا.

وعندما أردنا مغادرة ربوة ذهبتُ أنا والأخ مصطفى ثابت لتوديع مولانا الخليفة، فرأى أن أيدينا خالية من أي خواتم، فقال: لم لا تلبسون الخواتم؟ ثم أرسل شخصا فجاء بخاتَمين، وأعطاني واحدا وآخر لمصطفى ثابت.

عندما صار مولانا مرزا طاهر أحمد -رحمه الله- خليفةً كان كثير من الإخوة قد رأوه في الرؤيا أنه رجل عسكري. لقد رأيته بنفسي في الرؤيا في زيِّ العساكر الخصوصيين الذين يركبون الخيول ويذهبون إلى القرى المتمردة فيجعلون أهلها مطيعين عنوة.

كان الخليفة الثالث رحمه الله قد أعلن عن بناء أول مسجد في إسبانيا بعد خروج المسلمين منها بخمس مئة سنة، وأرسى أساس هذا المسجد في بيدورآباد قرب قرطبة عام 1980، وكان سيفتتحه في عام 1982، ولكنه توفي قبل موعد الافتتاح، فسافر الخليفة الرابع رحمه الله تعالى لافتتاحه. وكان من حسن حظي أن أكون من بين الذين حضروا هذه المناسبة التاريخية. كان في بيدورآباد مجموعة من كبار الجماعة على رأسهم سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله والسيد محمد ظفر الله خان والبروفسور عبد السلام. وحضر كثير من المسؤولين الإسبان واستمعوا لخطاب مولانا الخليفة رحمه الله.

وكان في لبنان أيتام كثيرون خلّفتهم الحرب الأهلية، وكانوا يُعرَضون على العائلات، فأشرت على مولانا أمير المؤمنين بأن نأخذ من هؤلاء الأيتام إلى ربوة، ونعلّمهم الدين الإسلامي وننفق عليهم ونربيهم. فأُعجب بهذه الفكرة، ثم أُلغيت هذه المهمة لأسباب.

لما هاجر مولانا الخليفة الرابع رحمه الله تعالى إلى بريطانيا في إبريل/نيسان عام 1984 نتيجة القرار العسكري الغاشم ضد الجماعة، ذهبتُ إلى لندن حين سمعت أن الخليفة قد وصلها. وصلتُ المسجد عند صلاة المغرب، وعندما انتهت الصلاة جلس مولانا أمير المؤمنين مع الإخوة ليتحدث معهم، ووجدني بين الجالسين قال: متى جئت؟ قلت: الآن يا سيدي. فنمتُ بمركز الجماعة قرب مسجد فضل في الغرفة التي كان السير محمد ظفر الله خان يسكن فيها. وفي الصباح قال مولانا أمير المؤمنين رحمه الله؛ سندعو بعض الأحمديين العرب للتشاور، فأرسلْنا إلى الأخ حسين القزق من الكويت والأخ مصطفى ثابت من كندا والأخ محمود عودة من الكبابير. وكان الموضوع التخطيط لإصدار مجلة عربية وترجمة الكتب وإعداد المنشورات، وتقررَ أيضا شراء مطبعة تطبع منشوراتنا.

أحمد الله تعالى أن كان لي شرف لقاءات أخرى بالخليفة الرابع رحمه الله ثم بالخليفة الخامس -نصره الله- إلا أني أكتفي بهذا القدر.

أبو الفرج الحصني، سوريـا

حين تقررَ سفر الخليفة الثاني ونزوله في دمشق عام 1955، أرسلت الجماعةُ في المركز إلى أمير الجماعة بدمشق تطلب منه تهيئة مكان مناسب لنـزول الخليفة. وتقرر بعد البحث الطويل بأن أكثر الأماكن أمانًا لنـزول الخليفة هو منـزل الحاج بدر الدين الحصني في سوق الحريقة بدمشق. فنـزل الخليفة الثاني مع حرمه وبناته في هذا البيت، أما بقية الوفد المرافق لحضرته فنـزلوا في أحد الفنادق. وقد قام بعض أفراد الجماعة بحراسة المنـزل، وكان لي شرف أن أكون أحدهم. وقد شهد كثير من غير الأحمديين الذين حظوا بمقابلته على سمو روحانيته وتقواه. ولقد شهدتْ بعض النساء من أهل الحاج بدر الدين اللواتي كن يكرهن الأحمدية أن هذا الرجل ولي من أولياء الله . لقد أحس الجميع بالبركات العجيبة أثناء وجوده في بيت الحاج بدر الدين.

ذهبتُ إلى مركز الجماعة ربوة بباكستان في عام 1972 في عهد الخليفة الثالث رحمه الله، وأقمت هناك ثمانية شهور، فتوفيت والدتي وأنا غائب عنها، وقد نعاها الخليفة الثالث في خطبة الجمعة.

حين وصلتُ إلى ربوة كان الخليفة الثالث -رحمه الله- في “ايبت آباد” وهي مصيف يبعد عن ربوة مئات الأميال، فحين أخبروه بوصولي طلب ذهابي إليه، فذهبت مع أحد الدعاة. كانت المشكلة كيفية التفاهم، فأنا لا أجيد الإنكليزية، وكان حضرة الخليفة يجيد العربية ولكنه لم يمارس التكلم بها، وكانت الطريقة المثالية للتفاهم أن أتكلم بالعربية وهو بالإنكليزية وتفاهمنا لمدة تقارب الساعة. وكان لقاءً لا أستطيع أن أصف فيه شعوري وحبي وتعلقي بخليفة الزمان. وكان حضرته يغمرني برعايته واهتمامه وتتبّع أخباري صغيرها وكبيرها. مرضت نتيجة اختلاف نوعية الطعام، فاستدعاني وبدأ يسألني – من غير أن أنتبه لسبب هذه الأسئلة – عن نوعية الأطعمة في بلادنا، وقد أخبرته عن ذلك، وفوجئت أنه أصدر أمرًا لإدارة دار الضيافة بأن يحضروا لي طعامًا خاصًا مما أخبرته عن الطعام المألوف في بلادنا.

وأذكر قصة حصلت يوم افتتح -رحمه الله- اجتماعًا لمجلس أنصار الله؛ فقد افتتح حضرته الاجتماع بخطاب حول قول الله تعالى:

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِين*  وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ،

وبيّن فيه أن التين يرمز إلى عهد آدم ، والزيتون إلى عهد نوح ، وطور سينين إلى عهد موسى ، وهذا البلد الأمين يرمز إلى ظهور البعثة المحمدية التي هي خاتمة الرسالات. كان خطابًا روحانيًا رائعًا قد أبدع حضرته في شرح هذا الأمر العجيب حتى أنني كنت أرى بعضًا من كبار علماء الجماعة يبكون. وحين انتهى الخطاب قابلتُ الشيخ نذير أحمد (اللائلبوري) – وقد كان “ناظر الطباعة والنشر” ومن كبار علماء الجماعة ومناظريها الأفذاذ – فقال لي وهو يبكي: أرأيت كيف كانت الملائكة تحيط بحضرته أثناء خطابه وكأنه ليس هو المتكلم.

د. محمد حاتم حلمي الشافعي، مصـر

لقد بايعت سيدنا “طاهر أحمد” – رحمه الله – في بداية خلافته، وكان ذلك كتابةً ولم ألتق بحضرته شخصيًا. وكانت وسيلة الاتصال عندها المراسلة، فكان يرد على كل رسالة ويغمرنا بالدعوات الطيبة والأماني الرقيقة التي كثيرًا ما بثّت في نفوسنا الثقة والسعادة لأنها كانت تصدر من القلب وتصل إلى القلب.

بعد أن انتقل والدي – رحمه الله – للإقامة الدائمة في لندن بجوار الخليفة ليكون في خدمة الدين كما يرى أمير المؤمنين، تجلّت جوانب من شخصية حضرته لم نكن نعرفها من قبل. لقد تجلى هذا الحب في حلقات “لقاء مع العرب” كان والدي – رحمه الله – يقوم فيها بالترجمة الفورية لحديث أمير المؤمنين. كان هذا الحب وهذا التشجيع حافزًا لوالدي، فانطلق يبذل كل طاقاته في خدمة الدين. كان والدي يقول إن حب أمير المؤمنين لي يقتلني حياءً فإنني لا أدري لماذا يحبني حضرته كل هذا الحب.

لقد رأينا هذا الحب ولمسناه بأنفسنا عندما مرض والدي مرضه الأخير وهو في القاهرة. ولقد طلب أمير المؤمنين من والدي بعد وصوله إلى إسلام آباد ببريطانيا ألاّ يأتي هو لزيارة حضرته، بل سوف يأتي حضرته بنفسه للاطمئنان عليه وزيارته في المنـزل.

وبعد وفاة والدي تحدث عنه حضرته بما أثلج صدورنا وطيّب خواطرنا وما زلنا نلمس آثار حب أمير المؤمنين وتكريمه لوالدي بعد كل هذه السنوات في قلوبنا وقلوب كل من كان يتابع حلقات “لقاء مع العرب”.

ثم كان أول لقاء لي وزوجتي مع حضرته عندما سافرنا إلى لندن عام 1996 لحضور الجلسة السنوية. والحقيقة أنني لا أستطيع وصف مشاعري عند لقاء حضرته أول مرة. كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي ألقى فيها الخليفةَ ولك أن تتصور مزيج المشاعر من المحبة والسعادة والرهبة والاحترام. فلما عانقني تمنيت أن لا أفارق حضنه أبدًا. ثم جلس معنا يتجاذب الحديث الأبوي الرقيق، فكان عطوفًا حنونًا يشعّ وجهه بنور الله فلم أر وجهًا مضيئًا كوجهه من قبل. وكان ينظر بعين حانية لنا ولكنها عين ثاقبة تشعر وكأنها تنظر ما بداخلك. إنها عين المؤمن الذي يرى بنور الله. امتلأت نفوسنا رضًا وسعادة.

ثم تجلى لنا خُلقٌ آخر لحضرته عندما حضرنا معه حلقة خاصة من “لقاء مع العرب”. كم كان بسيطًا متواضعًا، حتى إنه كان يقوم بنفسه بخدمة ضيوفه ويخاطب الجميع صغيرًا وكبيرًا بالحب والرفق.

عند رحيل سيدنا “طاهر أحمد” في عام 2003 أصابنا حزن شديد لفراقه وشعرنا بالخوف على جماعتنا الحبيبة أن تعصف بها الأخطار؛ ولكن تجلَّت رحمة الله تعالى في سيدنا ميرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز.

وبفضل الله تعالى في نفس العام ذهبت أنا وأسرتي لحضور الجلسة السنوية وكان لنا شرف اللقاء بحضرته في مكتبه الخاص. لا أستطيع وصف المشاعر التي جاشت في صدري عند رؤية حضرته لأول مرة. قام لاستقبالنا فلم يتمكن لساني من نطق شيء سوى التحية؛ وكانت العيون وما ذرفته من دموع هي المتكلم. لقد عانقني بكل محبة وحنان، وتحدث معنا بكل تواضع ولطف.

قبل هذا اللقاء لم تكن مشاعري تجاه حضرته كالتي كنت أشعر بها للخليفة الراحل بحكم ما سردتُه من ذكريات مع الخليفة الراحل. ولكن بعد هذا اللقاء وبعد رؤية وجهه المنير ومقابلته شخصيًا تضاعفت مشاعر الحب لحضرته بعد أن كانت مشاعري هي التوقير والاحترام له. ثم كان آخر ما أكرمني به حضرته في الجلسة السنوية عام 2008 بمناسبة القرن الأول للخلافة الراشدة الثانية حيث جعلني ضمن المجموعة التي تتشرف بالجلوس مباشرة أمامه أثناء البيعة العالمية. لقد أخذ يدي اليمنى بيده الكريمة ووضع يدي في يده وكانت يدي أول يد توضع في يده الكريمة. لقد كان لهذا الأمر وقع خاص وشديد على نفسي جعلني أبكي أثناء البيعة العالمية كلها.

الحقيقة أن لقاء الخليفة والتحدث معه والتبرك بالقرب منه يجعلنا نعود وكلنا قوة وحماس لعمل الخير والرغبة في الترقي في مدارج التقوى. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

حسين قزق، كنـدا

في البحث بين أوراق المراسلات، وجدتُ أن قاسما مشتركا يجمع بين خلفاء المسيح الموعود هو قلوبهم المفعمة بالحب الصادق تجاه خلق الله، والحث على تقوى الله والتواصل مع الناس بالمراسلة، رغم عِظم المسئوليات الملقاة على عواتقهم.

في زيارة لربوة، أثناء حضور الجلسة السنوية، تشرفتُ أنا ووالداي -رحمهما الله- بمقابلة مولانا الخليفة ميرزا طاهر -رحمه الله- وأنقل هنا خاطرة منها. سأل حضرتُه والدتَنا والحياء بادٍ على محياه: كيف وجدتِ الجماعة في ربوة يا سيدتي؟ فردتْ وهي واثقة من قولها: إنهم قوم لم أعهد مثلهم قط.. يخرّون للأذقان سُجَّدا وبُكيًّا.

واليوم يقوم مولانا حضرة أمير المؤمنين ميرزا مسرور أحمد -أيده الله تعالى بنصره العزيز- بهذه المهمة المباركة في إدارة سفينة الخلافة الأحمدية، فنسأل الله تعالى أن يمد في عمره ويهبه الصحة والعافية، آمين.

نسيبة إسلامبولي، سوريـا

قد يستغرب البعض أن حضرة الخليفة الرابع ميرزا طاهر أحمد رحمه الله هو من بشرني شخصيًا بفضل الله.. مع أنني لم أسمع عن الأحمدية إلا بعد وفاته بأربع سنوات..

عرفت الجماعة عن طريق الفضائية العربية المباركة وبدأت بمتابعة برامجها فكان برنامج “لقاء مع العرب” أول ما تابعتُ. لم أكن أحضره بانتظام ولكن ما لفت نظري هو أن فكرة ما كانت تخطر في بالي وأتساءل عن رأي الجماعة حولها، فإذا بي أسمعه من حضرته رحمه الله تعالى في الحلقة التالية مباشرةً وكأنه يجيبني أنا تحديدًا. وعندما تكرر ذلك أحسست بعلاقة قوية تربطني بحضرته رحمه الله.. فكان له أثرٌ كبير في اتخاذي قرار المبايعة.

ودفعني ذلك أيضًا إلى السعي لإنشاء علاقة قوية مع أمير المؤمنين سيدنا ميرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره. ووجدت أن خطب الجمعة التي يلقيها حضرته كانت هي المحرك الأساسي الذي بدأ يترك آثاره الطيبة في نفسي، فتعلمت منه كيف أدعو فأشعر بلذة الدعاء، وأصلي فأجد حلاوة الصلاة، وعددًا من الأمور التي أحدثت في نفسي تغييراتٍ طيبة بفضل الله تبارك وتعالى.

وصلتني حتى الآن بضع رسائل من حضرته وأطمح بالمزيد والمزيد من التواصل مع حضرته والارتباط بالخلافة التي منَّ الله بها علينا من بعد طول عناء.

فتحي عبد السلام، مصـر

ما أسعدَ الذكرى لما أرسلت خطابا مطولا لسيدي أمير المؤمنين طاهر أحمد رحمه الله، فرد عليه بخطاب عطر ودعاء جميل. ولا أنسى بكائي على قبره في إسلام آباد في ريف لندن، ليس في (بهشتي مقبرة) ولكنه في بهشتي مقبرة.

لا شك عندي أن الخلافة الأحمدية هي الخلافة الإسلامية الراشدة في العصر الحاضر، وأن نور رسول الله محمد قد عاد يغمر من شاء أن يغمر نفسه فيه. إن أجمل حياة عشتها هي فترة وصولي للخلافة الإسلامية الأحمدية وحديقة البيعة المسلمة، حيث الخليفة يتلو آيات الله ويزكي المنصتين ويعلّمهم الكتاب والحكمة. يعلّمنا أسماء الله الحسنى ومدى فتنة جمالها. ها هي الكتب تُترجم أو تُحقَّق وتطبع وتنشر، والوفود تأتي وتذهب، والصدور تتعانق بحب، والرسائل يُرَدّ عليها، والأسئلة تجد لها ردا شافيا، ودعاء الله يتردد بين جنبات الكون، واستجابة الله تثبت معنى الحي القيوم. إنها نفس المهمة النبوية التي عادت لتجد من يقوم بوظائفها.

يخطب أمير المؤمنين ويعلن لنا كل يوم أن البيعة وحدها لا تفيد إلا بشفاعة العمل، فوتر البيعة والقولِ لا بد له من شفع الصالحات والتنفيذ. ويطارد النفس الأمارة بهذا البيان دون كلل حتى تسلم النفس مطمئنة.

كلما قرأت التاريخ عرفتُ وتعمقَ إحساسي بقيمة ما أنا فيه مِن خير في عمارة الخلافة التي هدمتْها روح الثوائر والغضب والعجلة. كلما قرأت التواريخ، وقبائلنا تتقاتل وتستحل الحرمات، ومن أجل كلمة تقتل أمةٌ وتُعرِض عن أولياء الله الطاهرين، تعلمتُ معنى ونعمة أن الله أتـاح لي الحياة في ظـل خلافة الإسـلام في هذه الأيـام.

جمال أغزول، المغـرب

بدأت تجربتي مع الخلافة الإسلامية الأحمدية في عهد الخليفة الرابع ميرزا طاهر أحمد رحمه الله سنة 1995 حيث كنت في طور البحث عن عقائد الجماعة الإسلامية الأحمدية التي اطلعتُ عليها في مقال نشرته مجلة دينية عربية فيما أسمتها “القاديانية”. وعجائب ألطاف الله تعالى أن يقودني إلى سبل اليقين عن طريق الفضائية الإسلامية الأحمدية للتعرف على الأحمدية من مصادرها، وكان شخص الخليفة الرابع رحمه الله تعالى ممن ساهم بشكل كبير – بعد فضل الله تعالى- في إزالة الحجب وتفنيد شبهات كانت تراودني. إذ كانت خطب الجمعة التي يلقيها رحمه الله وبرنامج لقاء مع العرب الذي يجيب فيه على أسئلة الناس وبيان تفسير الآيات القرآنية هي ذلك المعين الصافي الذي روى غليلي بعد سنوات جفاف فكري وعقدي لا يسمن ولا يغني من جوع. وكان ذلك فاتحة خير وهدى ونور، كشف الكثير من الحقائق عن الإسلام العظيم وشخصية نبينا محمد المصطفى . لقد كان لشخص الخليفة الرابع رحمه الله وروحانيته ورسائله والبرامج التي كان يحضرها، ذلك الأثر الذي لا يمحى من الذاكرة قبل البيعة وبعدها. وذلك الوجد والرقة التي تتملكه وهو يسرد موقفا من مواقف النبي أو سيرته أو مقامه الروحي لمما يؤكد صدق وعمق الإيمان، هذا فضلا عن إدراك لحقيقة معنى خاتمية النبي . وهذا ما حفزني بعمق أن أسبر غور الأحمدية وشخص مؤسسها، وشاء الله تعالى بعد مسيرة طويلة من المراسلات مع الخليفة الراحل -رحمه الله – وأدعيته وتوجيهاته الروحانية وتمكينه إيايّ من الحصول على كثير من كتب الجماعة باللغة العربية أن ذللت كل الصعاب من أمامي، حتى صرت ولله الحمد مسلما أحمديا. فأثلج الله صدري من جميع الجوانب والنواحي، ووفقني لخدمة الدين. كنت وحيدا فريدا فوهب الله لي كثيرا من الأحبة المؤمنين زرافات ووحدانا في شتى ربوع البلاد. وكان ذلك تحقيقًا لما بشّرني به الخليفة الرابع رحمه الله في رسالته بتاريخ 25/1/1996. وكلّما تصفحت رسالته هذه التي احتفظ بها أرى مدى النعمة التي وهبها الله لنا في الخلافة في صلب الأحمدية وكيف أن الخليفة يرى بنور الله تعالى، وأنه مستجاب الدعوات، وأن العمل بتوجيهاته والتشرف بأدعيته والصلة به يُكسب السالك في ظله بركات كثيرة وأفضالا جمّة. وفيما يلي أقتبس من رسالة حضرته رحمه الله ورضي عنه لعلها تكون نافعة لإخواني المبايعين الجدد فيستمدوا منها الحكمة الروحانية كما استمددت، وتتوثق صلتهم بخليفة الوقت الحالي سيدنا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز فيحظون بمسرات إيمانية وألطاف ربانية تكون زادا لهم وتشحيذًا لِهِمَمِهم ومن يأتي بعدهم أيضا. كتب حضرته:

” ….بارك الله فيكم وفي كل ما لكم، وكثّر أمثالكم، وأثمر جهودكم، وجعل لكم “سلاطين ناصرين”. عليكم إلى جانب الجهود التبليغية الإكثار من دعاء: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا . وإنني متفائل بأن الله سوف يعطيكم كثيرا من الثمار الطيبة الحلوة، فقط عليكم ألا تيأسوا بل استمروا في بذل ما في طاقتكم، ولا تنظروا إلى الجهود ولا يأخذكم الزّهو والخُيَلاء، بل عليكم بالتوكل الكامل والإيمان الصادق والكامل على الله، واعلموا أن ما تجنونه فإنما هو بفضله ورحمته، لا بجهودكم. فإذا فعلتم ذلك وتواضعتم تواضعًا صادقا فسوف ترون آثار الثمار الحلوة. هذه هي خطة الله وعملُه فلماذا لا يبارك في جهودكم التي تبذلونها لدينه وفي سبيله، ابتغاء مرضاته وليس لمصلحة دنيوية أو مكانة دنيوية؟”

الشيخ محمد عرفة، مصـر

لا يسعني إلا أن أهنئ أمير المؤمنين، فتلك الحضرة تجعلني رابط الجأش قوي العزيمة راسخ الإيمان. فالحمد لله الذي وهبنا بركة من عنده، وأصلي وأسلم على نبي الله وعبده وأسجل شهادة أن الأحمديين الجدد دليل صدق نبوة المسيح المحمدي خاتم الخلفاء إن كنتم تبصرون. وأقول لأمير المؤمنين كفاك الله وعافاك يا أمير المؤمنين، وصدَق غلام النبي يا قائدَ الموكب الرباني. وأقول لإخواننا المسلمين: يا من تخافون على الإسلام، اطمئنوا، يا من تغارون على الإسلام، فالخلافة الأحمدية برهان صدق الإمـام وبرهـان صدق النبي العدنـان.

مريم نايف قصيني، الكبابير

في 1/8/1987 دخل زوجي إبراهيم قزق المستشفى بعد أن شعر بالدوار وبدأ جسده يرتجف. فتمت معالجته هناك، ومن ثم أُرسِل إلى البيت وكان عليه أن يأخذ دواء مُمَيع الدم (Blood dillution) كل يوم. وحدث مرة أنه لم يأخذ الدواء لثلاثة أيام متتالية، وفي اليوم الثالث بينما كان في صلاة العصر في المسجد شعر بالدوار وبدأ يتقيأ فنُقل إلى المستشفى. وقد ظلّ وضعه هناك في تدهور مستمر، فذهبتُ إلى حضرة المبشر باكية وأخبرته عن أحوال زوجي وطلبت منه أن يرسل رسالة لحضرة أمير المؤمنين ويطلب منه الدعاء لشفائه.

وبعد بضعة أيام تدهور وضعه أكثر وقال الأطباء: سيفارق الحياة خلال دقائق. فأخرَجونا من الغرفة ونقلوه إلى غرفة العناية المكثّفة. وبدأ الناس يتوافدون إلى بيتنا بسماعهم أنباء تدهور صحته.

وفي الصباح حين عدت إلى المستشفى وكانوا قد نقلوه إلى غرفة الإنعاش، سلمت عليه وسألته عن حاله وإذا به يحرّك عينيه قليلا ويتمتم ويقول “الحمد لله”. وعندها قال الطبيب: إن زالت نقطة الدم من مخه فسيعيش. وبعد يومين أو ثلاثة أيام زالت هذه النقطة والحمد لله، وبدأ وضعه يتحسن شيئًا فشيئا.

خلال الفترة التي كان فيها بالمستشفى وصلتنا رسالة من حضرة أمير المؤمنين يقول فيها إنه قد دعا لزوجي، وبإذن الله سوف يشفى ويحضر اليوبيل المئوي للجماعة. وبالفعل استمر وضعه في التحسن منذ ذلك اليوم وخلال بضعة أشهر – وبعد أن كان على وشك الموت – خرج من المستشفى وعاش بعد هذا الحادث ما يقارب الـ 15 عاما، وحضر اليوبيل المئوي للجماعة بفضل الله تعالى.

معمر جدي، الجـزائر

في الحقيقة أنا لم أتشرف بلقاء مولانا أمير المؤمنين أيده الله بنصر عزيز من عنده، لكن ذلك هو أمنيتي. وقد تأثرت كثيرا حين حضر مولانا أمير المؤمنين – حفظه الله- إحدى حلقات الحوار المباشر التي كانت مخصصة أصلاً لليوبيل المئوي للخلافة الأحمدية على منهاج النبوة وحين ألقى تلك الرسالة الخالدة التي وجهها للأحمديين العرب. لقد كانت تلك الزيارة وتلك الكلمات الخالدة بمثابة لقاء بالنسبة لي.

د. علي خالد البراقي، سوريـا

لا أدري كيف شاءت إرادة الله تعالى أن تجذبني للعودة سريعًا – وأنا في بلاد الغرب (فرنسا) أتابع دراستي العليا – لأعود إلى بلدي سورية في شهر الشتاء القاسي من عام 1986 لأتحقق من أمر جماعة أفكارها غريبة كما كتبوا لي. فرجعت وبعد تحري الأمر والتحقيق بايعتُ. ثم عدتُ إلى فرنسا، فسألتني زوجتي والدموع تنهمر من عينيها: ماذا حدث؟ قلت لها خيرًا والحمد لله، لقد أصبحت أحمديًا كأخي وهذه جماعة الله. وبعد دقائق من الشرح وتقديم الأدلة بايعتْ زوجتي أيضًا.

وبعد عدة شهور كنت أتحسس مسيرة الخليفة – رحمه الله – وتجواله، فعلمت أنه سيكون في سويسرا لإلقاء محاضرة في جامعة زيورخ، فذهبت للقائه من فرنسا بهديتين: نسخة مزخرفة وملونة من القرآن الكريم، وهدية أخرى كانت ترمز إلى دراستي وعملي، إنها العسل بنوعيه: مصفى وبشهده. وكان مَن يقابله لا يمكث عنده أكثر من دقيقة أو دقيقتين. وعندما دخلت عانقني بمنتهى الرحمة والحب والحنو وسمح لي بالجلوس. فقلت لحضرته إن اسمي علي خالد البراقي من سوريا، وأنا أحضِّر الدكتوراه في فرنسا، وإني أحمدي جديد قد بايعت منذ عدة شهور. وكنت أتكلم بالعربية فيفهم علي، وكان رحمه الله يتحدث بالإنجليزية فأفهم عليه. ثم قدمت له الهدية الأولى، فشكرني وفتح القرآن ورأى التزيينات والنقوش فذكر حديث رسول الله :”…لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه..”، وأشار إلى الألوان والزخارف الجميلة على المصحف. فقدمت له العسل وقلت له أني أتخصص في النحل وإنتاج العسل، ففرح بذلك كثيرًا ودعا لي وتحدث عن عظمة مملكة النحل ونظام مجتمعها وقال لي عليك بمتابعة البحث في هذا العلم، وتحدّث عن مسئولية العرب اليوم وهم قوم رسول الله . وأحسست بحبه الشديد للعرب وتكريمه لهم. ثم أكرمني بهدية قبل توديعي.

 

عطاف عودة، الكبـابير

“في عهد الخليفة الرابع مرزا طاهر أحمد -رحمه الله- وفي شهر تموز سنة 1991 طلب زوجي مني السفر إلى لندن لحضور الجلسة السنوية. وشدد الخليفة -رحمه الله، في خطابه على دور الأم ومعاملتها ومكانتها في المجتمع. شعرتُ كأنه يخاطبني شخصيا، حيث لم أكن أُمًّا بعد، فحرّك الخليفة مشاعري كي أكون أمًّا فشعرت بارتياح غريب. وفي لقائنا مع أمير المؤمنين جاء دوري وقلت لحضرته إنني متزوجة منذ 16 عاما ولم أُرزق بمولود، فأرجو أن تدعو لي. وفي شهر كانون الثاني سنة 1993 كان أول شهور حملي وفي 22/09/1993 رزقنا الله ابنةً.

دارين يونس يوسف، سوريـا

لقد منّ الله تعالى علي أن أكون من المحظوظين الذين شهدوا عهد الخليفة الرابع ميرزا طاهر أحمد رحمه الله وشهدوا عهد الخليفة الخامس ميرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز القريب، آمين.

كان عمري 14 عامًا عندما كتبتُ أول رسالة أخاطب بها الخليفة الرابع رحمه الله وقد حدثته فيها عن نفسي، وكان ردّه بلغة المحب. وكنت كلما أتاني رده أتهلل فرحًا وكنت أحس بأنه أبي وكنت أراسله دائما بكلمة أبي العزيز. وقد طلبت من حضرته الدعاء لي في موضوع زواجي، وذلك لمعارضة أهل زوجي الشديدة، فأرسلت لحضرته رحمه الله رسالة أشرح له فيها كل شيء وبأنني لا أعلم ماذا أصنع وخائفة لما سينتهي الأمر له. فأرسل لي ردًا يدعو لي فيه بأن يختار الله لي الأفضل وييسر لي الأمور. وبعدها شاهدت رؤيا بأنه قد وصلتني رسالة منه وقد كتب فيها: بارك الله لك في البيّنة التي في وجهك، وإن كلمة زواج تعني اختيار، وأن الله قد اختار لك الأفضل. وفعلا ورغم كل الصعوبات فقد يسر الله تعالى لي كل الأمور، وعندما جاء زوجي لطلب الزواج مني وحيدا دون أهله في الأردن أرسلنا رسالة عن طريق أمير جماعة الأردن إلى الخليفة الرابع رحمه الله تعالى، فأتانا الرد عليها سريعا بقول حضرته هاتفيا لأمير الجماعة: “بارك الله فيما اخترتما وأتم موضوعكما على خير”. وفعلا أطاع أبي أمر الخليفة وأتممنا موضوع الزواج.

ثم جمع الله جماعته المباركة على انتخاب الخليفة الخامس حضرة ميرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز وكانت فرحتنا عارمة حيث أيدنا الله تعالى بحضوره ومباركاته وخاصة بعد إلهام المسيح الموعود : (إني معك يا مسرور)، فبهذه الكلمة المباركة زادنا حبا للخليفة الخامس.

في أحد الأيام تعرضت ابنتي رَحْمة – وقد أشركناها في مشروع “وقف نو” قبل ولادتها والحمد لله – لحادث حيث سقطتْ من درج منـزلنا وتعرضتْ لكسر في الجمجمة وكان وضعها خطيرا جدا، وقد طلبنا من الخليفة نصره الله الدعاء لابنتي، فدعا لها وهي الآن في أتم صحة وعافية بفضل الله تعالى.

إننا نشعر دائما بقربه منا وحبه لنا، ونتمنى لو أننا أمامه ومعه نقبل يده ونتبارك بقربه ورؤية وجهه ودعائه، ورغم المسافات نشعر كأنه بيننا في جميع أفراحنا وأتراحنا.

عُقدت جلسة اليوبيل المئوي للخلافة في بريطانيا وشاهدنا وقائعها في سوريا. وما أروعَها من جلسة بدءًا من قدومه نصره الله ورفع العلَم علَم الجماعة الإسلامية الأحمدية وهتافات الناس من حوله ومن كل مكان في العالم، في تلك اللحظات أحسسنا بأن قلوبنا تقفز إلى بريطانيا وتكون مع خليفتنا بقوته وحبه وحنانه وحزمه ومرحه نصره الله نصرا قريبا عزيزا كاملا، آمين.

الأستاذ عمر معاذ، الداعية الأحمدي بمالي

عندما ذهبتُ مع وفد الجماعة لمقابلة الخليفة الخامس – أيده الله تعالى بنصره العزيز – أثناء جولته في غرب أفريقيا عام 2004، قال لي حضرته: “يا عمر، عليك أن تحرّك مالي وتكسر العظام قبل أن آتي لزيارتها!” لم أفهم هذه الجملة في البداية. وعند عودتي أظهر الله أمرا غريبا جدا. كنت الوحيد من مالي الذي ذهب لدراسة الدين في ربوة ولم أكن أستطيع أن أواجه وحدي العلماء الأجلاء في مالي، فهم عالمون بعلوم القرآن وكتب الأحاديث. وفجأة وجّهني الله تعالى إلى تفتيش بعض الكتب التي ألّفها علماء من الجزائر والمغرب ومالي، وتصفحت هذه الكتب ووجدت فيها الأدلة التي تؤيد صدق الجماعة الإسلامية الأحمدية في عقيدتها.

ولقد نشرت هذه الأدلة في إذاعة مالي ودعوت العلماء كلهم للرد عليها، ولكن لم يقدر أحد منهم إلى الآن على أن يرد على هذا التحدي. وقد توقف بعدها هؤلاء العلماء عن شتم الجماعة حتى دخل بعضهم في جماعتنا. وعندها أدركت كلمة أمير المؤمنين “يا عمر عليك أن تحرّك مالي وتكسر العظام قبل أن آتي لزيارتها”.

 

غانم أحمد غانم، الأردن

تعرفتُ على الأحمدية في السجن على يد الأخ الكريم ناصر عودة رحمه الله عام 1980. كان أحمديا نشيطا دائم التبليغ والتبشير لنشر مفاهيم الأحمدية. فرأيت في هذه المفاهيم الرائعة ثورة إسلامية حقيقية تنهض بالإسلام من بين أنقاض الجهل والتخلف والخرافة، إلا أنني توقفت عند مفهوم النبوة ولم أقبل هذا المفهوم في البداية. وعزمت على أن أصلي صلاة الاستخارة أدعو الله أن يريني حقيقة هذه الجماعة، فقمت بأداء هذه الصلاة بخشوعٍ كبير عدة مرات، وفي العشر الأواخر من رمضان رأيت في المنام أنني أنظر إلى الأفق فوق الجبال من جهة الشرق وكان الوقت قبل طلوع الشمس بقليل. وكان في أعلى هذه الجبال رجل جالس يلبس ثيابا شديدة البياض، فقلت في نفسي: (هذا ليس الخميني)، وكان وقتها للخميني مكانة كبيرة في قلوب الناس، فمن تلك اللحظة لم أنظر إلى الخميني إلا من خلال السياسة والوطنية فقط بعيدا عمّا يمثله من الدين.

وبعد ذلك بحوالي أربع سنوات وبعد لقاءاتي المتعددة مع الأخ أبي مطيع (طه القزق) وفي أثناء قراءتي أحد الكتب الأحمدية رأيت صورةً مكتوب تحتها “ميرزا ناصر أحمد الخليفة الثالث للمسيح الموعود “، والغريب أنه كان نفس الرجل الذي رأيته في المنام قبل أربع سنوات يلبس الملابس البيضاء. وكانت هذه إشارة ونعمة وبركة الخلافة الراشدة مع أنني عندما رأيته في المنام لم أكن أحمديا ولا متعاطفا مع أفكارها.

أما تجربتي الثانية مع بركة الخلافة الراشدة فكانت مع الخليفة الرابع ميرزا طاهر أحمد رحمه الله، وكانت تجربة غريبة بحيث لا تكاد تُصدَّق؛ وهي أن الخليفة الرابع بعث لي رسالة ردًّا على رسالة لي كتبتها ولم أرسلها بعد وهي عندي حتى هذه اللحظة. وقد وصلت رسالة الخليفة التي يرد فيها على محتويات رسالتي غير المرسلة، حيث وصلتْ إلى صندوق البريد التابع لأبي مطيع (طه القزق) دون أن يكون عليها طابع بريد أو خاتم بريد مع أن العنوان المسجل على هذه الرسالة هو عنواني وصندوق بريدي ولم أعرف حتى هذه اللحظة كيف أفسر ما حدث.

أما تجربتي الثالثة فقد كانت مع خليفتنا وإمامنا الحالي سيدنا ميرزا مسرور أحمد نصره الله، حيث شملني وأسرتي بعنايته الخاصة عندما مررتُ بمحنة السجن بسبب الأحمدية. فقد كان يسأل دائما عن أوضاعنا ويتابعنا أولاً بأول، ويوصي كذلك جميع الإخوة بالاهتمام بأمرنا. فعناية واهتمام الخليفة هو عناية واهتمام من الله . ولا نقول إلا: “إني معك يا مسرور”.

مصطفى كمال ابن سماعين، الجزائـر

أود التعبير عن مدي التأثير الذي تركه فينا مولانا الخليفة الرابع رحمه الله، الذي عرفناه  من خلال التلفزيون الأحمدي منذ سنة 2001 تقريبا. فقد كان رحمه الله عقلانيا إلى أقصى الدرجات، وكان يبهر كل محاوريه، سواء أكانوا علماء في الاقتصاد أو في الفيزياء أو في الطب أو غيره، ويحسُّ من يحاوره أنه لا بد وأن يكون مؤيدا بروح القدس. لقد كان رحمه الله جذابا مثير الانتباه، حتى إن هذا جعلنا نتقبل الأحمدية وأفكارها تقبلا سلسا، حتى أعتبر نفسي أحمديا منذ ولادتي، والحمد لله. وهذا بفضل المائدة السماوية المنـزَّلة علينا، والتي أكلنا منها بفضل الله تعالى، ألا وهي التلفزيون الأحمدي المبارك كاسر الصليب وقاتل الخنـزير. اللهم اجعله عيدا لأولنا وآخرنا.

غصون المعضماني، سوريـا

قبل بيعتي بأسابيع رأيت في الرؤيا شخصًا مباركًا هو الخليفة الخامس للمسيح الموعود ، ولم يكن حضرته أثناء ذلك خليفةً. وطبعًا كنت أعلم بأهمية عودة الخلافة الراشدة إلى الأرض وأدركُ أن نظام الخلافة نظام مبارك يرعاه المولى، وأن يد الله مع الجماعة. وكنت أعلم علم اليقين أن الخليفة شخص ولاه الله العزيز واختاره من بين الجميع ليحمل الأمانة وأنه مبارك مستجاب الدعوات، مخلصٌ لله ورسوله وحكيمٌ يرتدي ثوب التقوى. كل هذا كنت أعلمه حين بايعت، ولكن حين وصلتني أول رسالة من أمير المؤمنين وقرأت كلمة (ابنتي غصون) فاضت عيناي بالدموع وشعرت أن كل ما تعلمت عن الخليفة كان علمًا قيِّمًا لكنه نظري، ورسالته لخّصتْ كل العلوم بكلمات ناطقة بشكل عملي يشرح الخلافة. فغدوت أحب حضرته أكثر فأكثر لحظة بعد لحظة وكيف لا وهو يرعاني ويهتم بأدق التفاصيل في حياتي ومرضي وعلاجي ودراستي وفشلي ونجاحي، وكيف لا أحبه وكيف لا أستخلفه عليّ وقد استخلفه الله الكريم؟!!

هو الصدر الحنون في لحظات ضعفي، وهو اليد التي تبارك وتشدّ على تطوري وتدفعني إلى الأمام، فأنا لا أشك لحظة أنني إذا نجحتُ يومًا فالعامل الأول وراء ذلك فضل الله بسبب دعاء حضرته لي.

عـمار المسكي، لنـدن

كان عمي الأستاذ منير الحصني رحمه الله أمير الجماعة في سورية حين تلقينا خبر وفاة الخليفة الثالث رحمه الله، فساد جماعةَ سوريا شعور الحزن الممزوج برهبة ما ينتظر الجماعة الأحمدية. إلا أن القدرة الإلهية قد ظهرت حين انتُخب الخليفة الرابع، فبايعناه فشعرنا بعد الخوف أمنًا.

حدث مرة أن جفّت المياه في سوريا لعدم هطول المطر لفترة طويلة، وعلى أثرها قرر كبار رجال الدين في سوريا بموافقة من الحكومة السورية وتأييد من رئيس الجمهورية آنذاك، بوجوب صلاة الاستسقاء. وبالفعل قد صلَّوها بالمسجد الأموي في دمشق مع حشد كبير من الناس وبقوا فترة طويلة وهم يتضرعون إلى الله ، ولكن المطر لم يهطل رغم انقضاء أيام بعد صلاة الاستسقاء، مما حدا برجال الدين حينها أن يعلنوا بخطبهم ليقولوا إنه ليس من الفرض على الله أن يستجيب الدعاء على الفور بل ربما بعد حين. فأرسل بعض أفراد الجماعة الأحمدية في سوريا إلى الخليفة الرابع رحمه الله يطلبون منه الدعاء، وكانت استجابة الله لدعائه أن هطلت الأمطار أسبوعًا كاملا وبغزارة، وتحدث حضرته عن هذا الحدث في برنامجه التلفزيوني (لقاء مع العرب).

وبخصوص الدعاء جرت لي قصة خاصة، إذ إن والدي أصيب بأزمة قلبية اضطرته لإجراء عمل جراحي خارج سوريا. وبعد سبع سنوات عاودته الحالة فعاد إلى نفس الطبيب الذي أجرى له العمل الجراحي السابق فرفض إجراء العملية الجراحية قائلا إن حالة قلبه لا تسمح بذلك واحتمال وفاته أثناء العمل الجراحي تفوق الحد المسموح به. أما عن بقائه بلا عمل جراحي فقد يحيا بحالة سماها (قنبلة موقوتة) لا يزيد زمنها عن شهرين. ولكننا لم نفقد الأمل وطلب والدي من طبيب آخر إجراء العملية. حينها أرسلتُ إلى أمير المؤمنين – رحمه الله – طالبًا منه الدعاء، وفي اليوم الثاني تلقّينا منه الرد “لقد دعوت له”. ويوم إجراء العملية أخذ الطبيب يذكر لنا ألا نقلق إن طال وقت الجراحية، وأنه قد لا يتمم العملية حال وجود مضاعفات صحية. أما الأعجوبة أو المعجزة التي حصلت كانت عندما خرج الطبيب من غرفة العمليات بعد خمس ساعات تقريبًا وهو الوقت الطبيعي، نظر إلي مستغربًا وقال: لقد أجريت عمليات كثيرة هنا وفي أمريكا إلا أن هذه أول مرة أجري بها عملا جراحيًا أشعر فيه أن الملائكة تحيطني وتساعدني، فكانت العملية لوالدك بالنسبة لي أسهل من عملية لشاب يجريها لأول مرة.

كل أحمدي يتمنى لقاء الخليفة وحقق الله أمنيتي هذه في الجلسة السنوية عام 1996 ضمن الوفد السوري، ولا أنسى لحظة معانقته لي.

لقد أحب العرب وأبرز حبَّه في أمور شتى، وقد قرأ مرة في برنامج (لقاء مع العرب) حديثًا لرسول الله : “أَحِبّوا العرب لثلاث: لأنني عربي، والقرآن عربي، ولغة أهل الجنة عربية”.

محمد منير إدلبي، سوريـا

تَسبقُهُ هيبتهُ قبل اللقاء.. ويُدفئك أُنسه وأنت في حضرته.. ويُعاودك الشوق إليه وأنت على بُعد خطوة واحدة من فِراقه.. ذلك غيضٌ من فيضِ انطباعاتٍ استثنائية يُعايِنُها من عَرَفَ أو التقى الخليفةَ الرابع ميرزا طاهر أحمد رحمه الله.

في مطلع الثمانينات هداني الله بفضله ورحمته ونعمته إلى نعمة الأحمدية، فَصَدَّقتُ دعوة المسيح الموعود وانضممتُ إلى جماعته المباركة.

في ذلك الوقت كان ثمة خلافات على إصلاح الأمر بين أفراد الجماعة في سورية، وكأحمدي جديد ساءني ذلك، فكتبتُ رسالتي الأولى إلى حضرته ليُحيط بالأمر عِلمًا من وجهة نظري، ولم أكن أحلُم بأكثر من ذلك.

وبعده بأيام قليلة، جاءني البريد يحمل أغلى هدية في عمري، رسالةً من الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود حضرة ميرزا طاهر أحمد، كانت رسالةُ حضرته جليلةً، مهيبة. وكانت تقول إن حضرة الخليفة قد قرر إرسال الأخ الفاضل مصطفى ثابت كمبعوث لحضرته ليدرس واقع الأمر ثم ليرسم الحلّ ويُقرّره، وأنه مخوّل بالسلطة اللازمة لفعل ذلك. كان هذا هو الملمح الأوّل لانطباعي عن حضرتِه. هو ذا إمامنا الخليفة لا يُهمل رأيَ فرد متواضع في جماعته، بل يصف رأيه بالحكمة، ويمدح همّته ووعيه، ثمّ يُفعِّل الحدث فورًا لتَصحيح أمر جماعته.

في عام 1986 رجوتُ حضرته أن يأذن لي بزيارته في لندن، فأذن لي. وبعد وصولي إلى لندن ومن ثم إلى إسلام آباد.. دخلتُ على سكرتير الخليفة، فأخبرني أن حضرة الخليفة سيحضر خلال لحظات. وقبل أن يُنهي كلامه دخل الخليفة بالوجه البدر وبَسْمةِ القمر متوجّها إليّ يسلّم علي ويعانقني بأغلى حبّ عرفته في حياتي. قابلته وكأنني صديق قديم، أو أخ شقيق، أو ابن حبيب.. عانقني الخليفة بكلامه البهيّ وَسَمره العذب وحنانه الدافئ.

وفي لقائي التالي مع حضرته في اليوم التالي كان أوّل ما سألني حضرته بعد استقباله لي إن كنتُ قد تناولتُ الطعام قبل المجيء، وقال هذا ما عَلَّمنا ربُّنا في القرآن الكريم أنّ سيّدنا إبراهيم قد فعل مع ضيفه، وتلا حضرته قوله

فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ .

ثم قال: لقد أَمرتُ سكرتيري أن يحجز لك لقاءً يوميًا معي طيلة مدّة بقائك هنا. وهذا ما كان طوال شهر كامل إذ كنتُ أتمتّع بلقاء حضرته ساعة كاملة في كلّ يوم تقريبًا. فكان الإخوة هناك يدعونني بالرجل المحظوظ.

وأثناء إقامتي في بيت الضيافة، كان يطرق باب غرفتي بين يوم وآخر مبعوثٌ من قِبل الخليفة يحمل إليّ هدية ما؛ فكنت أتمتّع بكرم فريد من حضرته رحمه الله.

دعاني حضرته مرّات عديدة للمشاركة في طعام العشاء على مائدته حين كان لديه بعض الضيوف الأجانب. وكان حضرتُه يصف بعض أنواع الطعام ومكوناتها لي، وكان يضع بيده الكريمة شيئًا من بعض الطعام في طبقي.

وكنتُ ذات مرّة في لقاء معه في مكتبه فقال: منير، كيف حالكُ؟ وهل تُعاني من شيء ما في صحتك؟ قلتُ “لا، الحمد لله”، أنا فقط ينتابني الصداع النصفي، وأعاني من ألم في ظهري”. فضحك بتلقائية رائعة وهو يكرر كلامي: “فقط؟” ثم فتح درجًا في مكتبه وأخرج حبيبات سكر من عبوة صغيرة وأعطاني إياها من يمينه المُباركة، وقال لي: تناولها الآن. فأخذتها، وأقول الحق أنني لم أعانِ بعد ذلك مطلقًا من الصداع النصفي الشديد الذي كان ينتابني بين يوم وآخر. وأمّا فيما يتعلّق بألم ظهري فقد أمر الخليفةُ سكرتيره بأن يكلّف طبيبًا مختصًّا من الجماعة بفحصي ومُعالجتي، وهكذا كان.

ذات يوم دعاني في مجلس الشورى، وشرفني بالجلوس إلى جانبه لمساعدته في كتابة أسماء الأعضاء الذين ترشح أسماؤهم في شتى اللجان.

وكيف أنسى أكبر أياديه عليّ حين شرّفني بترجمة أقواله في بعض حلقات البرنامج الشهير لقاء مع العرب؟

فهمي غزلان (زوجة عصام الخامسي)، المغـرب 

تعرفت على الأحمدية من خلال برنامج “لقاء مع العرب”. ما لفت انتباهي لهذه القناة هو ذلك الرجل ذو العمامة البيضاء، الذي يتكلم عن الإسلام بلغة لا أفقهها، ولكن من محياه وتقاسيم وجهه كنت أنفعل معه وأنتظر الترجمة العربية بشوق كبير، لكي أتذوق نبل تلك الأفكار والمعاني الرائعة التي حبّبتني في إسلامي الذي أضحى غريبًا بين ظهرانينا.

واظبت على متابعة اللقاء، وكونتُ فكرة لا بأس بها عن الأحمدية. فشاركت بعض صديقاتي في الموضوع وخصوصا من كان لهن ميول دينية. لم يعرفن أي شيء عن الأحمدية وطلبن مهلة لاستشارة الفقيه الذي نهانا بدوره حتى للاستماع إلى القناة. هذا الجواب هو بالضبط ما حفزني في البحث أكثر. كنت دوما متمردة على موقف الفقهاء الذين يروجون بين العامة عدم استعمال العقل في الأمور الدينية، وأن الطاعة للفقيه والعالم في الأمور الدينية واجب وهي سبيل نجاتنا!

اشتريت كتابين: “موقف الأمة الإسلامية من القاديانية” و”القاديانية”. قرأتهما بلهفة كبيرة، وكم كانت خيبة أملي وأنا أطّلع لأول وهلة على اعتراضات علمائنا على مرزا غلام أحمد ، فلقد نعتوه بشَرّ الأوصاف ولقبوه بأفظع الألقاب. ولكن عندما أجلس أمام التلفاز وأرى وجه الخليفة الرابع رحمه الله وتلك الثلة الموقرة التي تحفّه باستحياء، أقول في نفسي: من المحال أن يكون هذا الرجل ذو العمامة البيضاء وهذه الوجوهُ النيرة تلامذةً للدجال، فإن الشجرة تعرف بثمارها، وكلما رأيتهم قلت: “مقعد صدق عند مليك مقتدر”.

راسلتُه ليطمئن قلبي. وأتذكر أن حضرته استحسن بعض أسئلتي وأجاب عليها بجواب منطقي يخاطب عقلي ووجداني، بعيدا كل البعد عن الأسلوب المتبع عند علمائنا. وأحال الأسئلة الأخرى إلى الداعية الإسلامي الأحمدي بإسبانيا، فكان بحق خير سفير، فما ترك أي سؤال أو استفسار إلا وأجابني عنه ببيان وزيادة. اطمأن قلبي بعدها وبايعت وأنا على بينة من أمري.

بدأت معاناتي مع الأسرة والأصدقاء الذين قالوا مستهزئين عائبين: كيف سلّمت أمرك لرجل أعجمي لا يتكلم حتى العربية، فكيف له أن يحيي الإسلام وهؤلاء علماؤنا الأجلاء الذين يفهمون الشاذّة والفاذّة في الدين قد كذبوه وأخرجوه حتى من دائرة الإسلام. قلت في نفسي لو كان في علمائنا خير لما بعث الله المسيح الموعود .

فرأيت في المنام رجلا يطأطئ رأسه حزنًا وهو يقرأ القرآن، فجاء شخص من خلفه فسأله عن سبب حزنه، فقال: إني أنا المسيح الموعود ولكن الناس كذّبوني. فقال السائل: إني أنا الرسول ( ) وأنا قد صدّقتُك. بعد هذه الرؤيا سكنت الأحمديةُ وجداني.

ورأيت رؤيا أخرى أن جماعة من الأحمديين في خيمة كبيرة وهم يرحبون بي والابتسامة لا تفارق محياهم. وفي سنة 2000 حضرت الجلسة السنوية بلندن، وكان أول ما لفت انتباهي هي خيمة الجلسة. فهي تعبير رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا.

استقبلني حضرة الخليفة الرابع -رحمه الله- وأسرتي في لقاء خاص كجميع الوافدين لهذه الجلسة. بدا لي إرهاق شديد على وجهه، ومع ذلك لم تفارق محياه الابتسامة. تكلّمَ مع زوجي والأطفال، وسأَلنا عن كيفية تصديق الأحمدية، وعندما لخّصتُ له أمري استحضرَ حضرته الرسالةَ التي بعثتُها له. اللهم ارحمه واجعله في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

في سنه 2006 حضرت الجلسة مرة أخرى، والتقيت بخليفة المسيح الخامس أيده الله بنصره العزيز. وأنا في قاعة الانتظار كان في مخيلتي الخليفة الرابع رحمه الله، فقد تتلمذت على يده وكان أبي الروحي، ومن الصعب أن أغيّره بغيره، لكن ما إنْ وقع نظري على حضرة “مسرور” حتى سر قلبي واطمأن له، فقد كان حضرته صورة طبق الأصل من “طاهر”، فاستيقنتُ أن الله مع جماعتنا، وما يبدل الله من آية إلا ويأتي بأحسن منها أو مثلها. فللِّهِ الحمد والمنة.

عصام الخامسي، المغـرب

أستحيي من نفسي عند التفكير في ما خلا مني بشأن الخليفة الرابع -رحمه الله- وهذه الجماعة المباركة. سبقتني زوجتي في الانضمام إلى الجماعة سنة 1995، وظللتُ ثلاث سنوات استهزئ بها، ومن ذلك الشخص ذي العمامة البيضاء الذي يلتف حوله ثلة من الأشخاص وهم خشع، يتكلم بالإنجليزية ويترجم له أحدهم بالعربية. لم أُعِرْ لمواضيعهم أدنى اهتمام، كان يغنيني عن ذلك أن هذا الشخص – رغم ادعائه أنه يمثل المهدي ويريد وجماعته إصلاح أمة الإسلام – لا ينطق بالعربية والمسكين بحاجة إلى من يترجم له، فأنّى له ذلك وعلماء الإسلام وضعوا اثنين وعشرين شرطا لمن يريد أن يخوض في أمور الدين، وأوّلها إتقان اللغة العربية. كان الشيخ القرضاوي على قناة “الجزيرة” دليلاً على كذب هذا المدعي، فلو كان صادقا لآمن به هذا الشيخ الورع البحر في العلوم الدينية!

أما أنا فلم أكن أعرف عن الإسلام إلا أركانه الخمس، وما أديت منها سوى الشهادة. كانت زوجتي تراسل الأحمديين في إسبانيا وكلّما سألوها عن زوجها كانت ترد أنه غير مهتم ولا يناقش الموضوع معي، وكلّما حاورتُه سخِر مني ومن الخليفة. كانت نصيحتهم لها الاستمرار في الدعاء ثم الدعاء فهو سلاح لا يُقهَر.

مرة وجدتُ نفسي أقرأ كتاب “القول الصريح في ظهور المهدي والمسيح” في خفاء عن زوجتي. كم كانت دهشتي وأنا أكتشف معلومات عن المهدي والدجال، لم أكن أعرف حتى بوجودها من قبل.. طبيعي جدا ما دمتُ لا أعير الدينَ أدنى اهتمام. ما قرأته كان منطقيا يخاطب العقل ويضعه أمام محك صعب، فإن أقررتُ به، وهذا ما يجب على كل لبيب أن يفعل، يجب أن أعترف لزوجتي أنني كنت على خطأ. والأدهى من ذلك أني كنت أنهق كالحمار بما ليس لي به علم، وإنْ عارضته ضربتُ بعرض الحائط دروسَ المنطق واستعمال العقل التي طالما طالبتُ زوجتي أن تجعل منهما نبراسا لها. ولكي أتجنب نظراتها مستقبلا سألتها بكل جرأة: إن كان هذا الشخص هو حقا المهدي فلماذا لم يصدّقه القرضاوي؟ دائما ألجأ للقرضاوي فهو كان ضالتي في الأمور الدينية. حقيق أنه وقناة الجزيرة غيّرا أشياء جمة في العالم العربي. كان جوابها بآية قرآنية واحدة طلبتْ مني ألا أجيبها ولكن أتدبرها بعقلي الذي أتبجح به، وأستنبط أنا المعنى الذي يطمئن إليه عقلي، فلا ذكاء فوق كلام الله:

فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ .

لم أشأ أن أسألها عن معنى الآية فلقد قالت لي أن أعمل عقلي. صراحة لم يسبق لي أن بحثتُ في أي تفسير للقرآن، رغم أن مكتبتي تزخر بمجلدات دينية مزخرفة للتباهي بها أمام الزوار. بحثتُ في “ظلال القرآن”، فنفرتُ من أسلوب سيد قطب رغم احترامي وتقديري لشخصيته. فتصفحت “ابن كثير”، فعلمتُ أن هذه الآية تتحدث عن كبار علماء اليهود العارفين بخبايا أمور التوراة وكيف تعاملوا مع الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وهو مكتوب عندهم. سبحان الله! لقد صدق رسول الله حيث قال ستتبعون سنن مَن كان قبلكم….

لزمتُ الصمت وأخذتُ كتابا آخر خلسة اسمه: “فلسفة تعاليم الإسلام”. كانت زوجتي جد حريصة على هذا الكتاب خاصة وكثيرا ما تعيد قراءته. أثارتني مقدمته، وقلت في نفسي كيف يجرؤ أتباع هذا الرجل أن يقدموا هذا الكتاب بهذه الطريقة، فكل هذا المدح سينقلب عليهم إذا ما اكتشف القارئ أن الكتاب مثله مثل غيره من كتب الدين التي أصبح البقال يلف فيها المواد الغذائية. ولكن ما إن بدأتُ أتصفح الكتاب حتى زم فمي ما يحويه من معارف وأفكار لا يمكن أن ينطق بها رجل عادي. فقررتُ منذ ذلك اليوم أن أكف عن الاستهزاء بهذا الرجل، فمَن أنا أمامه؟ وما كتبه لا أستطيع أن أخط جملة واحدة تضاهيه. لكن الكبر والأخذ بعزة النفس جعلاني لا أسلّم بما جاءني من العلم، وأقر أمام زوجتي أنها أذكى وأتقى مني، حيث صدّقتْ بالحق لما جاءها دونما عناء. أتذكر جيدا كيف أن مشاهدة برنامج “لقاء مع العرب” وقراءة كتاب “الأمة الإسلامية من القاديانية” -الذي اشتريتُه لزوجتي بنفسي لعله يرجعها إلى رشدها- كانا يكفيانها لمبايعة الخليفة الرابع رحمه الله.

بدأت أتابع برنامج لقاء مع العرب خلسة، ولا زلتُ أستحضر نبأ وفاة المرحوم محمد حلمي الشافعي الذي كان بحق صادقا في ترجماته لأجوبة الخليفة الرابع رحمه الله، وكيف كان الخليفة يجيب على جميع الأسئلة بسهولة وسلاسة فائقتين، وكيف كانت هذه الأجوبة سهلة الاستيعاب تخاطب العقل وتسحره وفي بعض الأحيان تُبكي الإنسان. ولطالما بكى حضرته هو بنفسه عندما كان يتحدث عن الرسول الكريم .

أصبحتُ أستحيي من نفسي، يمكنني أن أعترف أنني أصبحت أحمديا منذ ذلك الوقت، ولكن الكبر والغرور منعاني من أن أبوح لزوجتي كم كنتُ متهورًا ومخطئًا في تعاملي مع هذا الأمر الهام. أصبحت أصلّي بانتظام، وفي بعض الأحيان أقوم لصلاة التهجد وصلاة الفجر. استغربتْ زوجتي لهذا التغير الروحاني، وقالت لي متهكمة: هل أصبحت أحمديا دون علمي؟ سبحان الله! هل الأحمدي هو الذي يصلي ويقوم الليل دون غيره؟ والإسلام الذي ترعرعتُ في أحضانه لم يستطع أن يكون سبيلي لهذا التغير.

كتمتُ انتمائي للأحمدية. وفي عام 1998 حين أصبت بالسكري، المرض الذي غيّر أشياء عدة في حياتي، اعترفت لزوجتي أنني أحمدي مند مدة وأريد أن أوقِّع البيعة. ففرحتْ كثيرا واتصلنا بداعية الجماعة بإسبانيا من أجل توقيع البيعة، ففرح لنا بدوره، وأخبر زوجتي أن الله قد استجاب دعاءها.

زرنا لندن سنة 2000 بمناسبة الجلسة السنوية للجماعة في بريطانيا، وأتيحت لنا فرصة لقاء الخليفة الرابع -رحمه الله- هذا الرجل العظيم الذي مهما كتبت عنه فلن أوفي بحقه. وجدت نفسي تنفعل مع كل كلمة ينطق بها أو حركة يقوم بها، وكلما مر أمامي لوحتُ بيدي دون شعور.

بعد أسبوع جاء دوري لملاقاة عائلتي مع الخليفة على انفراد. دخلت على الخليفة، لكن هذه المرة لم أضيِّع الفرصة، قبّلت يده وطلبت من حضرته العناق. فوافق بتلقائية فعانقته. أحسست بهدوء ودفء روحاني ووددت أن تدوم هذه اللحظة حتى أشفي غليلي. لم يحاول حضرته أن يبعدني عنه حتى تركته أنا بمحض إرادتي، ولولا علمي أن قاعة الانتظار تغص بالزوار لما تركته.

عند وفاته رحمه الله عمَّ حزنٌ رهيبٌ بالمنـزل حتى أقاربي غير الأحمديين ذهلوا بمنظر تلك الحشود التي تطوف حوله وتلك الطوابير التي تنتظر ساعات طويلة لكي يلقوا على حضرته نظرة أخيرة.

في سنة 2004 حظيت بمقابلة الخليفة الخامس أيده الله بنصره العزيز، وللأمانة فقد كان الخليفة الرابع رحمه الله حاضرا في مخيلتي وأنا في قاعة الانتظار. ولكن ما إن دخلت على حضرته حتى شعرت بالشعور نفسه كأنه هو هو ولم يتغير أي شيء. نفس الابتسامة على وجهه، نفس الطيبة تتلألأ من عينيه، لا يسأم من السؤال عن حال الجماعة في المغرب. قبّلت يده عنوة لأرى هل هو الإحساس نفسه فإذا بقلبي يخفق وعيني تدمع كأني أمام الخليفة الرابع حتى ملامح الوجه لم تكن تختلف شيئا. سبحان الله! لقد استيقنت حقا أن الله مع مسرور.

أهداني لأطفالي ثلاثة أقلام وأهداني وزوجتي خاتَمين.

في سنة 2006 أتيحت لي فرصة فرأيته ثانية، واستغربت كيف يتذكرني حضرته، فأخبرني أن عند زيارته لإسبانيا سنة 2005 وقف على جبل طارق وألقى السلام على الأحمديين المغاربة من هناك. وكان الإخوة بإسبانيا قد أخبروني عن هذا الحادث سابقا. وقد سرني كثيرا أنه يتذكره وقالوا لي: لا شك أننا نحن الأحمديين نمتاز عن غيرنا بحيث عندنا أب روحاني يعطف علينا ويسأل عن حالنا ويتألم لمصابنا ويدعو لنا.

قضيت مع حضرته الأسبوع الأخير من رمضان 2007، وتحقق لي حلم فريد من نوعه، لا أظنه سيتكرر. فقد بايعتُ حضرته ويدي تحت يديه مباشرة، أخذ بها وبدأ يقرأ كلمات البيعة، وأنا والحاضرون نردد وراءه كلماتها. شعور روحاني لا يوصف، فرحة هي فرحة العمر.

خلود ناصر عودة، سوريـا

كان أبي يحضنا دائمًا على مراسلة الخليفة الرابع -رحمه الله- وإشراكه في كل أمورنا لنيل بركة الدعاء، لذلك فإن علاقتي مع حضرته علاقةُ ابنة مع أبيها بكل ما في الكلمة من معنى.

وهذه العلاقة بدأت خلال سنوات الدراسة إلى أن تطورت أكثر فأكثر بعد وفاة والدي رحمه الله، فقد أحاط حضرته عائلتنا بعناية خاصة من خلال مؤاساته لنا وكلماته التي تبعث على الطمأنينة. منذ عام 1990 إلى حين وفاة حضرته كنت أتكلم معه عن طريق الهاتف بشكل مستمر.

حين بدأت فضائية الجماعة mta سألني حضرته إذا كان في بيتنا صحن فضائي لالتقاط المحطة، فقد كان حريصًا أن يتابعها كل أحمدي.

وكان موقفه الأهم معي في فترة زواجي حين خطبني شاب غير أحمدي، فخاف حضرته علي وقال لي: لا، يجب على كل أحمدية أن ترتبط بأحمدي مخلص ليحافظ عليها ويعينها على تربية أولادها بشكل سليم. فكم كان اهتمامه كبيرا بجميع الفتيات الأحمديات. فلم أتردد لحظة في إنهاء علاقتي بذلك الشاب. وحين أخبرت حضرته بذلك دعا لي كثيرًا. وكانت النتيجة أن تقدم لخطبتي شابٌ أحمدي مخلص جدا، وعندما أخبرت حضرته رحمه الله بذلك فرح كثيرًا، ويوم زفافي أرسل لي الهدايا: ساعةً كبيرة فخمة، ولوحةً كتَب عليها بخط يده: “أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي”، وعطرًا رائعا وشامبو، ومبلغًا من المال.

نذير المرادني، سوريـا

تعرفت إلى شخصية الخليفة الثاني من خلال ما قرأت من خُطبه الكثيرة التي نشرتها مجلة “البشرى” العربية الصادرة في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، فأحببته كثيرًا. كان أميرنا منير الحصني يخبرنا دائما أن إمامنا هو كالأنبياء تمامًا أب رحيم وأخ محب وممتلئ حكمة وعلمًا.

ولا تنسى جماعةُ دمشق التي عاصرت الفتنة التي حدثت في عام 1965، حيث مُنع الأحمديون من صلاة الجمعة أو الاجتماعات حتى قراءة كتب الجماعة، كيف أبدى حضرته كل الاهتمام بهم وكان يوصي الأستاذ منير الحصني أمير الجماعة في ذلك الوقت بمتابعة أمورهم وتفقد أحوالهم وإيلائهم رعاية خاصة، وطلب منه أن يطلعه على كل المستجدات.

وبعد وفاة حضرة الخليفة الثاني انقطعت علاقتنا مع الخلافة نوعًا ما بسبب الظروف الأمنية الخاصة في سوريا إلى أن كان زمن الخليفة الرابع رحمه الله.

عند وفاة أمير الجماعة في دمشق في عام 1988 أرسلتُ للخليفة الرابع رحمه الله رسالة رشحت فيها أسماء أربعة من قدامى الجماعة لسد الفراغ الكبير الذي تركه المرحوم، وفاجأني رده بأنه اختارني لهذا المنصب وأنه يدعو الله تعالى أن يعينني على أداء كل واجباته وتحمُّل هذه المسؤولية ويؤيدني بروح القدس. واستمر هذا الوضع حتى عام 1989 حيث مُنعت جماعة سوريا مرة ثانية من الاجتماع والصلاة وممارسة نشاطها، وعندها أخبرت حضرته بواقع جماعتنا وأطلعته على ما حدث في دمشق وعلم أن هناك من قام بمؤامرة ضد الجماعة بالاتفاق مع أحد المسؤولين، فشعر بالخطر المحدق وحرصًا على أمير الجماعة وأفرادها قال “إنني لا أرى أن يبقى عندكم نظام الإمارة حتى يغير الله نفوس هؤلاء الناس الذين كادوا للجماعة ويكشف عليهم الحق. أنتم الآن أصبحتم كأهل الكهف، فاستعينوا بالله واصبروا على ما حدث عندكم وتمسكوا بما عاهدتم عليه المسؤولين ولا تخالفوا الحكومة، وأنصحكم أن تشغلوا أنفسكم في هذه الأيام بكتابة وتأليف الكتب والنشرات وأن ترسلوا إلي صورا عن هذه الكتب لأطلع عليها.”

وفي عام 1996 ذهبت لحضور الجلسة السنوية في لندن مع المرحوم سامي القزق والأخ عمار المسكي. كانت أحلى لحظات حياتي هي تلك التي قابلت فيها الخليفة الرابع وعانقته وقبّلت يده وأحسست أنه كان يشدني إليه أكثر من قوتي أثناء المعانقة. قال: كان يجب أن تأتي منذ زمن وليس الآن. لقد دعاني ومن معي من الأخوة الأحمديين إلى حفل عشاء في خيمته الخاصة فذهبت وكنت جالسًا في آخر الخيمة إذ جاءني الأستاذ عطاء المجيب قبل وصول حضرته رحمه الله وقال لي تعال يا أخي إلى هنا لماذا تجلس بعيدًا فقد أمر أمير المؤمنين أن تجلس هنا على طاولته. دخل بعد ذلك أمير المؤمنين ورحب بنا جميعًا وسلم علي سلامًا حارًا. وأثناء تناول العشاء توقفت أنا عن الطعام وقلت في نفسي يجب أن أنظر إلى وجهه الكريم وأمتع نظري بأنوار وجهه الممتلئ، وعندما وجهت نظري إلى وجهه رأيته ينظر إلي ويراقبني، فخجلت وعدت إلى تناول الطعام، فتبسم في وجهي. وبعد انتهاء العشاء سألني عن دمشق وأحوال الجماعة.

وفي اليوم التالي ذهبنا إلى مكتبه الخاص بجانب جامع الفضل لنودعه فقال السكرتير الخاص الأخ منير جاويد بأن الخليفة موجود في برنامج لقاء مع العرب ولا يستطيع أن يخرج ثم قال: على كل حال سأخبره أنكم جئتم إلى مكتبه فدخل وأخبره. فخرج الخليفة من الاجتماع وسلم علينا وتعانقنا وقال لي ادخلوا واشتركوا في برنامج لقاء مع العرب واجلسوا معنا. فدخلنا وجلسنا في الأستوديو. وذهب هو إلى مكتبه، وبعد دقائق دخل يحمل بين يديه ضيافته الخاصة وكانت إبريقا من شراب مانجو وإبريقا من شراب الجوافة، وأصر على أن يوزع علينا هو بنفسه. وبعد أن انتهى نظر إلي ورآني شربت ما في الكأس، فقام مرة أخرى وملأ كأسي مرة ثانية، وأنا خجلت في نفسي كثيرًا عندما رأيت هذا الرجل العظيم يقوم بهذا العمل.

وعندما انتهى برنامج لقاء مع العرب خرجت من الأستوديو إلى مكتبه الخاص وقمت بتوديعه وطلبت الإذن منه للسفر فقال لي رحمه الله: كان عليك أن تبقى فترة أطول من هذه فيجب عليك في المرة القادمة أن تجعل إقامتك أطول. ثم عدنا بعد وداعه إلى دمشق وقلوبنا بقيت متعلقة به أكثر من قبل. وقد استمرت المراسلة بيننا بشكل نظامي كل عشرة أيام نطلب منه الدعاء لنا ولجماعة سوريا واستمر ذلك إلى أن وافته المنية.

د. عيسى الحاج رحمون، سوريـا

سيدي ميرزا طاهر أحمد رحمه الله كان أميري وخليفتي وأبي وأخي وصديقي ومعلمي ورفيقي، بل إنه اهتم بشكل استثنائي بكل خطوة كنت أخطوها بدءا من اللحظة التي أعلنت فيها بيعتي أحمديا وحتى اللحظة التي تبادلت فيها مع حضرته آخر رسائلي.

لقد اعتاد حضرته أن يمهر كل رسائله لي بتوقيعه الكريم، باستثناء تلك التي بعثها لي وهو على فراش المرض حيث كان يفوض سكرتيره الخاص بالتوقيع عليها.

وإن جاز لي أن أنسى بعض الأشياء فلا يمكنني نسيان أولى رسائل حضرته المؤرخة في 21/09/1998 التي وصلتني في مدغشقر وكانت رغم إيجازها الشديد درسا بليغا في فن التخاطب والتوجيه والنصح. فتلك الرسالة لم تحمل جواب حضرته على بيعتي وحسب، بل لفت نظري إلى أنه بوسعي تسخير موهبتي الشعرية والأدبية لخدمة دين الله. ثم أمرني باستمرار التواصل معه عن طريق الرسائل كي يرسِّخ في نفسي المبادئ والقيم والمثل الأحمدية. ثم أردف ذلك بفيض من دعواته التي استجيبت في حقي إذ بدأتُ أكتب بغزارة وعمق وموضوعية أكثر من ذي قبل.

بتاريخ 01/02/2000 حين أقلعت بنا الطائرة من مطار تاناناريف بجزيرة مدغشقر، لم أكن أعلم حينها أن حضرته قد أصدر توجيهاته الكريمة القاضية باعتباري وعائلتي ضيوفا شخصيين على الجماعة الأحمدية في موريشوس حتى اللحظة التي تُحَلُّ فيها جميع مشاكلنا. فكانت حرارة الاستقبال أكبر من الألم والشعور باللوعة والأسى، وكنا بحق بين أهل كرام لم يبخلوا بالسهر على راحتنا وإدخال السعادة والطمأنينة على نفوسنا المتعبة.

بعد عودتي إلى الوطن غادرت بمفردي إلى أوروبا الغربية، فأمرني حضرته بالعودة إلى وطني وعائلتي بعد أن ذلل الصعاب التي تقف في طريقي ومدَّ لي يد العون بما يضمن لي سبل الحياة الكريمة، فكانت وقفته تلك من أجمل لحظات حياتي.

وهذه الذكريات ليست حكرًا على شخصي فقط لأن حضرته كان يهتم بكل فرد من أفراد الجماعة لدرجة أنه كان يراسل الأطفال، ويهتم بحل مشاكلهم، بل ويرسل الهدايا والمساعدات لهم.

تشرفت بزيارته الأولى والأخيرة في منهايم بألمانيا، وكانت لحظات لا يمكن أن تُنسى، فقد خذلتني الكلمات والألفاظ، ووجدتُني في حضرته كالطفل التائه حين يضمه حضن والده. قبلتُ يده لتتكفل عبراتي بالبوح عما عجز لساني عن البوح به. كان وديعًا ودودًا أكثر مما توقعت، وعطوفًا ومشرقًا أكثر مما ظننت، ومهابًا أكثر مما اعتقدت، فلم أستطع النظر إلى عيني حضرته، لكنه لم يبخل عليَّ بالسؤال عن أحوالي وأحوال أفراد أسرتي، بل ودعاني لالتقاط صورة تذكارية معه. فكان ذلك أول وآخر لقاء لي مع حضرته.

 

موسى أسعد عودة، الكبـابير

في نيسان/إبريل 1985 سافرت إلى لندن ضمن وفد الكبابير، لكي أحظى برؤية سيدنا أمير المؤمنين خليفة المسيح الموعود مولانا طاهر أحمد رحمه الله.

وفي اليوم التالي لوصولنا أرض إسلام آباد، أبلغونا بساعة اللقاء مع سيدنا أمير المؤمنين. وقفنا في الطابور صفًّا مع وفود كثيرة أخرى لكي ندخل فردًا فردًا تلك الغرفة المشحونة بأنفاس الوحي، والتي وقف حضرته يستقبل فيها الوفود، بينما كانت السماء تنضحنا رهامًا رحيمًا، والكل كأنما على رؤوسهم الطير. فلما شارفتُ باب الغرفة، وسرى ناظري إلى حنايا جوفها، رأيت حضرته واقفًا كأنه عمود من نور وعلى رأسه عمامة ناصعة البياض تراها كأنها فلق الفجر، ومن ناظريه ينبعث بريق ذكيّ خلاّب، ومحياه المطمئن كأنه ربيعة غنّاء وادعة تغلفك حنانًا ودفئًا ومحبة. فما أن وصلته وأودعته نفسي للعناق حتى أني والله لم أك أعرف ما الذي انتابني واعتراني… فكأنما تملَّكني تيار كهربائي غريب، ألصقني بحضرته دون انفكاك، “وكيف أطيق من روحي انفكاكا”؟ لقد كان قلبي يخفق بنبض متلاحق رهيب أحسّه، وبكائي اللاّإرادي المرتفع قد لفت انتباه كل من كان حولي، بينما كان حضرته يمسّد ظهري ويقبلني ويناديني باسمي..”السلام عليكم يا موسى…السلام عليكم يا موسى!”

والحق أقول إنني لم أعرف كيف قضيت سحابة ذلك النهار وساعات تلك الليلة. ولعلّ المعنى الذي كان يختمر في رأسي عن الخلافة والخليفة، وبأنني لأول مرة في حياتي أقابل الخليفة عيانًا وألتقيه، هو الذي أثار مشاعري الدفينة فهاجت عواطفي حتى لم تعد لي عليها سيطرة.

في هذه المناسبة (إبريل 1985) كان قد أقام حضرته لأول مرة الاحتفال السنوي العام للجماعة في المملكة المتحدة، بعيدًا عن ربوة باكستان.

دخلنا سرادق الاحتفال، حيث كان الآلاف جلوسًا على الأرض ينتظرون لحظة دخول حضرته ذلك الفسطاط الرحيب، فما أن أهلّ واعتلى المنبر حتى علا نحيب البكاء وهتاف التكبير في جو امتزج فيه الحزن على فراق الأحبة في باكستان بتكبيرات الشكر لله الذي نجّى أمير المؤمنين من كيد الأعداء وحفظ هذه الجماعة المباركة من السقوط كما كان قد أراد لها أولئك الماكرون.

عدت من هذه الرحلة مأخوذًا بما رأيت وبما سمعت وبما شعرت… ومذ ذاك وأنا أسير محبة ذلك الرجل. أناجيه في أشعاري وأكتب إليه في مناسبات عديدة.

فما زلت أبغي قربه مذ رأيته

أناجيه سرًّا، أو أخطّ كتابا

.

فإنّ له في القلب قصرًا معمّرًا

وماءً نميرًا إن أراد شرابـا

.

سقى الله أيامًا نعـمنـا بظله

   وأجزل ربي في الـجِنان ثوابا

في تموز/ يوليو سنة 2000، تلقيت أمرًا من حضرته أن أحضر إلى إسلام آباد قبل موعد الاحتفال السنوي بعشرة أيام لكي أقوم مع المكتب العربي بمراجعة وإعداد كتب باللغة العربية للمسيح الموعود للطبع.

ذهبت لملاقاة حبيبي سيدنا أمير المؤمنين. كان قلبي يدق محبة ورهبة، وكنت قد أتيت لحضرته ببعض الهدايا الرمزية: نموذجًا من ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة العبرية التي أقوم بها منذ زمن.. وعصا نقشت عليها بالإنجليزية الحروف MTA وهي ترمز إلى: مرزا طاهر أحمد. وكذلك أعدادًا من مجلة “البشرى” التي كنت أقوم بتحريرها في ذلك الوقت. (ومعلوم أن أحرف MTA ترمز في الوقت نفسه إلى الفضائية الإسلامية الأحمدية أيضا، وقد اختير هذا الاسم للفضائية لتشير إلى أن ميرزا طاهر أحمد هو الذي أسسها وهي هدية عظيمة منه بعد الله )

دخلت إليه فريدًا. فاستقبلني باشًّا فرحًا، وعانقني عناقا ليته دام دومًا… ثم دعاني للجلوس وهو يسألني ويستطلع أخباري وأخبار الأولاد والعائلة. فلما أفرغت ما في جعبتي، قال: وماذا بعد؟ فقلت: إن سمح سيدي أقص عليه رؤيا رأيتها وأنا أجهز نفسي لهذه الرحلة إلى هنا. فطلب أن يسمع. فقلت: رأيت نفسي في المنام أدخل سرادق الاحتفال السنوي في إسلام آباد قبل انعقاد الاجتماع فيه. وقفت في المدخل إلى جانب المنصة أتأمل الفسطاط الرحب الواسع الجميل، وأرضه المغطاة ببساط أخضر، ولمسات الأناقة والذوق تكتمل في جنباته من كل جهة، وإذ بسيدي أمير المؤمنين قادم نحوي من أقصى الخيمة في الغرب متّجهًا إليَّ في الشرق، طلق المحيا، تعلوه عمامة بيضاء وعليه معطف طويل أخضر اللون بديع الجمال. قد جذبني بشكل خاص، تفترّ شفتاه الطاهرتان عن ابتسامة عذبة كأنها لألاء النجم الثاقب. فأخذت أتهيأ للقائه. وما هي إلا لحظات حتى رأيت نفسي أعانقه وأقبله في أعلى صدره الأيمن من فوق ذلك المعطف الجميل. فعلقت بلساني منه شعره طاهرة بيضاء قد سقطت من ذقنه الشريف. فأخذت أعالج تلك الشعرة العالقة في لساني وأنا أقول لحضرته: لقد ترددت يا سيدي قبل أن أقرر الحضور إلى لندن لأنني كنت مريضًا، ولكن أخي عبد المؤمن ألـحَّ عليّ وقال: لا يمكنني أن أرد طلب أمير المؤمنين، فجئت ملبيًّا.

وإذ به يبادرني قائلا: أنت ترجمت إلى اللغة العبرية كلمة بسم الله الرحمن الرحيم  (ونطق هذه الكلمات بالعبرية -التي يجهلها تماما – ولكنها إشارة إلى عالمية هذه الدعوة…) ثم واصل قائلا فهل هؤلاء اليهود عندكم يفهمون حقيقة المقصود من كلمة الرحمن الرحيم؟ فأجبت حضرته قائلا: يا سيدي، هذه ترجمة وليست تفسيرًا.

وهنا أفقت من نومي وانتبهت أن يدي ما زالت ممتدة إلى شفتي تعالج الشعرة التي التصقت بلساني في المنام….

فضحك حضرته كثيرًا وكان مسرورًا جدًا. فطلبت من حضرته الدعاء لنا، فقام يودعني بحرارة وهو يكرمني بسلة من حبات المانجو.

كان هذا اللقاء هو لقائي الأخير بحضرته. وقد حافظت بعدها على مراسلته عند كل مناسبة.

تميم أبو دقـة، الأردن

لقد أكرمني الله تعالى بكثير من الذكريات الجميلة مع الخلفاء، إلا أنني سأذكر حادثتين كان لهما أثر مفصلي في مسيرتي في الجماعة.

عندما فكرت في الزواج، أرسلت إلى حضرة الخليفة الرابع -رحمه الله تعالى- طالبا التوجيه والدعاء، فوصلتني رسالة من حضرته يأمرني فيها أن أتوجه إلى الكبابير. تعجبت عندما وصلتني الرسالة وابتسمت، وقلت في نفسي: لعل الخليفة قد نظر إلى الخريطة ووجد أن المسافة قريبة جدا بين الأردن وبين فلسطين المحتلة، ولعله لا يعرف أن الوصول إلى هناك دونه خرط القتاد، ولعل وصولي إلى أقصى بقعة على وجه الأرض أسهل من وصولي إلى الكبابير! وهذا بسبب الظروف السياسية السائدة في ذلك الوقت إضافةً إلى تعقيدات تتعلق بأوراقي الثبوتية تزيد الأمر صعوبة على صعوبة. ومع ذلك كنت مدركا أن توجيه الخليفة هذا لا يمكن أن يكون أمرا عاديا، ولا بد أن ييسر الله تعالى الأمر بصورة ما. فامتثلت لتوجيه حضرته وأرسلت إلى الكبابير بهذا الخصوص. فما هي إلا أيام حتى اتصل بي أخي محمد شريف، الذي كان حينها قد أصبح قائدا لمجلس خدام الأحمدية هناك. أصرّ أخي محمد شريف على أن يبذل كل ما في وسعه كي أحضر، وبدأ بالمحاولات. وخلال هذه الفترة كانت قد نشأت بيننا علاقة صداقة وأخوّة على الهاتف استمرت لعام تقريبا. لم نكن قد التقينا بعد، ولم أكن قد عرفت صورة وجهه، ولم تكن وسائل الاتصال في حينها متطورة ومتاحة. وفي يوم من الأيام اتصل بي أخي محمد شريف ليخبرني أنه قد حصل لي على تصريح زيارة وأنه أرسله مع أحد القادمين من هناك.

عندما استلمت التصريح لم أصدق أن هذه الورقة يمكن أن تُدخلني فلسطين وتجعلني أصِل إلى الكبابير التي كنت أحلم بزيارتها لكونها المكان الوحيد في العالم العربي الذي فيه مسجد للأحمدية ومركز.

وجاء اليوم الموعود، وبالفعل دخلت فلسطين وأنا مذهول وكأنني أحلم، وانتقلت من محطة إلى محطة حتى وصلت إلى حيفا، فالكبابير، فدخلت المسجد وصليت لأول مرة في مسجد أحمدي.

تكررت زياراتي للكبابير، وبذلت كل ما في وسعي للبحث عن زوجة مناسبة، ولكن لم يتحقق زواجي هناك، ولكن أدركت بعد ذلك أن ما قدّره الله تعالى لي كان زواجا من نوع آخر أثمرَ كثيرا من الثمرات الطيبة التي انعكست على مسيرة حياتي. حيث كانت علاقتي بأخي محمد شريف وبالجماعة هناك بداية لتأسيس عمل عربي انتقل إلى آفاق ومحطات لم نكن نحلم بها وما زلنا نحن أكثر المندهشين من مدى التوفيق الذي أنعم الله به علينا. فالحمد لله الذي هداني أن أتبع توجيهات الخليفة مع أن كل الظروف كانت تشير إلى أن الوصول إلى هناك كان يبدو مستحيلا، ولكن قضى الله تعالى أن يكون خلف هذا التوجيه إنعام كبير منه على هذا العبد الفقير.

أما الحادثة الأخرى، فكانت عندما بدأنا بالإعداد والبث لبرنامج الحوار المباشر. كانت الفكرة أن يكون البرنامج برنامجا حيّا يشارك فيه شخص واحد في الأستوديو ويشارك آخرون عبر الهاتف، إضافة إلى مشاركات المتصلين من المشاهدين. أخبرني الأخ شريف أن أستخرج تأشيرة لكي أكون ضيف البرنامج في الشهر الثالث من عام 2006. كنت قد حاولت قبل عشر سنوات الحصول على تأشيرة بريطانيا ولم أتمكن. لم تتغير ظروفي كثيرا حتى ذلك الوقت، فتقدمت للتأشيرة متوكلاً على الله. وفي الليلة التي كان من المفترض أن أذهب لأخذ جواز سفري في نهارها، رأيت في الرؤيا أنني استُدعيت على عجل إلى البرنامج، وأنني مضطرب بسبب هذه العجلة لأني لم أكن قد أعددت نفسي. ورأيت أنني أقف أمام أمير المؤمنين الخليفة الخامس أيده الله بنصره العزيز، وكان يشير إلي بأصبعه ويقول لي بالإنجليزية:

I know you!،  إضافة إلى بعض التفاصيل الأخرى. وفي ذلك اليوم ذهبت لاستلام جواز السفر فوجدت أنهم قد منحوني التأشيرة بفضل الله.

كانت فكرة الحوار المباشر أن نتواصل مع الجمهور ومع الأحمديين ونجيب على الأسئلة مباشرة، ولم يكن مخصصا بشكل أساسي للرد على الشبهات الموجهة إلى الإسلام. اتصل بي أخي شريف وقال لي إنه يريد أن يؤجل زيارتي شهرا لأن برنامج “أجوبة عن الإيمان” سيبث قريبا، ويريد أن يستضيف الأستاذ مصطفى ثابت في هذا الشهر لكي يقدم لهذا البرنامج ويعلن عنه في الحوار المباشر. فقلت له: لا بأس.. سأحضر في الشهر المقبل إن شاء الله.

وفي اليوم المخصص للبث، وقبل ساعتين تقريبا من الموعد، اتصل بي الأخ شريف مضطربا وقال إن الأستاذ مصطفى ثابت مريض جدا، وهو غير قادر على الاشتراك في البرنامج، وإنه سيقابل مع الأستاذ عبد المؤمن أمير المؤمنين للتوجيه، وعليّ أن أكون مستعدا كي أحضر فورا. وبالفعل دخل الأخ شريف والأخ عبد المؤمن على أمير المؤمنين فهدأ من روعهما وأمرهما بتأجيل البرنامج إلى الغد، وأن أُستدعَى فورا!

امتثلت للأمر، وتوجهت مباشرة إلى المطار بحثا عن طائرة تقلّني، ولم أجد طائرة إلا قبيل ظهر اليوم التالي، وكان من المفترض أن تصل الطائرة قبل موعد البرنامج بثلاث ساعات تقريبا. كانت تلك الليلة صعبة عليّ لأني سأذهب للبرنامج قبل أن أستعد وأحضّر نفسي وأحضّر المادة التي سأتكلم فيها، ولكنني قلت في نفسي إنني قد بايعت على أن أبذل كرامتي أيضا في سبيل الله، فلم لا أتوكل على الله تعالى. وصلت إلى الأستوديو قبل موعد البرنامج بساعتين، وكان الأستاذ مصطفى ثابت قد شفي بفضل الله تعالى بدعاء أمير المؤمنين، وكان قد رتّب الله تعالى صيغة ضيوف الحوار المباشر بالصورة التي استمرت لاحقا. وشهدنا توفيقا كبيرا من الله تعالى في تلك الحلقات.

بعد اليوم الأول، وفي صبيحة اليوم التالي ذهبنا لزيارة أمير المؤمنين. وعندما دخلت مكتبه أشار إليّ بأصبعه وقال لي:  I know you، تماما كما شاهدته في الرؤيا. فسررت كثيرا وأخبرته بالرؤيا.

توالت بعد ذلك زياراتي إلى لندن وحظيت بلقاء أمير المؤمنين في كل مرة. كان يكرمني بوقت طويل يقارب الساعة أحيانا، فجزاه الله أحسن الجزاء.

هاني محمد الزهيري، مصـر

تعرفت إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية من خلال القناة الفضائية العربية والحمد لله الذي نوّر بصيرتي ويسّر لي سبيلا إلى بيعة المسيح الموعود . وكنت قبل تعرّفي إلى الأحمدية أرى أن لا سبيل إلى رقي الأمة الإسلامية وتقدمها إلا من خلال الخلافة وكنت أنتظر ذلك السفّاح المسمى بالمهدي ليخوض ملحمة آخر الزمان. لقد تغيرت هذه المفاهيم فأصبحت أدرك أن الخلافة تقوم بإذن من الله وهو الذي يختار الخليفة، لذلك لا بد من توحيد الناس فكريا واعتقاديا أولا، ثم اجتماعهم سياسيا. ولو كانت الخلافة تقوم باجتهاد الناس لاستطاعت أي فرقة أن تقيمها ولكنها تقوم بقدرة الله وتوفيقه للمؤمنين الحقيقيين. كذلك تغيرتْ في وجهة نظري وظيفة الخليفة نفسه فقد كنت أظن أنه مجرد حاكم لا أكثر ولا أقل، بينما مقام الخليفة هو مقام لا يقوم فيه إلا من يكون صورة من النبي ويكون انعاكسا له، فالخليفة يقوم في الدنيا حتى يبقى فيها نور النبوة إلى يوم القيامة. إنني أنظر بعين الشفقة والرحمة إلى هؤلاء الذين لم يعرفوا المسيح الموعود ولم يبايعوه لأنهم بعيدون عن الخلافة لا يشعرون بما يشعر به المسلم الأحمدي. وأقول إنني تكفيني نظرة واحدة في وجه أمير المؤمنين نصره الله كل صباح لكي أحصل على الطاقة الإيمانية.. إنني بفضل هذه الخلافة أرى القرآن يمشي على الأرض بكل تعاليمه الرائعة.. إنني سعيد بل فخور بأنني قد أصبحت في هذه الجماعة وأؤمن تماما أنه لا سبيل لرقي الأمة إلا بالدخول في جماعة المسيح الموعود . (20 كانون الثانى/يناير 2009)

عبادة بربوشأبو حمزة التونسي” (لندن)

 

عـناق أول

خلال زيارة استطلاعية للدنمارك سنة 1984 زرت مسجد الجماعة لأداء صلاة الجمعة، وانبهرتُ بالمستوى الروحي والأخلاقي الذي يتمتع به أفرادها. تكررت زياراتي وازداد إعجابي ويقيني بصحة العقيدة الإسلامية التي يؤمنون بها. قدموا لي بعض الكتب العربية عن معتقدات الجماعة.. اطمأن قلبي وبايعت. ثم عدت إلى بلدي تونس، وهناك قررت بعد تفكير عميق وأدعية مكثفة وقف حياتي لخدمة الإسلام. دعاني على إثرها حضرة الخليفة الرابع رحمه الله إلى لندن. وأتذكر جيدًا أن الاستفسارات التي كانت تدور في خلدي حول ختم النبوة التي لم أنهل من نفحاتها إلا القليل زالت جميعها لما وقعت عيناي على وجهه الشريف وحين عانقني حضرته في لقائي الأول. وبعد بضعة أيام خلال زيارتي الثانية لحضرته عانقني طويلا وكان يدعو لي بالخير حيث كنت أشعر بذقنه يتحرك ملامسا كتفي، ثم قال: لقد حان وقت صلاة المغرب لنذهب لأدائها. دخلت المسجد وأنا في حالة انتعاش روحي لم أشهد لها مثيلا من قبل. فبمجرد أن قرأ حضرته آيات القرآن الكريم كانت تنهمر الدموع من عيناي بغزارة، ولم يعد بمقدوري التحكم فيها. لقد أصبحت أسيرَ حب هذا الرجل الطاهر الذي دعا اللهَ أن يذيقني طعم الحب الإلهي الصادق.

التواضـع

كان لي شرف لقاء حضرته مرة ثالثة حيث دخل صدفة وأنا منهمك في طلْي جدران مطبعة الرقيم في إسلام آباد تطوعًا، فألقى عليّ السلام ثم عرض يده الشريفة لمصافحتي. فلم أقدّم يدي وأشرتُ بأنها ملطخة بالدهان ولا تليق بمكانة حضرته. فابتسم وقال: ما دمتَ مسرورا أن تكون يدك في هذه الحالة فأنا أيضا مسرور بها كما هي، وصافَحَني بحرارة دون أن يبالي بما كان عليها، ثم أخذ بيدي وقال: تعال معي لنأخذ صورة معا.

 

كلام الأوليـاء

بعد زواجي بسنتين حملت زوجتي فذهبنا إلى حضرته لكي يختار لنا اسما لمولودنا المنتظَر الذي لم نستفسر من الأطباء ذكرا كان أم أنثى. فكّر حضرته للحظات طويلة وأمعن النظر ثم قال: سَـمِّه حسّان، ثم قال: أتعرف من هو حسان؟ حسان بن ثابت الذي قال البيت الشهير عند وفاة النبي :

كنتَ السوادَ لناظري فعَمِي عليك الناظرُ

من شاء بعدك فليمتْ فعليك كنت أحاذرُ

 وما لفت انتباهي هو قراءة حضرتِه كلمةَ “فَلْيَمُتْ” بصوت عال وأشار بأصبعه مؤكدا على هذا الأمر. في الحقيقة لم أُولِ اهتمامًا لهذه النقطة حينذاك إذ كانت الفرحة تغمرني لأن الخليفة قد تنبأ بمولود ذكر واختار له اسما مناسبا. وبعد بضعة أسابيع ذهبنا إلى الطبيب للفحص وأخبرنا أنه لا يسمع دقات قلب المولود، تبين على إثرها أنه تُوفي داخل بطن أمه. حينها تذكرتُ ما أشار إليه حضرة أمير المؤمنين مؤكدا “فَلْيَمُتْ”. حمدت الله على كل حال، ولم أتأثر كثيرا بحادثة الوفاة حيث إن الله أخبرني عنها مسبقا عن طريق مَن اختاره خليفةً للإمام المهدي .

سيد القوم خادمـهم

خلال درس على الفضائية الأحمدية للّغة الأردية أحضر حضرته قِطَعًا من لحم مشوي، وكنت أول من أُعطيَ قطعة ثم وزعت الباقي على الآخرين. وما أن أكلتها وقف حضرته واتجه إليَّ وفي يده الشريفة صحن فارغ وطلب مني أن أضع العظم في الصحن. لقد تمنيت حينها أن آكل العظم ولا أضعه في الصحن احتراما لمقامه الجليل. فعلاً هذه هي قمة الكرم.. يطعمني أولا ثم يأتي ويأخذ مني البقايا. وها بأمير المؤمنين يؤكد: ضعه في الصحن، ضعه في الصحن.. فوضت أمري إلى الله ووضعته.

الواجب المقدس والتأييـد الإلهي

إثر وفاة الأستاذ محمد حلمي الشافعي طلب مني حضرته أن أترجم كلامه في برنامج لقاء مع العرب. اعتذرت لحضرته بحجة أنني منذ سنين طويلة أترجم خطبات حضرته وبرامج أخرى إلى الفرنسية ويصعب عليَّ بين عشية وضحاها أن أترجم إلى العربية. فعيَّن حضرته الأخَ منير عودة لهذه المهمة. وبعد شهرين تقريبا اتصل بي سكرتير حضرته قائلا إن أمير المؤمنين يخبرك بأن منير عودة اضطر للرجوع إلى بلده وإذا لم تقم بالترجمة اليوم في برنامج لقاء مع العرب فسننهي هذا البرنامج إلى الأبد. تأملت في كلام حضرته وتذكرت حكمة القائد الإسلامي طارق بن زياد حين قال لجيشه عند مضيق جبل طارق: البحر من وراءكم والعدو من أمامكم.. ووضعهم أمام الأمر الواقع وهكذا كان النصر حليفهم. بنفس الحنكة القيادية والفراسة الإيمانية وضعني حضرة أمير المؤمنين في نفس الموقف. وهكذا حصل لي شرف الترجمة لسنين عديدة.

كان لي شرف ترجمة كلام حضرته خلال جولاته في الدول الأوروبية. ففي أثناء زيارته إلى فرنسا عُقدت ندوة الأسئلة والأجوبة وحضرها كثير من العرب المقيمين هناك. وكان مقررا أن تستمر الندوة ساعة ونصف، لكن كان هنالك عدد هائل من الأسئلة، فامتد البرنامج إلى ما يزيد على ثلاث ساعات ونصف. كنت جالسا في ساحة المسجد أُترجم أحيانًا بالعربية لبعض الضيوف الذين لا يعرفون الفرنسية. لفت انتباهي أحد الضيوف الجالسين بجانبي حيث كان منتبها لجميع مجريات الندوة ولكنه لم يسأل أي سؤال. تبين لي في اليوم التالي أنه إمام في أحد المساجد في فرنسا وكرمه الله بحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب. وطُلب مني أن أرافقه خلال لقائه مع حضرة أمير المؤمنين كي أترجم له. دخلت أولا مكتب حضرته ثم دخل هو بعدي. فما أن رأى وجهَ حضرته حتى صرخ صُراخًا اقشعر له جلدي وهطلت منه الدموع وازداد صدى صُراخه، وإذا بحضرة أمير المؤمنين يفتح ذراعيه، فهرول الإمام لعناقه، ولم يتمالك نفسه وهو يردد مررًا: “والله إن علوم القرآن ومعارفه معك”. أكرم الله هذا الرجل البار وانضم إلى الجماعة.

 

د. علي الزيادنة، الأردن

الحمد لله الذي هداني إلى هذا النور وجعلني من المبايعين على يد مولانا مسرور أحمد. فوالله لقد جاء الحق وما يُبدئ الباطل وما يعيد. فيا أيها الناس سابقوا إلى مغفرة من ربكم واقبلوا إمام الزمان ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا. وها هو الحبل يتدلى مرة أخرى، فبُشرى للمؤمنين بالإمام المهدي والمسيح الموعود .

السيدة إيمان عودة، الكبابير

عندما وضعتُ طفلتي دانة – قبل حوالي ثماني سنوات -تعسرت ولادتها حيث انفصلت المشيمة قبل الميعاد، وقد نجم عن ذلك انقطاع الأكسجين عن الجنين مما أدى إلى اضطرابات في نبضات القلب وسرعة التنفس. فاضطر الأطباء إلى إجراء عملية قيصرية طارئة. بعد ولادة الطفلة تبين أنها تعاني من مشاكل صحية عديدة مما منعها من التنفس بشكل تلقائي، فوُضِعت في العناية المكثفة حيث اعتمدت شبهَ كلي على أجهزة التنفس الاصطناعي. فتوجّه زوجي إلى أمير الجماعة السيد محمد شريف ليطلب الدعاء من الخليفة الرابع ميرزا طاهر أحمد رحمه الله. فأرسِل الطلبُ في نفس اليوم. وفي صباح اليوم التالي عندما قام الأطباء بفحص المولودة دهشوا لما رأوا أن وضع الطفلة قد تحسن بشكل مثير للدهشة حيث أصبحت تتنفس بشكل مستقل جزئيًا. وقد عبروا عن تحسنها هذا بأنها أعجوبة ربانية. اليوم تتمتع ابنتي بصحة ممتازة وذلك بفضل الله تعالى ثم بفضل دعاء الخليفة رحمه الله.

مصطفـى عبد الله(عبر الهاتف)

والله، ثم والله، ثم والله، إن حضرة مرزا غلام أحمد – رغم أنني لست أحمديا، أعود وأؤكد على هذه العبارة ولكنني أنوي أن أبايع إن شاء الله – هو الإمام المهدي المسيح الموعود. لماذا؟ لأني قد صلّيتُ أكثر من مرة واستخرت الله تعالى في أكثر من صلاة وكانت نتيجة الاستخارة أنكم أنتم يا الجماعة الأحمدية، أنتم أصحاب الطريقة المثلى، وأنتم أصحاب الطريق الصحيح، وأنتم مَن تحبون الإسلام. لاحظتُ أن من يتبعكم هو الذي على طريق سيدنا محمد . وهذا ما تجلّى أثناء زيارة سيدنا أمير المؤمنين مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز عندما قام بزيارة وجولات إلى أفريقيا. لاحظتُ في صلاتي للاستخارة أن هؤلاء ذوي السحنة السمراء هم في الحقيقة على طريق المصطفى وهم من يحبون المصطفى من بين هذه الدنيا.

السيدة أميرة (زوجة الدكتور محمد حاتم الشافعيمصـر

لقد بدأت معرفتي بالخليفة الرابع -رحمه الله- عن طريق خالي الحبيب حلمي الشافعي المرحوم، والذي كلما أشرق نور من أنوار الأحمدية في قلبي دعوت له لأنه كان السبب بعد فضل الله تعالى في دخولي الأحمدية. لقد كان خالي معروفًا عند الكثيرين من خلال ترجمته أقوال حضرة الخليفة الراحل في برنامج لقاء مع العرب، ولكن ما قد لا يعرفه الكثيرون أنه كان عاشقًا محبًا لحضرة الخليفة الراحل. كان يحدثنا كثيرًا عن أمير المؤمنين بحب وإعجاب لأنه كان يدرك مقام الخلافة وأهميته. وبفضل الله تعالى كان حضرته -رحمه الله- يبادله الحب أيضًا، وكثيرًا ما كان يعبّر عن هذا الحب عن طريق ثنائه على ترجمته. كان هذا الحب من أمير المؤمنين يؤثر في خالي كثيرًا ويزيده بذلاً وعطاءً. ولقد كان هذا الحب يسري في قلوبنا نحن أيضًا شيئًا فشيئًا.

عند وفاة خالي تكلم حضرته معنا تليفونيًا ليعزينا ويخفف آلامنا وأحزاننا. فكانت لهذه المكالمة وكلماته الحانية فعل البلسم الذي يبرد الجروح. ولقد قام أمير المؤمنين بتكريم خالي تكريمًا أكبر بكثير مما نتمناه، لقد شارك حضرته في حمل الجثمان وصلى عليه وبكى وهو ينعيه في فضائيتنا وتكلّمَ عنه ببالغ الحب والثناء. لقد تأثرت كثيرًا من هذا التكريم وتمنيت أن أحظى بمثله عند وفاتي.

في نفس العام سافرتُ وزوجي لحضور الجلسة السنوية، وكانت هذه أول مرة منذ أن بايعنا وانضممنا بفضل الله تعالى للجماعة المباركة. ثم كان لنا شرف لقاء أمير المؤمنين الراحل، وعندما دخلت وزوجي مكتب حضرته أحسست برهبةٍ سرعان ما أذابها حضرته ببشاشته ومقابلته الجميلة الحانية ومشاعر الحب الفياضة التي ملأت علينا المكان.. ومنتهى البساطة والتواضع من حضرته مع المهابة التي كانت تُتَوِّجُه، فسبحان الله تعالى على هذا المزيج العجيب، إنها الخلافة وقميصها الذي يُلبسه الله تعالى. لقد شعرنا بسعادة كبيرة وتمنينا ألاَّ نغادر المكان. ثم قام حضرته وأخذ مع زوجي -وأنا بجانب زوجي- صورة فوتوغرافية ما زالت تبعث السرور في قلوبنا كلما شاهدناها. لقد طبع هذا اللقاء في قلوبنا -رغم أنه لدقائق معدودة- مشاعر من الحمد لله تعالى والسعادة والإدراك لمقام ونعمة الخلافة ما زال يتجدد في قلوبنا بفضل الله.

كان يفيض هذا الحب من حضرته ويظهر بصورٍ عديدة، أذكر منها كيف كان يعانق الرجال عناق الإخوة المتحابين عند لقائه بأفراد الجماعة أثناء الجلسات السنوية.. كان يفيض بمشاعر الحب والرحمة والرفق التي يشعر بها كل مَن حوله، فترى الحب الذي ليس له نظير إلاَّ في جماعتنا المباركة بفضل الله تعالى.

لا أنسى موقفه وهو يودّع ضيوف الجلسة السنوية بكلمات تفيض حبًا ورفقًا، فكان يرجوهم أن يتوخوا الحذر أثناء السفر والسياقة خاصة بالليل في طريق عودتهم لديارهم حتى لا يصابوا بمكروه. كان يقول أرجوكم أن تحافظوا على أنفسكم لأن أي مكروه يصيبكم يؤلمني أشد الألم لأنني أحبكم كثيًرا وكان يبكي وهو يقول هذا الكلام. جزاه الله تعالى عنا خير الجزاء.

وانطلاقًا من هذه المحبة بفضل الله تعالى تجد الحب سمةً بيّنة جدًا بين أفراد جماعتنا، فتجدهم رحماء بينهم متحابين كأنهم أشقاء رغم اختلاف البلاد والألوان واللغات.

في أواخر الشهور من حياته الحافلة كان حضرته يُلقي خطب الجمعة وهو ضعيف جدًا، وفي إحدى المرات وصل الضعف منتهاه حتى غشي عليه، وكنا نشاهد خطبة الجمعة في ذلك الوقت فانخلعت قلوبنا خوفًا عليه وحبًا له وشفقةً عليه. كان الجميع والأطباء ينصحونه بأن يقلل من مجهوده في خدمة الدين الذي يفوق قدراته البدنية، ولكنه لم يتوقف.. كان يقول إن هذا الذي تنصحونني بأن أقلل منه، هو ما أحب ولو توقفت عنه فهذا هو الموت.

ثم عندما سمعنا خبر وفاة الخليفة الرابع اعتصر الحزن قلوبنا وسيطر علينا الخوف على مستقبل الجماعة وجلسنا نتابع بقلق شديد مراسم جنازة مولانا الحبيب واختيار الخليفة الخامس، وما إن تم اختيار الخليفة الخامس إلا وشعر الجميع بالأمن مصداقا لقوله تعالى:

وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا .

كان إعلان البيعة العالمية لمولانا الجديد منظرًا مهيبًا مليئًا بمشاعر الحمد والشكر.

فبدأت مشاعر الحب نحوه تتنامى كل يوم إلى أن ذهبنا لحضور الجلسة السنوية وقابلنا مولانا؛ فإذا به إنسان شديد التواضع يتلألأ وجهه نورًا وينشرح القلب بلقائه.

ثم ذهبنا فى جلسة اليوبيل المئوي للخلافة. كانت جلسة ذات طابع خاص. كنا نصطف عند المسجد قبل الصلاة لنرى وجه مولانا النير وهو يمر ذاهبا إلى الصلاة ويرفع يده يحيينا؛ فنسعد بهذا كثيرا. ومما أسعدني سعادة غامرة لم أحلم بها أنهم اختاروا زوجي ليضع يده في يد مولانا الكريمة وقت البيعة العالمية. فأخذت أقبل يد زوجي التي كانت في يد مولانا؛ فماذا يرجو المرء أكثر من ذلك في هذه المناسبات، ولله الحمد.

عبد القادر ناصر عودة، سوريـا

في نيسان من عام 1993 اقترب موعد زفافي، وأنا شاب يتيم لا معيل لي إلا الله. كنت أعمل موظفًا براتب متواضع لا أملك شيئًا أقدمه لخطيبتي. فبدأت أدعو الله تعالى ليرزقني ويعينني على التزامات العرس وغيرها. وزادت ابتهالاتي مع اقتراب الموعد ولم أجد أي سبيل لخروجي من هذا المأزق إلا الدعاء. وقبل العرس بثلاثة أيام أتى لزيارتي العم طه القزق من الأردن، وكان اعتاد زيارتنا في المنـزل كلما جاء إلى سوريا. ولكن هذه المرة زارني في مكان العمل، وكانت هذه أول المفاجآت. وبعد جلوسه كانت المفاجأة الأكبر، فقد أتى من الأردن بناء على أمر من الخليفة الرابع – رحمه الله – لتقديم هدية الزفاف من حضرته لي ولزوجتي، وكان المبلغ من المال مهمًا جدًا بالنسبة لي. وزاد السيد طه القزق المبلغ ضعفًا هديةً منه. كان المبلغ كافيًا لشراء هدية لزوجتي وبعض مصاريف العرس. وبعد الزفاف كان لا بد من الوليمة وغيرها من أمور تتطلب مبالغ لا طاقة لي بها ولم أعدْ أملك حينها أي مبلغ لذلك. وفي أحد الأيام جاء العم أبو مطيع (طه القزق) ثانية إلى دمشق، ولما رأيته فاجأني ما يحمل من أنباء. فلقد أتى بأمر من أمير المؤمنين لإعطائي مبلغًا آخر يساوي المبلغ السابق؛ لأن حضرته كان يريد أن يعطيني المبلغ بالجنيه الأسترليني وليس بالدولار، وتضاعف المبلغ أيضًا من السيد طه القزق. فتكفّل الله تعالى حفل زفافي وما تبعه من أمور عن طريق خليفتنا وليس عن طريق أحد. وهذا من أفضال الله تعالى التي لا يمكن نسيانها ولا بد من حمده والثناء عليه لأجلها ما حييتُ. فلقد زاد يقيني بالله وبصدق المسيح الموعود وقدسية الخلافة أيًا كان الخليفة، فالخلافة أهم باب من أبواب رحمة الله على عباده.

مها دبوس، لنـدن

كنت من سعداء الحظ الذين شاركوا في تسجيل حلقات برنامج “لقاء مع العرب” مع خليفة المسيح الرابع -رحمه الله- منذ البداية. كنت أتعجب كثيرًا من سعة علمه وعمق إدراكه للمعاني الدقيقة لآيات القرآن، والتي غابت حتى عن العرب المُلمِّين بلغة القرآن الكريم. كانت إجاباته تتميز بالحياة المتجددة. فحتى إذا كان قد سُئل نفس السؤال أكثر من مرة، فإن إجاباته لم تكن نفسها أبدا، بل كان في كل مرة يضيف شيئًا على الإجابة بحيث يضفي عليها رونقا وجمالا متجددًا.

كان -رحمه الله- يحب أن يلطِّف الجو أثناء تسجيل هذه الحلقات، فكان يُطعِّم كلامه ببعض النكات والقصص الطريفة. مرة سأله أحد الحاضرين في البرنامج عن أسباب سماح شريعة الإسلام بزواج الرجل من أربع. وتصادف أنه كان قد تبقَّى من وقت البرنامج خمس دقائق فقط، وكان المصوِّر من خلف السائل يشير بيده لأمير المؤمنين بالعدد خمسة حتى يعلم أنه لم يبق على انتهاء البرنامج إلا خمس دقائق.. وبسرعة بديهته المعتادة، ضحك أمير المؤمنين وقال للسائل: أنت تقول إن الإسلام يسمح بزواج الرجل من أربع زوجات، ولكن المصوِّر يخبرني أن هذا العدد قد صار خمسة الآن!

ومع هذه اللحظات المرحة، كان حضرته -رحمه الله- دقيقا جدًا عند الجدّ. فكان كثيرا ما يبكي ويُبكينا خاصة عند الحديث عن أحداث حياة الرسول الأكرم ، والمتعلقة بوقت وفاته أو وقت معاناته على أيدي الكافرين. كان حبه للرسول المصطفى لا يعرف الحدود.

لا أنسى أبدا محبته وعطفه على ابنتي وابني. كانا صغيرين، ولذلك كنت أضطر إلى أن أتركهما خارج الأستوديو، وكان أمير المؤمنين يمر عليهما وفي كل مرة كان يقف عندهما يداعبهما.

أراد حضرته تشجيع المرأة في مجالات البحث والدراسات العلمية والثقافية، فكوَّن فريقا من الأحمديات للبحث في مواضيع مختلفة في التوراة والإنجيل، ومن حسن حظي أني كنت بينهن. كنا نلتقي بحضرته في بعض الأحيان يوميا لمدة ساعة أو أكثر، كي نخبره بآخر التطورات في هذه الدراسات. كانت توجيهاته وتعليقاته نصائح غالية. كان حضرته دقيقا جدا في ملاحظاته ولا يقبل أي شيء بدون مرجع موثوق به. كان أيضا متواضعا جدا حتى في آرائه، فمع أن علمه كان بدون أدنى شك أوسع وأرقى كثيرا من كل العلوم الموجودة في أذهاننا جميعا، إلا أنه كان دائما يعطينا الفرصة بكل رحابة صدر من أجل التعبير عن آرائنا.

كانت الأيام التالية لرحيل حضرته -رحمه الله- شديدة.. ثقيلة.. صعبة، كلها حزن وخوف وقلق ودعاء وابتهال. وكانت الساعة تمر فيها كالسنة. ولم تختفِ هذه المشاعر المؤلمة إلا لحظة إعلان انتخاب خليفة المسيح الخامس سيدنا مرزا مسرور أحمد -أيده الله تعالى بنصره العزيز- وبالفعل شعرتُ لأول مرة بمعنى الوعد الإلهي الذي سبق أن قرأته كثيرا ولم أدرك معناه من قبل

وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا .

لقد أدركت أن هذا الوعد الإلهي يتحقق بشكل مستمر مع كل خليفة جديد.

فقبل وفاة الخليفة الرابع -رحمه الله- بأيام قليلة، كتبتْ له ابنتي نور الهدى رسالة أن يأذن لها أن تشترك في البرنامج الذي كان يسجله كل أسبوع مع البنات باللغة الأردية، وبتاريخ يوم 17 إبريل 2003 -أي قبل وفاة حضرته بيومين فقط- كتب سكرتيره الخاص رسالة إلى ابنتي يخبرها فيها أن حضرته (رحمه الله) قد سمح لها بالاشتراك في هذا البرنامج ودعا لها.

وبدأ خليفة المسيح الخامس -أيده الله تعالى بنصره العزيز- بعد انتخابه بمدة قصيرة في تسجيل برنامج مع الأطفال باللغة الأردية، وكانت ابنتي نور الهدى وابني يحيى أيضًا من ضمن هذا البرنامج من أول حلقة فيه.

وأذكر هنا المرة الأولى التي قابلت فيها حضرة الخليفة الخامس -نصره الله- وذلك بعد انتخابه مباشرة حين طلب مقابلة الوفود التي كانت موجودة في لندن في ذلك الوقت. وكان حظي السعيد أنني كنت من ضمن هذا الوفد. لم أكن قد تشرفت بلقائه قبل توليه منصب الخلافة، ولم أكن حتى أعرف عنه الكثير، ولذلك كنت مرتبكة من هيبة اللقاء الأول بالرجل الذي اختاره الله ليكون خليفته على الأرض. كنت على وشك التشرف برؤية مظهر جديد وتجلّ آخر لخلافة الله على الأرض، بعد وقت قصير من مولدها. وعندما دخلنا على حضرته فأول ما لفت نظري هو تواضعه وحياؤه الشديدان اللذان لم أجد لهما مثيلا. كان ينظر إلى الأرض وهو يكلمنا. كان صوته منخفضا وكلامه مختصرًا. رأيت النور المشعّ من وراء هذا الوجه المتواضع الخاشع لله، ورأيت فيه الهيبة والجلال. وبرؤية هذا الوجه المنير، سجَدَتْ روحي لله شكرًا على نعمة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

أيده الله الرحمن الرحيم ونصره، وكان معه وسرّه دائما بحسب وعده: “إني معك يا مسرور”.

حمود الشمري، الدانمـارك

كنت دائما أتساءل وكلّي حزن على حال المسلمين المتدني: عندنا دستور عظيم وكلنا نؤمن به وهو القرآن الكريم، ولو طبقنا ما فيه من تعاليم لعشنا بجنة الدنيا قبل الآخرة. إذن، لماذا نحن في هذا الحال المتردي؟ وهل يتركنا الله بلا مساعدة ومِن دون منقذ ينقذنا مما نحن فيه من تفكّك وسوء حال؟! فرأيتُ في المنام ذات ليلة أن حال الناس في شدة وكرب، يعملون بكل جهد ولكن لا يحصلون على راحة، هناك من يظلمهم ويقسو عليهم ويعاملهم بكل شدة وظلم، ولا يحصلون على أبسط الحقوق التي يستحقها الإنسان الكادح. ورأيت إنسانا ذا شكل منفّر مقزّز يزيدهم ظلمًا وقسوة رغم عملهم الشاق المضني، حتى تساءلت من شدة ظلمه: هل مِن أحد ينصفهم ويريحهم مما هم فيه من كرب؟ هل من منقذ؟ هل من عادل ينصفهم؟ هل من مهدي يدلّهم على الطريق التي توصل إلى الله سبحانه؟ هل من مغيث يأخذ بأيديهم ويخلصهم ممن يظلمهم؟ وكان قلبي حزينا جدا على هذا المنظر، وإذا بشخص يضرب على كتفي من ورائي ويقول لي: لا تحزن، إن المنقذ موجود والمخلص موجود، تعال لتسلّم على قائدنا، فهو يساعد من يريد أن يصل إلى بر الأمان. وأثناء حديثي معه إذا بي ألبس مثلهم لباس الإحرام وكأننا ذاهبون إلى بيت الله الحرام. فقال لي: سلّمْ على الإمام علي بن أبي طالب، فهو قائدنا. فرأيت شخصًا لباسه أبيض ووجهه يشعّ نورا. فانقلب حالي من حزن شديد إلى فرح شديد، لأن هذا ما كنت أنتظره بكل شغف ووَلَه. ومددت يدي لأبايعه، ولكن تذكرتُ أن هذا القائد العظيم يستحق أن أبايعه بيد نظيفة، فتساءلت في نفسي: هل يدي نظيفة حتى أصافحه بها؟ وإذا بي أمدّ يدي وأؤخّرها مترددًا، وأنا أبكي بكاء التحسر أن جاءتني الفرصة لمبايعة المنقذ الذي جاء ليدلني على طريق الهداية.. الطريق القويم الذي طالما انتظرته بكل شغف. لم يكن ترددي لعدم القناعة أو لعدم القبول، بل فقط لأنني كنت غير متأكد هل يدي نظيفة لكي يكون لي شرف ملامسة هذا الإنسان العظيم؟ فأفقتُ من النوم وأنا ما زلت أبكي.

لم أفهم حينذاك مغزى هذه الرؤيا. واستمررت في الدعاء لله سبحانه أن يهديني ويفهمني ما هو الأمر من وراء هذه الرؤيا. واستمرّت بي الأحداث من بلد إلى بلد، لأنه بعد الغزو العراقي للكويت اضطررت للهجرة من وطني الذي ترعرعت به وأصبحت عسكريا. كنت حزينا على هذا الوضع ولم أعرف ما هو مصيري، ولكن قلبي كان متعلقا بالله ، وكنت مستمرا بالدعاء لكي يساعدني الله تعالى ويهديني. حتى استقر بي المطاف في الدنمارك. وذات يوم جلست أبحث عن القنوات العربية الفضائية، لأني كنت بأمسّ الحاجة لسماع أخبار العالم العربي خصوصا في قسوة الغربة عن الوطن والأهل والأقارب، وإذا بي أجد قناة فضائية تتحدث العربية، والغريب أني لم أجد بلدًا لهذه القناة.. أقصد بلدًا عربيا يكون هو مَن يملكها. وأكثر ما شدّني لهذه القناة هو الحديث الذي سمعته فيها، حيث كانت أخت عربية (هي الأخت مها دبوس) تتحدث عن تجربتها لدخول الجماعة الإسلامية الأحمدية، فشدّني كلامها الذي أحسست به أنه كله صدق وطيب لم أسمع مثله من قبل. وبعد دقائق انقلبتْ لغة هذه القناة من العربية إلى الإنجليزية مع ترجمة عربية.. وكانت ترجمة تدخل القلب ويقبلها العقل. وكان الحديث جذابا يملك العقل والوجدان. كان وجه المتحدث بالإنجليزية يشعّ نورا وترى الطيبة على محيّاه، يجذبك حديثه العسل المذاق. فدخل قلبي الرجلُ وحديثُه الطيب، ودخل قلبي المترجمُ للعربية الأستاذ المرحوم محمد حلمي الشافعي. لقد أحببتُ المعلم والمترجم وأنا بنفسي أتساءل عن هؤلاء، وهل يوجد اختلاف بما يطرحون عن غيرهم؟ أقصد طرح الإسلام. لقد وجدت طرحا جديدا سلسا يقبله القلب والعقل بكل سهولة. وتوقف البرنامج بالعربية، وقررت أن أتأكد من هذه القناة الذي أعجبني ما تقدمه من برامج، فأبقيت عليها حتى أرجع لها بنفس الوقت ليوم غد. والحمد لله وهذا ما حصل، واستمررت بمتابعة القناة التى اسمها (MTA) حتى إني كنت أنتظرها بشغف واهتمام. كل يوم يدخل هذا الإمام في قلبي أكثر فأكثر، ويحبّب إليّ الإسلام أكثر فأكثر، ويريحني كلامه ويدخل قلبي وعقلي أكثر فأكثر، وتمنيت أن يكون هو إمامي وشيخي. وبعد أن تعرفت أكثر على الجماعة الإسلامية الأحمدية ومؤسسها سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي الذي أحببته من غير أن أراه تمنيت أن أنضم إلى هذه الجماعة المباركة. ولكن كيف وليس لي سبيل، لأن هذا الإمام العظيم يقيم في لندن، وأنا لا أستطيع السفر خارج الدنمارك. كل ما استطعت أن أعمله هو إرسال الفاكس على الرقم الذي كان مكتوبًا على الشاشة. المهم أني أردت بيعة هذا الإمام وأن أدخل في جماعته، ولكن كيف وأنا لا أستطيع وضع يدي بيد هذا الإمام العظيم الذي أحببته وأبكاني كثيرا بكلامه الطيب الذي يريحني ويزيدني بكاءً مترجمُه. فبايعت هذا الإمامَ الخليفةَ الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود بوضع يدي على شاشة التلفاز وكلي حزن وحسرة لأني تمنيت أن أبايعه يدا بيد، ولكن لم أستطع. وكان نصيـبي أن أضع يدي بيد الخليفة الخامس – نصره الله- عام 2004. ولقد أهداني ذكرى عزيزة على قلبي وهو خاتم مكتوب عليه أليس الله بكاف عبده ، وبهذا فُسِّرتْ رؤياي التي احترت كثيرا في تفسيرها؛ فالإمام علي في الرؤيا هو ميرزا طاهر أحمد الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود . والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

فلاح الدين عودة، الكـبابير

في عشية العشرين من شباط عام 1991 رأيت في المنام أن الداعية الإسلامي مولانا محمد حميد كوثر يسير في الشارع قادمًا إليّ وفي يده رسالة لي من مولانا أمير المؤمنين الخليفة الرابع -رحمه الله- تحتوي على سطرين يقول فيها: ستحضر الاحتفال السنوي هذه السنة وعلى حساب المركز.

وبعد خمسة أشهر وبتاريخ 14/7/1991 كنت خارجًا من بيتي سائرًا نحو المسجد، وإذ بالأستاذ محمد حميد كوثر قادم نحوي وبيده رسالة باللغة الأردية في سطرين يقول فيها سيدنا أمير المؤمنين رحمه الله: ستحضر هذه السنة الاحتفال السنوي في إسلام آباد بلندن، وعلى حساب المركز.

بعدها رأيتني في المنام (كنت إذّاك رئيسًا للجماعة في الكبابير) أنني في إسلام آباد، تلفورد، مع وفد الكبابير المؤلف من حوالي 25 فردًا حيث كنا في انتظار حضرة أمير المؤمنين الذي سيدخل القاعة من بابها الرئيسي لنتشرف بمقابلته. وقد كنت رتبت أعضاء الوفد من الرجال بحسب السن من الكبير حتى الصغير. وبعد لحظات دخل أمير المؤمنين من بابٍ جانبي مبتدئًا بمصافحة الصغار أولاً ثم الكبار بعكس الترتيب الذي قمت به. وأخيرًا جاء دوري وصافحته وعانقته واستأذنته بتقبيل وجنتيه، فسمح لي بذلك ففعلت، كل ذلك كان في المنام. فالحمد لله على ذلك حمدًا كثيرًا.

وبالفعل حقق الله هذه الرؤيا وذلك عندما قدمنا إلى لندن وذهبنا إلى الاحتفال. فبعد إنشاد شباب وأطفال الكبابير القصيدة العربية في الاحتفال قام حضرة الخليفة من مكانه وذهب ليصافح المنشدين مبتدئًا بالأطفال ثم الشباب. فما كان من كبار الوفد الذين كانوا جالسين على الكراسي إلى جانب المنصة إلا أن يغتنموا هذه الفرصة ويصعدوا المنصة ليصافحوا مولانا أمير المؤمنين، وكنت آخرهم وحظيت بمعانقته وتقبيله على وجنتيه بعد إذنه طبعًا، فالحمد لله على ذلك حمدًا كثيرًا.

قبل سنوات اكتشفتْ زوجتي -حفظها الله- أن ورمًا ظهر في صدرها يفرز مادة سائلة. فتوجهنا إلى الطبيب وتقرر إجراء عملية استئصال الورم وتعينّ اليوم والمكان للعملية. وفي اليوم السابق للعملية تذكرتُ وقلت لنفسي لقد قمنا بجميع الفحوصات والإجراءات والاستعدادات، ولكن شيئًا مهمًا لم أفعله.. لم أُرسِل إلى مولانا أمير المؤمنين طلبًا للدعاء لنجاح العملية وشفاء زوجتي. فأسرعت وأرسلت طلب الدعاء إلى الخليفة الرابع سيدنا طاهر أحمد رحمه الله…

وفي صباح اليوم التالي قصدت المستشفى لأقف إلى جانب زوجتي أثناء العملية، ولكن كانت المفاجأة السارة والمدهشة. رأيت زوجتي في فراشها مبتسمة وقالت لي لقد أُلغيت العملية. ثم جاء الطبيب وقال لي: لن نجري اليوم العملية لأن درجة حرارة زوجتك مرتفعة قليلاً، ولكن ليس هذا هو السبب الحقيقي، إن السبب هو اختفاء الإفرازات واختفاء الورم ذاته كليًا. فهنيئًا لكم وما عليك إلا أن تأخذ زوجتك وتذهبا بسلام إلى بيتكم. فالحمد لله خير الشافين.

كثيرًا ما نردد القول المشهور إن الخليفة حامي الدين والقائم على الشريعة، وكذلك يقول النبي : الإمام جُنّةٌ يقاتَل من ورائه ويُقتدى به. وهذا ما لمسته الجماعة في الكبابير ربيع عام 1998، عندما وصل لعلم الخليفة الرابع رحمه الله تقرير يفيد أن بعض الأفراد لا يتقيدون بتعاليم الإسلام الحنيف كما ينبغي. فأرسل حضرته رسالة تلفزيونية مباشرة عن طريق الـ MTA إلى المسؤولين وأفراد الجماعة في الكبابير أنه ما لم يسِر الجميع بموجب تعليمات الإمام والخليفة ويطبّقوا تعاليم الإسلام في حياتهم قولاً وعملاً وروحًا فإن الخليفة يقطع علاقته بهذه الجماعة، لأن العدد لا يعني شيئًا، إنما الأهم هو نوعية الأفراد ومدى إخلاصهم وقيامهم بواجباتهم. فإن عشرة أفراد مخلصين أحب إليه من ألف غير قائمين بتعاليم القرآن الكريم وسنة محمد المصطفى .

لقد هزت هذه الرسالة أبناء الجماعة في الكبابير كبارًا وصغارًا رجالا ونساءً شيوخًا وشبانًا هزة عنيفة، كانت نتيجة ذلك أن جُدِّدت بيعة أفراد الجماعة للخليفة بتعهدات قوية بتلبية نداء مولانا أمير المؤمنين، فوقف الجميع من جديد على الصراط المستقيم بعزم وتصميم للقيام بالعهد بإذن الله تعالى: ولبيك يا أمير المؤمنين! فلولا فضل الله علينا ورحمته، ولولا وجود الخليفة فينا لاستمرت الأوضاع بالتدهور، ولكن الله سلّم. فهذه بركة الخلافة التي هي أساس صلاحنا ونجاحـنا وفلاحنا. فالحمد لله رب العـالمين!

عبد القادر مدلل، فلسـطين

عندما مَنَّ الله علينا بدخول الجماعة الإسلامية الأحمدية كنت دائما متشوقا للتعرف على خليفة الجماعة. وقد تشرفت بلقاء الخليفة الرابع -رحمه الله- في الجلسة السنوية في لندن عام 1999. لقد كانت لحظات لا تنسى تمنيت أن تطول، ولكن لسوء الحظ فإن وقت الخليفة لا يسمح بذلك. لقد رأيته بعد ذلك وقد أشار إلينا من بعيد وهو يتجول في المخيم يشرف بنفسه على كل كبيرة وصغيرة قبل بدء الجلسة. ولقد أدهشتني سرعة خطاه وهيبته. إنك ترى في وجهه الوقار وفي حركاته التواضع. إنك فعلاً أمام خليفة جماعة المسلمين. لقد أدهشتني قوة تحمله وصبره على العمل حيث تبين لي أنه يعمل لساعات طويلة جدا بنظام دقيق. كلما ازددت معرفة به ازددت إعجابًا به، فإنك لا تعرف أنك أمام رجل دين أم ديانات.. أمام مؤرخ، أم فيلسوف أم متخصص في علوم الطبيعة والطب. إنك في الحقيقة أمام رجل واسع الاطلاع ذي ثقافة متنوعة. إن إحساسي هذا نابع من مشاهدتي لبعض برامجه وقراءتي لبعض مؤلفاته خاصة كتاب Revelation, Rationality, knowledge and Truth.

أما خليفتنا الحالي -أيده الله بنصره العزيز- فأنا معجب بشخصيته جدا، فالهدوء والاتزان والحكمة والنظرة الثاقبة والحزم والثقة بالنفس والروحانية المتدفقة كالينبوع المنهمر سمات بارزة في شخصيته. وهذا يفسر التقدم والفتوحات التي تحققها الجماعة بتوفيق من الله تعالى.

ما يبدو من نهج حضرته في التركيز على التربية والنوع – وهذا واضح من خلال تتبع خطب الجمعة – لهو شيء يبعث على الطمأنينة والافتخار والسعادة، ويبعث على الشعور بالرسوخ والتحصن أمام الفتن العاتية التي تتعرض لها الجماعة والتي ستتحطم أمام قلاعها الروحانية بإذن الله.

أحمد محمد الشبوطي، اليـمن

في ديسمبر 1962 زرت مدينة ربوة بصحبة زوجتي لحضور الجلسة السنوية. فكان لنا شرف لقاء “المصلح الموعود”، الخليفة الثاني . دخلنا على سيدنا أمير المؤمنين وسلمنا عليه، فرد علينا بأحسن منه، ثم تحدث إلينا بصورة موجزة بسبب مرضه. وفي أثناء المقابلة ظللتُ ألتفتُ يمينا ويسارا لعلي أشاهد الأثاث الفخم الذي يوجد عادة في منازل العظماء، ولكن هيهات هيهات. لقد اندهشت عندما رأيت أمير المؤمنين على سرير خشبي بسيط، وفرش من الحصير، والغرفة خالية من الأثاث إلا كراس بسيطة، كما أن المنـزل نفسه كان مبنيا من الطين. فقلت في نفسي: يا إلهي، رغم أن هذا الرجل الرباني خليفة لملايين المسلمين، ولكنه يعيش حياة البساطة والزهد. وذكّرني هذا الموقف بحياة الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب ، كما يصفه التاريخ، وقلت في نفسي: لهذا سُمي حضرته في وحي المسيح الموعود عن الابن الموعود أو المصلح الموعود بلقب “فضل عمر”.

هاني طاهر، فلسـطين

تشرفتُ بزيارة الخليفة الرابع -رحمه الله تعالى- في تموز من عام 1999 بعد بضعة شهور من بيعتي. لم تَطُل تلك الزيارة أكثر من دقائق، لكنها لحظات بلغت من الدفء الغاية. وفي اليوم التالي رأيت حضرته يلقي خطبة الجمعة وأنا على بعد خمسة أمتار. كانت لحظاتٍ روحانيةً عظيمة. وبعد أيام كان مشهد البيعة العالمية في نهاية الجلسة السنوية، وكان جوًّا مفعمًا بالإيمان. إننا الجماعة الوحيدة العالمية المتآخية المتحابة التي تجتمع على حب الله.

عقدت العزم بعد تلك الجلسة على أن أحضر الجلسة السنوية كل عام، لكن لم أوفق في عام 2000، ثم وفّقني الله تعالى لحضور الجلسة السنوية في ألمانيا سنة 2001. عشت هناك لحظات عرفتُ خلالها كيف يحب الأحمديون الخليفة. لقد رأيتُ العيون تنهمر بالدموع عندما كان أصحابها يتحدّثون عن تدهور صحة الخليفة. لم يكونوا يستوعبون أن يتوفاه الله، لذا لم يتحدث أحد بلسان قاله عن ذلك، مع أن لسان حاله يفصح عن ذلك بوضوح. وعند انتهاء الجلسة أخذَتِ الجموعُ، وبخاصة العرب منهم، يهتفون بصوت واحد: لا إلهَ إلا الله مُحَمَّد رَسولُ الله. كان الهتاف بنغمة حزينة جعلت المئات يجهشون بالبكاء. ويومها لم أستطع أن أهتف معهم؛ فقد انشغلت بتجفيف دموعي التي لم أفلح -كالعادة- في محاولات وقفها.. ورغم ذلك فقد كان قلبي يهتف بصوت أعلى وأعلى.

كنت خلال ذلك كله أُحسُّ أن هذه المشاعر كلها ببركة هذا الخليفة. إنه البؤرة التي تتجمع فيها الأنوار كلها والخير كله. إنه النبراس الذي يهدي هؤلاء المؤمنين جميعا. إنه نعمة الله العظمى. كيف يمكن تخيّل حالنا من دونه؟!

وفي عام 2002 وفقني الله تعالى لحضور الجلسة الأخيرة في عهد الخليفة الرابع رحمه الله. كان الجميع يحسُّ أن هذا هو العام الأخير الذي نجتمع فيه مع هذا الخليفة، فكانوا يدعون الله تعالى بحرارة لطول عمره. لقد كانت جلسة مفعمة بالحزن والألم. نعم، لم يَعُد بتلك القامة ولا المشية الرشيقة. لقد شعر الجميع بأن الرحيل قد اقترب، فاعتصر الألمُ قلوبَهم. كان البكاء هو السمة الغالبة، لكنه بكاء أشعل الجو روحانيةً وحبًا وسكينة وطمأنينة.

تخيلوا الآن موقف هؤلاء جميعا بعد وفاة الخليفة المفاجئة! لقد توفي بعد أن طرأ عليه تحسن وسجل حلقة تلفزيونية. ولكن الجماعة التي أقامها الله لا بد أن تبقى شامخة. فقد اختار الله خليفة خامسا للمسيح الموعود بكل سهولة ويسر وتوفيق. إن هذا التوفيق الرباني لَمِنْ بركة الدعاء والدموع التي يبلل به الأحمديون عتبة ربهم . وهل يدعو أحد ربه كما يدعو الأحمديون؟ كلا. فالمسلم الأحمدي لا يستطيع أن يحيا بدون الدعاء. أليس هو الحربة السماوية التي ينصر اللهُ بها المسيحَ وأتباعَه؟

هل من السهولة على جماعة تنتشر في أصقاع الأرض كلها أن تنتخب أميرها بهذا اليسر والسرعة؟ هل كان هذا بيد البشر؟ أيُّ جماعة هذه التي تتحدث باسم الله ثم يوفقها الله؟ هل يمكن أن تكون هذه جماعة أسّسها متقولٌ على الله؟ إن الإلحاد أكثر عقلانية من هذا الادّعاء! إن ما حصل خلال الأيام الأربعة الأولى من وفاة الخليفة الرابع يشكل حجة دامغة على صدق جماعتنا الإسلامية الأحمدية.

وفي منتصف تلك الليلة التاريخية -التي ظلّ فيها الأحمديون ساهرين ينتظرون إعلان انتخاب الخليفة الجديد- رأينا الكاميرا تتسلط فجأة على رجل مجهشٍ في البكاء. قلت: لا بدّ أن يكون هو الخليفة الخامس. فنحن لا نفهم اللغة الأردية، ولكن بكاءه الغزير كان بكاء رجلٍ يعلم عِظم المسؤولية أمام الله تعالى. فمنصب الخليفة ليس منصبًا دنيويًا يتمتع صاحبه بزينة الحياة الدنيا، بل هو منصب دينيّ خطير نسأل اللهَ تعالى أن يعين صاحبه؛ فهو مسؤول عن ملايين المؤمنين في أصقاع العالم كله، وليس له من وراء ذلك أيّ بهرجة أو منفعة مادّية. لقد كان البون شاسعًا بين خليفتنا البكّاء عند انتخابه، وبين أي رئيس في العالم حين ينفق الملايين على الاحتفالات بفوزه.

لقد كان جوُّ انتخابات الخليفة الجديد لطمة لكثير من مشايخ باكستان الذين يعلنون أن هناك انشقاقا في الجماعة الأحمدية فور وفاة أي خليفة. ولكن وجود التلفزيون الفضائي الأحمدي وبثّه الأحداث مباشرة على الهواء قد أخرس ألسنتهم هذه المرة. كما كان لطمة لمن يدّعي أن المسلمين لا يُحسنون صنعًا في تحقيق الشورى الحقيقية في انتخاب خليفتهم.

لقد ظلّت جماعتنا بلا خليفة قرابة مائة ساعة، وكان الكل يترقب انتخاب الخليفة الجديد، وسافر إلى مكان جلسة الانتخاب صغار وكبار. وهناك رأى هؤلاء معنى الطاعة والنظام والتربية. رأوْا كيف كان الجالسون في المسجد وساحاته وفي الشوارع حوله يجلسون بإشارة ويقفون بأخرى. عرفوا معنى التماسك والوحدة. علموا معنى وجود خليفة ومعنى فقدانه. فهل يعلم الناس في العالم أن أصحاب أي دين أو مذهب لم يعودوا يستطيعون التجمّع تحت راية خليفة واحد؟ هل يعلمون أن ذلك مقصور على الأحمديين؟ نعم، المسلم الأحمدي هو من يعرف طعم الوحدة والنظام والصدق والإخلاص والبكاء وخشية الله.

فالحمد لله الذي جعلنا من أتباع المصطفى ، والحمد لله الذي وفقنا لتصديق الإمام المهدي ، والحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الخلافة. ويا لها من نعمة!

مصطفى كامل، السـويد

لقد قابلت مولانا أمير المؤمنين ميرزا ناصر أحمد -رحمه الله- أول مرة عام 1978 في مسجد الجماعة في غوتنبيرغ في السويد. فعانقني حضرته عناقًا طويلاً وقويا، شعرت وقتها أن هناك طاقة روحانية هائلة تسري من جسمه إلى جسدي المظلم في ذاك الوقت، فازداد جسمي حرارة ونورًا. لقد شعرت بسعادة غامرة وعارمة لم أشعر بمثلها من قبل إلا عندما كنت أعانق أمي رحمها الله. وإن جاز استخدام لغة المجاز فقد كان جسدي بطارية فارغة شحنها مولانا ناصر أحمد بالروحانية. لقد شعرت أني أعرفه منذ زمن طويل، مع أنه كان أول لقائي به.

أما الخليفة الرابع -رحمه الله- فكان أول لقائي به في ربوة في الجلسة السنوية عام 1980، حيث حضرت إلى قاديان بصحبة الأستاذ مصطفى ثابت والأستاذ حلمي الشافعي والأستاذ عبد الله أسعد عودة من الكبابير. وبعد جلسة قاديان ذهبنا بالسيارة إلى ربوة في باكستان، وكان وقتها مولانا ميرزا ناصر أحمد خليفة، بينما كان مولانا طاهر أحمد الرجل الثاني. وأذكر أنه اجتمع بعدد من الأحمديين في دار الضيافة، وكنا نحن العرب نحضر هذا اللقاء، حيث تناول ميرزا طاهر أحمد شرح قول الله تعالى:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (البقرة:130)،

وشرح حضرته الفرق بين هذه الآية وبين قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِين (الجمعة:3)،

فقال إن الآية الأولى دعاءٌ لسيدنا إبراهيم ، وقد استجاب الله دعاءه، ولكن ليس بالترتيب الوارد في الدعاء، بل قدّم كلمة يُزَكِّيهِمْ ، وذلك لأن روحانية الرسول العالية كانت كافية لتزكية نفوس الصحابة رضي الله عنهم، وبعد هذه التزكية علّمهم الكتاب والحكمة. يا لروعة هذا الشرح العظيم!

واللقاء الأهم هو الذي التقيت فيه بمولانا ميرزا طاهر أحمد في لندن عام 1993 بعدما أصبح خليفةً. لقد أمضيت في ضيافته الشخصية أسبوعًا كاملاً تشرفت فيه بلقائه عدة مرات، وشعرت عند عناق حضرته نفس الشعور الذي شعرت به من قبل عند لقاء الخليفة الثالث رحمهما الله. ولكن هناك شيء أهم من ذلك، وهو أني شعرت بإحساس عجيب لذيذ رائع منذ يوم وصولي إلى لندن وطوال الأسبوع الذي مكثته في ضيافة الخليفة رحمه الله: لقد رأيت الله تعالى متجليًا في كل مكان بوضوح شديد جدًّا وكأن الله هو الذي يستضيفني. لا أستطيع وصف ذلك الشعور أكثر من هذا فمفردات اللغة عاجزة عن ذلك. في ضيافة الخليفة شربت من هذه الكأس كأسِ مشاهدة الله لأول مرة. رحمه الله رحمات واسعة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك