1 ظهور قدرة الله الثانية "الخلافة الراشدة على منهاج النبوة

1 ظهور قدرة الله الثانية “الخلافة الراشدة على منهاج النبوة

التحرير


بفضل الله تعالى ورحمته قد دخلنا في هذا العام القرنَ الثاني من الخلافة الراشدة التي قامت ثانيةً بعد بعثة المسيح الموعود ، والتي أثمرت ثمرات طيبة غمرت ببركاتها الإلهية الجماعةَ الإسلامية الأحمدية بل وأجزاء كبيرة من العالم.

والخلافة الإسلامية هي تلك المؤسسة العظيمة التي أراد الله أن يرسيها في الأرض لتحقق الأهداف التي من أجلها خُلق الإنسان، ألا وهي تحقيق العبودية الكاملة الخالصة لله وحده وتوحيد البشرية تحت لواء واحد من أجل أن يخدم الإنسان أخاه الإنسان بكل إخلاص وتفان. وقد أقام الله تعالى هذه المؤسسة بعد وفاة النبي الأكرم مباشرة لكي تحمل على عاتقها مهام الرسالة الإسلامية ومسئولياتها، ولكي تظهر من خلالها قدرة الله ثانيةً وتستمر في الأمة بعد أن ظهرت أولاً في حياة النبي . لقد كان حدث وفاة النبي صدمة لم يستطع كثير من المسلمين تحمُّلَها في ذلك الوقت، وشعر المسلمون بالخوف من مصير مجهول ينتظرهم، فكيف سيكون حالهم بعد غياب النبي الذي كان الأب والقائد والمرشد والمرجع الأوحد والذي كان كل شيء بالنسبة إليهم؟ لكن سرعان ما بدّل الله تعالى خوفهم أمنًا، وأكد أن رسالة الإسلام باقية وزمن النبي ممتد بعده إلى يوم القيامة. فقام صاحبه الذي كان أقرب الناس إليه وأشدهم حبًّا له وقال: “مَن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت”. قالها والألم يعتصر قلبه على فراق حبيبه، ولكن هذا الألم لم يشوش ذهنه ولا فكره، بل كان يرى بوضوحٍ المستقبلَ المشرق الذي ينتظر الأمة، والذي سيستمر فيه زمن النبي وتستمر فيه فيوضه. ولا عجب أن يكون هذا الصاحب الصدِّيق الصدوق هو من اختاره الله تعالى ليكون الخليفة، ثم أرشد قلوب المؤمنين إليه فعرفوه وسارعوا لمبايعته.

وكان من عجائب قدر الله أن تضطلع الخلافة الراشدة بمهام عظيمة أرست دعائم الإسلام ووطدته إلى الأبد، وكان من أهم ما قامت به هو جمع القرآن الكريم في كتاب ونشره وجمع المسلمين عليه. كما رعت الخلافة مبادئ الإسلام وأخلاقياته التي علّمها الرسول الكريم وطبّقتها عمليًّا في سلوكها وتصرفاتها، فكان الخلفاء بحقٍ تلاميذَ مخلصين للنبي .. ساروا على هديه واستنّوا بسنّته.

ولكن المؤسف أن كثيرًا من الناس لم يدركوا مقام الخلافة الحقيقي، وظنوا أنه مجرد منصب رئاسي دنيوي لا يختلف كثيرا عن منصب الحاكم. مع أن الخليفة في الواقع هو ظل النبي وإمام جماعة المسلمين الذي يختاره الله تعالى، والذي يقوم بالمهام النبوية كاملة. وقد جعل الله الخلافة في الأمم السابقة مقتصرة على النبوة؛ أي كان يرسل نبيا عقب نبي، ويختارهم اختيارا مباشرا لا يشارك هؤلاء الأقوام فيه بشيء. أما المسلمون فقد أكرمهم بأنه أراد أن يتعرفوا بأنفسهم على من اختاره الله، ولكن عليهم أن يتحلّوا بالإيمان والعمل الصالح، وأن يتضرعوا لله تعالى كي ينالوا بركة هذا الاصطفاء الذي لم يكرم الله به قوما من قبلهم. لقد غفل كثيرون عن هذه الحقيقة وظنوا أنهم هم من يعينون الخليفة وأن مِن حقهم أن يعزلوه، فخالفوا الخلفاء الراشدين ونازعوهم، واستُشهد الخليفة الثالث والخليفة الرابع بأيدي بعض المسلمين. فأراد الله تعالى أن يرفع الخلافة الراشدة لحكمةٍ بالغة وتحقيقًا لنبأ كان قد أنبأ به النبي بنفسه، حتى تعود في آخر الزمان على يد الإمام المهدي والمسيح الموعود وتستمر إلى الأبد حسب نفس النبأ الذي أنبأ به سيده المصطفى أيضا.

لقد تشوّهت فكرة الخلافة وصورتها في أذهان كثير من المسلمين، فمنهم مَن ساوى بين الملوك والخلفاء الراشدين وادّعى أنهم لا يختلفون عنهم في شيء، ومنهم من أنكر الخلافة مطلقا، ومنهم مَن آمن بخلافة الملوك وظن أنها هي الخلافة الحقيقية، بل ظنوا أيضا أنهم قادرون على إعادتها بهذه الصورة وحلموا بذلك، ولكن ذهبت أحلامهم أدراج الرياح. وقد غفل الجميع أن مهام الخليفة هي مهام النبي نفسها التي لخصها القرآن الكريم في قوله تعالى:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (البقرة:130)..

أي تلاوة آيات الله والاهتمام بالقرآن الكريم وتعليمه وتعليم أحكام الإسلام وتفهيمها، وكذلك تعليم سنة النبي والحكمة من وراء الأحكام، وتزكية المؤمنين أي تطهيرهم وتنميتهم ورفع درجاتهم في كل أمور الدنيا والآخرة. فأين الخليفة الحاكم الذي في أذهانهم من هذه المهام؟

لقد أراد الله أن تقوم الخلافة مجدَّدًا في هذا الزمان بكل جلاء وقوة، لتقوم بمهامها الجليلة التي حددها القرآن الكريم، ولكي تدافع عن الخلافة الراشدة وتطهر الخلفاء الراشدين الأوائل من كل ما لحق بهم من إساءات وافتراءات على يد من يعارضونهم ومن يعتقدون بالخلافة اعتقادا مشوها. لا شك أن عودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة كانت مِن أهم الإنجازات التي أراد الله تعالى أن تتحقق ببعثة الإمام المهدي والمسيح الموعود . وقد وقفت الخلافة ثابتة صامدة أمام رياح عاتية من المعارضة الخارجية والداخلية كانت على درجة كبيرة من القوة. ولكن الله تعالى أظهر قدرته الثانية بهذه الخلافة ووقف مع الخلفاء ونصرهم نصرا عزيزا مؤزرا كان يبدو مستحيلا في أعين أهل الدنيا. وها هي الخلافة الراشدة تقف ثابتة صامدة وتطوي قرنا من عمرها المديد لتنطلق لتحقيق أهدافها التي اختطها الله لها. وهي نفس الأهداف التي هي وراء بعثة النبي الأكرم الذي أكمل الهداية، وكان الله تعالى قد وعد بنشر هذه الهداية الكاملة للعالم أجمع. وقد كلف الله الخلافة بهذه المهمة المستمرة حتى يحيط الإسلام بالعالم كله ويكسب قلوب الناس في مشارق الأرض ومغاربها. عندئذ ستشرق الأرض بنور ربها، ويُهزَم الشيطان وحزبه شرّ هزيمة. ويصطف المؤمنون من كل الأقوام والأجناس والألوان ليصلّوا على محمد وآل محمد تحت ظل الخلافة الراشدة التي ستقود البشرية إلى الأمن والأمان والوحدة والتوحيد الخالص للإله الواحد الذي لا شريك له. نسأل الله أن يرينا مزيدًا من النصر والفتح ويوفقنا لنكون في خدمة الخلافة الراشدة وتحت لوائـها إلى الأبد، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك