صلحاء العرب وأبدال الشام

صلحاء العرب وأبدال الشام

محمد حلمي الشافعي

كاتب

الأستاذ مصطفى نویلاتي (رحمه الله تعالی)

هو أول من قبلوا الأحمدية من الإخوة السوريين علي يد الأستاذ جلال الدين شمس رحمه الله. كان والده السيد على نويلاتي يذكر دائمًا أن هذا الوقت هو وقت ظهور المهدي ، ويقول لابنه مصطفى: لقد تحققت جميع العلامات الدالة على ظهور المهدي.. فإذا سمعت أحدًا يذكر شيئًا عن بعثة المهدي فعليك بالتحقيق والإيمان بدعوته. وأعطاه مبلغًا من المال ليتبرع به إلى ذلك المبشر بظهور دعوة المهدي. وفعلاً بعد وفاة الوالد علي نويلاتي رحمه الله سمع ابنه مصطفى بدعوة الأستاذ جلال الدين شمس. فزاره على الفور، واستمع لكلامه، وبعد التحقيق كان من أول المبايعين. ثم قدم له المبلغ من المال هدية والده إلى جماعة المهدي حسب الوصية.

وكان المرحوم مصطفى نويلاتي مثالاً للأحمدي المخلص حيث كان يبشر كل من يراه ويجتمع به في كل المناسبات والأوقات. وكان حبه وعشقه للأحمدية ولمؤسسها ولخلفائه شيئاً غريبا وملفتًا للنظر. وقد دخل البعض في الجماعة بفضل تبشيره بالرغم من أن ثقافته وتعليمه كان بدرجه الوسط، وعمله كان موظفًا في وزارة المواصلات.

قام بعض المأجورين بمحاولة اغتيال الأستاذ جلال الدين شمس بطعنه بالسكين، وقد نقل على أثرها إلى المستشفى الإيطالي في دمشق، وكان يرافقه المرحوم الأستاذ منير الحصني. قال له وهو مسجي على سريره: اذهب إلى غرفتي تجد في الخزانة مبلغًا من المال وهو هدية أخينا مصطفى نويلاتي.. خذ منه ما تشاء، وأرسل برقية سريعة إلى مولانا الخليفة الثاني ، وأخبره بقصتي، واطلب لي الدعاء بالشفاء. وفعلا نفذ المرحوم منير الحصني ما طلب منه. وفي اليوم الثاني قال الطبيب الإيطالي الذي عالجه: لقد حدثت الليلة معجزة.. لقد جزمنا بعدم نجاة المصاب، ولكن فجأة بدأت أحواله تتحسن لدرجة أنني أعتقد أنه قد شفي تمامًا، ويمكنه أن يغادر المستشفى إذا أراد ذلك، فلم يعد هناك أي خطر حقيقي يُهدده.

الأستاذ منير الحصني (رحمه الله)

علم من أعلام المسلمين الأحمديين العرب. اشتهر بإخلاصه، وشجاعته وجرأته في الحق. من مواليد دمشق. درس بكلية صلاح الدين الأيوبي بالقدس (فلسطين) أثناء الحرب العالمية الأولى (14 – ۱۹۱۸). وهناك تعرف على الأحمدية عن طريق حضرة زين العابدين ، الذي كان مدرّسًا لتاريخ الأديان بالكلية الصلاحية. بعد الحرب سافر الأستاذ منير إلى ألمانيا لدراسة القانون، وتخرج من جامعة برلين عام ۱۹۲۰م.

عاد إلى دمشق حيث التقى برائد الأحمدية في بلاد العرب، مولانا جلال الدين شمس، الذي قدم مع الأستاذ زين العابدين في نفس العام للدعوة في بلاد العرب. دخل الأستاذ منير في الجماعة وأخلص لها، وكان أكبر مؤيد ومعين للأستاذ شمس. أقام مركزًا للجماعة بدمشق. وبقي على صلة بالأستاذ شمس الذي توجه إلى فلسطين وأنشأ مركزًا للجماعة في الكبابير حيفا (فلسطين)؛ ثم من بعده بالأستاذ أبي العطاء الجالندهري. وانتقل الأستاذ منير إلى الكبابير لمساعدة المبشر في أنشطته التي اتسعت، وجعل من الكبابير المركز التبشيري للدعوة الإسلامية الأحمدية في الشرق الأوسط. وقد شغل منصب أمير الجماعة الأحمدية في الشام قبل الثورة حتى وفاته. وظل دائمًا معينا لكل مبشر يقدُم لبلاد العرب. فعاون الأستاذ محمد سليم 1936، ثم الأستاذ محمد شريف ۱۹۳۸. وتنقل بين مصر وفلسطين والشام لخدمة الأحمدية. كتب الأستاذ منير في البشرى كثيرًا من المواضيع والأشعار والأناشيد. وكان بحق كما قال عنه حضرة إمام الجماعة أيده الله بنصره العزيز: واحدًا من أبدال الشام وصلحاء العرب. ولصدق جهاده حظي بتقدير الخلفاء الأحمديين حتى إنه تشرف عام 1970 بأن يكون نائبًا عن حضرة الخليفة الثالث في رئاسة الاجتماع السنوي، وذلك عندما مرض حضرته يوم ذلك الاجتماع. خدم الأحمدية 63 عامًا، وتوفي في سن الثمانين عام 1988 بدمشق. رحمه الله رحمة واسعة.

الحاج محي الدين الحصني

تباركت أسرة الحصني بعدد طيب من الرجال الصالحين، منهم الحاج محي الدين. كان رحمه الله تاجرًا مشهورًا.. لا يزال اسمه على محلاته الكبرى في شارع الأزهر بمصر. دخل الأحمدية عام 1933 على يد مولانا أبي العطاء الجالندهري واستقام على مبادئها، ووضع رَفْعَ شأن الإسلام نصب عينيه. قابل حضرة الخليفة الثالث عند زيارته لمصر مع أخيه حضرة ميرزا مبارك أحمد عام 1938، وكان رئيساً لجماعة مصر. وصَاحَبَ سير ظفر الله خان في بعض أسفاره ببلاد العرب. توفي عام 1954، رحمه الله وبارك الله في أسرته، وأخرج منهم كثيرًا من أمثاله.

رشدي بكير البسطي (رحمه الله)

كتب إلينا عن أحواله الأستاذ طه قزق وقال: هو أول من بايع بالأحمدية في مدينة حيفا بفلسطين عام ۱۹۲۸م، على يد المجاهد العظيم الأستاذ جلال شمس.

الأستاذ رشدي سوري الأصل. في عام ۱۹۲۸ وصل إلى فلسطين الأستاذ جلال شمس مبلغًا عن الأحمدية.. فقام الناس، كالعادة، يتهمونه بالكفر، ويشيعون الأكاذيب والمفتريات عن الأحمدية. ولكن الأستاذ رشدي قابله.. وتبين له صدق الدعوة وبراءتها من كل تلك المفتريات، فبايع. ودعا صديقَين من أسرة قزق، فبايعا معه.

تعرض الأستاذ رشدي لعدوان على حياته.. إذ أطلق عليه بعض المجرمين الرصاص.. ونجاه الله إذ انحرفت الرصاصة التي أصابته في رقبته ولم تصب منه مقتلاً.

كان الأستاذ رشدي معروفًا بحديثه الشيّق الجامع.. يتناول كثيرًا من الموضوعات العلمية والأدبية. وكان يحسن سرد النكات اللطيفة، ويعرف تأويل الرؤى. وبهذه المناسبة يقول الأستاذ طه محمد قزق : كان في زيارة آل قزق ذات يوم، وكان متحيرًا بسبب رؤيا رآها. رآني أنا وأخي نعطيه 39 شاة، وقلنا له اذبحها كأضاحي. ووقعت في نفس اليوم غارة جوية على مدينة حيفا.. فقد كانت طائرات الحلفاء تغير على مواني لبنان التي كانت في قبضة حكومة فيشي الفرنسية. وبعد الغارة كان عدد ضحاياها ۳۹ شخصًا حسب إعلان الجرائد في اليوم التالي.

تزوج الأستاذ رشدي مرتين دون أن يرزق بأولاد، وأجمع الأطباء وقتئذ بعد زواجه الثالث أنه لا أمل له في الإنجاب. وكتب إلى أمير المؤمنين الخليفة الثاني يسأله الدعاء. وبعد مدة حملت زوجته، فكتب إلى أمير المؤمنين مرة ثانية يسأله اسمًا للمولود. فأجاب مولانا باسم واحد: (أميرة). وقد كان أن رزقه الله بنتًا وسماها أميرة. وتكررت هذه الحال أربع مرات متتالية.. في كل مرة يرسل أمير المؤمنين باسم للمولود.. ويكون كما قال.. وهذه كرامة رأيناها جميعًا بأم أعيننا.

كان الأستاذ رشدي عفّ اللسان، دَمِثَ الأخلاق، صبورًا يتحمل الإساءة، نشطًا في الدعوة إلى الله.. يكسب الأصدقاء ويحب الجميع.

رحم الله أبا هادي.. الأستاذ رشدي البسطي.. وجزاه خيرًا، وعوضنا عن فقده ألوفًا من العرب الصلحاء.. آمين.

عائلة العودة

شجرة مباركة أنجبت للأحمدية عشرات وعشرات من الرجال والنساء والأطفال. الوالد الأكبر هو الحاج عبد القادر العودة، وكان ابنه الحاج صالح عبد القادر ثاني المبايعين للأحمدية ببلدة الكبابير الطيبة عام ۱۹۲۹. أما أول المبايعين فهو حفيده عبد القادر بن صالح بن عبد القادر العودة. وهذه من الطرائف حقًا.. أن يكون الأول هو الحفيد، ثم الثاني هو الوالد، ثم الجد هو الثالث. وكلهم فروع شجرة مثمرة بالخير.. بارك الله في فروعها وأوراقها وثمارها. وبفضل هذه الشجرة أصبحت الكبابير معقلاً للإسلام الحق في البلاد العربية، وبايع كل أهلها للأحمدية. لقد كانوا حقًا متشبهين بالأنصار الذين فتحوا قلوبهم وصدورهم وبيوتهم وأموالهم لاستقبال المهاجرين .. ومكنوا للحق أن يرسل جذوره قوية مطمئنة في أرضهم.

كان الحاج عبد القادر العودة الكبير رجلاً صالحًا. وهب مع أخيه الحاج الشيخ محمد العودة قطعة كبيرة من الأرض لجامع سيدنا محمود.. أول جامع للأحمدية بالديار العربية.

عاش الحاج أبو صالح أحد عشر ومائة سنة، قضاها في العبادة وعمل الخير. وطلب من الخليفة الثاني أن يكتب له بخط يده أنه أحمدي لتكون معه شهادة عند الله أنه من الأحمديين! وهذه هي طيبة القلوب وبساطتها الطاهرة. لما تقدم به السن عجز عن السير إلى المسجد، فكان يركب حماره ويأتي إلى المسجد مواظبًا على حضور الصلاة الجامعة.

أما الابن الحاج صالح فقد كان من الصوفية الشاذلية. قابل مولانا جلال الدين شمس مع أخيه الحاج أحمد العودة. وحققا معه حتى شرح الله صدره وبايع للأحمدية. كانت معارضة المشائخ ومسألة ظهور المهدي من خارج بلاد العرب تقلق باله.. حتى رأى قول الله تعالى

أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ..

فانحلت عقدته.

تزوج حفيدته المبشر الإسلامي مولانا شريف بعد وفاة زوجته في جبل الكرمل. وكان الحاج صالح ينتخب رئيسًا للجماعة حتى وفاته عام 1950.. تاركًا وراءه ثروة من الأحمديين تزيد عن ثمانين فردًا. ما شاء الله! رحمه الله وأباه رحمة واسعة.

الأستاذ أحمد محمود ذهني

قال عنه مولانا محمد شريف المبشر الإسلامي الأحمدي إنه جوهرة من جواهر مصر. كان ركنًا من أركان الأحمدية ونجمًا من نجومها في مصر.. خدمها بإخلاص وآثر الدين على الدنيا.

الأستاذ ذهنی من مواليد مصر عام ۱۹۰۷.. ابن الدكتور محمود ذهني. أتم مرحلة الثانوية، وذهب إلى انجلترا لدراسة الطب، ولكنه آثر العلوم النظرية. قابل الأستاذ الجالندهري أثناء زيارته لمصر عام 1934، ودارت بينهما مساجلات ومناقشات انتهت بما ينتهي إليه كل عاقل ذي فطرة سليمة.. فقبل الحق.

كان كريم الخصال، رفيع الأدب، واسع الاطلاع، مع زينة التقوى والصلاح. انتخب رئيسًا للجماعة عدة مرات، فأدار أمورها بإخلاص وبعد نظر. وافاه الأجل في سن مبكرة عقب مرض مفاجئ في يونيو1949.

كانت زوجته انجليزية أسلمت عام 1934، ودخلت الأحمدية على يد مولانا محمد شريف عام 1944. بعد أن رزقه الله بابنته (ضياء)، لم يرزق مولودًا حتى كتب إلى أمير المؤمنين.. فاستجاب الله الدعاء، ورزقه بغلام سماه (بدر الدين).

الأستاذ محمد بسيوني (رحمه الله)

رئيس الجماعة في مصر أكثر من عشرين عامًا. كان مراقبًا عامًا بوزارة المالية. أنهى خدمته قبل بلوغ السن القانونية ليتفرغ لخدمة الجماعة. كان بيته مقر الجماعة ومسجدهم ومكتبتهم. كان على درجة عالية من الثقافة وحب النظام، مع التمسك بآداب الإسلام. كان غاية في النشاط والدقة بالرغم من ضعف بنيته. كان دائم الاتصال بمركز الجماعة، ويبعث إليها بالكتب والمراجع، ويقابل كل من يزور مصر أو يمر بها من صلحاء العرب وأبدال الشام. ترجم إلى العربية أعمالاً كثيرة من خطب الخلفاء… وتفسير سور القرآن الكريم، منها سورة البقرة وسورة الكهف. وكان يعد الخطب والمقالات من تراث الأحمدية ليزود بها شباب الأحمديين المصريين.. الذين يدينون له بالفضل في رعايتهم وتربيتهم الروحية خلال فترة طويلة تعذر فيها مجيء مبعوث من المركز العام. توفي عام 1987 رحمه الله وأكرم مثواه وأثابه على جليل فعاله وكريم خصاله.

Share via
تابعونا على الفايس بوك