نجمان للأحمدية.. في سماء الإسلام

نجمان للأحمدية.. في سماء الإسلام

منصور أحمد شاه

 

*السير محمد ظفر الله خان، الرجل الدولي المعروف، وقاضي محكمة العدل الدولية.

* بروفسور دکتور عبد السلام، أول مسلم يفوز بجائزة نوبل في ميدان العلوم.

يقول القرآن الكريم:

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (الزمر: 10).

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (المجادلة: 12).

وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (طه: 115).

والحق أن أول وحي نزل على النبي يقول:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق: 2-6).

الإسلام لا يريد من المسلم أن يكون ناسكًا أو زاهدًا بل الإسلام يتيح للمسلم أن يكتسب محبة الله تعالى، ويطلب من المسلم أن يخدم البشر.. ويمكن تحقيق الهدفين من غير أن يعتزل المرء العالم.

يحث القرآن المجيد المسلمين دائمًا على التفكر في آيات الله تعالى. ومع أن القرآن ليس كتابًا يلخص قوانين الطبيعة جميعها إلا أنه يشجع على البحث بذكر العديد من القواعد.. التي تبيّن للعالم صدقها من خلال ما تمَّ من اكتشافات خلال السنين.

كان النبي أميًّا، ولكنه تحدث بكلمة الله. ويبين لنا عدد من الأحاديث أهمية اكتساب المعرفة.. فمثلاً: روى أبو الدرداء أنه سمع النبي يقول:

“مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ”. (سنن أبي داوود، كتاب العلم).

لا ريب في أن الإسلام يحث أتباعه على طلب العلم، وأنه شجع التقدم الفكري للإنسان. وفي أعقاب الثورة الروحية التي أحدثها الإسلام، تصدَّر المسلمون في البحث في كل الموضوعات والفنون، من الكيمياء والجبر والفيزياء إلى غيرها من علوم الحياة. كانوا الملهمين للمعرفة، والموصلين لتيارها. أما عدلهم واستقامتهم فحدث ولا حرج .. وكأنهم الأساطير.

ولما لم يعد المسلمون حقا مسلمين .. وانتهجوا حياة الترف والدعة بدلاً من البساطة والعمل الجاد.. وبدأ إقصاء العلماء بيد أدعياء الفقه ضيقي التفكير.. كان ذلك بداية انحطاطهم. وتولى الأمر حکام ضعفاء قليلو العلم. ولقد أنبأ النبي حقًا عن هذا العصر المظلم.

روى عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي يقول:

“إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا”. (صحيح البخاري، كتاب العلم)..

ولا يمكن وصف حال الإسلام في هذا الزمن الحالي بأصدق من هذه الكلمات. ولكن الإسلام .. ذلك الدين الذي ارتضاه الله للناس.. قُدّر له أن يولد من جديد. وكان طبيعيًا أن يصل علماؤه اليوم إلى القمم التي وصل إليها علماؤُه السابقون… عندما كان فيهم قادة العلم والتاريخ والرياضة والطب والقضاء إلخ.

وكان مقدرًا أن يتحقق ذلك عن طريق الإمام المهدي والمسيح الموعود.. الذي أعلنها حربًا مقدسة بقلمه، وترك ثروة من الكتب تزودنا بتفسير عظيم لتعاليم الإسلام الحقيقية. قال حضرته:

“لقد بشرني الله بأن أتباعي سوف ينتصرون دائمًا على غيرهم بالحكمة يؤيدها الحق، وأن نَسْلَهم سوف ينال الشرف في العالم.. حتى يروا أن من جاء من الله لا يخسر أبدًا”.

ومنذ بداية تأسيس الأحمدية وهي تجتذب الصفوة المثقفة. وتتمتع الجماعة الإسلامية الأحمدية بواحدة من أعلى نسب التعليم.. إن لم تكن هي الأعلى في المجتمعات الإسلامية. وكلما يواجه مسلم أحمديُ معارضًا له يفقد هذا منطقه، وكما هي عادة الجاهلين… يلجأ إلى السباب.

إذا ألقى المرء نظره عبر المائة سنة الماضية من تاريخ الأحمدية، وجد هناك كثيرًا ممن تبوأوا المناصب البارزة في مجالاتهم. ويمكن أن نسرد قائمة بأسماء مشاهير الجماعة في التخصصات المختلفة. ونقصر حديثنا اليوم على شخصيتين قياديتين، يعرفهما العالم الإسلامي والعالم الغربي على السواء معرفة جيدة.. وذلك لكي نعبّر من خلال الحديث عنهما عن شكرنا الخاص لكل من أسهم من المسلمين الأحمديين في أن تكون الأحمدية كما هي اليوم.

إننا نشير بالطبع إلى السير محمد ظفر الله خان والبروفسور الدکتور عبد السلام.

كل منهما مولود في بنجاب، من عائلة مسلمة كريمة، أحمدي، يرجع كثير من الفضل في تربيته إلى أمّه. كل منهما كان ملهما في طلب العلم ثم المزيد من العلم. تقدم بفضل الدعاء، حظي بالتشجيع والاستحسان طوال حياته العملية، ونال تکریم حضرة إمام الجماعة. كل منهما قدم تعاونًا غير مشروط، وولاء وإخلاصًا نادرين للخلافة. كل منهما ترك موطنه طلبًا للعلم. كل منهما ارتقى إلى أعلى درجات الشرف في حياته العملية. كل منهما كان معلمًا ومؤلفًا وكاتبًا.. يعرف كيف ينتقي الكلمات بعناية. كل منهما كان خطيبًا بليغًا يشتاق الجميع للاستماع إليه في الاجتماعات. كل منهما كان وطنيًا مخلصًا لمسقط رأسه، ولكنه عاش طويلاً في انجلترا، وخدم بلادًا كثيرة، وحظي بتكريم العالم العربي والإسلامي. ولطالما تمنت حكومة باكستان لو أنه لم يكن أحمديًا. كل منهما تنازل عن مكاسبه لمشروعات الخير التي أنشأها بنفسه للنهضة بالتعليم، وقدم المنح المالية للطلاب المستحقين. كل منهما عاش حياة بسيطة، ومكّن لنفسه في مجتمع مختلف عن تراثه.. من غير أن يفقد شخصيته.. كل منهما كان سفيرا ممتازا للإسلام.. واستغل كل فرصة ممكنة لعرض كمالات تعاليم الإسلام في لقاءات عامة. ومختصر القول.. فليس بوسعنا سرد كل منجزاتهم العظيمة، أو وصف سيرتهم المباركة.. أو أن نلم بخدماتهم المستمرة، ولكننا نعتقد بأن هذه العجالة سوف تلهم شبابنا والأجيال القادمة أن يحذوا حذوهم، وينتهجوا سيرتهم.

السير محمد ظفر الله خان

ولد في 06/02/1893م، في سيالكوت، باكستان الآن. كان والده شودري نصر الله خان محاميًا، استُدْعي شاهِدَ دفاعٍ أمام المحكمة العليا (جورداسبور) في قضية جنائية اتُّهِمَ فيها حضرة مرزا غلام أحمد بالقذف في حق المولوي کریم دین.

وقد رأت أم محمد ظفر الله خان عددًا متتالية من الرؤى، شاهدت فيها الإمام المهدي والمسيح الموعود. ويروي حضرة محمد ظفر الله خان:

“… أُعلن أن المسيح الموعود في زيارة لمدينة لاهور، وأنه ستُقرأ له محاضرة يوم 03/09/1904 في وجوده. ذهب والدي إلى لاهور لهذه المناسبة، وكنت سعيدًا جدًا، فقد صحبتُه في سفره. وفي اللحظة التي وقعت عيني على مُحيَّاه المبارك أُخذتُ، ولم تتوقف عيني عن التطلع بإعجاب إلى وجهه المضيء طوال قراءة المحاضرة التي تلاها المولوي عبد الكريم. لقد نفذ صدقه في عقلي وروحي، وأحسست أني مستسلم له. كنت عندئذ مجرد تلميذ في الثانية عشرة من عمري، ولكني اقتنعت أن الله تعالى أعطاني هذه الفرصة، وأنه بارکني وتفضل عليّ..» (حضرة مولوي نور الدين الخليفة الأول للمسيح الموعود. بقلم: محمد ظفر الله خان، ص ۱۸۳).

وفي نفس السنة، صحب محمد ظفر الله خان السيدة والدته في زیارتها إلى حضرة أم المؤمنین حرم المهدي والمسيح الموعود حيث بایعت هناك. ثم صحب أباه عندما بايع على يد حضرة المهدي والمسيح الموعود.

كتب يقول: «حصلت على شهادة التوجيهية (ماتريك) في أبريل ۱۹۰۷، والتحقت بالكلية الحكومية في لاهور في شهر مايو. سافرت إلى قاديان خلال الإجازة الصيفية لهذه السنة.. تلبيةً لتوجيه من حضرة مولوي نور الدين لوالدي بأن أذهب إلى قادیان، وأبايع علي يد حضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود في 16/09/1907م.

إني ممتن للغاية إلى حضرة مولوي صاحب لتوجيهه هذا، لأنه بوفاة المسيح الموعود في 26/05/1908 أُغلق باب الصحبة الشريفة نهائيًا. كنت في هذا اليوم المأساوي العصيب في لاهور، وذهبت مع جثمانه الطاهر إلى قادیان، حيث تم بعد ظهر اليوم التالي اختيار حضرة المولوي نور الدين خليفةً للمسيح الموعود. وبحضور كل أعضاء الجماعة في قادیان. بايعنا الخليفة الجديد، وأنا معهم». (المصدر السابق ص 186).

وفيما تبقى من سنوات دراسته الجامعية، زار قاديان عدة مرات، وحضر الاجتماع السنوي بانتظام. وخلال اتصالاته المستمرة مع حضرة خليفة المسيح كان يتلقى من حضرته فيضًا من العطف والأفضال. وبتوجيه من حضرته استخار ظفر الله خان ربه، ورأى علامة واضحة في جانب رغبة والده للسفر إلى انجلترا بهدف الدراسات العليا.. مع أن رغبته الشخصية لم تكن في السفر إلى الخارج. حصل على درجة البكالوريوس في الآداب BA ، مع مرتبة الشرف في اللغة العربية. ومع أنه كان مرشحًا لمنحة للحصول على درجة الماجستير في اللغة العربية، وكان تواقًا إليها… إلا أنه استجاب لرغبة والده. وفي ۲۸/ ۸/ ۱۹۱۱ سافر إلى انجلترا. ومكث هناك لدراسة القانون في كلية الملك بلندن King’s College. وكان يكتب إلى أسرته كل أسبوع، ويتبادل الرسائل مع كل الخلفاء بانتظام.

وبعد أن حصل على المركز الأول في درجة البكالوريوس في الحقوق  L. L. B. عاد إلى بومباي في 01/11/1914 وعمل في المحاماة لعدة شهور في مسقط رأسه سيالكوت. ثم عين مساعد تحریر بجريدة قانونية. ومن عام ۱۹۱۷ حتی 1935 عمل في المحكمة الرئيسية بلاهور. في عام ۱۹۱۸ عين أمير الجماعة الإسلامية الأحمدية بلاهور. في عام 1919 عين محاضرًا في كلية القانون بلاهور. وفي ۱۲ يوليو 1924 صاحَبَ حضرة الخليفة الثاني في زيارته الأولى لأوروبا. وقرأ مختصرًا لكتابه (الأحمدية أو الإسلام الصحيح) في مؤتمر الأديان الحية بالأمبراطورية. ثم قام فيما بعد بترجمة الكتاب الأصلي من الأردو إلى الأنجليزية.

فاز محمد ظفر الله خان بعضوية مجلس بنجاب في سبتمبر 1926. وسافر في العام التالي إلى انجلترا ليقدم وجهة النظر الإسلامية إلى أعضاء البرلمان البريطاني، ثم انتخب بالتزكية عام ۱۹۳۰ بمجلس بنجاب، وشارك في بعض مؤتمرات المائدة المستديرة عدة مرات في عام 1931. وفي عام ۱۹۳۳ ترأس الوفد الهندي إلى مؤتمر الكومنولث. وعيّن عضوًا في المجلس التنفيذي للتجارة والسكك الحديد لنائب الملك بالهند عام 1935. وخلال الحرب العالمية الثانية كان مسئولاً عن إدارة التموينات. واشترك في أكتوبر ۱۹۳۹ في مؤتمر الدومنيون الذي انعقد في لندن. وكان ممثلاً للهند في الأمم المتحدة من عام 1941 إلى 1947. عمل قاضيًا في المحكمة الفدرالية بالهند، وخلال هذه الفترة كان مندوبًا عامًا بالصين، ومستشارًا قانونيًا لنوّاب بهاولبور. وتزعم محمد ظفر الله خان وفدًا من قادة الهند لمؤتمر علاقات الكومنولث.

«لم تكن الهند وحدها، بل انجلترا كلها أيضًا تدوي بخطابه البارع. لقد جابهَ حكامَ بريطانيا ببعض الوقائع الصريحة والحقائق الوطنية جعلت المستمعين مبهورين. وقد أصلح خطابه الفريد ما أفسده عشرات من خطابات العملاء المأجورين من الحكومة البريطانية». (جريدة بارتاب، الهند، ۲۲/2/ 1945).

قامت الجماعة الإسلامية الأحمدية بدور بارز لوصول المسلمين إلى الحكم الذاتي في الهند، ولعودة مؤسس باكستان القائد الأعظم محمد علي جناح إلى النشاط السياسي بالهند مرة أخرى بتولي قيادة الرابطة الإسلامية لتحرير المسلمين، بعد أن يئس من النجاح في جمع شمل أحزاب المسلمين، واعتزلهم وسافر إلى انجلترا. وعند تقسیم بنجاب وبنغال، عين البريطانيون لجنة تخطيط برئاسة سیر سیریل رادکلیف، ومثل ظفر الله خان الرابطة الإسلامية في تقديم القضية بطريقة عقلانية منظمة. واعترفت جريدة معادية للأحمدية قائلة:

«قام بعمله خير قيام.. حتى إن القائد الأعظم عينه رئيسًا لوفد باکستان بهيئة الأمم المتحدة تقديرًا له، وأصبح اسمه بين المسلمين مثلاً للخدمات الإيثارية المشكورة للأمة باسمه، وأصبحوا يعتبرونه واحدًا من أشد المخلصين في خدمة الأمة وأجدرهم بالاحترام والتقدير. ومكافأة له على خدماته الممتازة قلده القائد الأعظم منصب وزير الخارجية، وهو منزلة ومسئولية تلي رئاسة الوزارة». (جريدة نوائي وقت، باکستان ۲٤/ ۸/ 1948).

وشغل محمد ظفر الله خان منصب أول وزير خارجية لباكستان منذ 25/ ۱۲/ 1947 حتی۲۰/ 6/ 1956. وبوصفه مبعوثًا بالأمم المتحدة.. ألقى خطابًا مستفيضًا دفاعًا عن قضية فلسطين.. واحتج على قيام دولة صهيونية في إسرائيل. وأكسبه نضاله من أجل الفلسطينيين قلوب العالم العربي بأجمعه، وحظي منهم بالتقدير العظيم. واعتبره كل من الملك فيصل عاهل السعودية.. والملك حسين العاهل الأردني صديقًا حميمًا. وقد قام بكل جهد صادق لتقرير المصير في كشمير.

ولما استقال من وزارة الخارجية تولى منصب القضاء في محكمة العدل الدولية بمدينة هاج Hague. وفي عام 1955 صحب حضرة الخليفة الثاني في جولته إلى أوروبا.

وفي عام 1958 انتخب رئيس لمحكمة العدل الدولية. وفي هذا العام أدى فريضة العمرة إلى بيت الله الحرام ضيفاً ملكيا للعاهل السعودي الملك فيصل. وفي 12/8/1961 وحتى 5/2/1964 رأس وفد باكستان في الأمم المتحدة. وفي سبتمبر 1962 انتخب محمد ظفر الله خان رئيسا للدورة السابعة عشر لهيئة الأمم المتحدة. وأنعم عليه ملك المغرب بأسمى تقدير في ذلك العام. ثم انتخب للمرة الثانية لعضوية محكمة العدل الدولية من 6/2/64 حتى 5/2/1973، ورئيسا لها من 17/2/1970. وفي عام 1968 أدى مناسك الحج بالأراضي المقدسة. ومن عام 1973 حتى 1983 أقام في لندن، وأوقف نشاطه كله لخدمة الجماعة الإسلامية الأحمدية. وفي عام 1/9/1985، تُّوفي عن عمر بلغ اثنين وتسعين عاما، في مدينة لاهور، ورقد في المركز الرئيسي للجماعة بمدينة ربوة، باكستان .

كتب ترجمة للقرآن الكريم، وترجم كتاب (رياض الصالحين من حديث خاتم النبيين )، وترجم كتاب (التذكرة).. وهو رؤى وكشوف للمهدي والمسيح الموعود . وترجم جزئين من (جوهر الإسلام Essence of Islam) أولهما تفسير لسورة الفاتحة، وهو مقتطفات من كتابات المهدي والمسيح الموعود . وصنَّف كتب: نهضة الإسلام، محمد خاتم النبيين، النبي في بيته؛ الحج إلى بيت الله الحرام؛ العبادة في الإسلام؛ حكمة النبي ؛ الإسلام وحقوق الإسلام والإنسان؛ نجاة عيسى من الصليب؛ الإسلام ومعناه لإنسان العصر؛ الأسوة الحسنة؛ النساء في الإسلام؛ أمي؛ عقوبة الارتداد؛ عقوبة الزنا، رسالة الإسلام؛ ضائقة باكستان؛ تحديث بالنعمة.. وهذا الكتاب الأخير سيرة ذاتية بالأردو. وألقى خطبا عديدة عن الإسلام، وكان (رحمه الله) حصنا لقيم الإسلام.. طالما حث الشباب على اختيار ما هو إسلامي فحسب من الثقافة الغربية. أما عن بذله المالي والمادي فلا نظير له. فقد تبرع لمسجد لندن بقاعة محمود Mahmud Hall، وكانت مساهمته للعيد المئوي للجماعة، على سبيل المثال، هي الكبرى من حيث المقدار النقدي.

شكرا لك يا محمد ظفر الله خان، رضي الله عنك وأرضاك، وتغمد روحك الطاهرة برحماته الواسعة. آمين! وشكرًا لكل الأحمديين الذين أنجبوا سفراء بمثل هذا الامتياز.

عندما تولى حضرة الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود منصب الخلافة، أذن لحضرة محمد ظفر الله خان ليكون أول من يبايع بالخلافة. لم يكن ذلك لشهرته العالمية .. وإنما لأن حضرته صحابي للمهدي والمسيح الموعود ، وبوصفه صحابيا.. نقدم له هذه السطور المتواضعة تقديرا له.. ذلك الذي سمِّي عند وفاته: (كلمةً من كلمات الله) بلسان حضرة الخليفة الرابع أيده الله بنصره العزيز.

البروفسور الدكتور عبد السلام

ألقى البروفسور عبد السلام هذا السؤال ذات مرة: هل نحن في طريقنا بعزم.. إلى نهضة عالمية كما كان الغرب في القرن الثالث عشر.. عندما غادر (ميشيل) اسكتلاندا عام 1217/ ليدرس في طليلة بالأندلس.. مستهدفا أن يقدم  أرسطوطاليس إلى أوروبا اللاتينية.. عن طريق ترجمة الفلسفة العربية التي كانت تدرس حينذاك في إسبانيا؟ ويرقد الجواب على هذا التساؤل في انتظار ما يتكشف لنا في مستقبل الأيام . فقط نحن واثقون من أن هذه النهضة ستحدث مرة ثانية.

وإذا كان الدكتور عبد السلام وحده لا يحدث نهضة، إلا أنه رائدها ولا ريب.. فهم المسلم الأول الذي دفع العجلة لتدور بعد توقف. وعلى المسلمين بعد ذلك أن يلوموا أنفسهم إذا طال بهم عصر الظلام. إنها لمهزلة.. أن الدين الذي يشجع على التفكر والبحث أصبح أداة في يد مولويين متعصبين، ما أسرعهم في إصدار الفتاوي بشأن أي موضوع علمي.. بما يفضح سوء فهمهم للعقيدة الإسلامية!! وبدلا من أن يفسروا تعاليم الإسلام على ضوء المكتشفات العلمية الحديثة، تجدهم يعضون بالنواجذ على ما قاله بعض المشائخ السابقين.. الذين اقتصر علمهم على بعض ما حرّفه أسلافهم. دعنا نأمل أن يكون المثل الذي ضربه البروفسور عبد السلام.. حافزا مشجعا للعلميين من الشباب.. فيقتحموا أسرار الأفكار العتيقة التي ورثوها عن الأقدمين. انظروا إلى الثروات الهائلة في الشرق الأوسط. ولكنهم إذا أرادو بناء مصنع .. ولو كان لأعواد الثقاب.. استقدموا له الخبراء من العالم الغربي. فهل هذا هو المستوى اللائق بالتقدم التكنولوجي للمسلمين؟ ينبغي أن ينهض شباب الإسلام بقبول هذا التحدي، ويكون منهم أمثال عبد السلام في كل مسعى وفي كل مشروع علمي.

ولد عبد السلام في 29 يناير 1926 (سانتو كداس، ساهيوال، باكستان الآن). وكان والده شودري محمد حسين، مفتش مدارس بالمحافظة. وكان طالبا ممتازا، دخل الأحمدية عام 1914. وطالما دعا الله تعالى أن يرزقه غلاما ذكيا ذا مواهب علمية فريدة. ولما ولد له عبد السلام، وجه اهتمامه التام نحو إتاحة أفضل تعليم له. وحصل عبد السلام على أول جائزة له، كانت جائزة أصح طفل في بلدته، جهانج!

واعتاد أبوه أن يروي له حكايات من التاريخ الإسلامي والقصص الخيالية، ويطلب منه أن يعيد روايتها. وفي هذا العمر تأسست فيه قوة الذاكرة. وكذلك علمه أبوه أن يغير من نبرات صوته، وسرعة كلامه في الخطاب، وإلى هذه التربية يُعزى أسلوبه الجذاب في الحديث.

أُدخل عبد السلام إلى الفصل الرابع بالمدرسة المتوسطة وعمره ست سنوات ونصف فقط. وفي هذا الفصل تعلم جدول الضرب حتى (40). وبدأ يتعلم القرآن الكريم وتفسيره في سن مبكرة. وكان ترتيبه الأول في الصف الرابع 1934، وفاز بالجائزة الأولى في جمال الخط 1936، ومثلها في رسم الخرائط 1937 بالمعرض التعليمي. وكان الأول في المحافظة في الصف الثامن 1938، وفاز بأول منحة مالية قدرها ست روبيات في الشهر.

ثم درس بالكلية المتوسطة في جانج، وأنَّبه والده لأن ترتيبه كان الثاني في امتحان الفترة، ولم تتكرر بعدها. وكان الأول في كل امتحان دخله بباكستان. كان يغلق باب حجرته بالقفل حتى لا يقاطعه زملاؤه الطلاب.

كان محرر مجلة الكلية ورئيس اتحاد الكلية. وفي الامتحان النهائي لدرجة البكالوريوس سجل أعلى درجات في سجلات جامعة بنجاب، وحصل على الدرجات النهائية في اللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي والرياضة البحتة والتطبيقية.

وفي اليوبيل الفضي للجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1939، قررت الجماعة تقديم منحة دراسية. فكان عبد السلام أول طالب حصل عليها عام 1940 في امتحان التأهيل الجامعي (ماتريك)، وكانت 30 روبية بالشهر. حاز عليها ثانية في العام التالي (F.A) وقدرها 45 روبية، بالإضافة إلى 30 روبية أخرى من الحكومة. وكذلك فاز بها في العام الثالث (B.A). ثم اجتاز كعادته (M.A) بترتيب الأول في الرياضيات، ونال منحة قدرها 550 روبية كل شهر من حكومة بنجاب للدراسة في كامبريدج ببريطانيا. في يونيو عام 1943 نشرت الجامعة أول رسالة لعبد السلام في الرياضيات في مجلة Maths student، و كانت عن أسلوب سهل لحل مجموعة معادلات.

كثيرا ما يحكي البروفسور عبد السلام قصة ثلاثة مناسبات سعيدة وقعت له وغيرت مجرى حياته؛ فقد أجّلت الحكومة البريطانية اختبار الالتحاق بالخدمة المدنية حتى عام 1947، و ما كان لطالب طموح أن يضيع سنة من حياته. وكان أحد الملاك الزراعيين في سارجودا.. (خضر حياة توانه).. قد عرض منحة دراسية لأبناء صغار المزارعين (ملاك الأرض).. ففاز بها عبد السلام. وكان محظوظا عندما وجد مكانا غير متوقع بكلية سان جورج بكامبردج، حيث كان يدرّس البروفسور ديراك الحائز على جائزة نوبل في ميكانيكا الكَم، واستطاع أن يلتحق بها وهو في قائمة الانتظار للسفر على سفينة متجهة إلى إنجلترا. ولو فاتته السفينة لاكتشف أن المنحة قد ألغيت بعد تقسيم الهند.

وكان محمد ظفر الله خان أول من قابله في إنجلترا . وكان بينهما تفاهم ظل ينمو ويزدهر على مر الأيام. استقر عبد السلام في كامبريدج يعمل ما بين 14 إلى 16 ساعة يوميا في دراساته، ليس في الرياضة وحدها، وإنما في الفيزياء أيضا. كما قرأ عددا كبيرا من الكتب الدينية. وبعد أن أكمل امتحان الحصول على مرتبة الشرف Tripos  في سنتين بدلا من ثلاث سنوات .. أصبح عبد السلام منافسا علميا له شأنه. وفي السنة الثانية بدأ يحضر فصولا في ميكانيكا الكم والنسبية Quantum Mechanics & Relativity التي أصبحت فيما بعد موضوعاته الخاصة.

بعد أن تزوج (1949) في باكستان عاد عبد السلام إلى باكستان وإلى عمله في Normalization in meson Theory والتي حصل بها على درجة الدكتورة وزمالة كلية برنستون. وفي عام 1950 نال جائزة سميث من جامعة كامبريدج لأبرز عمل إعدادي لدرجة الدكتوراه في مادة الفيزياء.

التحق عبد السلام بالكلية الحكومية في لاهور كرئيس قسم الفيزياء في كليته وفي جامعة البنجاب (1951)، ولكنه أحس بتثبيط الهمة لكون الطلاب لا يهتمون إلا باجتياز الامتحانات بدلا من أن يتجهوا للبحث العلمي. ولما قامت فتنة عام 1953 ضد المسلمين الأحمديين تعرضت حياته للخطر، فغادر باكستان عام 1954 ليعمل محاضرا في كامبريدج. وهو بذلك أول محاضر مسلم في هذه الجامعة، والأستاذ الوحيد الذي يرفض وظيفة في كلية الثالوث Trinity College بكامبريدج.

وبالتدريج بدأت تنشر له الرسائل العلمية تباعا:

Propagates of Quantiazed fields (1955), Generlised Dispersion Relation (1956), Parity Violation (1957) .وفي أوائل هذا العام أصبح أستاذا لمادة الفيزياء النظرية في الكلية الإمبريالية للعلوم والتكنولوجيا… والذي لا يزال يشغله حتى الآن. ومنذ وصوله إليها وهذه الكلية مركز لنشاط كبير في الفيزياء النظرية. نشر الأستاذ عبد السلام (50) ورقة بحث علمية في السنين الثماني الأولى بهذه الكلية. وانتخب زميلا للكلية الملكية للعلوم (FRS) وعمره 33 سنة. و ألهم عددا من تلاميذه وبثَّ فيهم الروح ليصبحوا علماء مرموقين.

وفي عام 1959 مُنح وسام نجم باكستان Sitara-i-Pakstan. وبالاشتراك مع (جون وارد) نسف نظرية البروتون والنيترون وجسيمات لامدا.. بأن تنبأ بوجود أسرة ذات مجال ثماني من جسيمات ميسون، والتي اكتشفت بعد ستة أشهر بالتجارب المعملية.. (Proton Neutron & Lamda Particles Theory Eight field Family of New Meson Particles) وبسبب أبحاثه في (Parity Violation) حاز عبد السلام على جائزة هوبكنز (1957)، وجائزة آدمز (1958)، ووسام ماكسويل (1961)، ووسام هيوز من الجمعية الملكية (1984)، لتنبؤه بدوران ثماني، يلعب فيه ميزون دورا في التفاعلات القوية كدور البروتونات في الإلتروديناميكية Octet of spin one meson playing an analogous part in strong interactions to the protons in electrodynamics، وأيضا للعلاقة ما بين Zerorest mass للنيوترينو و (Parity non conserving effects) في التفاعلات الضعيفة.

ثم بدأت السويد وروسيا والولايات المتحدة وغيرها تنعم عليه بالعضويات الشرفية بأكاديمياتها للعلوم. وفي 1964 عين بروفسور عبد السلام مديرا للمركز الدولي للفيزياء النظرية في تريستا بإيطاليا بناء على اقتراحه إلى (IAEA) قبل ذلك بعام. وفي عام 1968 نال جائزة الذرة من أجل السلام. وفي عام 1971 نال الميدالية الذهبية وجائزة يوليوس روبرت أوبنهيمر التذكارية (1977)، ووسام (ماتيشي) من الأكاديمية الإيطالية بروما (1978). ثم وسام جون تورنس تيت من المعهد الأمريكي للفيزياء (1978)، ونيشان الامتياز من باكستان (1979)، ثم جائزة نوبل في الفيزياء (1979)، ووسام أينشتن من اليونيسكو (1979).. وغيرها.

وقد منحت له جائزة نوبل بالاشتراك مع غيره على نظريته التي أظهرت وجود تفاعلات معينة بين الجسيمات الأولية. فمثلا.. ما يسمى بالقوى الضعيفة التي تدفع كل نيوترون في النهاية إلى أن ينحل إلى بروتون وإلكترون، يمكن اعتبارها كجزء من القوى الإلكترومغنطسية المعروفة والتي تعمل بين كل الجسيمات المشحونة. وقد فتحت النظرية بذلك الطريق إلى ثورة عظمى في فيزياء الكم Quantum Physics.

ويتنبأ البروفسور عبد السلام حاليا أن القوالب البنائية لكل المواد الثقيلة في العالم، البروتونات، لا يمكن أن تعيش للأبد، وشأنها كالنيوترنات لا بد وأن تتحول في النهاية. ولا يزال في فكره آراء رائعة بالطبع.

مادة قوية حقا، ولكن وراء هذه الجوائز والإنجازات كلها يبقى الاعتراف فيما بين العلماء الفيزيائيين بأن البروفسور عبد السلام نابغة.. كان يستحق جائزة نوبل منذ وقت طويل.. وفي العقود الثلاث الماضية كان عبد السلام العالِم الرئيسي المرموق في  بلاد العالم الثالث، وكان المتحدث البارز بأن تستثمر كل البلاد الأموال للبحث العلمي في البلاد النامية، وأن تنمي البحث من خلال التعاون الدولي.

ولكن وراء هذه الإنجازات يعيش رجل بسيط الذهن، عميق التدين، ذو مبادئ.. يرى أن الأجيال الشابة تضيع وقتها الغالي هدرا في مسائل تافهة، في حين أن العالم يحتاج إلى الكثير مما ينبغي أن يقوم به. قال:

“العلم ضروري لما يزودنا به من فهم بما وراء هذا العالم الذي نعيش فيه وإدراك المقاصد الإلهية. إنه ضروري لما يمكن أن تقدمه لنا مكتشفاته من منافع مادية. وأخيرا، ولأنه كونيُّ، فهو وسيلة للتعاون بين كل بني البشر، وبالذات بين العرب والأمم الإسلامية. إننا مدينون للعلم العالمي.. ينبغي أن نسدد ديننا بكل احترام للذات. ومع ذلك فإن المشروع العلمي لا يمكن أن يزدهر من دون مساهمتكم الشخصية كما كان الحال في القرون الماضية للإسلام. إن المعدل العالمي بنسبة من واحد إلى اثنين بالمائة من الدخل القومي الإجمالي يعني إنفاق أربعة بلايين دولار سنويا من العرب، مثلها من الدول الإسلامية.. على البحث العلمي والتطور، ويُنفق عُشْر هذا المبلغ على العلوم البحتة. إننا بحاجة إلى قاعدة علمية في بلادنا، يديرها علماء، ومراكز علمية دولية بالجامعات أو خارج الجامعات .. تنال الدعم السخي والضمان والاستمرارية.. للرجال والأفكار. لا تَدَعو أحدًا يسجل علينا في المستقبل أن العلماء في القرن الخامس عشر الهجري كانوا هناك، ولكن العجز كان في وجود أمراء يسهمون في سبيل العلم بسخاء”. (نهضة العلوم في البلاد العربية و الإسلامية، د. عبد السلام، أُلقيت في الكويت، 1981).

شكرا لك يا بروفسور عبد السلام لإيقاظ المسلمين من سباتهم. بفضلك يمكن لعلماء العالم الإسلامي اليوم أن يرفعوا رءوسهم. شكرًا لك على كلماتك البليغة الملهمة في الاجتماعات الأحمدية، ولدعمك المادي والمعنوي للإسلام والأحمدية.

شكرا لكل المسلمين والأحمديين الذين جعلوا الأحمدية كما هي اليوم. تذكروا دائما ولا تنسوا أبدا أنه ليس بجهد أي إنسان.. وإنما بفضل الله تعالى المصاحب لهذا الجهد يتحقق للأحمدية ما هي عليه اليوم.

حمدا لك يا ربنا.. حمدا وشكرا لك مرات ومرات. فمن غير عونك ما استطعنا أن نفعل أي شيء. حمدًا لك أن تفضلت علينا برجال من هذه المكانة والمقدرة في جماعتنا الإسلامية الأحمدية.

زدنا اللهم من أمثالهم.. إنك أنت الخلاق العليم.

عن (Review of Religion, 23/3/89)

Share via
تابعونا على الفايس بوك