خدمات الأحمدية للعالم العربي

خدمات الأحمدية للعالم العربي

طاهر عبد العزيز

( الأحمدية غراس الأنجليز )

( الأحمدية عميلة للاستعمار )

( القاديانيون عملاء لإسرائيل )

( القاديانيون يدربون شبابهم في إسرائيل )

هذه بعض التهم الخطيرة الحساسة التي تُرمى بها الجماعة الإسلامية الأحمدية من قبل أعدائها منذ نصف قرن ظلمًا وزورًا، وذلك لتشويه صورتها أمام العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة والله شاهد على أن هذه الأقاويل عارية من الصدق تماما، بعيدة عن الحقيقة بعد الأرض عن السماء.

وفيما يتعلق بتهمة كون الأحمدية غراسًا للإنجليز أو عميلة الاستعمار فإنني أؤجل الرد عليها لفرصة أخرى، وأكشف الستار عن التهم القائلة بأن الأحمدية عميلة إسرائيل ووو .. بتقديم بعض الحقائق التاريخية التي لا يمكن إنكارها.. لأن معظمها مسجلة في صفحات التاريخ بأفواه وأيدٍ عربية.

الحق أن الله ما أقام هذه الجماعة المباركة إلا لخير الإسلام وللنهوض بالأمة الإسلامية عربًا وعجمًا وكيف يعقل أن يدعي أحد أنه مبعوث من الله بصفة الإمام المهدي الذي وعد به النبي محمد ، وفي نفس الوقت يعادي النبي ويتآمر على الأمة العربية.

الواقع أن بعض المغرضين قد زوروا الحقائق، وشوهوا صورة الأحمدية أمام العالم العربي في الآونة الأخيرة، مستغلين صعوبة اتصال الجماعة بالعرب مباشرة .. وإلا فقد أحب حضرة الإمام المهدي سيدنا مرزا غلام أحمد العربَ، لحبه الصادق لسيده محمد المصطفى ، والذي قال:

(أَحِبُّوا سيدنا عليه الصلاة والسلام العرب حبا جما، وعلّم أتباعه حبهم، ودعا للعرب دعوات حارة .. يقول عليه السلام في كتابه (مرآة كمالات الإسلام) مخاطبا العرب:

“السلام عليكم، أيّها الأتقياءُ الأصفياء، من العَرب العُرَباء. السلام عليكم، يا أهلَ أرض النبوّة وجيرانَ بيتِ الله العظمى. أنتم خير أُمم الإسلام وخير حزب الله الأعلى. ما كان لقومٍ أن يبلغ شأنكم. قد زِدتم شرفًا ومجدًا ومَنْزلا. وكافيكم من فخر أن الله افتتح وحيه من آدم وختم على نبي كان منكم ومن أرضكم وَطنًا ومأوًى ومولدا. وما أدراكم مَنْ ذلك النبي! محمد المصطفى، سيّد الأصفياء وفخر الأنبياء، وخاتَم الرّسل وإمام الورى. قد ثبت إحسانه على كُلِّ من دَبّ على رِجْلين ومشى. وقد أدرك وحيُه كُلَّ فائتٍ من رموزٍ ومعانٍ ونِكـاتٍ عُـلَى. وأحيا دينُه كلّ ما كان ميّتًا مِن معارف الحـقّ وسنن الهـدى. اللّهم فصَلِّ وسلّم وبارِكْ عليه بعدد كل ما في الأرض من القطرات والذرات والأحياء والأموات، وبعددِ كلّ ما في السماواتِ، وبعدد كل ما ظهر واختفى، وبلِّغْه منا سلامًا يملأ أرجاء السماء. طوبى لقومٍ يحمل نِيرَ محمدٍ على رَقبته، وطوبى لقلب أفضى إليه وخالطه وفي حُـبّه فنى.

يا سُكّانَ أرض أَوطأته قدمُ المصطفى.. رحمكم الله ورضي عنكم وأرضى.. إن ظني فيكم جليل، وفي روحي للقائكم غليل، يا عباد الله. وإني أحِنّ إلى عِيان بلادِكم، وبركاتِ سوادكم، لأزور موطئ أقدام خير الورى، وأجعل كُحْلَ عيني تلك الثرى، ولأزور صلاحها وصلحاءها، ومعالمها وعلماءها، وتقرّ عيني برؤية أوليائها، ومشاهدها الكُبرى. فأسأل الله تعالى أن يرزقني رؤية ثراكم، ويسّرني بمرآكم، بعنايته العظمى.

يا إخوان.. إني أحبّكم، وأُحبّ بلادكم، وأحب رمل طرقكم وأحجار سكككم، وأوثركم على كل ما في الدنيا.

يا أكباد العرب.. قد خصّكم الله ببركاتٍ أثـيرةٍ، ومزايا كثيرةٍ، ومراحمه الكُبرى. فيكم بيت الله التي بورك بـها أُمّ القُرى، وفيكم روضة النبي المبارك الذي أشاع التوحيد في أقطار العالم وأظهر جلال الله وجلَّى. وكان منكم قوم نصروا الله ورسوله بكل القلب، وبكُلّ الروح، وبكُلّ النُهى. وبذلوا أموالهم وأنفسهم لإشاعة دين الله وكتابه الأزكى. فأنتم المخصوصون بتلك الفضائل، ومن لم يكرمكم فقد جار واعتدى. (الخزائن الروحانية، ج 5، مرآة كمالات الإسلام ص 419 إلى 422)

موقف خليفته الثاني  

ونتيجة لهذا الحب الذي غرسه حضرته في نفوس أتباعه العرب.. أحبهم خلفاؤه، واهتموا بالقضايا العربية اهتمامًا كبيرًا ، وساعدوا العرب مساعدة أقضت مضاجع الاستعمار.

فحينما كان الاستعمار يخطط لتمزيق فلسطين في الثلاثينيات، وأحس العرب بهذا الخط ، واجتمعت الوفود العربية لمناقشة هذه القضية الحساسة مع المستعمرين في لندن في 1939.. أيد حضرة إمام الجماعة الخليفة الثاني حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد الوفودَ العربية كل التأييد، ودعا لهم بالتوفيق من الأعماق، وإليكم نص البرقية التي بعثها حضرته إلى الداعية الإسلامي الأحمدي حضرة جلال الدين شمس.. والتي قرأها على مسامع الوفود العربية في مأدبة فخمة أقامتها الجماعة في الجامع الأحمدي بلندن ترحيبا وتكريما لهم.. حضرها ما ينيف عن مائتي شخصية كبيرة عربية وغربية:

(رَحِّبْ بسمو الأمير الملكي الأمير فيصل نيابة عني، وكذلك ببقية المندوبين للمؤتمر الفلسطيني، وأَخبِرْهم بأن الجماعة الإسلامية الأحمدية معهم بكل معنى الكلمة، وهي تدعو الله أن يكلل مساعيهم بالنجاح، وينصر جميع الحكومات العربية إلى طريق النجاح والفلاح، ويمنحهم قيادة العالم الإسلامي كتلك التي حازوها وتملكوها في القرون الإسلامية الأولى).

وعندما مزق الاستعمار فلسطين في سنة 1948 كتب إمام الجماعة نشرتين: (هيئة الأمم المتحدة وقرار تقسيم فلسطين) و (الكفر ملة واحدة).. بيَّن فيهما موقف الجماعة من هذه القضية الحساسة، ودعا فيهما العالم الإسلامي لنبذ الخلافات وتوحيد الصفوف لمحاربة إسرائيل.. قال حضرته في (الكفر ملة واحدة):

(إن قضية فلسطين تهم العالم الإسلامي كله.. إن فلسطين على مقربة ٍ من الأرض المقدسة التي فيها مرقد سيدنا ومولانا محمد المصطفى .. الذي كانت اليهود تخالفه في حياته أيضا، وتعارضه في أعماله بكل وقاحة.. مع أنهم لم يروا منه إلا البر والخير والكرم، إن الحروب التي نشبت بينه وبين العرب أكثرها كانت بإغراء اليهود وتحريضهم، وهم الذين استثاروا كسرى إيران على قتله .. هذا العدو اللدود الذي يريد أن يرفع رأسه الآن بصورة دولة  قوية على قرب من المدينة المنورة.. بنيته التقدم نحوها ومهاجمتها بعد أن ترسخ أقدامه في فلسطين، إذا كان هناك مسلم يرى غير هذا ويظن أنه ليس هناك أية أسباب قوية لتحقيق خطر كهذا، فلا شك أنه مخطئ، أما العرب فهم يفهمون هذه الحقيقة جيدا، ويعلمون أن الصهيونية مزمعة على إجلائهم من وطنهم، ولذلك فقد قاموا ضد الصهاينة كرجل واحد.

إن قضية فلسطين ليست بقضية عربية فقط، بل إنها قضية تهم العالم الإسلامي كله. ليست هذه القضية تهم فلسطين فحسب، بل هي قضية المدينة المنورة، ولا تهمنا القدس فقط، بل تهمنا مكة المكرمة، إنها ليست قضية زيد أو بكر، بل هي قضية شرف وكرامة محمد .

ألا ترون أن الأعداء مع شدة العداوة وكثرة الخلافات فيما بينهم قد وحدوا صفوفهم ضد الإسلام، فهلا يتّحد المسلمون في هذه الآونة العصيبة! ودواعي الاتحاد بينهم كثيرة! حان لنا أن نفكر ونقرر هل يليق بنا أن نموت متفرقين جماعة بعد جماعة، أو نكون يدا واحدة، ونبذل كل جهدنا للانتصار مجتمعين.

أرى أن الوقت ينادي المسلمين بصوت عالٍ أن يبيتوا رأيهم ويعقدوا عزمهم على أنهم إما يموتون مناضلين في سبيل الحصول على حقوقهم، أو يستأصلون الدسائس ضد الإسلام كلية.

إن هذه الأيام أيام الضحايا.. إذا كان مسلمو باكستان يريدون أن يعملوا شيئا حقيقيا فعليهم أن يقترحوا على حكومتهم أن تأخذ واحدا بالمائة من أموالهم على الأقل في الوقت الحاضر وهكذا يمكن لباكستان جمع ألف مليون روبية، وإذا سلكت الدول الإسلامية الأخرى مسلك باكستان هذا، وقدمت بدورها مثل تضحيتها يبلغ المجموع نحو خمسة أو ستة آلاف الملايين من الروبيات ويمكن بها شراء الأسلحة والمعدات الحربية لفلسطين، على رغم مخالفة الدول الأوروبية.

ها، إني أذكِّر المسلمين وأنبههم كي يعرفوا خطورة الموقف وشدة الخطب، ويعلموا أنه قد تحقق صدق قول النبي : الكفر ملة واحدة. لقد قام الصهاينة قومة رجل واحد لمحو عظمة الإسلام، إن الشعوب الأوروبية كانت تصول على الإسلام من قبل متفرقة شعبا شعبا، أما اليوم فإنها قد هاجمت المسلمين في عقر دارهم مجتمعة فهلموا أيها المسلمون، ندفع عنا شرهم متحدين.. هلموا نقاومهم مجتمعين.. فما دام لا يوجد بيننا أي خلاف في هذه القضية، من السفاهة أن نقحم اختلافاتنا البسيطة في هذه القضية التي نحن متفقون عليها، إن القرآن يدعو حتى اليهود للاتحاد في المسائل المتفق عليها، ألم يأن للمسلمين، سواء أكانوا من باكستان، أو أفغانستان، أو إيران، أو ماليزيا، أو أندونيسيا، أو أفريقيا، أو تركيا، أو غيرها من البلاد الإسلامية ..

ألم يأن لهم يوحدوا كلمتهم؟ ألم يأن لهم أن يقوموا كلهم مع العرب ويدفعوا هذه الهجمات النكراء التي يريد بها العدو كسر شوكة المسلمين وجعلهم أذلاء مُهانين).

وقد علقت صحيفة (النهضة) على نشرة (الكفر ملة واحدة) في 12 يوليو 1948 قائلة: «وأهدانا السيد ميرزا محمود أحمد كراسة صغيرة تحتوي على الخطاب الذي ألقاه في (لاهور) باكستان.. يدعو فيها المسلمين إلى الاتحاد والعمل الحاسم لإنقاذ فلسطين من الصهاينة المجرمين. كما أنه يهيب بأبناء الباكستان البررة أن يبادروا إلى مساعدة عرب فلسطين بالمال، ويذكرهم بالرسول الكريم ، مستشهدًا بآيات شريفة يحض فيها المسلمين على أن يقفوا صفًا واحدًا أمام سيل الصهيونية المجرمة»..

 مواقف مشهودة للسير محمد ظفر الله خان

وعلاوة على ذلك وبتوجيه من إمام الجماعة قام الابن البار للأحمدية سيادة السير محمد ظفر الله خان ، بخدمات مشهودة لقضايا العرب عامة وللقضية الفلسطينية خاصة.. لا تزال مسجلة في الجرائد العالمية والعربية.

ففي اجتماع في مجلس اللوردات برئاسة اللورد لمنجتون في لندن أثار السير محمد ظفر الله خان في خطابه قضية فلسطين الحساسة. وقد سجل خطابه هذا في جريدة الأهرام بقلم مراسلها بتاریخ 27/10/1937، ونقتبس منه ما يلي:

«ارتأى ظفر الله خان أن مسألة فلسطين إذا لم تسوَّ تسوية مرضية فلا بد أن تصير مسألة إسلامية. ونوه بأن الإسلام والأماكن الإسلامية المقدسة لا يجوز أن تخضع إلى سلطان غير سلطان المسلمين».

ولما زار حضرته فلسطين في 1945 لتفقد ظروف المنطقة عن كثب، ورأى بعينه خطورة الموقف قال للشخصيات السياسية العربية الكبيرة:

«إن مسلمي الهند لا يعرفون تفاصيل المشكلة الفلسطينية في وضعها الراهن، فإذا رغب عرب فلسطين في أن يساعدهم إخوانهم مسلمو الهند فعليهم أن يتبعوا الطرق الواجبة لجلاء هذه المشكلة وإيقافهم على حقيقة الموقف… لم يبق سوى أن يتبرع أثرياء مسلمي الهند ماديًا لإنقاذ أراضي فلسطين». (جريدة فلسطين الغراء، يافا، ۷/ ۱۰/ 1945).

ونشرت جريدة (الأيام)، دمشق في عددها الصادر 30/1/1946 هذا الخبر:

«لاهور، ألقى الزعيم القاضي السيد ظفر الله خان خطابًا حول قضية فلسطين قال فيه: إن بريطانيا وأمريكا لن تستطيعا التخلص من النفوذ الصهيوني المسيطر على هذه القضية المهمة ما دام هنالك ۲۰ نائبًا صهيونيًا في مجلس العموم البريطاني، ووزیران صهیونیان وسكرتير صهيوني للدولة. كما أن الصهيونيين في أمريكا يسيطرون على الأمور المالية في تلك البلاد وعلى شؤونها السياسية، ولذلك لم تستطع بريطانيا بعد مرور ۳۱ عامًا على وجودها في فلسطين أن تجد حلاً لهذه القضية العويصة»

وقال في خطاب طويل ألقاه في لاهور مشيرًا إلى خطر اليهود المهاجرين إلى الأراضي المقدسة:

«إن ۹۰۰ ألفًا من المهاجرين اليهود قد دخلوا فلسطين فعلاً. وهذا الرقم لا يشمل المهاجرين الذين دخلوا فلسطين خفية بطرق غير شرعية. فأصبحت حالة العرب السياسية والاقتصادية مهددة بخطر جسيم».

وصرّح: أنه أُعجب بأعمال اليهود ومشروعاتهم أثناء زيارته الأخيرة إلى فلسطين، ولكنه كمسلم لا يسعه أن يكتم تخوفه الشديد على مستقبل العرب». (جريدة ذي سن رایز، لاهور، ۲/ ۲/ 46).

وكتبت وكالة (أسوشييتد بريس) الأمريكية تصريحًا له قال فيه:

إن مسلك الولايات المتحدة في هذه المسألة «يستعصي على الفهم إلى حد ما»، وأضاف: إذا كانت المسألة مسألة عاطفة إنسانية في وسع الولايات المتحدة نفسها أن تحلها بفتح أبواب بلادها للمهاجرين اليهود. أما فلسطين فإنها لا تزيد كلها على مساحة مقاطعتين من الولايات المتحدة. وإذا كانت المسألة مسألة دين فإن قضية العرب في فلسطين أقوى بكثير من دعوى اليهود. يضاف إلى ذلك أن العرب يملكون البلاد فعلاً».

ولما انقسمت الهند، وعين سيادته وزیر خارجية باكستان وممثلاً لها في هيئة الأمم المتحدة، اشترك مع إخوانه ممثلي جامعة الدول العربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية في دوراتها، وعارض مشروع تقسم فلسطين بكل ما أعطي من شجاعة وقوة بیان ، مدافعًا عن موقف العرب دفاعًا مجيدًا مشهودًا. وإليكم نص الخبر المنشور في جريدة فلسطين (يافا) في عددها الصادر في ۸ تشرين الأول 1947:

(الباكستان تنتصر لعرب فلسطين).

ليك ساكس في ۷، رويتر ويونيتد برس، لما اجتمعت اللجنة الخاصة بقضية فلسطين اليوم دعا المستر إيفات رئيسها الأسترالي، السيرَ ظفر الله خان ممثل الباكستان إلى الكلام، فوقف السير ظفر الله خان وقال: «إن مشروع تقسيم فلسطين هو من الناحية الطبيعية والجغرافية شر وبلاء، وينطوي على إجحاف شائن حقًا. وقد تصبح فلسطين شرارة تشعل حربًا أعظم من الحروب العالمية التي شاهدها العالم حتى الآن…».

وقال في خطابه التاريخي هذا الذي استغرق 115 دقيقة ، ويعد أطول خطاب في سبيل الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو يناقش مسألة المشردين اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين:

«لماذا لا تبيح كل دولة أراضيها لهجرة كل من يرغب في الهجرة إليها، إذا كانت المسألة مجرد الرغبة في الهجرة؟ ويوجد في البنجاب الآن 5 ملايين مشرد. ولو فرضنا أن هؤلاء رغبوا في الهجرة إلى أمريكا فهل مجرد رغبتهم هذه تبرر أن تفرض هيئة الأمم على أمریکا وجوب قبولهم في أراضيها؟ فإذا كان هذا المبدأ فيعتبر مبدأ مغلوطًا في أمريكا وفي غيرها، فلماذا تعتبرونه صحيحًا في فلسطين فقط؟؟

إن مشروع التقسيم يعني أن يصبح العرب في أكثر من نصف أراضي البلاد أقلية، ويصبح في إمكان اليهود أن يقيموا لهم هنالك مملكة سياسية تملك السيطرة التامة. وهذا حل فاسد، تمامًا كما لو جُعل العرب أقلية في كل فلسطين»..

وأضاف قائلاً: هذا الذي ذكرته عن الدولة المستقلة في فلسطين حيث يعيش اليهود فيها أقلية مضمونة الحقوق قد لا يُرضي الصهيونيين، إلا أن عدم رضاء هؤلاء الناس لا يعني بالضرورة أن ترمي هيئة الأمم العرب في فلسطين بالظلم، وترتكب ضدهم ما ينافي تمامًا ميثاق الأمم المتحدة». (المرجع السابق).

سجل مندوب جريدة (الدفاع) موقف السير ظفر الله خان في قاعة الأمم المتحدة قبل التصويت على قرار تقسيم فلسطين كالآتي:

«ونهض السير محمد ظفر الله خان مرة أخرى يحمل على التقسيم حملة شعواء. وكان بيانه محاولة بارعة.. فقد نادي القوم إلى تحكيم العقل قائلاً: إن الجمعية استُهدفت لأعنف ضغط شوهد في يوم من الأيام. وتناول مشروعًا منافيًا للعدالة والمنطق والقانون، ولم تسلم نقطة واحدة فيه عن منطقة الأخاذ ولسانه الذرب ونقداته اللاذعة. حتى سمعتُ أحدَ المندوبين العرب يقول: إذا أخفق مشروع التقسيم وجب على العرب أن يقيموا تمثالاً للسير ظفر الله، تقديرًا لهمته وقوة منطقه وحكمته قائلاً: إنه إذا فرض (أي التقسيم) على العرب فرضًا سيكون أهل الأراضي المقدسة منهم ضحاياه، وسوف يترك إقراره جرحًا في هذا المجلس الدولي لا يندمل، وسوف يثير الريب والشكوك في نيات الدول الغربية في نفوس أهل البلاد المترامية من شمال أفريقيا إلى سهول آسيا. فإن الحق أقول لكم: إن هذا التقسيم سيقضي على السلام قضاء مبرمًا». (الدفاع ۱۷/ ۱/ 1947)

وعندما صدر هذا القرار الغاشم بتمزيق فلسطين في ۲۹ تشرين الثاني 1947 ندد به سيادته في بيانه التالي الذي قرأه عنه نائبة:

«لقد اتخذ القرار النهائي، ولقد جاهدنا وعملنا في جانب الحق لتبصيركم، وحاولنا أن نريكم طريق الحق كما رأيناه. ولكن ضميرنا في هذه الساعة متألم لمصيركم ومصير مبادئكم. اذكروا الدول الكبرى التي سبقتكم.. اذكروا صولتها واذكروا مصيرها». (جريدة الدفاع، يافا ۳۰ تشرين الثاني 1947).

تكريم محمد ظفر الله خان

وشكرا على هذه الأيادي البيضاء وإشادة بهذه المواقف الجريئة الصادقة لصالح العرب منحت عدة دول عربية لسيادته أرقى أوسمتها ونياشينها. واتخذه ملك الأردن حسين وملك السعودية فيصل وملك المغرب الحسن الثاني صديقًا حميمًا لهم.

مؤامرة الاستعمار

ولما رأى الاستعمار مواقف الجماعة لصالح العرب من قبل إمامها وأبنائها الأفذاذ كأمثال السير محمد ظفر الله خان، وخاف من صمود الدول المسلمة في وجهه صفًا واحدًا، استأجر بعض المشائخ المغرضين الهنود والباكستانيين وغيرهم لتمزيق صفوف العالم الإسلامي، وذلك عن طريق تزوير الحقائق وإثارة الفرق الإسلامية ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية. ولكي تعرف صدق ما أقول عليك بقراءة هذا المقال المنشور في جريدة (الأنباء) العراقية بتاريخ 21/9/1954 بقلم أحد كبار كتابها الأستاذ على الخياط الأفندي، وهاك نصه:

«أصابع الاستعمار التي تلعب وراء القاديانية في كل مكان… ليس هناك سوى سبب واحد وهو إصبع الاستعمار الذي يلعب دورًا هامًا في هذه القضية لبث الشقاق والتفرقة بين المسلمين الذين لا زالوا بانتظار اليوم الموعود الذي يقومون فيه بجولتهم الثانية لتطهير البلاد المقدسة من أرجاس الصهيونية وإعادة فلسطين إلى أصحابها الشرعيين.

إن الاستعمار يخشى أن يتحقق حلم العرب هذا، وتزول دولة إسرائيل التي تحمل الكثير من المشاق في سبيل تكوينها.. فيعمد إلى إثارة الشقاق بين طوائف المسلمين بإثارة النعرات، لتقوم بعض العناصر بتكفير فئة الأحمدية والتشهير بهم، حتی يؤدي ذلك إلى الشقاق بين باكستان وبين بعض الدول العربية التي تقوم صحفها بتكفير «ظفر الله خان» وزیر خارجية باكستان الذي يتبع الطريقة الأحمدية.

ولعل كثيرًا من القراء يذكرون محاولة بعض العناصر في باكستان قبل مدة تأسيس (الاسلامستان) أي جامعة الدول الإسلامية، وذلك بجمع كافة الدول الإسلامية في منظمة واحدة لتسير سیاستها الخارجية والمحافظة على كيانها واستقلالها. إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل بعد أن وقف بعض العناصر منها موقفًا معارضًا. وكان من جملة الأسباب التي أدت إلى فشل هذا المشروع هو سلاح التكفير الذي ناوله الاستعمار ليد بعض المتطرفين، ليشهروه في وجوه الذين تبنوا المشروع المذكور، لأنهم «قادیانیون ومارقون عن الإسلام». وقد يظن بعض القراء أن ما أذكره من تدخل الاستعمار في هذه القضية ليس إلا وليد الحدس والظن، إلا أن أؤكد للقراء بأني مطلع كل الاطلاع على تدخل الاستعمار في هذه القضية، إذ أنه حاول أن يستغلني فيها بالذات عام 1948 أثناء حرب فلسطين.

كنت حينئذ أحرر إحدى الصحف الفكاهية وكانت من الصحف الانتقادية المعروفة في عهدها. وقد أرسل إلي موظف مسئول في إحدى الهيئات الدبلوماسية الأجنبية في بغداد، يدعوني لمقابلته. وبعد تقديم المجاملة وكَيَل المديح على الأسلوب الذي اتبعه في النقد رجاني أن انتقد الجماعة القاديانية على صفحات الجريدة المذكورة بألذع طريقة ممكنة، لأنها جماعة مارقة عن الدين، فأجبته في بادئ الأمر بأني لا أعلم شيئًا عن هذه الجماعة وعن معتقداتها ولذلك لا يمكنني أن أنتقدها. فزودنی ببعض الكتب التي تبحث في معتقدات القاديانية، كما أنه زودنی ببعض المقالات عسی أن تنفعنی بعض عباراتها في كتابة مقالاتی الموعودة. واستطعت أن اطلع على بعض عقائد الجماعة من مطالعة الكتب التي زودني بها المسئول المذكور، والتي لم أجد فيها شيئًا يدل على تكفيرهم حسب اعتقادي. وبعد عدة مقابلات طلبت منه أن يعذرني عن تلك المهمة نظرًا لاعتقادي بأن ذلك يسبب الشقاق بين الطوائف الإسلامية في مثل ذلك الوقت بالذات. فأجاب قائلاً: ألا إن هؤلاء ليسوا بمسلمين، وقد كفّرهم علماء جميع الطوائف الإسلامية في الهند. فقلت له: إن أقوال علماء الهند ليست أقوى حجة من الآية القرآنية التي تصرح بأن لا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنًا. فما كان منه إلا أن قال غاضبًا: وهل أثرتْ فيك دعاية القوم ، فخرجت عن الإسلام، وأصبحت قادیانيًا، وأخذتَ تدافع عنهم. فقلت متهكمًا: كن على يقين يا هذا، بأني لا أستطيع أن ادعي بأني مسلم بكل ما في هذه الكلمة من معنی بالرغم من قضائي عشراتِ السنين بين المسلمين، فهل تكفي مطالعة بضعة كتب للقاديانية أن تجعلنی قادیانيًا؟

وقد اطلعت خلال ترددي على هذه الهيئة بأني لست الوحيدَ المكلف بهذه المهمة، بل هناك أناس آخرون يشاركونني التكليف. كما أني لم أكن الشخص الوحيد الذي رفض، بل رفضه غیري أيضًا.

كان ذلك عام 1948 في الوقت الذي اقتطع فيه جزء من الأراضي المقدسة وقدم لقمة سائغة للصهيونيين. وإنی أظن أن إقدام الهيئة المذكورة على مثل هذا العمل كان رد فعل للكراستين اللتين نشرتهما الجماعة الأحمدية في ذلك العام بمناسبة تقسيم فلسطين، وكانت إحداهما بعنوان «هيئة الأمم المتحدة وقرار تقسيم فلسطين» التي كانت تبحث في المؤامرات التي دبرت في الخفاء بين المستعمرين والصهيونيين، وكانت الثانية بعنوان «الكفر ملة واحدة» ، وكانت تحث المسلمين على توحيد الصفوف وجمع المال لمحاربة الصهيونيين وتطهير البلاد المقدسة من أرجاسهم.

هذا ما اطلعت عليه بنفسي في ذلك الحين، وانی واثق كل الوثوق بأن الأحمديين ما داموا يبذلون الجهود لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، ويبحثون عن أسباب تتيح للمسلمين القضاء على دولة إسرائيل اللقيطة ضيعة المستعمرين، فإن الاستعمار لن يتوانى عن تحريك بعض الجهات للتشهير بهم بقصد تشتيت الكلمة.

ونتيجة لهذه المؤامرة من المستعمرين حدثت ضجة في العالم الإسلامي ضد هذه الجماعة من قبل المشائخ المسلمين أنفسهم.. فأفتى الشيخ حسين مخلوف مفتي مصر بإشارة من الملك فاروق، بتكفير السيد ظفر الله خان، وطالب بعزله من منصب الوزارة الخارجية الباكستانية.. ولكن الزعماء العرب من مصر وغيرها من الدول العربية الذين شاهدوا مواقف السير خان.. عارضوا المفتي بشدة، ونددت برأيه الصحف المصرية، واعترفت بتدين السير ظفر الله خان وخدماته الجليلة للدول العربية. فصرح الأستاذ زکی بك عضو مجلس فؤاد الأهلي للبحوث قائلاً:

«ومن حيث أن طلب المفتي إقالة الوزير الباكستاني سيؤدي به منطقًا إلى إقالة كل الكفرة في كل الأمة الإسلامية.. فهو سيطالب بإقالة الوزراء المسلمين في العراق وسوريا ولبنان.. وسيطالب بإقالة هؤلاء في مصر». .

وكتبت مجلة (آخر ساعة) المصرية في فبراير 1952 تحت عنوان بارز:

الرجل الذي يصلي في هيئة الأمم المتحدة..

وهذا الرجل من أقدر المسلمين الذين يوثق بهم في خدمة البلاد الإسلامية.. هو رجل متدين يؤدي الصلاة في أوقاتها، حتى لو كان في الطائرة.. وقد أصبح أداؤه للصلاة في أبهاء الأمم المتحدة أمرًا مألوفًا لدى سائر الوفود. وهو لا يذوق الخمر مطلقًا، ولهذا غالبية أعضاء الوفود الغربية والشرقية تمتنع عن شربها في حضرته»..

وقالت أيضًا:

«كل ما هنالك أن السيد ظفر الله خان دافع عن قضية مصر مرات كثيرة»..

وبهذه المناسبة صرّح فضيلة الأستاذ خالد محمد خالد أحد الكتاب المعروفين المصريين في مجلة (آخر ساعة) في 25 يونيو 1952 بعنوان:

«من هنا نبدأ.. أصبح الأبرار کافرین».

«وظفر الله خان بالنسبة إلينا مسلم كامل الإسلام… وإذا كان الرجل الذي يواجه الاستعمار في جبروت شامخ من بلاغته وصدقه.. الرجل الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه.. إذا كان هذا الرجل كافرًا فإن كثيرًا يودون أن يصبحوا كافرين على هذا النحو»…

بطل قضية فلسطين

في الأيام الأخيرة نشرت مجلة العربي الصادرة من الكويت في عدد يونيو ۱۹۸۳ مقالاً بقلم الأستاذ عبد الحميد الكاتب بعنوان: ظفر الله خان بطل قضية فلسطين.. أشاد فيه بموقف حضرته في الدفاع عن قضية فلسطين في جلسات هيئة الأمم المتحدة، نقتبس منه قوله:

«ولكن أقوى الأصوات وأكثرها قدرة.. كان صوت ظفر الله خان. وكان ظفر الله خان هو بطل قضية فلسطين»..

ولكن للأسف الشديد، لم تستطع الدول الإسلامية مقاومة هذه المؤامرة.. التي دُبرت بكل دهاء ومكر باستخدام بعض المشائخ المغرضين.. فاستقال حضرته من وزارة الخارجية الباكستانية. وهكذا خسر العرب أخلص أصدقائهم وأكبر مدافع لقضاياهم بالمحافل الدولية.

موقف الإمام الحالي

وقال الإمام الحالي للجماعة حضرة مرزا طاهر أحمد أيده الله بنصره العزيز في أول رسالة له بعد تولي منصب الخلافة في ۱۹۸۲:

«إن في قلوبنا المضرجة بالدماء لجرحًا لا يبرح يشتد ألمــًا وغورًا مع مر الأيام ولا يكف عن النزيف.. أعني تلك العدوانات البربرية الوحشية التي تصبها إسرائيل على إخواننا الفلسطينيين بكل قسوة وبدون رحمة… إنني أوجه اهتمام كل المسلمين الأحمديين رجالاً ونساء، صغارًا وكبارًا أن يدعوا لهم ويثيروا ضجة في السماء بالابتهالات.. كي يترحم ربنا على كل من ينتسب إلى سيدنا ومولانا محمد ، وأن ينتقم من أعدائهم بنفسه، ويذيقهم بيده على تلك المذابح الوحشية أشد العذاب».

وقال في خطاب آخر:

إن إسرائيل والمعسكرين الشرقي والغربي، على حد سواء، مشتركون في الظلام الدائر ضد العرب… وحيث إن الأمر يخص إسرائيل فلا توجد قوة في الأرض هي على استعداد لمد يد العون للعرب بجدية… إن العرب في حالة يرثى لها، مما لا يسع أي مسلم السكوت على هذا الوضع واحتماله. وإني أحض جماعتي على الالتزام بالدعاء المستمر في هذه الأيام بكل توسل وتضرع لصالح الأمة العربية..

خدمات الدكتور عبد السلام

وتنويهًا بالخدمات المشكورة التي قام بها الابن البار الأحمدي الدكتور عبد السلام (أول مسلم حائز على جائزة نوبل في العلوم، الفيزياء) للنهوض بالدول العربية في مجال البحث العلمي، منحتْه المملكة المغربية عضوية المجمع العلمي المغربي.

***

هذه هي الصورة الحقيقة والمشرقة للأحمدية، وهذا هو الموقف الصريح لأبنائها نحو إخوتهم العرب.. أردتُ أن أضعه بين يديك.. لتحكم في ضوئه وكذلك في ضوء قول الله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ

أقول لتحكم فيما يذاع ضدنا من إشاعات من قبل الحكومة السعودية ورابطة العالم الإسلامي وبعض المشائخ المتعصبين الهنود والباكستانيين؟؟ وتخبر: هل هكذا كان العرب ينكرون الجميل، وهكذا يعاملون من يحسن إليهم.. أم أنهم كانوا ولا يزالون يتبعون قول الله تعالى:

هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ؟؟؟
Share via
تابعونا على الفايس بوك