16 انتخاب الخلفاء في الأحمدية.. تاريخ مختصر

16 انتخاب الخلفاء في الأحمدية.. تاريخ مختصر


من سنة الله المستمرة منذ القدم أنه يُقيم الخلافةَ بعد النبوة کما قال رسول الله : “مَا کَانَت نُبُوَّةٌ قَطُّ إلا تبعتْها خِلافةٌ.”  

(كنـز العمال، ج 11 رقم الحديث 32246 ص 476)

وقال الله في القرآن الکريم يبشر المؤمنين بالخلافة وغايتها السامية:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور:56)

وبشر نبيُّنا في مناسبات عديدةٍ بالخلافة في آخر الزمن، كما في رواية حذيفة بن اليمان حيث أخبر الرسول بالمراحل المختلفة التي تمرّ بها الخلافة بعده، وقد سمى خلافةَ المسيح الموعود “خِلافةً علی منهاجِ النُبُوَّةِ”.

 (مسند أحمد رقم الحديث: 7939، ومشكوة المصابيح، كتاب الرقاق، باب الإنذار والتحذير)

ويقول المسيح الموعود :

 “تذكَّروا أن هناك آيات کثيرة في القرآن الكريم تبشر بالخلافة الدائمة في هذه الأمة، والأحاديث أيضًا زاخرة بهذا الذكر.

 وهذا يکفي أولئك الذين يقبلون الحقائق الثابتة باعتبارها ثروة عظيمة. وليس هناك من سوء الظن بالإسلام أکثر من أن يُعتبر دينًا ميتًا ويُظَنّ أن برکاته محصورة بالقرن الأوّل فقط”. .

(شهادة القرآن، الخزائن الروحانية، مجلد 6 ص 355)

 

 وقد شرح المسيح الموعود قول رسول الله بکل وضوحٍ في کتابه “الوصية” حتى قال: “فأنا قدرة الله المتجسدة. وسيأتي من بعدي آخرون يكونون مظاهر قدرة الله الثانية، لذلك انتظروا قدرة الله الثانية داعين لمجيئها مجتمعين”.

(الوصية، الخزائن الروحانية، ج 20 ص 305-307)

وفاة المسيح الموعود عليه السلام وظهور القدرة الثانية (أي الخلافة)

انتقل المسيح الموعود إلی رحمة الله تعالی في 26 أيار/مايو عام 1908، في الساعة العاشرة والربع صباحا في “البناية الأحمدية” بلاهور، وقد ظهرت القدرة الثانية وفق النبوءات بعد يوم من وفاته، أي في 27 أيار. وكان قد تلقى وحيًا يقول: “حادثة في السابع والعشرين” (جريدة “الحَکَم” قاديان 28 أيار/مايو 1908 التذكرة ص 630)

فظهرت القدرة الثانية (أي الخلافة الأحمدية) في 27 أيار/مايو عام  في حديقة “بهشتي مقبرة” * في قاديان.

 وهکذا تحققت النبوءات بحسب السنة الإلهية القديمة.  فالحمد لله علی ذلك.

* معناها: مقبرة أهل الجنة، أسسها المسيح الموعود بناء على رؤيا رأى فيها مقبرة وقيل له إنها مقبرة أهل الجنة، فسماها بهذا الاسم. ثم وضع شروطا لمن يدفن فيها: أبرزها -بعد تحلِّيه بالتقوى وتجنبه المحرمات وأعمال الوثنية والبدعة- أن يقدم من عُشر إلى ثُلث دخله من أجل نشر الإسلام وتبليغ أحكام القرآن أثناء حياته، ويوصي بأن يُدفَع بعد وفاته عُشْرُ تركته على الأقل للجماعة للغرض نفسه.

إجماع القوم علی مولانا نور الدين البهيروي خليفة أول للمسيح الموعود

المسألة الأولى التي واجهت الجماعة بعد وفاة المسيح الموعود هي انتخاب خليفتهم.. فمنذ البداية کانت أنظار الجماعة کلها ترتفع إلى مولانا نور الدين وفق مشيئة الله تعالى. يقول ميرزا بشير أحمد : “لما توفي المسيح الموعود في لاهور، لم يکن المولوي نور الدين المحترم في الغرفة التي توفي فيها، فلما أُخبِرَ بالأمر دخل وقبّل جبينه، ثم خرج من الغرفة بسرعة. فقال له السيد محمد أحسن عند الباب بأدب: “أنت صديقي.” فأجابه: يا شيخ، دعْك عن هذا، سيُقضی هذا الأمر في قاديان. (سيرة المهدي الجزء الأول الطبعة الأولی ص 11)

وبعد ردّه علی سؤال السيد محمد أحسن وخروجه من هناك التمس منه خُدام الجماعة الآخرون المحزونون أن يأخذ بيعتهم، فأعاد الجواب وهو يصبِّر نفسه ويكتم ما فی صدره من حزن وألم لفراق سيده وقال:

“سيُقضی هذا الأمر فی قاديان.” (جريدة “الحَکَم” 7 حزيران 1939 ص 14)

ويروى عن المولوي عبد الرحيم نير أنّ وفاة المسيح الموعود قد أثّرت في نفوس الناس كثيرًا وأصابت الجماعة بهمّ وحزن، لکن الشخص الذی كان مبعث الطمأنينة والصبر للجماعة هو المولوي نور الدين . فی تلك الأيام کان المولوي محمد سعيد الحيدرآبادي في لاهور، فالتمس هو وأنا العبد المتواضع والمولوي غلام محمد من حضرته أن يأخذ بيعتنا، لکنه أجابنا: “اذهبوا وانصرفوا جميعًا إلى أعمالكم، أما أمرُ البيعة فيُفصَل بعد الوصول إلى قاديان. وبعد أن انتُخب مولانا نور الدين أولَ خليفة للمسيح الموعود بإجماع أهل البيت والجماعة کلها في قاديان أخذ البيعة من الناس.” (تاريخ الأحمدية، ج 3 ص 178)

عند وفاة المسيح الموعود كان معظم أفراد الجماعة يريدون أن يبايعوا المولوي نور الدين ، وحتی المعارضون كانوا يعتبرونه خليفةً له . وقد وافق خواجه کمال الدين والمولوي محمد علي أيضًا على أن يكون المولوي نور الدين خليفةًً له ، كما سجل المولوي محمد علي رأيه هذا في کتابه “حقيقة الخلافات” حيث قال:

“توفي المسيح الموعود في لاهور، وعندما نُقِل جثمانه المبارك إلى قاديان، أخبرني خواجه کمال الدين في الحديقة، أن ثمة اقتراحا بأن يكون المولوي نور الدين خليفةً للمسيح الموعود . فقلت له، هذا صواب وهو جدير به من کل النواحي. ثمّ قال لي: هناك أمر آخر وهو أن يبايع جميعُ الأحمديين علی يده. فقلت: “ما الحاجة للبيعة؟ إن الجُدد الذين يدخلون في الجماعة هم وحدهم يبايعونه، وهذا ما ورد في كتاب “الوصية”. فقال لي خواجه المحترم: “هذه لحظة حرجة، فأخشی أن تتشتت الجماعة، ولا أری أي حرج فی بيعة الأحمديين علی يد المولوي نور الدين المحترم. فاتفقتُ معه أنا أيضًا.” (حقيقة الخلافات، الجزء الأول والثاني، ص 31)

 بعد إقناع المولوی محمد علي، أخذ خواجه کمال الدين معه کبار أعضاء “صدر أنجمن أحمدية” الآخرين مثل شيخ رحمت الله، والدكتور محمد حسين، وميرزا محمد بيک، والمولوي محمد علي، ووصلوا إلى بيت السيد نواب محمد علي خان…… فأرسل الأستاذ يعقوب علي العرفاني إلی المولوي محمد أحسن الأمروهي وأشار عليه أنه کما بايع الصحابة علی يد أبي بکر الصديق قبل تکفين رسول الله ودفنه، علينا أيضًا أن نبايع علی يد المولوي نور الدين المحترم. فأيده المولوي محمد علي المحترم وطلب منه أن يستشير حضرة ميانْ بشيرَ الدين محمود أحمد أيضًا، فدُعِي من الحديقة، فأجاب بکل رحابة: “ليس هناك مَن هو أفضل من المولوي المحترم (نور الدين)، ويجب أن يکون فينا خليفةٌ، وأن يکون المولوي نور الدين هو خليفتنا، وإلا فهناك خوف من الخلافات. وهناك إلهام للمسيح الموعود يقول: “ستنقسم الجماعة إلی فرقتين وسيکون الله مع واحدة، وهذا هو نتيجة الخلافات.” بعد هذا اللقاء وصل هؤلاء إلى الحديقة، وسألوا مير ناصر نواب المحترم، فأيّد خلافة نور الدين المحترم أيضًا. ثم حضر خواجه کمال الدين إلى أم المؤمنين مندوبًا من الجماعة، فهي أيضًا وافقت وقالت: “لا أحد أفضل مِن المولوي نور الدين المحترم خليفةً للمسيح الموعود.” وبعد استشارة أهل البيت وردِّهم الإيجابي جاء خواجه کمال الدين مع صحابة المسيح الموعود إلی حضرة مولانا نور الدين المحترم في الغرفة المستديرة*، والتمسوا من حضرته أن يأخذ البيعة. فبعد تفكير قليل قال لهم: “سأجيبکم بعد الدعاء.” فطلب الماء وتوضأ وصلّی رکعتين… وبکی في سجوده بکاء شديدًا، بينما كان هؤلاء الناس ينتظرونه في فِناء البيت. وحين تأخر ذکّره الناس، فقال لهم بعد أن فرغ من الصلاة: “تعالوا نذهبْ إلی حيث جثمان سيدنا وحيث ينتظر إخوانُنا الآخرون. فجاء حضرة المولوي نور الدين مع الصحابة إلی الحديقة التي وُضِع فيها جسده المبارك والناس كانوا مجتمعين حوله. فقام مفتي محمد صادق المحترم وقرأ طلبًا التمس فيه أفراد الجماعة من سيدنا نور الدين أن يأخذ البيعة، وکان هذا الطلب قد وقّع عليه جميع کبار الجماعة. (تاريخ الأحمدية، ج 3 ص 188-189)

خطاب مولانا نور الدين قبل الانتخاب

بعد الشهادتين والاستعاذة والبسملة تلا حضرته قول الله تعالى:

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ،

ثم ألقى خطابا مؤثرا جدا قال فيه:

“أحمدُ الله الذي هو إلهنا الأزلي الأبدي. إن كل نبي يأتي إلى الدنيا ليقوم بمهمة، وحين ينجزها يتوفاه الله تعالى. والمشهور عن موسى أنه مات في طريقه دون أن يصل بلاد الشام. وقال النبي قد أُوتيتُ مفاتيح كنوز قيصر وكسرى، ولكنه توفي دون أن يراها. والحق أن في مثل هذه الأمور أسرارًا مكنونة. والآن أيضًا سيستغرب الناس ويقولون: هناك أنباء كثيرة (للمسيح الموعود ) لم تتحقق بعد. أرى أن من سنة الله تعالى أنه ينجز وعوده تدريجيا، وأحيانًا يخاطب شخصًا بشيء   ويعني به مثيلَه…. كذلك من سنة الله تعالى أن بعض وعوده تؤجَّل إلى وقت آخر، ولذلك قال تعالى: يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ . فكِّروا جيدًا في قوله تعالى بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ، فهو يشير إلى هذا السر بمعنى أنه ليس ضروريًا أن تتحقق كل الوعود في حياة النبي. لقد قال حضرة الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمة الله عليه: “يَعِدُ ولا يوفّي”.. أي أن الله تعالى يعد في بعض الأحيان بوعد، ولكنه لا يحققه في الظاهر، فيظن الجاهل أنه تعالى لم يفِ بوعده، مع أن وعده أو مِثْله يتحقق حتمًا في الوقت المناسب.

فكِّروا في حياتي السابقة، فإني ما ابتغيتُ قط أن أكون إماما. عندما عُيِّن المولوي عبد الكريم إمامًا للصلاة تنفستُ الصعداءَ؛ إذ وجدت نفسي متحررا من مسئولية كبيرة. إني أعلم حالتي جيدا، وإن ربي أعلم مني بحقيقة أمري. لم تراودني طوال حياتي أيةُ رغبة في منصب من مناصب الدنيا، وإنما أرغب أن يرضى عني ربي، وأدعو الله تعالى أن يحقق لي هذه الأُمنية. ولقد أقمت في قاديان بالرغبة نفسها، ومن أجلها أيضا أقيم وسأستمر في الإقامة بها.

لقد أمضيت أياما عديدة أفكّر طويلا فيما عساه أن تكون حالتنا بعد وفاة إمامنا ، ولذلك فقد بذلت جهدي لكي يستكمل محمود (1) دراستَه بما يؤهله لذلك. هناك ثلاثة أشخاص من بين أقارب سيدنا أحمد ، أوّلهُم محمود الذي هو بمثابة أخي وابني أيضا، ولي معه أواصر حب خاصة. ثم من ناحية صلة القرابة فإن السيد مير ناصر نواب (2) هو محل احترامنا واحترامه أيضا. والشخص الثالث هو نواب محمد علي خان (3). أما من بين خدام الدين الآخرين فإن السيد محمد أحسن هو من أحق الناس بذلك، فهو مِن نسل رسول الله ، وقد خدَم الدين بما يجعل شخصا مثلي يشعر بالخجل. لقد ألّف رغم سنه الكبيرة كتبًا كثيرة في تأييد حضرته ، وهذه خدمة ينفرد بها هو وحده. ثم هناك المولوي محمد علي، الذي يقوم بخدمات جليلة تفوق تصوّري. كل هؤلاء موجودون هنا، وأما مِن بين المقيمين خارج قاديان فهناك السيد سيد حامد شاه، والمولوي غلام حسن، وغيرهما الكثير.

إن هذه مسؤولية ثقيلة وخطيرة أيضا، ولا يقوى على حملها إلاّ من أقامه الله تعالى، لأنه يكون مؤيَّدا بوعود الله العظيمة التي تكون له سندًا في حمل تلك المسؤوليات الجسام التي تقصم الظهر. فالآن يتحتم علينا، رجالا ونساء، أن نكون متحدين متكاتفين. ولتحقيق هذه الوحدة فلتبايعوا واحدا من هؤلاء الأتقياء الذين ذكرتُهم لكم، وسوف أكون معكم من المبايعين. إنني ضعيف ومعتل الصحة بشكل عام، كما أن طبعي لا يتلاءم مع هذا المنصب، وليس من السهل حملُ هذه المسؤولية الجسيمة.

لقد كان لحضرته (أي المسيح الموعود) أربع مهمات:

الأولى: عبادته.

الثانية: تربية عائلته.

الثالثة: إكرام ضيوفه.

الرابعة: نشر الإسلام الذي كان هدفه الحقيقي.

أما المهمة الأولى من هذه المهام الأربع.. أي عبادته .. فهي خاصة به، ولا تقع علينا مسؤولية بصددها، فهي ستبقى معه، وكما قام بالخدمات في هذه الدنيا كذلك سيقوم بها بعد الموت. وتبقى بعدها ثلاث مهمات، أهمها وأصعبها نشرُ الإسلام. فهناك خلافات (بين المسلمين) أيضا علاوة على الإلحاد. وفي هذا الوقت قد اختار الله تعالى جماعتنا لرفع هذه الخلافات. قد تظنونها مسئولية سهلة وهيّنة، بل هي شديدة الوطأة وثقيلة العبء على من يحملها فعلاً. وأُقسِم بالله، أنكم إذا اخترتم أي واحد من هؤلاء الكرام الذين ذكرتُهم، فإنني مستعد لمبايعته معكم. أمّا إذا أصررتم على مبايعتي أنا، فاسمعوا وعوا.. إن البيعة تعني بيع المرء نفسه لغيره. ذات مرة أشار عليّ حضرته أن أقلع عن فكرة العودة إلى وطني، وبعدها ارتبط به كل شرفي، وبه وحده تعلق كل فكري، فلم أفكر في وطني بتاتا. لذلك فإن البيعة أمر صعب، لأن المرء بعدها يتخلى عن جميع حرياته وطموحاته، ويضعها في يد شخص آخر. ولأجل ذلك فإن الله تعالى سمى الإنسان عبدًا؛ وما دام يصعب على الإنسان حمل عبء العبودية فيما يتعلق بنفسه هو، فما بالك بحمله فيما يتعلق بالآخرين؟ ونظرًا إلى اختلاف الطبائع، فإن تحقيق الوحدة والترابط يحتاج إلى مجهود كبير. لقد كنت أنظر بعين الإعجاب والاستغراب دائما إلى المجهودات التي كان يبذلها حضرته ، فرغم اعتلال صحته كان يتحمل هذه المسئولية الجسيمة، فكان يكتب نثرًا ونظمًا، ويؤلف كتبا، ويقوم بالعديد من الأعمال المهمة الأخرى. أنا في مِثل سنّه تقريبا، ولكنه كان يحظى بتأييد الله في كل يوم، أما حالتي فلا تستحق الذكر. يقول تعالى:

فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ..

أي كل ذلك يتوقف على فضل الله.

أُذكِّركم بأمر مهم؛ وهو أن فتنة كبيرة قد انتشرت في العرب في زمن سيدنا أبي بكر إذ ثارت الفتن والضجيج في كل مكان ما عدا مكة والمدينة و“جواثة”، وكان أهل مكة أيضا على وشك الفساد، ولكن كم كانت طيبةً تلك النفسُ التي قالت لهم: أنتم آخر الناس إيمانا فلماذا تكونون أوّلَهم ارتدادا. وتقول عائشة رضي الله تعالى عنها: الجبل الذي وقع على أبي لو وقع على غيره لتمزّقَ إربًا.

وكانت في المدينة المنورة جماعة مؤلفة من عشرين ألف شخص، ولكن النبي كان قد أمر مسبقًا ببعث جيش، لذا فقد أرسلهم (أبو بكر )، ومن ناحية أخرى كانت حالة قومه على ما ذكرناه، ومع ذلك أرى اللهُ تعالى يدَ قدرته، وتحقق قوله تعالى:

وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ .

والآن قد حدث حادث مماثل، لذا أريد أن تتوحد كلمتكم قبل دفن جثمانه الطاهر . لقد كان على الصحابة بعد النبي في زمن أبي بكر أن يبذلوا جهودًا كبيرة كثيرة، أهمُّها جمعُ القرآن. وإن جمع القرآن في الظروف الراهنة يعني أن نهتم بالعمل به بوجه خاص.

ثم أقام أبو بكر نظام الزكاة، وإنه لَعملٌ جبّارٌ وعظيم. إن نظام الزكاة بحاجة إلى طاعة في أقصى درجاتها، وتليها تربية العائلة.

فبالإيجاز هناك أمور كثيرة. والآن، مهما كانت ميولكم وطبائعكم، فعليكم أن تطيعوا جميع أوامري. فإن كان هذا الأمر مقبولا لديكم، فإني أتحمل هذه المسئولية طوعا أو كرها.

إن الشروط العشرة للبيعة قائمة على حالها، وإنني أضيف إليها، بوجه خاص، تعليم القرآن الكريم وتقوية نظام الزكاة وتوفير الواعظين، وغيرها من الأمور التي سيلقيها الله تعالى في قلبي بين حين وآخر. ثم لا بد أن يكون تعليم الدين والتدريس في المدرسة الدينية حسب رغبتي وموافقتي. وأتحمل هذه المسئولية لوجه الله وحده الذي قال:

وَلْتَكُنْ مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ .

واذكروا دائما أن الخير كله في الوحدة، لأن الجماعة التي لا إمام لها ميّتةٌ.” (جريدة البدر قاديان، 2 حزيران 1908 ص 7)

وبعد أن انتهى سيدنا نور الدين من كلمته انطلقت هتافات التهليل والتكبير، وسرتْ في الجميع روح الطمأنينة على مستقبل الجماعة، قال الجميع متفقين بقلب حزين: سنطيعك في جميع أوامرك، فلتکن أميرَنا وخليفةً للمسيح الموعود . فبايعَ على يده حوالي ألف ومائتي أحمدي في المکان نفسه، وهكذا ظهرت القدرة الثانية. وبعد بيعة الرجالِ بايعته النساءُ، وقد کانت سيدة النساء أمّ المؤمنين أوّل المبايعات. (جريدة الحَکَم قاديان، 28 أيار 1908)

ويروي الدكتور عطر الدين درويش أنه بعد الدفن کنتُ عائدًا إلی المدينة مع شودري فتح محمد سيال وشيخ محمد تيمور، فوضع شخصٌ مِن خلفي يده علی کتفي عند بئر الحديقة الکبيرة، وإذ به الخليفة الأول للمسيح الموعود، فسألني: “ميان عطر الدين! هل بايعَني محمد علي؟” قلت: نعم، قد بايع. فأخبرتُ رفاقي في نفس الوقت أن أمير المؤمنين سألني عن بيعة المولوي محمد علي. (أصحابُ أحمد، ج 10 ص 11)

في 28 أيار عام 1908م أصدرت جريدة “الحَکم” نشرة خاصة عن قيام القدرة الثانية، ونُشر فيها محضر ظهور القدرة الثانية. ونُشر إعلان هام مِن قِبل خواجه کمال الدين ينصّ علی خبر وفاة المسيح الموعود وإجماع الجميع علی بيعة نور الدين البهيروي أيّده الله تعالی بنصره العزيز. وفيما يلي نصّه:

“قبل أداء صلاة الجنازة على حضرته بقاديان، وبناءً على وصاياه المسجَّلة في كتيب “الوصية”، ووفقًا لاقتراح أعضاء مؤسسة “صدر أنجمن أحمدية” الموجودين في قاديان، وطبقًا لمشورة أقارب سيدنا المسيح الموعود ، وبإذنٍ من السيدة أم المؤمنين رضي الله عنها، فإن كل القوم الموجودين بقاديان، البالغ عددهم حينئذ 1200 شخصا، قد قبلوا جميعا سيدَنا حاجَّ الحرمينِ الشريفين الحكيم نور الدين – سلمه الله تعالى – نائبًا وخليفةً للمسيح الموعود ، وبايعوا على يده. وقد حضر هذه المناسبةَ مِن أعضاء مؤسسة صدر أنجمن، السادةُ الأفاضل: المولوي محمد أحسن المحترم، الصاحبزاده ميرزا بشير الدين محمود أحمد، جناب النواب محمد علي خان، د. ميرزا يعقوب بك، د. سيد محمد حسين شاه، السيد خليفة رشيد الدين، وهذا العبد المتواضع (خواجه كمال الدين)” رغم أن حادث وفاة حضرته قد وقع فجأة، وأن الوقت لإطْلاع الإخوة على ذلك كان ضيقا جدا، إلا أنه قد توافد الإخوة من مختلف المدن بما فيها: انبالة، جالندهر، كفورتهلة، أمرتسار، لاهور، غوجرانواله، وزير آباد، جامون، غجرات، بطاله، غورداسبور وغيرها، وصلّى أعداد كبيرة على حضرته صلاة الجنازة في لاهور وقاديان. وكل هؤلاء الحضور المسجَّل عددهم أعلاه قد قبلوا بالإجماع حضرته (نورَ الدين) خليفةً للمسيح الموعود. ونبعث هذه الرسالة بغية إطلاع جميع أفراد الجماعة أنه يتحتم عليهم بعد قراءتها أن يبايعوا فورًا على يد سيدنا حكيمِ الأمة خليفةِ المسيحِ والمهدي، إما بالحضور شخصيا أو عن طريق المراسلة.

وفيما يلي کلمات البيعة:

“أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (3 مرات)

أبايع اليوم على يد نور الدين على جميع الشروط التي كان سيدنا المسيح الموعود والمهدي المعهود يأخذ البيعة عليها. وأُقِرّ أيضا أنني سأحاول قصارى جهدي لتعلُّم القرآن الكريم وتعليمه والعمل به، وكذلك الأحاديث الصحيحة. وأكون جاهزا قدر الاستطاعة لنشر الإسلام بالمال والنفس. وسوف أواظب على دفع الزكاة بكل دقة واهتمام، وسأسعى لإنشاء علاقة الحب بين الإخوة.

أستغفر الله ربي من كل ذنب وأتوب إليه (3 مرات)

رَبِّ إني ظلمتُ نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.” (خواجه کمال الدين، سکرتير صدر أنجمن أحمدية، جريدة “الحَکم” قاديان بتاريخ 28 أيار1908)

وبمناسبة الاجتماع السنوي عام 1910 أضاف الخليفة إلى كلمات البيعة ما يلي:

“لن أرتكب الشرك، ولن أسرق، ولن أقرب السيئات، ولن أتّهم أحدا، ولن أضيع الأولاد الصغار. وسأواظب على الصلوات، وسأكون مستعدا لأداء الزكاة والحج بحسب قدراتي.”

وقال: إني كنت أريد أن أضيف أيضا: “سوف ننشر المحبة بيننا”، ولكنني أرى أن الناس في بعض الأحيان يتشاجرون فيما بينهم، فخشيت أن يخالفوا العهد بعد إبرامه، وإخلافُ العهد يؤدي إلى النفاق.” (حياة نور، ص 337)

رواية خواجه کمال الدين عن انتخاب الخليفة الأول

“قليلون من الجماعة الأحمدية يعرفون أنني أنا أوّل مَن التمس من مولانا نور الدين، مِن قِبلي ومِن قبل أحبابي المقربين، أن يحمل عبْءَ الخلافة. لم يکن هذا بسبب مصلحة شخصية، بل کانت هناك إشارة من ربي، وفيما يلي تفصيلها:

“لقد تُوفي المسيح الموعود بتاريخ 26 أيار عام 1908. كنت رأيتُ رؤيا عجيبة في ليلة بين 23 و 24 مايو/أيار. ما کنت أريد أن أذکر هذه الحوادث التي رأيتها في الرؤيا، ولکن بعض الحوادث التي ظهرت قد صدّقت رؤياي، فخطر ببالي أن هذه شهادة بينة لکل أحمدي سليم الفطرة. لقد رأيتُ أنني ومعي تسعة أو عشرة أو أحد عشر شخصًا آخرون، منهم محمد علي المحترم.. أننا کلّّنا مِن أسرة مَلکية، ولکن تلك الأسرة التي ننتمي إليها عُزل ملِكُها من العرش، وقامت سلطةٌ جديدة وانتهى العصر الأول، فاعتُبرنا نحن التسعة أشخاص أسارى الملِك. کُنا في قلق شديد، إذ أُخبِرْنا أنَّ مَلِكَ السلطةِ الجديدة يطلبنا ليحکم علينا. فقُسِّمْنا إلى حزبين، وأُمِرنا أن نمثُل أمام الملك الجديد بالتناوب. فحضر الحزب الأول تحت قيادة محمد علي، وکُنّا خارج الغرفة. والذي فهمتُ مِن لقائهم هو أن الملِك قال لمحمد علي المحترم وأصحابه شيئًا، فانقادوا لما قيل له، وخرجوا بعدها صامتين. ثم أُمرِتُ أن أحضر مع أصحابي الأربعة أو الخمسة. فلمّا دخلت غرفة الملِك فإذا بالملِك الجديد هو المولوي نور الدين. فنظر إلي بوقار وصلابة وجرى الحوار التالي:

المولوی نور الدين: هل تعرف مَن أنت وما مکانتك في هذا الوقت؟

أنا: نعم! أعلم جيدًا أن الأسرة الملکية التي کنا أعضاءها قد انتهى عصرها، والآن نحن أسرى الملِك.

المولوی نور الدين: ما رأيك لو فُعل بك ما يفعل عادةً بالأسری الملِكيين؟ ما رأيك في أن تُنفَوا من أوطانكم وتُسكَنوا في بلاد أخرى؟

أنا: (بغضب شديد وغير مكترث) افعلْ كما تريد، فنحن أسرى لا نستطيع أن نفعل أيَّ شيء. نحن نعلم أن عصرنا قد تولّى، والآن نحن أسرى. إذا أردنا غيرَ هذا فلا نستطيع. فافعَل ما شئتَ.

واستيقظت بعد هذا وجسمي يرتجف ويرتعد، ولم أستطع التحكم على نفسي إلى أمد. وكان الوقت وقت التهجد، فاستيقظتُ وكتبت هذه الرؤيا أولاً، ثم انشغلت في الاستغفار حتى الصباح. وبعد الصباح، لما خرج ميرزا (أي المسيح الموعود ) قدّمتُ إليه تلك الورقة في أول فرصة الانفراد به، -ومن كان يدري أن هذه الرؤيا ستتحقق بعد يومين بكل وضوح- فلم تملْ طبيعته إلى تصديقها وفق مشيئة الله، فاكتفى بقوله: “مَن رأى نفسه في المنام أسيرًا مَلِكيًا فهذا مبارك جدًّا”.

ثم دخلتُ على مولانا نور الدين وأريتُه تلك الورقة، فخفّض رأسه لدقائق، ثم وضع الورقة في جيبه قائلا: “سأخبرك بتأويله بعد التدبّر”. ولم تمرّ على هذه الرؤية 24 ساعة حتى انتقل المَلِكُ إلى رحمة الله تعالى وظهرت آثار مَلِكٍ جديدٍ. وفي نفس اليوم كنت حكيت هذه الرؤيا لميرزا يعقوب بيك ود. محمد حسين والشيخ رحمت الله، فهم يمكن أن يشهدوا على ذلك لوجه الله تعالى. قصارى القول، بعد التفرغ من القيام بالأمور الهامة المتعلقة بهذه الوفاة المفاجئة ركبنا القطار إلى قاديان، فسألتُ الشيخ رحمت الله وكان معنا الدكتوران المذكوران: مَن سيكون الخليفةُ؟ فأجابني الشيخ بسرعةٍ: “هو الذي قد أُخبِرتَ عنه قبل يومين”، وكان يشير إلى تلك الرؤيا. فلمّا وصلنا إلى قاديان واجتمعنا في الغرفة المستديرة * بعد استرضاء مولانا محمد أحسن الأمروهي وميرزا محمود أحمد، التمسنا من سيادة نور الدين بالحضور هناك. في تلك اللحظة لم أقل له أن يقبلَ الخلافة، بل التمستُ منه قائلا: هل تذكر الورقة التي أعطيتك قبل أمسٍ وكان فيها رؤيا؟ فقال: نعم، وما زالت في جيبي. فقلت: إذًا فقد أتى ذلك الحين. فصلّى ركعتين وأمرني أن أسأل رأيَ مير ناصر نواب، وأُمِّ المؤمنين.

والخطاب الذي ألقاه في الحديقة خاطبني فيه وقال:

“الآن اتركوا أوطان الغفلة والكسلان، واقطنوا أوطان العمل والنشاط”.

إن كلماته هذه تشير إلى تلك الرؤيا أيضا، ولكن لم أكن أعلم ولا حضرته أن هذه الكلمات ليست استعارة، بل ستتحقق حرفيا؛ فها أنا اليوم في أوروبا. ومن العجب أن نفسي مضطربة قلقة منذ أمسٍ، وأتذكر بيتي.. أعني بيتي لندن. سبحان الله! سبحان الله! “ما رأيك في أن تُنفَوا من أوطانكم وتقطنوا في بلاد أخرى.” كيف تحققت هذه الرؤيا! إن نواب محمد علي المحترم أيضًا على علم بهذه الرؤيا. وحضرة الحكيم (أي الخليفة الأول) أيضًا يمكن أن يشهد على أنّ هذه الأحداث قد وقعت. وقبل شهرين، لما كتبتُ إليه أن يُرسِلَ أحدًا إلى لندن لمساعدتي أشرت مرة أخرى إلى تلك الرؤيا وقلت إن الرؤيا تشير إلى أنه يجب أن يكون هناك أربعة أو خمسة أشخاص آخرين يتركون بأمرك أوطانهم ويقطنون معي البلاد الأخرى، فلماذا لا تأمر بذلك؟ عندما أخرجتَني من الوطن فكان معي أربعة أو خمسة رجالٍِ آخرين.” (تاريخ الأحمدية، ج 3، ص 192-194)

وصية الخليفة الأول للمسيح الموعود

دام عهد خلافة مولانا الحكيم نور الدين خمس سنوات وتسعة شهور وسبعة عشر يومًا، حقق خلالها إنجازات عظيمة في سبيل نشر الإسلام والقرآن الكريم وتبليغ دعوة الأحمدية خارج الهند.

في 4 شباط عام 1914 شعر حضرته بضعف شديد، فأمر المولوي سيد سَرْوَر شاه أن يُحضِر القلم والمحبرة والورق، فلما أحضرهما أخذهما وبدأ يكتب شيئًا وهو مضطجع. وعندها كان كثير من الإخوة موجودين هناك مثل مولوي محمد على، د. ميرزا يعقوب بيك، مولوي سيد سرور شاه، قاضي سيد أمير حسين، نواب محمد على خان، ميان عبد الحي، ميرزا بشير الدين محمود أحمد، د. الحافظ خليفة رشيد الدين، كما كان هناك بعض الإخوة الآخرين من قاديان وخارجها مثل ميان شراغ دين أحد كبار جماعة لاهور، حكيم محمد حسين صاحبُ “مرهم عيسى”، مُنشي محبوب عالم، شودري دولت خان….، وشودري شجّهو خان….

فكتب حضرته أولاً وصيةً قصيرةً. كان القلم غير جيد، فأمر بإحضار قلم محلي. ثم كتب وصية بيده وناولَها المولوي محمد علي ليقرأها عليه. فقرأها بصوت عالٍ. فأمره بأن يقرأها ثلاث مرّاتٍ. فبعد أن فرغ من قراءة الوصية ثلاث مرّاتٍ، أمره أن يسلِّمها إلى نواب محمد علي خان فهو يحتفظ بها. فسلّم المولويُ محمد علي الورقة الأصلية إلى نواب محمد علي أمام الحضور. (“الحَكَم” قاديان 7 آذار 1914، ص 5)

كـلـمـات الوصيـة

بسم الله الرحمن الرحيمنحمده ونصلّي على رسوله الكريموآله مع التسليم.

يكتب هذا العبد المتواضع بكامل وعيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله. إن أطفالي صغار، وليس في بيتنا مال. الله حافظُهم. ينبغي أن لا تتم تربيتهم من الصدقات أو أموال اليتامى والمساكين، بل يُجمَع لهم قرضٌ حسنٌ، وسوف يسدّده الأولاد الأكفاء، أو تُجعَل كُتبي وقفًا على الأولاد. وليكنْ خليفتي تَقيًّا، محبوبًا لدى الجميع، عالِمًا عاملا، ومُسامحًا لأصحاب المسيح الموعود القدامى منهم والجدد. كنت ناصحًا للجميع، فليكنْ هو أيضًا ناصحًا أمينا. ولْيستمرَّ درسُ القرآن والحديث. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نور الدين

4 آذار 1914

(“الحَكَم” قاديان 7 آذار 1914، ص 5)

 في 13 آذار 1914 (يوم الجمعة) تدهورت حالة أمير المؤمنين بشكل خطير منذ طلوع الصبح. كان ميرزا بشير الدين محمود أحمد ساهرًا على خدمته ليلاً ونهارًا، فأتى من البيت (الذي كان الخليفة فيه والذي كان يسمى دار السلام) إلى المدينة قلقًا، وقال للأخ عبد الرحمن القادياني: “أخي! اذهبْ إلى لاهور، فقد أرسلنا الطبيب محمد حسين صاحبُ “مرهم عيسى” إلى لاهور منذ أمس ليحضر المسك من هناك، ولكنه لم يَعُد حتى الآن. إن خليفة المسيح في ضُعف شديد جدًا، ونريد له المسك، فإذا لقيتَه في الطريق فعُدْ معه، وإلا فاذهبْ إلى لاهور وأحضِر المسكَ في أسرع وقتٍ.” فقال الأخ: الوقت ضيق ومن المحال أن توصلني عربة الحصان إلى محطة القطار قبل انطلاقه. فذهب إلى بيته وأحضرَ له درّاجةً. فسافر عليها إلى “بطاله”. وفي الوقت الذي يكون الأخ (عبد الرحمن) قد وصل إلى لاهور اشتد مرض الخليفة جدًّا. (تاريخ الأحمدية ج 3 ص 511)

وفاة الخليفة الأول للمسيح الموعود

وأخيرًا حانت الساعة التي كانت ترتجف بتصورها قلوب المؤمنين وتفيض عيونهم دمعًا، فانتقل أمير المؤمنين إلى رحمة الله تعالى في 13 آذار 1914 في الساعة الثانية والثلث بعد الظهر وهو يصلّي. إنا لله وإنا إليه راجعون.

وقبيل وفاته دعا أمير المؤمنين ابنَه ميان عبد الحي وقال له:

إني أؤمن بـ لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأموت عليه، وأؤمن أن جميع صحابة الرسول كانوا صالحين. وأحسب أن صحيح البخاري هو من الكتب المرضية عند الله تعالى. وأؤمن أن ميرزا غلام أحمد هو المسيح الموعود وعبد الله المختار. لقد أحببته جبًا جمًا حتى إني لم أحبك بقدر ما أحببت أولاده. أفوّض القومَ إلى الله تعالى وإني على يقين أنه لن يُضيعَهم. أوصيك بتلاوة القرآن وتعليمه والعمل به. لقد شاهدت كثيرًا من الأشياء، ولكن ما وجدت شيئًا مثل القرآن. لا شك أن هذا الكتاب من عند الله تعالى. أستودعك الله.” (جريدة الفضل قاديان 18 آذار 1914 ص 1)

  وبعد وصيته لابنه عبد الحي أوصى ابنته “أمة الحي” أن تقول لميرزا المحترم (ميرزا بشير الدين محمود أحمد) أن يهتمّ بإلقاء درس القرآن في النساء أيضًا. (تاريخ الأحمدية ج 3 ص 512)

احتشد الناس كيوم الحشر في هذه القرية.. لا شك أن ألم فراق الخليفة كان كبيرا على قلب كل مؤمن. وفي اليوم التالي بعد وفاته انتُخب ميرزا بشير الدين محمود أحمد خليفة ثانيا للمسيح الموعود. وقد مرّت تلك الساعات الستّ والعشريون على جماعة قاديان كالقيامة. (تاريخ الأحمدية ج 3، ص 513)

خطاب ميرزا بشير الدين محمود أحمد

في يوم وفاة الخليفة الأول   اجتمع الإخوة عند الظهر في مسجد “نور” لتطمئن قلوبهم بذكر الله. وبعد صلاة العصر، ألقى ميرزا بشير الدين محمود أحمد كلمة وجيزة مليئة بالشجون ذات تأثير كبير، حيث نصح الجماعة بعدم ذكر الخلافات، لأن هذا الوقت خطر جدًا، والجماعة تمرّ بساعة الابتلاء، وأن على الجميع أن يتضرعوا إلى الله بالبكاء والابتهال، ليهب لنا النور في هذا الظلام، ويسدد خطانا ويهدينا إلى الصراط الأفضل المبارك. وحثّ أيضًا على صيام يوم الغد حتى ينقضي الغد مثل اليوم في الدعاء وذكر الله . فأخذ الناس يبكون خلال خطابه، حتى ارتفعت أصوات البكاء والصراخ من كل زوايا المسجد، وساد الاطمـئنانُ القلوبَ، فانتـشروا رويدًا رويدًا إلى أماكن إقامتـهم داعـين الله تعالى. (تاريخ الأحمدية ج 3 ص 514-515)

إعلان مِن قبل المولوي محمد علي

وكان المولوي محمد علي قد أعدّ في السر كتيبًا صغيرًا بعنوان: “إعلان مهمّ جدًّا” وجعل منه رُزمًا عديدة لإرسالها بالبريد إلى أفراد الجماعة. وقد وزِّع الكتيب بكثرة، بل الواقع أن زملاءه أرسلوه حتى إلى الأماكن النائية لما شعروا بقرب وفاة الخليفة. وكان محتوى هذا الإعلان: إن الجماعة ليست بحاجة إلى نظام الخلافة، بل إن مؤسسة “صدر انجمن أحمدية” تكفي لإدارة الأمور، غير أنه يمكن انتخاب شخص أميرًا، وذلك لأخذ البيعة من غير الأحمديين، واحترامًا لوصية الخليفة الأول. وهذا الرجل لن تكون طاعته فرضًا على الجماعة أو مؤسسة صدر أنجمن أحمدية، بل تكون إمارته وسيادته محدودة ومشروطة.

 

(1) يشير بذلك إلى ميرزا بشير الدين محمود أحمد النجل الأكبر لسيدنا أحمد من زوجته أم المؤمنين نصرة جهان بيغم رضي الله عنها.(2)    والدُ أُمِّ المؤمنين حرمِ المسيح الموعود .(3)  زوج ابنة المسيح الموعود الكبرى.

انتخاب الخليفة الثاني للمسيح الموعود 

ولما اجتمع أفراد الجماعة في 14 آذار 1914 في مسجد النور لانتخاب الخليفة بعد صلاة العصر، اجتمع منكرو الخلافة أيضًا لعرقلة الانتخاب. وكان حوالي 950 رجلا قد وقّع في ذلك اليوم على أنه لا بدّ من خليفة في الجماعة، وأن طاعته واجبة علينا جميعًا كما كانت طاعة المسيح الموعود والخليفة الأول واجبة على الجميع.

في البداية قرأ نواب محمد علي خان وصية الخليفة الأول في هذا الحشد الذي ضمّ ألفي شخص، حيث نصح الجماعة على الاجتماع على يدٍ واحدٍة. فارتفعت الأصوات من كل جانب: “ميان صاحب، ميان صاحب” (أي ميرزا بشير الدين محمود أحمد). فقام مولانا سيد محمد أحسن الأمروهي وهو العالم الكبير في الجماعة وألقى كلمة مؤيدة لهذه الأصوات، مبينًا أهمية الخلافة وضرورتها، وقال: أرى أنه ينبغي أن نجتمع بعد الخليفة الأول على يد ميرزا بشير الدين محمود أحمد، فهو الأجدر بهذا المنصب. فارتفعت الأصوات من كل صوب في تأييد ميرزا بشير الدين محمود أحمد، وأعلن الجميع أنهم متفقون على خلافته.

بُويعَ ميرزا بشير الدين محمود أحمد في الساعة الخامسة إلا الربع، حيث بايعه حوالي 2000 أحمدي حتى صلاة الجنازة على الخليفة الأول . ثم استمرت البيعة بعد كل صلاة.

(جريدة الفضل قاديان 18 آذار 1914، ص 1)

الإعلان الهام لبيعة الخليفة الثاني من قِبل 100 صحابي للمسيح الموعود

أيها الإخوة!السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.لقد انتقل أمير المؤمنين الخليفة الأول نور الدين إلى رحمة الله تعالى في 13 آذار 1914 بعد صلاة الجمعة. إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهمّ ألحقْه بالرفيق الأعلى. وفي 14 آذار 1914 انتُخِب ميرزا بشير الدين محمود أحمد -أيده الله تعالى بنصره العزيز- خليفةً بعد صلاة العصر في مسجد النور. وفي نفس الوقت بايعه حوالي 2000 أحمدي. وبعد إلقاء كلمة وجيزة والدعاء، صلى أمير المؤمنين صلاة الجنازة على الخليفة الأول في الساحة الشمالية للمدرسة الثانوية، ودُفن بيمين ضريح المسيح الموعود . اللهمّ أكرمْ نُزُلَه ووسِّعْ مدخله. والذين لم يستطيعوا أن يحضروا بهذه المناسبة عليهم أن يبايعوا بأسرع ما يمكن خليفةَ المهدي وأميرَ المؤمنين صاحبزاده ميرزا بشير الدين محمود أحمد -سلمه الله تعالى وأيده. أما كلمات البيعةوأول خطاب ألقاه حضرته فسوف تُنشر في الجرائد. إن أُمّ  لمؤمنين وزوجة الخليفة الأول  قد بايعتاه.

المعـلـنون

(هناك أسماء حوالي 100 صحابي

أوّلُهم المولوي سيد محمد أحسن الأمروهي،

والثاني نواب محمد علي خان)

(جريدة الفضل قاديان 18 آذار 1914)

الخطاب التاريخي الأول للخليفة الثاني للمسيح الموعود

بعد توليه منصب الخلافة قال الخليفة الثاني في أول خطابه:

 ” اسمعوا يا أصدقائي، إني أؤمن إيمانا كاملا أن الله واحد لا شريك له. وإني أؤمن أن محمدًا رسولُ الله وخاتم النبيين، ولن يأتيَ بعده مَن ينسخ حتى نقطة واحدة من شريعته.أحبائي، إن لِسيدي المحبوب سيدِ الأنبياء شأنًا عظيمًا بحيث يمكن للمرء أن يصل بالاتّباع والوفاء الكاملين له إلى مرتبة الأنبياء. لا جرم أن محمدًا وحده يبلغ من العظمة والشأن بحيث إن خادمه الصادق يمكن أن يصبح باتباعه الكامل نبيًا. هذا هو إيماني، وأقول هذا باليقين الكامل.ثم أؤمن أن القرآن الكريم هو ذلك الكتاب المحبوب الذي نزل على محمد ، وهو خاتم الكتب وخاتم الشرائع.

ثم أؤمن أن المسيح الموعود كان ذلك النبي الذي ورد خبره في صحيح “مسلم”، وكان نفس الإمام الذي ذُكر في صحيح البخاري. وأكرّر قولي إنه لا يمكن أن يُنسَخَ شيء من شريعة الإسلام. اِقتدوا بأعمال الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- فإنهم ثمرة أدعية النبي ونموذج لتربيته الكاملة. إن الإجماع الثاني الذي انعقد بعد النبي كان على الخلافة الراشدة. أَمْعِنوا النظر بكل دقة واقرؤوا تاريخ الإسلام ستجدون أن الازدهار الذي حققه الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين بدأ ينكمش حين تحوّلت الخلافة إلى الملوكيّة، حتى آلت حالة الإسلام والمسلمين في هذه الأيام كما تشاهدون. ثم بعد ثلاثة عشر قرنا أرسل الله المسيحَ الموعود على منهاج النبوة بحسب أنباء النبي ، وبعد وفاته بدأت نفس الخلافة الراشدة مرّة أخرى. لقد كان حضرة مولانا نور الدين أولَ خليفة لهذه الجماعة -جعل الله مثواه في أعلى عليين، وأنزل عليه رحمات وبركات لا تُعد ولا تُحصى، وكما كان قلبه عامرًا بحب رسول الله وحب المسيح الموعود ، حتى جرت هذه المحبة في كل ذرة من كيانه، جمَعه الله مع أحبته الأطهار هؤلاء في الجنة أيضًا- فبايعْنا جميعًا على يده بهذا الإيمان. إن الإسلام سيزدهر ماديًا وروحيًا ما دامت الخلافة مستمرة. وحيث إنكم أصررتم عليّ بأعلى صوتكم أن أحمل هذا الوِزرَ وعبرتم عن ذلك بالبيعة على يدي، فرأيت من المناسب أن أصرح أمامكم بعقيدتي.”

أقول والحق أقول، إنني لأشعر بالخوف في قلبي، وأجد نفسي ضعيفة جدًا. ولقد ورد في الحديث لا تطلب من خادمك ما لا تقدر على القيام به، وقد جعلتموني الآن خادمًا، فلا تطالبوني بما لا أستطيع. أنا أعلم أنني ضعيف ومقصر، فكيف يمكنني أن أدعي بأنني سأقوم بإرشاد العالم ونشر الحقّ والصدق؟ إننا قلة، وأعداء الإسلام كُثْرٌ، ولكن آمالنا في فضل الله ورحمته وكرمه كبيرة.

ما دمتم قد حمّلتموني هذا الحمل، فاسمعوا! أعينوني بقوة في أداء هذه المسؤولية، وما هي إلا أن تسألوا الله فضله وتوفيقه، وأطيعوني ابتغاء مرضاة الله وامتثالاً لأمره.

إني إنسان ضعيف، فإذا صدرت مني تقصيرات فاصفحوا عني، وإذا صدرت منكم أخطاء فإني أقسم بالله أني سأتغاضى عنكم وأصفح عنكم. إن عملي وعملكم المشترك هو رقي هذه الجماعة وتحقيق أهدافها عمليًا. فما دمتم قد أنشأتم هذه العلاقة معي فعليكم أن تحافظوا عليها بوفاء. فاعفوا عني، وسأعفو عنكم بفضل الله تعالى. عليكم بطاعتي واتّباعي فيما آمركم به من المعروف. إن قلت لكم – والعياذ بالله – إن الله ليس بواحد، فأستحلفكم بالله وحده – الذي لا شريك له والذي ليس كمثله شيء والذي بيده أنفسنا جميعًا – أن لا تطيعوني أبدًا. وإنْ أخبرتكم بوجود عيب في النبوة فلا تتبعوني. وإن قلتُ لكم إن هناك نقصا في القرآن الكريم فأنشدكم بالله أن لا تقبلوا قولي أبدًا. وإن قلت لكم ما يخالف تعاليم المسيح الموعود التي تلقاها من الله ، فلا تطيعوني أبدًا أبدًا. غير أني أقول ثم أقول لكم: لا تعصوني في المعروف. لو أطعتموني واتّبعتموني وعملتم على تقوية عهدكم هذا، فاعلموا أن الله سينصرنا بفضله، وتُستجاب أدعيتُنا جميعًا. أنا أثق بربي ثقة عظيمة، وأوقن يقينًا كاملاً أنني سأُنصَرُ. لقد أخبرتُكم أولَ أمس في يوم الجمعة رؤياي التي رأيت فيها أني مرضتُ وأحسست بألم في فخدي، وظننت أنني ربما مصاب بالطاعون. فأغلقتُ باب غرفتي، وفكرت قلقًا وقلت: ما هذا الذي يحدث؟ وقلت إن الله تعالى قد وعد المسيحَ الموعود : “إني أحافظُ كلَّ مَن في الدار،” وقد تحققَ هذا الوعد في حياته، وربما لا يتحقق بعد مسيحه، لأن ذلك الإنسان الطاهر لم يعد بين ظهرانينا. وبينما أنا في ذلك إذ أدركت أني لست في المنام، بل أنا في يقظة، وعيناي مفتوحتان. كنت أنظر إلى جدران الغرفة وأبوابها، وأرى أثاثها. فرأيت اللهَ وأنا في هذه الحالة.. فهناك نور أبيض وبرّاق منبعث من الأسفل وصاعد إلى الأعلى، ليس له بداية ولا نهاية، فخرجت من هذا النور يدٌ بها كأس بيضاء مليئة بالحليب، فسُقيتُه، فاستفقتُ فورًا، ولم يبق بي أي ألمٍ. إلى هنا كنت ذكرتُ لكم هذه الرؤيا، ولم أَحْكِ لكم الجزء الثاني منها آنذاك، لكن سأحكيها لكم الآن. فلما سُقيتُ تلك الكأس جرى على لساني فورا: لن تضلّ أُمتي أبدًا.

والحق أنه ليست لي أُمة، بل أنتم إخوتي، ولكن جرت هذه الكلمة على لساني نظرًا إلى العلاقة التي هي بين محمد رسول الله والمسيحِ الموعود . إن الأمر الذي أقامه المسيح الموعود قد وُكّل إلي كأمانة في موعده المقدر. فادعوا الله تعالى كثيرًا، ووطّدوا العلاقات، واسعوا لزيارة قاديان وزُوروها مرارًا. لقد سمعتُ المسيحَ الموعود مرارًا يقول: إن الذي لا يأتي إلى هنا بكثرة فأخشى على إيمانه.

إن نشر الإسلام هو هدفنا الأول، فاسعوا لذلك معًا لينـزل علينا مطر أفضال الله وإحسانه. أقول لكم، ثم أقول لكم، ثم أقول لكم: ما دمتم قد بايعتموني الآن، وأنشاتم معي هذه العلاقة بعد المسيح الموعود ، فعليكم أن تكونوا أوفياء في هذه العلاقة، واذكروني في أدعيتكم، أذكركم في أدعيتي حتمًا، بل قد ذكَرْتُكم دائمًا، إذ ما دعوتُ دعاء لم أذكر فيه أفراد الجماعة، غير أني سأدعو لكم الآن أكثر من قبل. لم يتحمس قلبي للدعاء من قبل إلا ودعوت فيه للأحمديين.

ألا اسمعوا، لا تعملوا عملاً يأتيه الذين ينكثون عهد الله. فلتكن أدعيتنا أن نعيش مسلمين ونموت مسلمين، آمين.” (جريدة الفضل قاديان 21 آذار 1914 ص 2-3)

القواعد الجديدة لانتخاب الخليفة وخَلْفيّتها

بعد أن أصيب الخليفة الثاني بجروح في رقبته بيد شقي، لم تعدْ صحته على ما يرام، فأخذ في عام 1955 يعاني من المرض باستمرار، فذهب إلى أوروبا للعلاج، فسنحتْ للمفسدين فرصة لإثارة الفتنة ضد الخلافة، وتكثفت جهودهم في تلك الأيام، وبدأوا يشيعون بين الناس علنا أن الخليفة قد أصبح عجوزًا، وعلينا أن ننتخب خليفةً جديدًا. (شهادة مسعود أحمد خورشيد من لاهور، جريدة الفضل ربوة 28 يوليو 1956)

وفي تلك الأيام رفع هؤلاء المفسدون أصواتهم ضدّ الدروس التفسيرية للخليفة الثاني وقالوا إنه رأي شخص واحد وليس برأي الجماعة، وأنه يجوز الخلاف مع الخليفة في المسائل الأساسية، وما إلى ذلك.” (تاريخ الأحمدية ج 19 ص 17)

لقد بلغت المؤامرة ضد نظام الخلافة إلى منتهاها في بداية عام1956. وعيّن هؤلاء شخصًا – اسمه “الله رَكها” وكان موظفًا في “البناية الأحمدية” بلاهور – ليمهِّد طريقًا لهذه المؤامرة. فقام بجولة سرّية في فروع الجماعة المنتشرة في البلد كله. (تاريخ الأحمدية ج 19 ص 20، 19)

فنشر الخليفة الثاني في جريدة “الفضل” في 25 يوليو عام 1956 رسالةً باسم الجماعة تحدث فيها عن مؤامرات المنافقين، وقال:

 “على أفراد الجماعة أن يقرروا الآن فيما إذا كان الذي يتمنى موتي هو صديق لهم أم عدو لهم. عليكم أن تحكموا بصراحة، وأن تحكموا أيضًا ما إذا كان الذين يوالون هذا الشخص أصدقاء لكم أم أعداء، فإن لم تقضوا بشكل قاطع فسوف أضطر لأردّ إليكم بيعتكم … أليس من قلّة الحياء أن يعتبروا الشخص الذي يتمنى موتي وزملاءَه أصدقاءً لهم من ناحية، ويلتمسوا مني الدعاء من ناحية أخرى…..” (تاريخ الأحمدية ج 19 ص 29-30)

 وبعد نشر هذه الرسالة، لم تُبدِ الجماعة إخلاصها للخليفة الثاني فحسب، بل أرسلتْ إليه بعض المعلومات الهامة والشهادات الضرورية عن هذه الفتنة. ونتيجة لهذه النيران التي أوقدها المنافقون توحّدت كل العناصر المخالفة للجماعة لتزيد الطين بلّة، ثم بدأت تثير في الجرائد قضية نيابة الخليفة في حياته، وأُشيعتْ إشاعات كثيرة ومفتريات شتى. (تاريخ الأحمدية ج 19 ص 92-98)

في هذه الظروف.. وفي 21 تشرين الأول 1956، أوصى الخليفة الثاني بعقد احتفال يوم الخلافة في 27 أيار بمناسبة قيامها في الجماعة للتذكير بأهمية الخلافة وبركاتها.

ثم في الجلسة السنوية عام 1956 قدم أمير المؤمنين نظامًا لانتخاب الخليفة وذلك خلال خطابه بعنوان “الخلافة الإسلامية الحقة”، حيث قال فيه:

“وفق المنهج الإسلامي (الذي سأبينه فيما بعد) فإني ألغي القاعدة السارية لانتخاب الخليفة.. أي انتخاب الخليفة مِن قِبل مجلس الشورى، وبدلاً من ذلك أُعلنُ أنه عندما يحين وقت انتخاب الخليفة في المستقبل فينبغي أن يشارك في انتخابه نُظّارُ* مؤسسة “صدر أنجمن أحمدية”، وأعضاؤُها، والوكلاءُ في مؤسسة “التحريك الجديد”، وأفرادُ عائلة المسيح الموعود الأحياءُ (أي أبناؤه وأزواج بناته)، وبعد إعادة النظر وبعد استشارة بعض الإخوة أضيفُ إلى هذه القائمة صحابةَ المسيح الموعود الذين تمنحهم مؤسسة “صدر أنجمن أحمدية” بعد تحرّي الأمر وثيقةً تثبت أنهم صحابته ، وعميدَ جامعة المبشرين، وعميدَ الجامعة الأحمدية بربوة، ومفتي الجماعة، وجميعَ أمراء الجماعات في محافظات البنجاب والسند، وأميرَ باكستان الغربية، وأميرَ كراتشي، وأميرَ باكستان الشرقية. وبعد إعادة النظر أضيفُ إلى هذه القائمة أمراءَ المحافظات السابقين الذين تولوا هذا المنصب مرّتين – وإن لم يكونوا أمراء وقتَ الانتخاب لبعض الأسباب، وجميعَ الدعاة الذين خدموا في الخارج لسنة ولم يُتّهموا فيما بعد من قبل مركز الجماعة، ونشرُ قائمة هؤلاء الدعاة هو مسؤولية مؤسسة “التحريك الجديد”. وكذلك الدعاةَ الذين خدموا على الأقل سنة كرؤساء الدعاة على صعيد المحافظات أو أقاليم باكستان، ومسؤولية نشر قائمتهم تقع على مؤسسة “صدر أنجمن أحمدية”. ولكن بشرط أن يحضر كل هؤلاء وقت الانتخاب. ومِن واجب سكرتير الشورى أن يعلن في سائر البلد أن يصل هؤلاء على الفور، ومَن لم يصل بعد ذلك فهذا شأنه، ولن يؤثر غيابه في الانتخاب، ولن يُقبل منه أي عذر بأنه لم يتم إخباره قبل وقت مناسب. إن الحضور وقت الانتخاب هو مسؤولية الأعضاء وليس على السكرتير إحضارهم، إنما عليه الإعلان فحسب، ولو قال سكرتير الشورى إنه قد قام بالإعلان، فسيكون الانتخاب سليمًا. وإن قالت مجموعة منهم أو أحدهم إنه لم يُخبَر فلا قيمة لقوله قانونًا ولا شرعًا. والقرار الذي يتخذه هؤلاء جميعًا سيكون مقبولاً لكل الجماعة، ومَن عارضه مِن الجماعة فقد بغى.وإذا حان انتخاب الخليفة وانتُخب أحد خليفةً وفق هذه القواعد، فأنا أبشّره منذ الآن أنه لو انتُخب وفق هذه القواعد فإن الله سيكون معه، وكل من قام ضده -كبيرًا أو صغيرا- فإنه سيُهان ويُدمَّر، لأن هذا الخليفة لن يقوم إلا لتحقيق أمر النبي والمسيح الموعود باستمرار الخلافة الإسلامية، فحيث إنه سيقوم لتحقيق وعود القرآن والرسول والمسيح الموعود فعليه أن لا يخشى أحدًا….” (خطاب الخليفة الثاني في الجلسة السنوية 1956 ص 14-16 بعنوان “الخلافة الإسلامية الحقة”)

وإن نظام انتخاب الخليفة هذا الذي أعلن عنه الخليفة الثاني قد قدّمه مجلس علماء الأحمدية، وبعد إذن منه، في صورة اقتراح، حيث قرأه مولانا أبو العطاء الجالندهري أثناء الجلسة الأولى لمجلس الشورى في 21 مارس عام 1957، فأيده جميع أعضاء مجلس الشورى، وقد وافق عليه أمير المؤمنين في الجلسة نفسها.  (تقرير مجلس الشورى المنعقد في ربوة في 21-23 مارس/آذار 1957)

وفيما يتعلق بآلية الانتخاب فقد ذكر الخليفة الثاني عدة أمور أهمها: أولاً: أن يترأس جلسةَ انتخاب الخليفة الأقدمُ خدمةً للجماعة مِن بين نُظّار “صدر أنجمن أحمدية” و وكلاء “التحريك الجديد”، وثانيًا: أن يتم انتخاب الخليفة بأكثرية أعضاء مجلس الانتخاب الحاضرين.

كانت صحة أمير المؤمنين معتلّة منذ بضع سنوات، ومنذ أواخر عام 1959 لم يستطع أن يؤمّ الناس في الصلاة أو يلقي خطب الجمعة. لم تألُ الجماعة جهدا لعلاجه، وأكثرت التضرع والابتهال إلى الله ، ولكن لم تتحسن حالته إلا مؤقتًا. وفي مساء اليوم السابع من نوفمبر/تشرين الأول 1965 اشتد مرضه، وبعد منتصف الليل ازداد شدة، وكان معظم أفراد عائلة المسيح الموعود في ذلك الوقت منهمكين في الدعاء في غرفته. ولكن القدر سبق. وفي 8 نوفمبر/تشرين الأول في الساعة الثانية والثلث صباحًا، انتقل أمير المؤمنين إلى رحمة الله تعالى.

بعد سماع خبر وفاته، بدأ الأحمديون رجالا ونساء يتوافدون إلى المركز في ربوة. وقد غُسِل جثمانه المبارك بعد صلاة الفجر. وشارك في غُسلِه ميرزا عزيز أحمد الناظر الأعلى، والدكتور حشمت الله خان، وصوفي غلام محمد، ومولانا جلال الدين شمس، والسيد عبد الرزاق شاه، ومولانا عبد المالك خان ومولانا محمد أحمد جليل.

نُشِرَ الإعلان عن وفاته من قِبَل ميرزا عزيز أحمد الناظر الأعلى والأستاذ عبد الرحمن أنور السكرتير الخاص، في جريدة الفضل وفق نظام الخلافة الذي أقامه الخليفة الثاني في الجماعة عام 1956، وأُخبِرَ جميع أعضاء مجلس انتخاب الخليفة أيضًا.

الإعلان عن اجتماع مجلس انتخاب الخليفة

 وفق تعليمات الخليفة الثاني في مجلس الشورى عام 1957، سينعقد اجتماع مجلس انتخاب الخليفة، إن شاء الله، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1965 يوم الاثنين في الساعة السابعة والنصف بعد صلاة العشاء في المسجد “المبارك” بربوة. يُلتمس من جميع أعضاء مجلس انتخاب الخليفة أن يصلّوا العشاء في المسجد “المبارك”، والتي تُقام في الساعة السابعة تمامًا. وبعد الصلاة، سيجلس الأعضاء فقط في المسجد ويُشاركون في فعاليات الاجتماع.عبد الرحمن أنور  – سكرتير مجلس الشورىميرزا عزيز أحمد

الناظر الأعلى لصدر أنجمن أحمدية باكستان

8 /65/11

(جريدة الفضل ربوة 9 نوفمبر 1965 ص 4)

 

انتخاب الخليفة الثالث للمسيح الموعود

بعد أن تم انتخاب الخليفة الثالث للمسيح الموعود نُشِرَ الإعلان التالي مِن قِبَل سكرتير مجلس الشورى:

“نعلنُ للأحمديين جميعًا أنه قد انعقد اليوم.. 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1965.. بعد صلاة العشاء في المسجد “المبارك” بربوة اجتماع مجلس انتخاب الخليفة الذي قد عيّنه الخليفة الثاني ، برئاسة ميرزا عزيز أحمد الناظر الأعلى لصدر أنجمن أحمدية. وبحسب القواعد استحلف كلّ عضوٍ على التمسّك بالخلافة، ثم انتخب الأعضاءُ ميرزا ناصر أحمد -سلّمه ربّه- خليفةً للمسيح الموعود وأميرًا للمؤمنين. لقد بايعه أعضاء مجلس انتخاب الخليفة في نفس الوقت. ثم بعد ذلك ألقى أمير المؤمنين خطابًا، ثم بايعه الأحمديون الموجودون هناك – وكان عددهم حوالي 5 آلاف- في الساعة العاشرة والنصف ليلا. ندعو الله تعالى أن يتقبّل منّا هذا الانتخاب ويبارك فيه. وهكذا اجتمعنا في هذه المرحلة الحرجة على يدٍ واحد مرّة أخرى وفق النبوءة الواردة في كتاب “الوصية”. والحمد لله.”سكرتير مجلس الشورى(عبد الرحمن أنور)

(جريدة الفضل ربوة 10 نوفمبر 1965، ص 1)

لقد شارك في هذا الاجتماع 206 أعضاء في مجلس انتخاب الخليفة، ولم يستطع 35 عضوا المشاركة لكونهم خارج باكستان أو بسبب المرض. وقد انتهى هذا الاجتماع في الساعة العاشرة والنصف ليلا، ثم أخذ الخليفة البيعةَ. (جريدة الفضل ربوة 17 نوفمبر 1965 ص 3)

الخطاب الأول للخليفة الثالث

قبل أخذ البيعة، يلزم للخليفة المنتخَب أن يتعهد حالفًا بالله بالكلمات التالية التي قرّرها الخليفة الثاني :

“أُقسِم بالله الحي القيوم أنني أؤمِن بالخلافة الأحمدية، وأحسبُ الذين يخالفون الخلافة على الباطل. سأبذل قصارى جهدي لتستمرّ الخلافة الأحمدية إلى يوم القيامة. ولن آلو جُهدا في تبليغ دعوة الإسلام إلى أقصى أنحاء الأرضين. وسأحافظ على حقوق كلّ أحمدي غنيًا كان أم فقيرًا. وسأبذل كل ما كان بوسعي على نطاق الذات والجماعة لنشر علوم القرآن والحديث بين أفراد الجماعة ذكورا ونساء.”

فقام الخليفة الثالث، وبعد الشهادتين وقراءة سورة الفاتحة وردّد هذا العهد بخضوع ورِقة، ثم قال:

“إنه لعهدٌ قد ردّدتُه أمامكم من صميم قلبي، مؤمنًا بالله الحي القيوم، عالمِ الغيب، وموقنًا أنه ملعون من يخدع. وسأسعى قدر استطاعتي لتبليغ الإسلام، وسوف أتعامل مع كلّ واحدٍ منكم بالمؤاساة وحُسنِ النية. وبما أنكم ألقيتم عليّ مسؤولية كبيرة، فأرجو منكم أن تساعدوني بدعائكم ومشوراتكم، ليوفق اللهُ عبدًا عديم الحيلة مثلي للعمل على تبليغ الأحمدية ونشر الإسلام وقيام التوحيد، ويُنـزلَ برحمته على قلبي نورًا سماويًا، ويعلّمني ما لا يستطيع الإنسان أن يتعلمه بنفسه.

إني قليل العلم، وعديم الجدوى، وليس لدي معرفة ولا قوة. ولما اقتُرح اسمي ارتعدتُ وقلتُ في نفسي: مَن أنا حتى يُرشَّح اسمي؟ وفي نفس الوقت خطر ببالي أن إمامنا الحبيب المسيح الموعود الذي أسبغ الله عليه نعمه وبركاته قال:

“إلهي الحبيب، أنا دودة الأرض ولستُ إنسانًا.”

فما دام إمامنا الحبيب قد خاطب إلهَه بهذه الكلمات، واعتبر نفسه “دودة الأرض”، فمن أنا بالمقارنة مع هذا الرجل الذي يقول إنه “دودة الأرض”. ومع ذلك قلت في نفسي لا شكّ أنني لستُ بشيء، وأني مثل التراب بلا قيمة، ولكن الله تعالى قادر على أن يجعل هذا التراب نورًا إن شاء، ويضع فيه قوة وطاقة لا يتصورها أحدٌ، ويضع فيه لمعانًا وبريقًا لا يوجد في الذهب والألماس.

باختصار، ليست لدي كلمات أبيّن بها ضعفي. فأَعينوني بالدعاء. وسأسعى جهدي لأن أُحسنَ إلى كل واحد منكم. إن الاختلاف يمكن أن يقع بيننا رغم أننا إخوة، ولكن يجب أن لا يكون هذا الاختلاف سببًا للشقاق والفرقة وتشتُّت الجماعة.

لقد تعهّدَ كلُّ فردٍ من أسرة المسيح الموعود عند وفاة الخليفة الثاني وبعده أنهم لن يسمحوا أن ينشأ خلاف في الجماعة، وأنهم سيقدمون في هذا السبيل كلّ تضحية، وأن من المستحيل أن يضحوا بمصالح الجماعة من أجل مصالحهم، بل سيفضّلون مصالحها على كل شيء في كل حال. لقد كتب الله للخليفة الثاني نجاحًا عظيمًا، وقد قام بالمهمة التي فوّضها الله إليه أحسنَ قيام، وواجبنا الآن أن نضاعف هذه النجاحات، ولا ندع جذوتها تخبو.

حاول أحد الأصدقاء بالأمس أن يتكلم معي حول هذا الموضوع، فقلت له: أنا أُؤكّد لك، أنه لن يضحي أحدٌ من عائلة المسيح الموعود بمصالح الجماعة من أجل مصالحه. إن كلّ فردٍ من أسرته هو لله، وللمسيح الموعود وللجماعة، فلن يحدث أي ضعف أو فتنة بسببنا.

فالمسؤولية التي وضعها الله عليّ، وأنتم انتخبتموني لحملها -وأنا عبد ضعيف- فعليكم أن تساعدوني بالدعاء ليوفّقني الله لحملها كما ينبغي، وألا تتوقف خدمة الدين ونشر الإسلام، بل يتطور هذا العمل بفضل الله تعالى ويزدهر حتى يغلب الإسلام على كلّ الأديان الباطلة في العالم.

ستجدونني مواسيا وناصحًا لكم، لأن الخليفة الثاني قد ربّانا على هذا النحو. كنتُ صغيرًا وقد كبرت الآن، ولقد شعرت طوال عُمري أن حضرته كان يتمنّى دائمًا أن يصبح أولاده منبع الخير للعالم، ولا يتضرر منهم أحد، وقد عبّر عن أمنيته هذه في بيت شعر له وتعريبه:

إلهي أرجو ألا ترى عيوني من جانبهم إلا الخير.

ثم إن الأم التي وجدتها لتربيتي، لم يجد أحدٌ مثلها قط وأستثني الأزواج المطهرات للنبي ، أعني بها أُمَّ المؤمنين- رضي الله تعالى عنها- فكانت تُربّي تربيةً ليست بوسع أبرع عالم من علماء النفس. أتذكر جيدًا أن أُمَّ المؤمنين- رضي الله تعالى عنها- كانت تربي طفلين يتيمين (أخًا وأختًا)، فكانت تغسّلهما بنفسها وتُفلِّي القمَّل من رأسهما. أتذكر حتى اليوم تلك الغرفة التي كانت فيها المائدة، فجلست معهما عليها، ولكن لا أدري ماذا حدث بي إذ امتنعت من الجلوس معهما. فلم تُعطني أم المؤمنين الطعام في ذلك اليوم حتى اضطررت لأن أطلبه بنفسي عند المساء. وكان في هذا درس بأن الذي يقول عنه الناس إنه يتيم ومسكين، فإن عباد الله يروْن رعايته وحمايته واجبًا عليهم.”

وبعد أن فرغ الخليفة الثالث -أيده الله تعالى بنصره العزيز- من ترديد العهد وإلقاء الخطاب، بايعه جميعُ الأعضاءِ، ولم يتلكّأ أحدٌ. (جريدة الفضل 17 نوفبر/ تشرين الثاني 1965ص 2-3)

مرض الخليفة الثالث ووفاته

غادر الخليفة الثالث ربوة في 23 مايو/ أيار 1982 في الساعة الثامنة صباحًا إلى إسلام آباد للذهاب إلى إسبانيا. وكان لديه أعمال كثيرة قبل مغادرته، فقال لا بد أن أُنهيها قبل الذهاب.

وفي 26 مايو/ أيار 1982 ساءت حالته وهو يصلي بالناس صلاة العشاء بسبب ضغط الدم، فصلّى جالسًا. ثم ازدادت حالته سوءا يومًا بعد يوم. وفي 31 مايو/أيار أحسّ بضيق التنفس، فشخّص د. محمود الحسن نوري بعد الفحوص للقلب بأنه قد أصيب بنوبة قلبية. وفي 3 حزيران 1982م فحصه د. ستيون جنكيز البريطاني الشهير، فقال إنه كان مصابًا بمرض السكري، وأصبحت حالته خطيرة بسبب نوبة قلبية.

وفي 5 حزيران بدأت حالته تتحسن يومًا بعد يومٍ، ولكن في 8 حزيران 1982 تدهورت فجأةً في الساعة الثانية عشرة إلا رُبعا بالليل، فتوقف القلب عن العمل. وانتقل حضرته إلى رحمة الله تعالى في الساعة الواحدة إلا ربعا ليلة 9 من حزيران. إنّا للهِ وَإِنّا إِلَيهِ رَاجِعُون.

أُبلغت جميعُ فروع الجماعة بوفاته -رحمه الله- فبدأ الأحمديون يتوافدون إلى ربوة من كل البلد. وفي 9 حزيران أُحضر جثمانه المبارك من إسلام آباد إلى ربوة بعد صلاة الفجر.

وفي يوم الخميس 10 حزيران 1982 عُقدت جلسة مجلس انتخاب الخليفة بعد صلاة الظهر في المسجد “المبارك”. وقبل الانتخاب أُخِذَ العهد من أعضاء مجلس انتخاب الخليفة وفق القواعد. فانتُخب ميرزا طاهر أحمد خليفةً رابعًا للمسيح الموعود .

انتخاب الخليفة الرابع للمسيح الموعود 

 

انتخاب الخليفة الرابع رحمه الله

 اجتماع مجلس انتخاب الخليفة

بُعيد وفاة الخليفة الثالث نُشِرَ الإعلان التالي عن اجتماع مجلس انتخاب الخليفة مِن قِبَل ميرزا منصـور أحمد “النـاظر الأعلى” لِـ”صـدر أنجمن أحمـدية”:

 “سينعقدُ اجتماع مجلس انتخاب الخليفة – إن شاء الله – في 10 حزيران 1982 يوم الخميس في الساعة الواحدة والنصف بعد صلاة الظهر في المسجد “المبارك” بربوة. وعلى كلّ أعضاء مجلس انتخاب الخليفة أن يُصلّوا صلاة الظهر في المسجد “المبارك” في الساعة الواحدة والنصف. وبعد الصلاة سيجلس أعضاء المجلس فقط ليشـاركوا في الاجتماع.مرزا غلام أحمدسكرتير مجلس الشورى

9/6/1982

مرزا منصور أحمد

الناظر الأعلى صدر

انجمن أحمدية باكستان ربوة

9/6/1982

(جريدة الفضل ربوة 9 حزيران 1982 ص 1)

إعلان مِن قِبل سكرتير مجلس انتخاب الخليفة عن انتخاب الخليفة الرابع

بعد الانتخاب نُشِرَ الإعلان التالي مِن قِبَل سكرتير مجلس الشورى.” يُعلَنُ للأحمديين جميعًا أنه بعد صلاة الظهر يوم الخميس.. 10 حزيران 1982.. انعقد اجتماع مجلس انتخاب الخليفة الذي عينه الخليفة الثاني برئاسة ميرزا مبارك أحمد في المسجد “المبارك” بربوة. ووفق القواعد استحلف كلّ الأعضاء على التمسّك بالخلافة، ثم انتخبوا ميرزا طاهر أحمد -سلّمه ربّه- خليفةً رابعًا للمسيح الموعود . إن أعضاء مجلس انتخاب الخليفة قد بايعوه في نفس الوقت. ثم سُمِح لباقي الأحمديين بدخول المسجد، فبايعوه، وكان عددهم ما بين 20 إلى 25 ألف شخص. وبعد البيعة أمَّ الخليفة الرابع صلاة العصر. ندعو الله تعالى أن يتقبّل منّا هذا الانتخاب ويبارك فيه. يا رحيم يا رحمن! يا كريم يا ودود! نشكرك على أنك كرّمتنا بفضلك، وبدّلتَ خوفنا أمنًا. يا حيُّ! يا قيّومُ! نشهد أن نبوءة مسيحك ومهديك المذكورة في كتابه “الوصية” قد تحقّقت مرّة أخرى بكل عظمة وشوكة. ولله الحمد.والسلام

العبد المتواضع

ميرزا غلام أحمد

سكرتير مجلس الشورى

10 حزيران 1982 في الخامسة إلا الربع مساء.

 أول خطاب للخليفة الرابع بعد توليه الخلافة

قبل أخذ البيعة من أعضاء مجلس انتخاب الخليفة، ردّد ميرزا طاهر أحمد الخليفة الرابع العهد بحسب قواعد انتخاب الخليفة، ثم ألقى فيهم خطابًا بليغًا في المسجد “المبارك”، وهذا نصّه: فبعد التشهد والاستعاذة والبسملة قال أمير المؤمنين: “أخبرني سكرتير (مجلس الشورى) أنه حين انتُخب الخليفة الثالث -رحمه الله تعالى، ووفّقنا أن نستمر في تحقيق كلّ أعماله الصالحة لله – ألقى خطابًا قصيرًا أولاً، ثم أخذ البيعة.

لا أقول لكم إلا أن تدعوا لي ولكم

رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

هذه مسؤولية صعبةٌ وكبيرةٌ يرتجف مِن حملها القلب، ويتذكر المرء المقولة الشهيرة التي قالها عمر في لحظاته الأخيرة: “اللهمّ لا لِيَ وَلا علَيَّ”.

صحيح أن الله هو الذي يختار الخليفة، وهذا ما أؤمن به مِن أوّل يوم، وسأظل أعتقد هذا الاعتقاد بفضل الله تعالى حتى الموت. إنه لحقٌّ أن لا دخل للإنسان في هذا الأمر. وبصفتي خليفةً لستُ مسؤولا أمام أحد منكم أو أي فرد من الجماعة، ولكن هذه ليست بِحُرية، لأنني مسؤولٌ أمام الله مباشرة. من الممكن أن تجهلوا أخطائي، لأنكم لا تعرفون ما في قلبي ولا تعلمون الغيب، ولكن ربّي أعلم ما في سويداء قلبي، فإنه لن يتقبّل الأعذار الباطلة. لن يناله إلا مَا حَكَمتُ به بالوفاء والإخلاص واضعا التقوى نصب عينيَّ. لقد تحررتْ رقبتي من الضعفاء، لكنها خضعت أمام من هو الأقوى في الكون، وهي الآن بيده. هذا الإصر ليس بسهلٍ. إن جسدي كله يرتجف من تصوره، ولا أريد إلا أن يرضى بي ربّي، ويحييني ما دمتُ أسلك سُبل رضاه، ويُوفّقني ألا أفكّر بخلاف مشيئته ولا أخالفها عمليًا ولو للحظة، ولا يخطر ذلك ببالي مطلقا، وأن أصون حقوق الجميع، وأحكم بالعدل كما يطلب الإسلام، لأنني أعرف أنه لا يمكن الإحسان إلا بالعدل، ولا يمكن بدون الإحسان تشكيل المجتمع الذي يكون مشابهًا بالجنة، والذي يسمّى “إيتاء ذي القربى”. فادعوا لي جميعًا.

قبل البيعة أودّ أن يأتي السيد شودري محمد ظفر الله خان ويضع يده في يدي (للبيعة) نيابةً عن الصحابة. إن أمنيتي أن اليد التي لمستْ يدَي المسيح الموعود تكون هي اليد الأولى التي تقع على يدي. فألتمسُ من شودري محمد ظفر الله خان المحترم أن يأتيَ (للبيعة)، ثم ستبدأ البيعة.”

فبايع جميع أعضاء المجلس على يده المباركة. ثم أمّهم في الدعاء بخضوعٍ وخشوعٍ. وبعد الدعاء تشرّف جميع الأعضاء بمصافحة الخليفة الرابع. (جريدة الفضل 19 حزيران 1982 ص 2-3)

لقد بايعه أعضاء مجلس انتخاب الخليفة في نفس الوقت. ثم سُمِح للأحمديين بدخول المسجد، فبايعوه حيث بلغ عددهم من 20 إلى 25 ألف شخصًا. وبعد أخذِ البيعة أمَّ الخليفة الرابع صلاة العصر. ثم نُقل جثمان الخليفة الثالث رحمه الله إلى “بهشتي مقبرة” بربوة، وبعد الصلاة عليه ودفنه أَمَّ أمير المؤمنين الأحمديين في الدعاء على قبره. (ملحق جريدة الفضل ربوة 10 حزيران 1982 ص 1، جريدة الفضل 12 حزيران 1982)

هجرة الخليفة الرابع من باكستان

في 29 نيسان هاجر الخليفة الرابع – رحمه الله – إلى لندن بعد صدور المرسوم التشريعي باسم “حظر القاديانية” في باكستان في 26 نيسان 1984. فبعد فرض العقوبات على الأحمديين بسبب هذا المرسوم، انعقد اجتماع طارئ لمجلس الشورى في لاهور في 9 أيلول 1984 بتوجيه الخليفة. وشُكلت هذه اللجنة لدراسة مسألة انتقال هيئة انتخاب الخليفة خارج باكستان كي لا يؤثّر سعي الأعداء في هذا الانتخاب.

وبعده شكّلت لجنة خاصة أخرى للتشاور في أواخر 1985 في لندن للبحث في تقرير اللجنة الأولى. وقدّمت اللجنة الثانية تقريرها بعد دراسة تقرير اللجنة الأولى من جوانب أخرى على ضوء أوامر الخليفة. وفي 10 أيلول 1985 تقررَ بعد المشورة من أصحاب الرأي والفكر من الجماعة، أنه ليس هناك حاجة إلى تغيير القواعد الأساسية لمجلس انتخاب الخليفة إلا أنه أُجريتْ تعديلات هامة وفق الظروف الطارئة للوقت الراهن، وستبقى سارية المفعول ما لم يأمر الخليفة بنسخها. فعلى سبيل المثال أن يكون انتخاب الخليفة في لندن. وهذه التعديلات قُدّمت وفق أوامر أمير المؤمنين إلى أعضاء “مجلس الشورى لانتخاب الخليفة” في 10 أكتوبر/تشرين الأول 1985 الذي شكّله الخليفة الرابع خاصة لهذا الأمر، فقدم هذا المجلس توصياته إلى أمير المؤمنين، فصادَق عليها.

في منتصف 1997 أصيبَ أمير المؤمنين بوعكة صحية، وظلتْ صحته تتدهور إلى 1999حتى لم يستطع أن يؤمّ الصلاة من أواخر أغسطس/آب إلى أوائل سبتمبر/أيلول 1999. فأمر حضرتُه ميرزا خورشيد أحمد الناظر للأمور الخارجية وشودري حميد الله الوكيل الأعلى للتحريك الجديد (اللذين قد أتيا إلى لندن لعيادة أمير المؤمنين) أن يراجعا قواعد انتخاب الخليفة. وبحسب أوامره أُرسِلت هذه القواعد المدققة إلى لجنة تضم أعضاء مؤسسة “صدر أنجمن أحمدية” ومؤسسة “التحريك الجديد” و”الوقف الجديد” من أجل المشورة. فبعد مشورة مجلس الشورى، أبقى أمير المؤمنين جميع التعديلات التي اقترحتها اللجنة في 23 تشرين الثاني 1985 عن عضوية لجنة انتخاب الخليفة في القرار الهام لمجلس الشورى المنعقد في 21، 22، 23 آذار 1957، إلا أن حضرته أجرى بعض التعديلات الأخرى على بعض التعديلات المقترحة في “مجلس انتخاب الخليفة”. وهذه القواعد المذكورة الموافَق عليها أُرسِلت إلى جميع أمراء الجماعة في العالم.

وبعد هذه التعديلات الجديدة صار أعضاء مجلس الانتخاب كالآتي:

نُظّارُ وأعضاءُ “مؤسسة صدر أنجمن أحمدية” باكستان، وكلاءُ وأعضاءُ مؤسسة التحريك الجديد أنجمن أحمدية باكستان، أعضاء مؤسسة الوقف الجديد أنجمن أحمدية باكستان، أمير جماعة قاديان، أعضاء مؤسسة صدر أنجمن أحمدية قاديان، عميد الجامعة الإسلامية الأحمدية بربوة، مفتي الجماعة، أمير جماعة بنغلاديش، أمير جماعة كراتشي، أمراء الجماعة على مستوى المحافظات في باكستان، أمراء المحافظات بباكستان سابقًا الذين عملوا مرتين في هذا المنصب وإن لم يكونوا أمراء وقت انتخاب الخليفة، أمراء الجماعة في مختلف دول العالم، الابن الأكبر لكل صحابي من الصحابة الأوائل للمسيح الموعود شريطة أن يكون من المبايعين للخليفة، بالإضافة إلى عدد من الدعاة والمبلغين القدامى يساوي 25 بالمئة من أعضاء مجلس الانتخاب.

مرض الخليفة الرابع الأخير ووفاته

في حزيران 2000 ذهب أمير المؤمنين إلى إندونيسيا في جولة. وبعد عودته ظلت صحته جيدة حتى الجلسة السنوية ببريطانيا، ولكن في أواخر أيلول 2000 بدأت صحته تتدهور، وأصبح صعبا عليه الذهاب إلى المكتب والمسجد للصلاة بسبب مرضه.

وفي تشرين الثاني انتقل أمير المؤمنين مؤقتًا إلى (دار الضيافة) 41 شارع جريسن هال، وفي أيار 2001 عاد إلى بيته. وفي 2001 كانت صحته بشكل عام مقبولة ولكنها بدأت تتدهور في 2002، وأشار عليه الأطباء بإجراء عملية جراحية، فأجريت في 3 تشرين الأول 2002. فتحسنت صحته نوعا ما بعد العملية الجراحية الناجحة لوريد الدم، وعاد حضرته إلى بيته في 7 تشرين الثاني 2002.

في 5 كانون الأول، حضر أمير المؤمنين أول مرّة بعد المرض والعملية الجراحية إلى مسجد “الفضل” بلندن للدعاء النهائي لدرس القرآن في رمضان. وفي 6 كانون الأول ألقى خطبة عيد الفطر، وفي 13 كانون الأول ألقى أول خطبة جمعة بعد مرضه في مسجد “الفضل”. وقد تحسّنت حالته بشكل عام من أواخر 2002 إلى إبريل/نيسان 2003. وفي 18 من هذا الشهر ألقى أمير المؤمنين الخطبة الأخيرة في حياته. وفي نفس اليوم عقد مجلس العرفان. وفي 19 نيسان 2003 في الساعة التاسعة والنصف صباحًا بتوقيت لندن انتقل أمير المؤمنين إلى رحمة الله تعالى، إثر نوبة قلبية، تاركًا ملايين الناس يذرفون الدموع.

قرأ سكرتيره الخاص الأستاذ منير أحمد جاويد إعلان وفاته على قناة ايم تي ايه من قِبَل “الناظر الأعلى” ميرزا مسرور أحمد المحترم.

انتخاب الخليفة الخامس للمسيح الموعود

 

في 22 نيسان 2003 انعقد الاجتماع لانتخاب الخليفة الخامس في مسجد “الفضل” بلندن.

إعلان هام لأعضاء مجلس انتخاب الخليفة

في 21 نيسان 2003م نُشِرَ الإعلان التالي في جريدة “الفضل” ربوة وعلى القناة ايم تي ايه في الأوقات المختلفة مِن قِبَل الناظر الأعلى ميرزا مسرور أحمد المحترم.”لقد أُخبِرَ الإخوة الأحمديون أن سيدنا ميرزا طاهر أحمد الخليفة الرابع للمسيح الموعود قد انتقل إلى رحمة الله تعالى في 19 نيسان 2003 صباحًا. إنا لله وإنّا إليه راجعون.سينعقدُ الاجتماع لأعضاء مجلس انتخاب الخليفة في لندن إن شاء الله. فعلى جميع أعضاء مجلس انتخاب الخليفة أن يصِلوا إلى المسجد “الفضل” في لندن دون أي تأخير.

على جميع أعضاء مجلس انتخاب الخليفة والأحمديين أن يدْعوا ربّهم خاشعين خاضعين أن يحفظ الله تعالى الجماعةَ، ويهدي أعضاء مجلس انتخاب الخليفة. آمين.”

والسلام

ميرزا مسرور أحمد

الناظر الأعلى لِصدر أنجمن أحمدية باكستان ربوة

(جريدة الفضل ربوة 21 نيسان 2003 ص 1)

إعلان هام

وفي 22 نيسان 2003 نُشِرَ الإعلان التالي في جريدة “الفضل” بربوة مرّة ثانية مِن قِبل ميرزا مسرور أحمد المحترم الناظر الأعلى باكستان.

” يُعلَنُ لأعضاء مجلس انتخاب الخليفة أن الاجتماع لمجلس انتخاب الخليفة سينعقد في 22 نيسان 2003 يوم الثلاثاء في لندن. ستُجمَع صلاة المغرب والعشاء في الساعة الثامنة والنصف في المسجد “الفضل”، وبعد الصلاتين سينعقد اجتماع مجلس انتخاب الخليفة في الساعة التاسعة والنصف في مسجد “الفضل” في لندن. فعلى جميع أعضاء اللجنة أن يحضروا في هذا الاجتماع.وتُصلّى الجنازة في 23 نيسان 2003 يوم الأربعاء في إسلام آباد تلفورد. وفيما يلي هذا البرنامج (وفق التوقيت المحلّي):صلاة الظهر والعصر، والبيعة الجماعية: في الساعة الواحدة والنصف.

صلاة الجنازة: في الساعة الثانية. وبعده سيتمّ الدفن إن شاء الله.

على الإخوة الأحمديين أن يصِلوا إلى إسلام آباد في الساعة الثانية عشرة لحضور هذا البرنامج. وعلى جميع أعضاء المجلس والإخوة أن يدْعوا ربّهم خاضعين خاشعين أن يُظهر آيات تأييده ونصره في كلّ خطوة، ويحفظ الجماعة ويعينها في كلّ لحظة. آمين!”

توقيع عطاء المجيب راشد سكرتير مجلس انتخاب الخليفة

(ملاحظة: السيد نائبَ الناظر الأعلى ربوة  انشرْ هذا الإعلان في جريدة “الفضل”.

(توقيع) ميرزا مسرور أحمد 21/4/ 2003

(جريدة الفضل ربوة 22 نيسان 2003 ص 1)

الإعلان عن انتخاب الخليفة الخامس أيده الله تعالى بنصره العزيز

بهذه المناسبة نُشِرَ الإعلان التالي مِن قبل سكرتير مجلس انتخاب الخليفة.

“يُعلَنُ للأحمديين جميعًا أنه بعد صلاتي المغرب والعشاء في يوم الثلاثاء 22 نيسان 2003 انعقد اجتماع مجلس انتخاب الخليفة المقرّر من قبل الخليفة الثاني للمسيح الموعود ، برئاسة شودري حميد الله، في مسجد بيت الفضل لندن. وبحسب القواعد استحلف كلّ عضوٍ من مجلس انتخاب الخليفة بتمسّك الخلافة. فانتخبوا ميرزا مسرور أحمد – سلّمه ربّه – خليفةً للمسيح الموعود . إن أعضاء مجلس انتخاب الخليفة قد بايعوه في نفس الوقت. ثم سُمِح للأحمديين بدخول المسجد” الفضل”. فبايعوه حيث يبلغ عددهم من 10 إلى 11 ألف شخص. ندعو الله تعالى أن يتقبّل منّا هذا الانتخاب ويبارك فيه.يا رحيم رحمن! يا كريم يا ودود! نشكرك على أنك كرّمتنا بفضلك، وبدّلتَ خوفنا أمنا. يا حيُّ! يا قيّومُ! نشهد أن نبوءة مسيحـك ومـهديك المذكورة في كتاب “الوصيـة” قد تحقّقـت مرّة أخـرى بـكل عـظـمة وجـلال. ولله الحمد.والسلام.

العبد المتواضع

عطاء المجيب راشد

سكرتير مجلس الشورى

22 نيسان 2003

(جريدة الفضل ربوة 24 نيسان 2003 ص 1)

 

أول خطاب للخليفة الخامس للمسيح الموعود

بعد تولِّيه الخلافة قام ميرزا مسرور أحمد -سلّمه ربّه- بترديد العهد المقرَّر المكتوب في قواعد انتخاب الخليفة، للخليفة المنتخَب. ثمّ بعد الشهادتين والاستعاذة تلا سورة الفاتحة، وخلال تلاوتها ردّد قوله تعالى

اهْدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم

ثلاث مرّاتٍ. ثمّ قال:

 “إن الأمر الذي فُوّض إليّ اليوم، لا أعلم عنه شيئًا. لقد سمعتم ولاحظتم علمَ ومعرفة الخليفةِ الرابع للمسيح الموعود ، ولكن هذا العبد المتواضع ليس لديه أي نوع من العلم. على كلّ حال ليس في القواعد مجال للاعتذار، لذا ليس عندي إلا أن أقبله صامتًا. وألتمس في حضرتكم، إن كنتم على يقين أن هذا العبد المتواضع يستطيع أن يؤدي هذه الفريضة وانتُخب لهذا الغرض، أن تساعدوني بالدعاء. إنني إنسان ضعيف عديم الحيلة. لا يمكن أن تستمرّ هذه الجماعة إلا بالدعاء. وفّقني الله أن أدعو لكم، وأحقق العهد الذي عُهِد إلي الآن. وألتمس من حضرتكم أن تساعدوني بالدعاء. أكرّر كلمات الخليفة الرابع للمسيح الموعود: “إنّ رقبتي الآن بيد الله مباشرة.” وفقني الله لأن أقوم بالأعمال التي يرضى بها.”

ثمّ أخذ البيعة من جميع أعضاء مجلس الانتخاب. وقبل البيعة سأل عن ميرزا عبد الحق المحترم، فأتى ووضع يده في يد أمير المؤمنين. فقال له الخليفة: “ادْعُ كثيرًا.”

ثمّ ردّد كلمات البيعة بالأردية ثم بالانكليزية. ثم قال: “تعالوا ندعُ.”

بعد أخذ البيعة شرّف الخليفة -أيده الله تعالى بنصره العزيز- أعضاءَ مجلس انتخاب الخليفة بالمصافحة والمعانقة.

ثم بعد إذن من أمير المؤمنين أيده الله تعالى أعلن سكرتيرُ مجلس انتخاب الخليفة عن انتخاب الخليفة الخامس في مكبّر الصوت. ثم فُتحت أبواب المسجد للعامة. وقبل أخذ البيعة الأولى من عامة أفراد الجماعة ألقى حضرته خطابًا وجيزًا بُثّ مباشرة عبر قناة ايم تي اى إلى كل أنحاء العالم؛ فقال بعد الشهادتين والاستعاذة وقراءة الفاتحة:

“ألتمس من أبناء الجماعة شيئًا واحدًا: في هذه الأيام رَكِّزوا على الدعاء، رَكِّزوا على الدعاء، رَكِّزوا على الدعاء، وادعوا كثيرًا، ادعوا كثيرًا، ادعوا كثيرا. أيّد الله تعالى الجماعة بنصره العزيز، وتستمرّ قافلة الجماعة إلى ازدهارها ورقيها. (آمين)” (جريدة الفضل 24 إبريل/ نيسان 2003)

بعد تولِّي الخلافة، قال الخليفة الخامس للمسيح الموعود في خطبة الجمعة بتاريخ 25 نيسان 2003 مشيرًا إلى الخليفة الراحل رحمه الله:

” أيها الراحل، كلّنا نشهد اليوم أن البشرى التي بُشّرت الجماعة بها قد تحققت حرفيًا. فهبّت الجماعة كالبنيان المرصوص لقيام الخلافة واستحكامها، وأبدت نماذج وفاء وإخلاص لا نظير لها على هذه المعمورة. يا إلهي، يا قدير، ارْعَ هذه الجماعةَ كالعادة، كما وعدتها.” (خطبة الجمعة 25 نيسان 2003 في المسجد الفضل لندن)

لقد قدّمنا في هذا المقال تاريخًا إجماليًا لظهور القدرة الثانية (الخلافة الإسلامية الأحمدية) منذ مئة عام، وانتخاب الخلفاء وفق نبوءات المسيح الموعود . إن تاريخ الخلافة الإسلامية الأحمدية منذ مئة عام ليشهد على أن يد نصرة الله كانت دائمًا مع الجماعة الإسلامية الأحمدية. إن القدرة الثانية أبدية، وستستمر هذه الخلافة على منهاج النبوة إلى يوم القيامة، إن شاء الله تعالى.

Share via
تابعونا على الفايس بوك