نصيحة بالتواصي بخواطر خمس في زمن الفتن

نصيحة بالتواصي بخواطر خمس في زمن الفتن

أسامة عبد العظيم

  • ما النصائح الخمس التي تضمنها المقال للنجاة من شر الفتن؟

___

تاريخيًّا، وتصديقًا لنبوءة النبي :

“الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً”(1)،

انتهى أمر الخلافة الراشدة الأولى باستشهاد سيدنا علي بن أبي طالب وتنازل الإمام الحسن عن الخلافة لمعاوية، وكانت تلك النهاية المأساوية مصداقًا لنبوءة من لا ينطق عن الهوى. إلا أن الأمر بخصوص الخلافة الثانية سوف لن يكون مأساويًا على الإطلاق، بل مختلفًا تمامًا، وأيضًا وفق نبوءة له  إذ قال:

“ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ النُبُوَّةٍ. ثم سكت”(2)..

وفيها دلالة واضحة على استمرارية الخلافة في الزمن الأخير، وأنه لن يكون ثمة نظام آخر يقوم مقامها إلى قيام الساعة، وهذه نقطة جديرة بالاعتبار.

ما وراء المعنى الظاهر للنبوءة النبوية

وهذا المعنى المضَمَّن في البشارة النبوية بحق الخلافة الراشدة الثانية كفيل بفضح أي محاولة للالتفاف حول نظام الخلافة إن بسوء نية أو بسوء فهم.. فمادام الله تعالى حيًّا قيومًا وقد اختار خليفته بأيدي المؤمنين.. فهو سبحانه حكيم عليم، يعلم السر وأخفى.. ويحول علمه الأزلي السابق دون ظهور أمر كان خافيًا عنه من قبل –والعياذ بالله-.. كما تحول حكمته البالغة دون الرجوع في اختياره ونقض تدبيره لجماعته ورغم ذلك الوضوح الذي ينبغي أن يعمر قلب كل مبايع للخلافة الراشدة، تبرز على السطح كل حين دعوات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب تتلخص في ادعاء ظهور مجدد أو مصلح أو حائز مقام نبوة متلحفة بلحاف من فهم خاطئ لكلمات حضرة المسيح الموعود ، ومتدثرة بدثار من رؤى وكشوف وإلهامات يظنها أصحابها من وحي الرحمن، ولو توقف الأمر عند هذا الحد لكان هينًا ولا غرابة فيه، إذ علامة الدين الحق وصال مستمر بين أبنائه وبين الله تعالى، وأمتنا خير أمة أخرجت للناس، وأنجبت آلاف الأولياء والصالحين والمحدثين على مر عصورها، لكن أن يحيد أمثال هؤلاء عن سبيل الخلافة ويناطحون من شرفه الله تعالى باختياره لقيادة جماعة المؤمنين وخلافة المسيح الموعود ، فهنا مكمن الخطر وموطن العثار والزلل.. وليس الخطر أبدًا على الخلافة الموعودة بالبقاء والاستمرارية في الأحاديث النبوية إذ لا يخلف الله وعده، وإنما الخطر على أولئك المنادين بتلك الدعاوى ومن يلتفون حولهم.. والمعصوم من عصمه الله تعالى وفيما يلي أحببت أن أقدم لإخواني الأحمديين خواطر سريعة تتعلق بأمثال هذه الفتن والموقف منها في ضوء التوجيهات النبوية الشريفة لتكون معيارًا لنا نحاجج به كل من يستدرجه الشيطان للسقوط في هوة مفارقة الخلافة الراشدة بأي حيلة من الحيل ولأي سبب من الأسباب.

الخاطرة  الأولى: تأسيًا بالنبي

آخر عبارة تضمنتها نبوءة النبي قوله: “ثم تكون خلافة على منهاج النبوة” ثم ماذا بعد؟! ثم سكت! صدق رسول الله  ووجب على أتباعه الصادقين الكمل أن يسكتوا كما سكت حضرته.. وكل متكلم بعد سكوت حضرته ناطق باللغو والعبث بلا شك، فحذار ثم حذار، إذ ليس هذا من شيم أهل الإيمان، ولا من سيماء أهل التقى والعرفان، وهل تطيب نفس أن تتكلم بعد سكوت النبي الخاتم العدنان؟! ومن أين لها بوحي يخالف وحي الصادق المصدوق حبيب الرحمن؟! ترى هل سيكون رب آخر والعياذ بالله يوحي بوحي جديد ينقض وحي الرب السابق ؟! أم هو رب واحد ينسى وحيه الأول فيوحي بعكسه ليكون وحيان متناقضان.. فتأملوا يا أصحاب النهى ولا يستفزنكم الشيطان.

الخاطرة  الثانية: إيمانا باستمرار وحي النبوة

إننا على يقين من أن باب النبوة التابعة المستفيضة لم يغلق بعد خاتم النبيين ، ولكن في الآونة الأخيرة بات هذا القول لدى البعض حقًّا يراد به باطل في كثير من الأحيان.. نعم، أمتنا خير أمة أخرجت للناس، وعلماؤها كأنبياء بني إسرائيل.. وكما بُعث في هذه الأمة المرحومة متشبهون باليهود والنصارى، فإنها بفضل الله ورحمته كانت ولا تزال وستظل زاخرة بالمنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في المقابل.. مصداقا لدعاء: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (3)، فلن تعدم أمتنا آلافا من أمثال آدم ونوح وإدريس وإبراهيم ويعقوب وإسحاق وإسماعيل ويوسف وموسى وعيسى ويحيى وإلياس عليهم السلام وغيرهم من آلاف الأرواح المطهرة الزكية. بيد أنه لكي تكتمل الصورة وتتضح وتغلق ثغرات الشياطين لابد من التقرير بأنه لا منتظر بعد المسيح الموعود المحمدي خاتم الأولياء ومؤسس جماعة الآخرين، الذي قال:

«وإنّا إذا ودّعْنا الدنيا فلا مسيحَ بعدنا إلى يوم القيامة»(4)،

ثم بعد وفاته شاء العلي الحكيم أن تتجلى قدرة الله الثانية، وأن يخلفه من بعده خلفاء راشدين على مثال الخلفاء الأولين، يختارهم المولى تبارك وتعالى بأيدي المؤمنين الصلحاء ويكتب لهم الغلبة والنصر والتقدم رغم العقبات والصعاب، وينشر بهم الدين ويبلغ دعوته على أيديهم وبسبب مجهوداتهم إلى أقصى أطراف الأرضين، ويلهمهم ويؤيدهم ويغار عليهم فلا يتركهم أسرى خطأ في الفتوى، أو زلل في الدين أو فساد روحاني دونما توجيه أو إصلاح.

 الخاطرة الثالثة: الله تعالى لا ينقض اختياره

صدق رسول الله   إذ قال: «إذا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فاقْتُلُوا الآخِرَ منهما»(5).. فالله واحد لا شريك له، وحين يختار خليفته بأيدي المؤمنين وبعد تواطؤ أدعيتهم وتزاحم تضرعاتهم في السماء حتى ينعم عليهم سبحانه باختيار خليفتهم ويسكن أفئدتهم القلقة على مستقبل جماعة المؤمنين.. فليس من الحكمة بحال أن ينقض نظامه الرباني ويرجع في اختياره ليدفع ثلة أخرى منهم لاختيار خليفة مغاير يتولى زمام الإصلاح وينازع الخليفة القائم. وجدير بالذكر أن القتل الموصى به في حديث النبي ليس كما قد يظن الحرفيون بأنه الإجهاز على الخصم وإزهاق روحه، إنما هو كما قال أحد السلف: «اقتلوا الباطل بعدم ذكره».

فلنكن خلف إمامنا كما الإبل الرواحل الطيبة تتناغم خطواتنا خلف خطوته ويتبع سيرنا سيره لنكون حقًّا مثالًا للمسلم الحقيقي ونتشرف بالانتساب لجماعة الآخرين.

الخاطرة الرابعة: وحي الله كاشف ما في الصدور

إن مثل وحي الله كمثل غيث نافع ينزل من السماء فلا تنتفع به سوى أرض خاشعة هبطت من خشية الله ولم تعرف للشموخ أو العلو سبيلًا.. ولأجل ذلك اختار الله تعالى آدم لينال بفضله ورحمته مقام الخلافة في الأرض.. فآدم من طين والطين إلى الأرض أقرب وأكثر التصاقا.. بينما لم يحظ إبليس بذلك المقام لأنه كان من النار والنار نحو العلو والارتفاع تجنح.. لقد طاش فهم إبليس لمقام الاستحقاق، فظن أن الأكثر علوًا هو بالضرورة الأكثر استحقاقًا، وحكى القرآن المشهد:

قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (6).

ولم يدر المسكين أن العلو ورؤية النفس من أشد موانع الاستفاضة بفيوض السماء الروحانية تمامًا  كما هو مانع للأرض المادية من الاستفاضة بفيوض الغيث المادي النازل من السماء وهكذا سرت دعوى «أنا خير منه» تتردد أصداؤها الإبليسية عبر الزمان والمكان لتكون شعارًا ظاهرًا أو خفيًّا لكل من يعارض خليفة الله في الأرض سواء كان ذلك الخليفة نبيًّا أو خليفة نبي.

 

الخاطرة الخامسة: إنما جعل الإمام ليؤتم به

من الخطأ الجسيم أن يتسرع بعضنا ليدلي بدلوه في أية قضية سلبًا أو إيجابًا قبل عرضها على أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز.. فالله تعالى يؤيده ويهديه بفضله للقرار الأصوب على الدوام.. فلماذا نخاطر ونتعجل القول قبل قول الإمام.. إن هي إلا ثوائر نفسية بايعنا الله تعالى على ألا ندعها تغلبنا.. ولنتذكر دومًا قول الحبيب محمد حين حذَّر من يتعجل رفع رأسه قبل إمامه في الركوع:

«إنّما الإمام ليُؤتَمَّ به، فإذا كَبَّر فكبِّروا، ولا تكبِّروا حتى يُكبِّر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا قبل أن يركَع، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجُد»(7).

وفي حديث رواه الجماعة:

“أما يَخشَى أحدُكم إذا رفع رأسَه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسَه رأسَ حِمارٍ، أو يحوِّل الله صورته صورة حمار”(8)..

وإذا كان ذلك الوعيد الشديد لمن يتقدم على إمامه بحركة لحظية يعلم يقينًا أنه سيؤديها.. فما بالنا بمن يتقدم على إمامه بقول أو رأي أو قرار في مسائل عويصة وقضايا تمس الواقع المحيط، أدعو نفسي وإخواني للتمثل بقول الله تعالى

أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ..

فلنكن خلف إمامنا كما الإبل الرواحل الطيبة تتناغم خطواتنا خلف خطوته ويتبع سيرنا سيره لنكون حقًّا مثالًا للمسلم الحقيقي ونتشرف بالانتساب لجماعة الآخرين.

تلك  الخواطر الخمس كانت نَصِيحَةً لنفسي ولمن أحب، لعلنا نتواصى بها في زَمَنِ الفِتَنِ، وقانا الله تعالى شرها، ما ظهر منها وما بطن.

الهوامش:

  1. سنن الترمذي, كتاب الفتن عن رسول الله
  2. مشكاة المصابيح
  3. (الفاتحة: 6-7)
  4. حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، «إعجاز المسيح»، ص 71
  5. رواه مسلم
  6. (الأَعراف: 13)
  7. رواه أحمد وأبو داود
  8. رواه الجماعة.. وهو مصطلح يستخدم في كتب الحديث النبوي للإشارة إلى أن الحديث رواه أصحاب الكتب الستة البخاري ومسلم في الصحيحين والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود في سننهم، بالإضافة إلى أحمد بن حنبل في مسنده
Share via
تابعونا على الفايس بوك