عند كل فتنة.. فتش عن قتلة عثمان

عند كل فتنة.. فتش عن قتلة عثمان

سامح مصطفى

كاتب وشاعر
  • ما الانقلابان اللذان يُحدثهما الاصطفاء الرباني للخلفاء؟
  • ما موقف الشيطان إزاء هذا الاصطفاء؟
  • كيف ينبغي لنا مقاومة موقف الشيطان وأتباعه؟
  • كيف تفيد دراسة أحداث التاريخ في مجابهة الفتن؟
  • ما كنه احتناك الشيطان لذرية آدم؟ وكيف أن هذا الاحتناك له مظاهر تاريخية عديدة؟
  • ما ماهية التفتيش عن قتلة عثمان؟

__

انقلابان عجيبان

لا تحدثني عن أتباعك ومريديك، ولكن حدثني عن مبغضيك، فإن لم يكن لك مبغضون، فلست بشيء يُذكر! لقد اعتدنا سماع أقوال من قبيل أن المرء كلما ينجح يكثر حاسدوه، والحق أن هذا القول تؤكده شتى المشاهدِ في حياتنا اليومية، بل إنه ليصدق كذلك على تفاصيل العالم الروحاني..

ومن أحداث التاريخ المفصلية ما يتأكد منه قولنا السالف، بما يُثبت أن ثمة قانونا جاريا وسنة ثابتة تحرك الأمر برمته، إنها سنة بعث النبيين وإقامة الخلفاء الربانيين في سبيل إقامة ملكوت الله تعالى على الأرض. وطالما كانت قضية سنة الله تعالى في إقامة الخلفاء هي محور ارتكازنا في مقالات خلت، وهذا المقال نرتكز فيه على المحور ذاته، وإن كنا سندور في فَلَكٍ موازٍ، نتحدث فيه عن الدور الشيطاني القديم في مجابهة مشروع الخلافة الربانية العظيم، ذلك الدور المُعَبَّرِ عنه في كتاب الله بـ «تسوُّر المحراب»، وقصة تسور المحراب لا يكاد يجهلها مسلم قارئ للقرآن، دارت أحداثها على نحو واقعي زمن حضرة نبي الله داود  الذي خاطبه الله تعالى بقوله:

يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ (1).

فخلفاء الله تعالى في الأرض، والمتمثلون في أنبيائه ومن يخلفونهم، يظلون موضع التكريم من أهليهم المحيطين، حتى يأتي وقت يطلع فيه نجمهم بإذن ربهم، فتنقلب الحال، ومن كان مُكرمًا في قومه بالأمس، يُمسي ملعونًا منهم اليوم، والأمثلة على ذلك كثيرة، وهي ليست مجرد أمثلة لحوادث تاريخية عابرة، بل هي سنن ثابتة، وإلا فما الداعي لأن يقصها علينا القرآن المجيد؟! أليس هذا لأجل استقاء العبرة؟! يقول تعالى:

قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا (2).

فإشراق خليفة الله بنور ربه يقلب على حضرته الأوضاع، ويثير ضده كثيرًا من الجلبة، لا سيما وأنه إلى وقت قريب كانت تزدريه أعين الناس، ولا يكاد يلتفت إليه أحد، أما وقد حظي باصطفاء الله تعالى، فقد التفتت إليه أنظار الحاقدين. نحن إذن أمام انقلاب عجيب، من حال هدوء وخمول يعيشها ذلك الإنسان الكامل في نظر الله تعالى، حتى من قبل أن يُدرك ذلك الإنسان الكامل نفسه حقيقة كماله، إلى حال مقاساة العداوة والبغضاء ممن كانوا يبدون بالأمس علية القوم.

وفي مقابل ذلك الانقلاب المبارك الذي تشهده أرض خليفة الله إذ تُشرِق بنور ربها، ثمة انقلاب آخر معاكس، إنه انقلاب يتمثل في ظهور حقيقة أصحاب الطوية الخبيثة بمجرد حدوث الاصطفاء الرباني، والعجيب في أمر هذا الانقلاب أن أصحابه أنفسهم لا يكونون على علم بخبث طويتهم قبله، بل كانوا في نظر أنفسهم ومن يحيطون بهم عبادًا زُهادًا، تمامًا كإبليس الذي كان، قبل حلول لعنة الله عليه، يوصف بطاووس الملائكة، وهذا المشهد المعروف أيضًا يقص الله تعالى علينا من خلاله سنته المتلخصة في الانقلاب الإبليسي، يقول تعالى حكاية عن ذلك الموقف:

قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (3).

اليقظة للتحرك الشيطاني بقراءة التاريخ ودراسة السنن

من مظاهر عظمة القرآن، أنباؤه المسبقة عن حوادث مُستقبلية لها نظائر في الأزمان الخالية، لهذا السبب يروق لنا أن ننظر إلى ذلك الكتاب الحكيم بوصفه كتاب سنن كونية.. والسنن قوانين لا تتغير ولا تتبدل، وإنما تتكرر، ولأن الخطأ من طبيعة الإنسان، حتى إذا ما وقع فيه ندم والتمس فرصة جديدة، فقد أرسى الله تعالى في الكون سنة تكرار أحداث التاريخ المفصلية، ومن نِعَمه سبحانه وتعالى علينا أن علمنا تلك السنن تاركًا لنا الاختيار ما بين السير عليها أو إهمالها، ومن ثم علينا تحمل َتبِعَاتِ اختيارنا..

فإشراق خليفة الله بنور ربه يقلب على حضرته الأوضاع، ويثير ضده كثيرًا من الجلبة، لا سيما وأنه إلى وقت قريب كانت تزدريه أعين الناس، ولا يكاد يلتفت إليه أحد، أما وقد حظي باصطفاء الله تعالى، فقد التفتت إليه أنظار الحاقدين. نحن إذن أمام انقلاب عجيب، من حال هدوء وخمول يعيشها ذلك الإنسان الكامل في نظر الله تعالى، حتى من قبل أن يُدرك ذلك الإنسان الكامل نفسه حقيقة كماله، إلى حال مقاساة العداوة والبغضاء ممن كانوا يبدون بالأمس علية القوم.

ولأن الإنسان بطبيعته يشعر بالاضطراب إزاء الملمات، فقد شاء الله تعالى أن يُثَبِّتَهُ مقابلها بتعليم السنن الجارية في الكون، وفي إشارة إلى هذا المعنى أجاب حضرة خليفة المسيح الخامس نصره الله مطمئنًا جيل الشباب إزاء الفتن التي تحل بالجماعة بين الفينة والفينة فقال حضرته ما تعريبه:

«تبقى جماعات الله تعالى في رباط على الدوام، يشعر البعض من جيل الشباب بالقلق والاضطراب، بينما أولئك الذين مرَّنتهم صعاب مماثلة في الماضي، أو الذين درسوا ولو نزرًا يسيرًا من التاريخ لا يضطربون بإزاء مثل هذه الفتن. في مثل هذه المعركة، يجب على المرء أن يظل يقظًا بدلاً من القلق»(4)..

إن حضرة الخليفة الخامس للمسيح الموعود أراد من خلال نصيحته لنا أن نتنبه لمسألة تكرار السنن عبر التاريخ، ومن هذه السنن تلك الفتن التي تهز أغصان جماعة المؤمنين فَتُسقط منها الأوراق اليابسة.

ومشاهد القصص القرآني من أبرز المواضع التي تتبين من خلالها السنن الربانية، والجديرة بالتذكار والاعتبار، بحيث نربط بينها وبين أحداث الساعة الراهنة، يقول تعالى جل شأنه:

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (5).

ومن نماذج ذلك القصص المشحون بالعبر، ما كان مع حضرة داود من مؤامرة اغتياله الفاشلة، وهي المؤامرة الشيطانية المُعَبَّر عنها في كتاب الله بـ «تسوُّر المحراب»، والتي لا يكاد يجهلها مسلم قارئ للقرآن، فقد تسورت طائفة من المفسدين المحراب بغية التخلص من خليفة ذلك الوقت (حضرة داود في مخطط خبيث تفطن إليه حضرة داود لاحقًا، وقد كانت دعوى المفسدين، وقتئذ وكل وقت، تتلخص في ادعائهم السعي للحكم بالحق والإصلاح بين المختصمين ورد الحق لأصحابه، بينما هم يضمرون الكيد والفساد.. لقد سجَّل التنزيل الحكيم دعواهم عليهم في قوله:

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (6).

لم يقصص القرآن علينا هذه الواقعة لنصفق في نهاية المشهد لنجاة حضرة داود ، وإنما لنأخذ حِذْرنا من مخطط خبيث يُكاد في المستقبل، ويهدف إلى الغاية الخبيثة ذاتها، أي التخلص من مقام الخلافة.. لقد تكرر المخطط البغيض نفسه بعد حوالي سبعة عشر قرنا، وبطبيعة الحال تغير الأشخاص المتسورون ووقود الفتنة، كما تغير شخص الخليفة، والذي أصبح عثمان بن عفان ذا النورين (7).

فيبدو من استماتة دعاة الفتن في كل العصور أن الشيطان ما زال بارَّا بقسمه، إذ أقسم على إضلال الناس، بحسب ما ورد عنه في القرآن:

قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (8)،

أفلا يحيلنا ذلك المشهد إلى النقطة الأولى التي تفجرت عندها الأحداث، حين أعلن الله تعالى إقامة خليفة في الأرض، وكان ذلك الخليفة من ازدرته عين إبليس واستخفت به واستصغرت شأنه بدعوى أنه، أي آدم عصره، متواضع المواهب والمؤهلات؟!

الشيطان واحتناك الذرية

لا بد أن كل من قرأ القرآن متأملًا في آياته كان يتساءل عن دوافع الشيطان إذ تجاسر وقال:

«أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»،

فكيف يا ترى سولت للشيطان نفسه أنه خير ممن يصطفيه الله تعالى؟! الأجوبة المحتملة على هذا السؤال كثيرة، ويبدو أن كلها صحيح، وفي إبهام دوافع التجاسر الشيطانية في النص القرآني حكمة بالغة، بل إن في هذا الإبهام عين البيان! ولو كان الدافع واحدًا لذكره القرآن حتمًا، فمما قد يُسوِّل للمرء أنه خير من أخيه أن يرى الأول في نفسه مثلًا أنه ذو حسب ونسب، أو ذو مال، أو ذو قدرة عقلية أو أو قوة جسدية، أو ذو مكانة علمية، فيبدو أنه قبل موقف الاصطفاء الرباني للخليفة كان الشيطان حائزًا على إحدى هذه المزايا أو بعضها أو جميعها، الأمر الذي تقدمه عبارة «أنا خير منه» الموجزة أبلغ تقديم.. ثم في مشهد آخر من مشاهد ذلك الموقف المهيب، يتجاسر الشيطان مرة أخرى، وفي تجاسره هذه المرة يبدو لنا من حقده على ذرية آدم أنه أيضًا ذرية من نسب شريف! يقول تعالى حكاية للموقف:

قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (9).

والاحتناك الذي آل الشيطان على نفسه أن يفعله مع ذرية آدم هو التسخير والترويض، و«في حَدِيثِ عُمَر:

«حَنَّكَتْكَ الأُمورُ»: أي راضَتْك، وكَذَلِك: أَحْنَكَك وحَنَكك، من قولهم: حَنك الفَرَسَ يَحنُكه، إذا جَعَل في حَنَكه الأَسْفَلِ حَبلاً يَقُودُه به فاحْتَنَك»(10).

وهذا الاحتناك هو أيضًا سنة تتكرر باستمرار، وإلا لما استحق أن يَذْكُرَه السياق القرآني لِيُذَكِّرَنا به، وقد تكرر بالفعل غير مرة، فمن مشاهد احتناك الشيطان ذرية خليفة الله في الأرض، ما كان من تورط محمد بن أبي بكر في فتنة قتل حضرة عثمان .

ولا تكف عجلة سنة تكرار أحداث التاريخ عن الدوران، ويتكرر المشهد بحذافيره، مع جماعة المؤمنين الثانية ويحتنك الشيطان ذرية الخليفة الأول مولانا نور الدين القرشي ، ليكونوا وقودًا للفتنة ضد الخليفة الثاني حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد ، فقد كانوا يرون أنهم أحق بالملك منه، ذلك لأنهم حسبوا الخلافة ملكًا دنيويًا يتوارثه أولاد الدم، بينما هي ملك روحاني لا يتوارثه سوى الأبناء الروحانيين. وهل أدل على أن النسب المادي لا يغني عن العبد شيئًا ما لم يدعمه بعمل صالح، من قول خاتم النبيين :

«مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»(11)؟!

ولكن يا للأسف! فهؤلاء الذين استهوتهم الشياطين سقطوا في هوة الفتنة السحيقة، ولم يفقهوا كتاب السنن، فاحتنكهم الشيطان كما احتنك محمد بن أبي بكر من قبل إذ خرج مع الخارجين على حضرة عثمان ذي النورين في أحداث الفتنة الكبرى، وها قد تكرر مَثَلُ هذا البائس في أشخاص بعض أولاد مولانا نور الدين القرشي الخليفة الأول للمسيح الموعود ، حين استواهم قول بعض المنافقين ممن شقوا عصا الطاعة وفسقوا عن أمر الخلافة وكونوا ما أسموه بـ  “أنجمن إشاعة إسلام أحمدية “بلاهور، فصاروا يُعرفون باللاهوريين، إذ توجهوا إلى أرملة الخليفة الأول زاعمين أنْ لو ترشح ابنها «عبد الحي» للخلافة خَلَفا لأبيه لبايعوه من فورهم، علما أن هؤلاء المنافقين كانوا هم أصلا ضد نظام الخلافة!(12)

ويتكرر المشهد بحذافيره، مع جماعة المؤمنين الثانية ويحتنك الشيطان ذرية الخليفة الأول مولانا نور الدين القرشي ، ليكونوا وقودًا للفتنة ضد الخليفة الثاني حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد ، فقد كانوا يرون أنهم أحق بالملك منه، ذلك لأنهم حسبوا الخلافة ملكًا دنيويًا يتوارثه أولاد الدم، بينما هي ملك روحاني لا يتوارثه سوى الأبناء الروحانيين.

سُنة أخرى جديرة بالانتباه

إن النظر في القاسم المشترك بين جميع الفتن التي عرضنا لها بالإشارة في هذه السطور، نخرج منه بنتيجة هامة مفادها أن الفتن جميعها تنشأ وتضرب جماعة المؤمنين من الداخل، أولم نلاحظ أن الخصمين اللذَيْنِ كادا لقتل داود وتسورا عليه المحراب كانوا من رعيته؟! ومن قتلوا حضرة ذي النورين ، أولم يكونوا يقولون أنهم مسلمون؟! ومن اشتركوا في الفتنة ضد الخليفة الثاني للمسيح الموعود، أولم يكونوا من أولاد خليفة سابق؟! لقد احتنك اللاهوريون ذرية سيدنا نور الدين عدا نجله الأكبر والأرشد، عبد الحي فقد ظل على عهد الولاء لنظام الخلافة، ثم قيَّض الله تعالى لذرية سيدنا نور الدين المتأخرة أن ترجع إلى استقلال سفينة الخلافة، بمساعي عبد الواسع عمر، حفيد الخليفة الأول، وما زالوا على عهد البيعة والولاء إلى يومنا هذا (13)، ليكون في هذا درس لنا نحن، مفاده أن النسب لا يُعتد به ما لم يصحبه عمل تضـاهي رفعته رفعة ذلك النسب.

ماهية «التفتيش عن قتلة عثمان»

ربما يرى بعض القراء أن عنوان المقال فيه شيء من الغموض الذي لم تفلح الفقرات السابقة في إيضاحه، فالآن أركز عليه بغية الإيضاح. إن قتلة عثمان لم يكونوا يهدفون إلى مجرد التخلص من شخصه الكريم ، بل كان النيل من مقام الخلافة غايتهم، ولأن

الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ (14)،

فإن الغاية الخبيثة تعكس الفكرة الخبيثة لهؤلاء الخبثاء عن الخلافة، وفي عصرنا الحديث، فإن من كنا نحسبهم من أهل الحل والعقد، كان مجرد خروجهم من ربقة نظام البيعة وتأسيس «أنجمن إشاعة الإسلام بلاهور» معناه أنهم لا يؤمنون أصلا بأن الله تعالى هو من يختار الخليفة.

عجبًا! إن مجرد استواء فكرة أن الله تعالى هو بنفسه يختار الخليفة بيد جماعة المؤمنين، من شأنه أن يجنب الجماعات الإيمانية ويلات الفتن، ولو كان الأولون استوعبوا هذه الفكرة قبل أربعة عشر قرنًا، لما قُتِلَ عثمانُ وعليُّ، ولما خرج اللاهوريون على حضرة الخليفة الثاني ، ولما نشبت الفتن بأشكالها الشوهاء ودرجات لونها السوداء في داخل جماعة المؤمنين. ولكن على أية حال، فالضربة التي لا تقصم الظهر تُقويه، وكذلك الفتن، جعلها الله تعالى سبب رقي للجماعة، فكما قدَّر الله تعالى إصابة الأجساد بعدوى جرثومية أحيانًا ليكسبها مناعة ضد عدوى أعتى وأشد، فكذلك الفتن جُعِلت سببًا لتقوية الجماعة من الداخل، ولا ننس حادث الإفك، إذ يقول تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنـــَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُــبِينٌ (15)

الهوامش:

  1. (ص: 27)
  2. (هود: 63)
  3. (ص: 76-77)
  4. “On such a battleground, one must stay alert”, Al-Hakam Mgazine 31 Jan 22

5. (يوسف: 112 )

6. (ص: 22-23)

7. انظر: افتتاحية مجلة التقوى بعنوان: «لماذا لا يكفون عن تسور المحراب؟!»، لعدد شهر مايو 2021

8. (ص: 83)

9. (الإسراء: 63-64)

10 أبو موسى المديني، المجموع المغيث في غريب القرآن والحديث، مادة «ح ن ك».

11. سنن الترمذي، كتاب القراءات عن رسول الله

12. مرزا بشير الدين محمود أحمد، أنوار العلوم، المجلد 26، ص 7

13. Romaan Basit “An unfortunate story of pride and prejudice” Al-Hakam Newspaper 6 Feb 2022

14. (النور: 27)

15. (النور: 12-13)

Share via
تابعونا على الفايس بوك