الصديق رضي الله عنه ومشاهد مثيرة من جهاديه الأصغر والأكبر

الصديق رضي الله عنه ومشاهد مثيرة من جهاديه الأصغر والأكبر

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • ماذا فعل أبو بكر يا ترى بعد انكشاف غمة الإفك؟!
  • أي درس نستفيد من خلق الصديق، إذ ظل يُكرم من تورطوا في إيذائه؟!
  • هل يُعد نقض الوعيد خلق من أخلاق الإسلام حقا؟!

___

نحن بصدد ذكــر أبي بكر ، وسيسـتمر اليوم أيضًا.

غزوة حمراء الأسد

ورد عنها أن رسول الله رجع من أُحد، يوم السبت. فلما طلع الفجر من يوم الأحد أذَّن بلال، وجلس ينتظر خروج النبي ، فأتى عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يطلب النبي ، فلما خرج قام إليه وأخبره أنه أقبل من أهله، حتى إذا كان بملل إذا قريش قد نزلوا بها (وهو موضع على بُعد ثمانية وعشرين ميلًا من المدينة) فسمع أبا سفيان وأصحابه يقولون: ما صنعتم شيئًا، أصبتم شوكة القوم وحدهم ثم تركتموهم ولم تبيدوهم، فقد بقي فيهم رؤوس يجمعون لكم، فارجعوا نستأصل من بقي. وصفوان بن أمية يأبى ذلك عليهم، (أي أنه كان أيضا جالسًا في الكفار فبدأ يمنعهم من هذا)  ويقول: يا قوم، لا تفعلوا فإن القوم قد حربوا وأخاف أن يجتمع عليكم من تخلف من الخروج، فارجعوا والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم.

ودعا رسول الله أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فذكر لهما ما أخبره به المزني، فقالا: يا رسول الله، اطلب العدو، ولا يقحمون على الذرية. فلما انصرف رسول الله من الصبح ندب الناس، وأمر بلالًا أن ينادي: أن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس (أي من كان موجودًا في الحرب بأحد). ودعا رسول الله بلوائه، وهو معقود لم يحل من الأمس، فدفعـه إلى عـلي بن أبــي طالــب، ويقـال: دفعـه إلى أبـي بـكر الصـديق.

على أية حال، لما بلغ جيش المسلمين حمراء الأسد التي تقع على بعد ثمانية أميال من المدينة أوجس المشركون خيفة وتوجهوا نحو مكة تاركين توجههم إلى المدينة.

غزوة بني النضير

كانت تلك الغزوة في السنة الرابعة للهجرة. لقد خرج النبي إلى بني النضير مع جماعة صغيرة. وهناك روايات كثيرة عن سبب خروج النبي إليهم. وورد في إحداها أنه ذهب لأخذ دِيَّة الرجلين من بني عامر. وكان معه قرابة عشرة من أصحابه، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، فلما تكلم معهم قالوا له: نعم يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك، وكان جالسًا إلى جنب جدار من بيوتهم، فخلا بعضهم ببعض وقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة، فمن رجل يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فقال أحد ساداتهم وهو عمرو بن جحاش: أنا لذلك. خالَفَهم زعيمُهم الآخر سلام بن مشكم وقال: لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به، إنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه، فلما صعد ذلك الرجل ليلقي الصخرة أتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام رسول الله مُظهرًا أنه يقضي حاجته، وترك أصحابه في مجالسهم ورجع مسرعًا إلى المدينة. وبعد وصوله أرسل إليهم محمد بن مسلمة أن أُخرجوا من بلدي يعني المدينة، فلا تساكنوني بها، فقد هممتم بما هممتم به من الغدر. لقد أجّلهم النبي عشرًا، فأبوا، وقالوا لن نترك أرضنا، فتهيأ الناس لحربهم. فلما اجتمع الناس خرج رسول الله لمواجهة بني النضير. حمل عليٌ راية الحرب، حاصر النبي حصونهم ولم يأت أحد لمساعدتهم.

ولما جاء وقت العشاء رجع رسول الله إلى بيته في عشرة من أصحابه، واستعمل على العسكر علي بن أبي طالب ويقال أبا بكر رضي الله عنهما. ولزم رسول الله حصارهم، وقذف الله في قلوب اليهود الرعب، فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة أي آلة الحرب فقَبِل .

وفي رواية حاصرهم النبي خمسة عشر يومًا، كما ورد في روايات أخرى اختلاف في تعداد أيام المحاصرة. لقد وزع النبي على المهاجرين جميع الغنائم من غزوة بني النضير بعد إذن الأنصار، فقال أبو بكر: جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا.

إننا قد قبلنا تحدي الكفار ووعدناهم موعدًا ولا نستطيع أن نتخلف عنه، فإذا كنتم تخافون فاعلموا أنني لأخرجنّ وإن لم يخرج معي أحد، وأواجه العدو وحدي. حين سمع الناس هذا الكلام زال عنهم الخوف واستعدّوا للخروج معه بكل حماس وإخلاص.

 

غزوة بدر الصفراء الموعد

هذه الغزوة وقعت في العام الرابع من الهجرة، وسببها أن أبا سفيان بن حرب لما أراد أن ينصرف يوم أُحد نادى بصوت عال: موعدٌ ما بيننا وبينكم بدر الصفراء، فنقتتل. فقال رسول الله لعمر بن الخطاب: قل له: نعم إن شاء الله، فافترق الناس على ذلك، ورجعت قريش فأُخبِروا من قبلهم بالموعد.

فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروجَ إلى رسول الله ، وأحب ألا يوافي رسول الله الموعد، وكان أبو سفيان يظهر أنه يريد أن يغزو رسول الله في جمع كثيف، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع، وتسير في العرب، فيهاب المسلمون ذلك.

وفي رواية جاء إلى رسول الله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقالا: يا رسول الله إن الله تعالى مُظهر دينه، ومُعز نبيه، وقد وعدنا القوم موعدًا لا نحب أن نتخلف عنه (أي سيرى الكفار ذلك جبنًا، فسِر أنت بحسب وعد الله تعالى) فوالله إن في ذلك لخيرا، فسُرَّ رسول الله بذلك، وجعل عبد الله بن رواحة أميرًا على المدينة بعده . وفي رواية أنه جعل عبد الله بن عبد الله بن أُبي بن سلول أميرًا عليها وسلّم الراية عليًّا وانطلق مع ألف وخمسمائة من المسلمين إلى بدر. قام المسلمون بالبيع والشراء في سوق في بدر، وربحوا كثيرًا في هذه التجارة. وأقاموا هناك ثمانية أيام ثم عادوا إلى المدينة. لقد قام المسلمون بالتجارة في السوق المذكورة واضعين في الحسبان أن الحرب ناشبة على أية حال، وإن لم تنشب فلا بأس في التجارة وربحوا كثيرًا في هذه التجارة. وبيان ذلك بحسب ما ذكر حضرة مرزا بشير أحمد أنه لما انصرف أبو سفيان يوم أُحد تحدى المسلمين فقال: موعدٌ بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول، نلتقي فيه فنقتتل. (كانت بدر الصفراء ماء مشهورًا بين مكة والمدينة أي بين وادي صفراء وجار، وعلى بعد 150 كيلومترًا من المدينة، وكان في الجاهلية سوقًا تقام لهلال ذي القعدة إلى ثمان ليال).

فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروجَ إلى رسول الله ، وأحب ألا يوافي رسول الله الموعد، وكان أبو سفيان يظهر أنه يريد أن يغزو رسول الله في جمع كثيف، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع، وتسير في العرب، فيهاب المسلمون ذلك.

وفي رواية جاء إلى رسول الله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقالا: يا رسول الله إن الله تعالى مُظهر دينه، ومُعز نبيه، وقد وعدنا القوم موعدا لا نحب أن نتخلف عنه (أي سيرى الكفار ذلك هذا جبنًا، فسِر أنت بحسب وعد الله تعالى) فوالله إن في ذلك لخيرا، فسُرَّ رسول الله بذلك. أي عندما علم أن أبا سفيان وغيره يعُدّون جيشا جعل عبد الله بن رواحة أميرا على المدينة بعده . وفي رواية أنه جعل عبد الله بن عبد الله بن أُبي بن سلول أميرا عليها وسلّم الراية عليًّا وانطلق مع ألف وخمسمائة من المسلمين إلى بدر. قام المسلمون بالبيع والشراء في سوق في بدر، وربحوا كثيرا في هذه التجارة. أقاموا هنالك ثمانية أيام ثم عادوا إلى المدينة. لقد قام المسلمون بالتجارة في السوق المذكورة واضعين في الحسبان أن الحرب ناشبة على أية حال، وإن لم تنشب فلا بأس في التجارة وربحوا كثيرا في هذه التجارة. وبيان ذلك كما ذكره حضرة مرزا بشير أحمد : لما انصرف أبو سفيان يوم أُحد تحدى المسلمين فقال: موعدٌ بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول، نلتقي فيه فنقتتل.

وقبِل النبي هذا التحدي. فخرج النبي في العام الرابع للهجرة في أواخر شهر شوال مع جماعة من ألف وخمسمائة صحابي، واستخلف في المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي. وفي جهة أخرى خرج أبو سفيان بن حرب مع جيش قريش في ألفي جندي، ولكن رغم انتصاره في أحد وجيشِه الكبير كان قلبه خائفًا، ومع أنه كان يسعى للقضاء على الإسلام ولكنه ما كان يريد مواجهة المسلمين ما لم يجمع عددًا كبيرًا من الجيش. كان في مكة إذ أرسل إلى المدينة شخص اسمه نعيم وهو من قبيلة محايدة، وأوصاه بأن يُرهب المسلمين ويُلقي عليهم كلامًا مموهًا كاذبًا ويمنعهم من الخروج للحرب كيفما أمكن. فجاء هذا الشخص إلى المدينة وحكى في المدينة حكايات كاذبة عن تحضير قريش للحرب وعن قوّتهم وحماسهم وأحدث قلقًا في المدينة حتى خاف بعض ضعيفي الطبع من الخروج، ولكن حين دعا إلى الخروج وقال في خطابه: إننا قد قبلنا تحدي الكفار ووعدناهم موعدًا ولا نستطيع أن نتخلف عنه، فإذا كنتم تخافون فاعلموا أنني لأخرجنّ وإن لم يخرج معي أحد، وأواجه العدو وحدي. حين سمع الناس هذا الكلام زال عنهم الخوف واستعدّوا للخروج معه بكل حماس وإخلاص.

خرج النبي من المدينة في ألف وخمسمائة من أصحابه وخرج أبو سفيان من مكة في ألفَي جندي، ولكن شاء قدر الله أن وصل المسلمون إلى بدر حسب وعدهم ولكن جيش قريش عاد إلى مكة بعد قطع مسافة وجيزة. وتفصيله أن أبا سفيان حين علم بفشل نعيم في مهمته، وقع الخوف في قلبه وعاد مع جيشه من الطريق قائلًا: هذا عام جدب، والناس في ضيق شديد ولا يصلح فيه القتال، وسوف نهاجم المدينة بعدة وعتاد أكثر في عام خصب. أقام جيش المسلمين في بدر ثمانية أيامٍ. كانت السوق تقام هناك في أوائل ذي القعدة، فأقاموا ثمانية أيامٍ والسوق قائمة، فربحوا بالتجارة كثيرًا وجعلوا رأسمالهم ضعفَين بسبب التجارة في ثمانية أيام. فلما انتهت السوق ولم يأت جيش قريش، عاد النبي من بدر ووصل المدينة، وعادت قريش إلى مكة وبدؤوا يعدون العدة لغزو المدينة.

غزوة بني المصطلق

وقعت في السنة الخامسة للهجرة وتسمى غزوة المريسيع أيضًا، بنو المصطلق بطن من قبيلة خزاعة. وكانوا يقيمون عند بئر يُدعى المريسيع، وكانت تبعد عن الفروع مسافة يوم وكانت بين الفروع والمدينة 96 ميلًا. وعند العلامة ابن إسحاق حدثت غزوة بني المصطلق في السنة السادسة للهجرة وعند موسى بن عقبة في السنة الرابعة للهجرة، وعند الواقدي في شعبان من العام الخامس للهجرة. وهذا ما كتبه مرزا بشير أحمد أيضا. على أية حال، حين بلغ رسول الله أن بني المصطلق ينوون الهجوم على المسلمين خرج إليهم مع سبعمائة شخص في شعبان من العام الخامس للهجرة، وأعطى راية المهاجرين أبا بكر وبحسب رواية أخرى أنه أعطاها عمار بن ياسر ورايةَ الأنصارِ سعدَ بن عبادة .

«لقد جعل الله تعالى من أخلاقه أنه يزيل نبوءات الوعيد بالصدقة والتوبة والاستغفار، كذلك علّم الإنسان أيضًا الأخلاق نفسها، كما يثبت من القرآن الكريم والحديث الشريف أن التهمة التي ألصقها المنافقون بالسيدة عائشة رضي الله عنها بمحض خبث طويتهم اشترك فيها بعض الصحابة البسطاء أيضًا. وكان منهم صحابي كان يأكل على مائدة أبي بكر صباح مساء. فحلف أبو بكر على ألا ينفق على هذا الصحابي بسبب ما صدر منه من خطأ

حادثة الإفك

تفصيل حادثة الإفك أن عند العودة من غزوة بني المصطلق افترى المنافقون على السيدة عائشة بنت أبي بكر فرية، وهذه الواقعة معروفة في التاريخ بواقعة الإفك. وردت فيها رواية للسيدة عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري)، وقد ذكرتها في معرض حديثى عن سيرة صحابي آخر ولكن من الضروري التطرق إليها هنا في معرض ذكر سيرة أبي بكر أيضًا.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ مَعَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ بَعْدَمَا نَزَلَ الْحِجَابُ فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدْ انْقَطَعَ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ إِنَّمَا تَأْكُلُ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِر الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ.وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَوَاللهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ.وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْإِفْكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ. فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ اللُطَفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ فَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ وَمَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي.فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ تَعْنِي سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا. قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ، مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللهِ أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِن الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهْلَكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ يُضَيِّقْ اللهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَإِنْ تَسْأَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ بَرِيرَةَ فَقَالَ: أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ قَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ.فَقَامَ رَسُولُ اللهِ فَاسْتَعْذَرَ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فَتَثَاوَرَ الْـحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللهِ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ.قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ: فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَلَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي.قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قَالَتْ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللهِ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ فِيمَا قَالَ، قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ . فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ ، قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ ، قَالَتْ: فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ .قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي قَالَتْ وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا قَالَتْ فَوَاللهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَتْ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ فَقَالَتْ أُمِّي قُومِي إِلَيْهِ قَالَتْ فَقُلْتُ لَا وَاللهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ]إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ *وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * (النور 21-12).فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : بَلَى وَاللهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ: يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا. قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ. (1)

تعليم نقض الوعيد، لا الوعد، كخُلُق من أخلاق الإسلام

وعلى هامش الحديث عن حادثة الإفك، قال المسيح الموعود : «لقد جعل الله تعالى من أخلاقه أنه يزيل نبوءات الوعيد بالصدقة والتوبة والاستغفار، كذلك علّم الإنسان أيضًا الأخلاق نفسها، كما يثبت من القرآن الكريم والحديث الشريف أن التهمة التي ألصقها المنافقون بالسيدة عائشة رضي الله عنها بمحض خبث طويتهم اشترك فيها بعض الصحابة البسطاء أيضًا. وكان منهم صحابي كان يأكل على مائدة أبي بكر صباح مساء. فحلف أبو بكر على ألا ينفق على هذا الصحابي بسبب ما صدر منه من خطأ،  فنزلت الآية: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . عندها نقض أبو بكر عهده وعاد يطعمه كسابق عهده. فمن أخلاق الإسلام أن المرء إن أقسم على سبيل الوعيد فإن نقضه قسمه هذا يُعدّ من حسن الأخلاق. فمثلًا لو أقسم أحد أنه سيضرب خادمه 50 ضربة بالنعل لكان العفو عنه نتيجة توبته وتضرعه سنّة الإسلام لكي يحصل التخلّق بأخلاق الله. ولكن لا يجوز الإخلاف في الوعد لأن الوعد كان المرء عنه مسؤولًا، وليس الوعيدُ (2).

ما هو الوعد وما هو الوعيد؟ هذا موضوع منفصل وقد ذكرته مرة من قبل أيضًا.

غزوة الأحزاب

حصلت في شوال من العام الخامس من الهجرة، وكانت ثالثة المعارك الكبيرة بين قريش والمسلمين وتسمى غزوة الخندق أيضًا. فلما كانت قريش ويهود خيبر وكثير من القبائل قد جاؤوا مجتمعين للهجوم على المدينة، فقد سميت غزوةَ الأحزاب نسبةً إلى كلمة الأحزاب الواردة في القرآن الكريم.

حين أجلى رَسُول اللَّهِ بَنِي النضير ساروا إلى خيبر. فخرج نفر مِن أشرافهم ووجوههم إلى مكّة فألَّبوا قريشًا ودعوهم إلى الخروج إلى رَسُول اللَّهِ وعاهدوهم جميعًا عَلَى قتاله وضربوا لذلك موعدًا. ثُمَّ خرجوا مِن عندهم فأتَوا غطفان وسُليمًا ففارقوهم عَلَى مثل ذَلِكَ.

وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم مِن العرب فكانوا أربعة آلاف. كان أبو سفيان يقودهم، وفي الطريق انضمت إليهم أحزاب أخرى، فصاروا عشرة آلاف.

فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ فصولُهم مِن مكّة ندب الصحابة وأخبرهم خبر عدوهم وشاوَرَهم فِي أمرهم. فأشار عَلَيْهِ سلمان الفارسي بالخندق. فأَعجب ذَلِكَ المسلمين.

كان الجانب الشمالي للمدينة في عهد النبي مكشوفا، بينما في الأطراف الثلاثة الأخرى كانت بيوتٌ وحدائق النخيل، حيث كان يتعذر على العدو المرور منها. فقرر النبي حفر الخندق في الجانب المكشوف للدفاع عن المدينة، وبدأ حفر الخندق برفقة ثلاثة آلاف من الصحابة، وظل يشتغل في أعمال الحفر مع الصحابة لينشط همتهم. حُفر الخندق في ستة أيام، وكان طوله ثلاثة أميال ونصف تقريبا.

لقد رافق سيدنا أبو بكر رسولَ الله طول الوقت، وكان ينقل التراب في ثيابه أثناء الحفر، وعمل مع الصحابة الآخرين لتتم أعمال الحفر عاجلا في الموعد. ولم يتأخر عن العمل في الخندق أحد من المسلمين، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ينقلان التراب في ثيابهما -إذ لم يجدا مَكَاتِل(3) من العجلة، وكانا لا يفترقان في عمل، ولا مسير ولا منزل.

وكان رسول الله من شدة اجتهاده في العمل يضرب مرة بالمعول ومرة يغرف بالمسحاة التراب، ومرة يحمل التراب في المكتل، وبلغ منه التعب يومًا مبلغًا فجلس، ثم اتكأ على حجر على شقه الأيسر فنام: فقام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على رأسه ينحِّيان الناس عنه، أن يمروا به، فينبهوه.

حين حاصر قريش ومن معهم من الجنود البالغ عددهم عشرة آلاف، مسلمي المدينة، كان يقود سيدنا أبو بكر جزءا من الجيش الإسلامي، وفي المكان الذي كان يقود فيه الجيش الإسلامي بُني مسجد لاحقًا، سمي مسجــد الصديق. وهذا الذكر سيستمر في المسقبل أيضًا إن شاء الله.

الهوامش:

  1. راجع تفصيل رواية السيدة عائشة  رضي الله عنها عن حادثة الإفك في صحيح البخاري، كتاب المغازي، حديث الإفك
  2. حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، البراهين الأحمدية، الجزء الخامس ص26
  3. مكاتل: جمع «مكتل» وهو قفة من ورق النخل ونحوه يحمل فيها التمر ونحوه.
Share via
تابعونا على الفايس بوك