اعدلوا هو أقرب للتقوى

اعدلوا هو أقرب للتقوى

محمد حلمي الشافعي

كاتب

أيها السيد الفاضل

تنشر بعض الصحف العربية بين الحين والآخر مقالات أو نشرات تهاجم فيها الجماعة الإسلامية الأحمدية، وترميهم بصفات وأعمال وعقائد تقشعر لها جلودهم، وتدمى منها قلوبهم. ثم تقرنهم بفئات من الخارجين على الإسلام وكل الملل، زيادة في التنفير والتنكيل. والله يشهد أن كل هذه الاتهامات ليست إلا فهما ظالمـًا أو افتراء أثيما، والله المستعان على ما يصفون.

وتدعو النشرات إلى تحريض الحكومات وتأليب الجماهير، تحثهم لمقاطعة المنتسبين إلى الجماعة، وطردهم، وسجنهم، واضطهادهم، ومطاردتهم، وتضييق سبل العيش أمامهم، وما إلى ذلك من إرهاب نفسي ومادي.. يرفضه الإسلام، وتأباه المروءة مع الرعايا المسالمين مهما كانت معتقداتهم. وفي بلادكم المسلمون سنة وشيعة، وغير المسلمين منهم عبد الطاغوت والصليب، وعباد البقر والنار، وعباد الأوثان والتماثيل.. وكلهم يجدون في رحابكم الأمن والأمان.

ومن المؤسف أن هذه الإساءات والتحريضات تنشر في صحف لا تتيح لنا فرصة الرد عليها حتى نضع أمام المسؤولين وجماهير القراء الوجه الآخر للموضوع، فيكون أقرب للتأمل والدراسة، وصولاً إلى حكم يتسم بالعدالة والانصاف، سواء لهم أو عليهم، ما دام المتهم قد نال حقه في الدفاع وبيان موقفه.

والجماعة لها من الكتب والمجلات ما يفند كل ادعاء ويدحض كل افتراء، ولكنها لا تجد طريقها إلى وسائل الإعلام المحلية، ولا يسمح لها بالوصول إلى الناس. لذلك نتشرف بتقديم هذه الرسالة إليكم، آملين أن نجد عندكم العدالة التي ضن بها علينا، ونضع بين يديكم الحقائق موجزة بسيطة، هي الحق كل الحق. على أننا رهن إشارتكم لتقديم التفصيل الذي تطلبونه حول أية مسألة ترون أنها تحتاج إلى مزيد من الإيضاح.

عقائد الجماعة: إن ما تؤمن به الجماعة لا يخرج قيد أنملة في جملته وتفصيله عن العقائد الإسلامية كما جاءت في القرآن المجيد وسنة خاتم النبيين محمد المصطفى ، وأقواله الثابتة، ويجمعها قوله :

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ (البقرة: 286).

– فالله تبارك وتعالى إلهنا ومعبودنا وحبيبنا وملجأنا وملاذنا، له الأسماء الحسنى، نثني عليه بما أثنى به على نفسه، لا نزيد ولا ننقص، هو الأحد الذي ليس كمثله شيء..

– ومحمد، عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه، إمامنا وأسوتنا ومعلمنا، هو الأكمل والأعظم بين من تشرفوا بالكلام الإلهي والرسالة الربانية، هو سيد ولد آدم، صاحب المقام المحمود والمنزلة الرفيعة لايدانيه في ذلك أحد، هو الهدى والنور.. خاتم النبيين.. الرحمة المهداة والنعمة المسداة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.

– والقرآن المجيد الذي أكرم الله تعالى به البشر على يد أكرم الخلق وأعظم الرسل.. الكتاب الذي لا ينسخه كتاب، لا يتبدل ولا يتغير، لا يزاد فيه حرف ولا ينقص، من قال بغير ما بين دفتيه فقد ضل وهوى، ومن عمل به سعد واهتدى. حكمه خالد وشرعه باق وهديه دائم، هو الشجرة الطيبة التي تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها. وعد الله تعالى بحفظه فوفى.

– والملائكة هم خلق الله وجنوده وعبيده، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. صفاتهم وأعمالهم فهي كما بينها القرآن الكريم وحديث الرسول الشريف.

هذه العقائد المحمدية نحملها في شغاف قلوبنا، ولا نرضى بغيرها بديلاً ولا عنها محيصًا.

الغرض من الجماعة: قامت الجماعة الإسلامية الأحمدية طبقًا لوعد الله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ إلخ. ويكون ذلك حسب المنهج التالي:

– دعوة الناس كافة إلى الإسلام كيوم جاء.. مبرء من كل ما يشوبه.. محلى بكماله وجلاله.

– توطيد العلاقة بين المسلمين وربهم حسب المنهج المحمدي.

– دفع الافتراءات والاكاذيب والشبهات عن الإسلام وبيان سمو عقائده وشرائعه وتعاليمه.

– تحقيق قيام الأمة المحمدية والخلافة الراشدة لتكون مرآة صادقة للإسلام – علمًا وعملاً، ولتكون حقًا جديرة بأن يباهى بها المصطفى الأمم جميعًا.

أسلوب الجماعة الإسلامية الأحمدية: تتوسل الجماعة لتحقيق الغرض منها بما يلي:

– البلاغ بالكلمة المسموعة والمقروءة وإقامة مراكز التبشير بالإسلام في أنحاء العالم، مع ترجمات القرآن الكريم بمختلف اللغات، وتقديم الخدمات التعليمية والعلاجية عن طريق بناء المساجد والمستشفيات لتكون إشعاعًا للبركات الإسلامية.

– الجهاد الفكري والروحي بالحجج والبراهين القرآنية والسنة المحمدية.

– القدوة الصالحة من خلال التمسك بالأخلاق الإسلامية والالتزام بالسلوك المحمدي.

ولما كانت الجماعة الأحمدية تخاطب الناس جميعًا في كل مكان على الأرض كان من اللازم أن تتعامل مع أقوام لهم ديانات ولغات وفلسفات مختلفة ومتناقضة، لذلك فإن المنهج القرآني

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

هو المنهج الوحيد الذي يكفل النجاح واكتساب مرضاة الله تعالى وتوفيقه ويجتذب قلوب العقلاء. ومن ثم فإن الجماعة تلتزم بأمرين:

لا تدخل في الصراعات والخلافات السياسية، وتتمسك بطاعة أولي الأمر والقانون تمامًا. فالأحمدي حيثما كان مطيع ناصح لولي أمره بدءًا من رئيسه في العمل إلى رئيس الدولة، فلا يتهرب من مسؤوليته، ولا يخرج على قانون، ولا يعمل في الخفاء ما يحرم في العلن. والحمد لله، أثبتت التجربة والأيام أن الأحمدي مؤتمن على العرض والمال، مخلص في عمله، محافظ على النظام، صادق لا يكذب وإن ناله الضرر، مسالم لا يؤذي ولا يعتدي وإن تعرض للإساءة والعدوان، شريف لا يغدر وإن ناله الأذى والسباب. لقد أردنا الله تعالى فهو حسبنا ووكيلنا وحصننا.. لا حاجة بنا إلى مكر يدبّر، أو أمر يخفى، ولا ضرورة لكذب أو عنف.. الله معنا..

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ..

إننا أتباع محمد الذي أُرسل رحمة للعالمين، فلا نحمل لأمته إلا المحبة والرحمة.. ونحن جماعة المسيح الموعود فلا يكون في يميننا إلا القرآن المجيد وفي يسارنا غصن الزيتون شعارًا للسلام.

لماذا يعارضنا رجال الدين من كل الملل: ذلك أمر مألوف، بل هو سنة من سنن الحياة الروحية. إن رجال الدين دائمًا وأبدًا يتصدون لكل جيدي.. دفاعًا عن عقيدتهم التي ألفوها وأفكارهم التي ورثوها. ولكن ما أن تظهر الأيام وتثبت الأحداث سلامة الجديد.. فإن أولي الألباب يدخلون مع الداخلين، ولا يأبى إلا المعاند ممن جعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكبارًا، والباطل زهوق والحق عال والله في جانبه.

ويختلف معنا كثير من رجال الدين من المسلمين في أمر واحد.. رمونا بالكفر بسببه. ولما كانت حجتهم قاصرة عن أن تبرر معارضتهم العنيفة القاسية.. عمد بعضهم إلى افتراء الكذب واختلاق التهم جهلاً أو عمدًا.. فيسودون الصفحات بالأباطيل والله من ورائهم محيط.

من الأنباء الغيبية الثابتة عن المصطفى تلك البشارة الطيبة بظهور رجل في الأيام الأخيرة، له صفتان بينتان: إحداهما هي الصفة المهدوية التي بها يدفع عن الإسلام هجمات أعدائه، ويجمع المسلمين الصادقين تحت لوائه، ويكون إمامًا لهم منهم.. فيستعيد للإسلام مجده وقوته، ويبرز للعالمين جماله وبهاءه، وبهذه الصفة أسماه “المهدي”. والصفة الأخرى هي المسيحية، التي بها يظهر بطلان عقيدة الصليب ويعيد للبشر روحانيتهم ويجذبهم عن المادية الدنسة التي استعبدتهم، وينشر المحبة والسلام بين الناس فيستقر العدل ويسود الوئام.. وبهذه الصفة أسماه “المسيح بن مريم” وقال: “لا مهدي إلا عيسى”.

ولقد قام مؤسس الجماعة وادعى بأمر من الله أنه ذلك الرجل الذي بشر به نبي الإسلام قبل ثلاثة عشر قرنًا، وبيَّن بالدليل العقلي والنقلي والعملي أنه مصداق النبوءة المحمدية. ولكن رجال الدين رسخ في عقولهم من زمن طويل أن المسيح سينزل من السماء، وأن المهدي سيخرج من باطن الأرض.. فكذبوا مؤسس الجماعة الأحمدية وكفروه وسعوا إلى القضاء عليه بكل طريقة، وإذا لم تفلح طريقة المعارضة والتكذيب فلا بأس من الافتراء ووسمه مع جماعته بما هم منه براء.

إنه لمن الظلم الفادح، بل والجهل القادح، أن يرمى المرء بالكفر وهو يعلن بلسانه ويثبت بعمله ومسلكه عقائد الإسلام وآداب الإسلام.. كل ذلك لاختلاف حول تأويل آية قرآنية أو فهم حديث نبوي.. في إطار ما تجيزه استعمالات اللغة العربية، ويقبله العقل والمنطق وتثبته حقائق الحياة والأمر الواقع.

أيها الأخ الكريم:

إذا كان الاختلاف في هذه المسألة يصل بالمعارضين إلى رشقنا بأحجار التكفير والافتراء والإيذاء النفسي والبدني.. فدونهم وما يريدون.. فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا بالله.. فهذه عقيدتنا نلقى الله تعالى عليها، ونرجو أن يحاسبنا بمقتضاها، ونرضى بما نلقاه من أهل الدنيا إذا شاء الله لنا ذلك..

ولكننا نبتهل إليه، وهو القريب المجيب، الذي يعلم السر وأخفى، أن يهيّء لنا من أولي الأمر والمسؤولين من استقامت منهم الضمائر والعقول، ورزقهم من فضله الحكمة والعدل ليعاملوا رعاياهم من المنتسبين إلى الجماعة بمقتضى حقوق الإنسان: فلا يجرمون بلا جريمة، ولا يضطهدون من غير جناية، ولا يرهبون دون أن يقترفوا مخالفة أو يحدثوا ضررا.

إن الأحمديين في بلادكم رعايا كغيرهم من الرعايا.. فهم ليسوا دعاة لجماعتهم إلا إذا كان القانون عندكم وتعليمات الدولة تبيح لهم ذلك، وإلا فإن عقيدتهم إيمان في قلوبهم ينعكس شرفًا وبرًا وإخلاصًا وطاعة لنظامكم.. سرًا وعلنًا. وهم لا يخالفون ولي الأمر وإن خالفهم بل وإن حرم فكرهم وعارض منهجهم.

والأحمديون لهم ولاء واحد.. هو ولاؤهم لله تعالى، وطاعة ولي الأمر توجيه قرآني مقرر لا يحيد عنه أحدهم. ولذلك لا تشغلهم الفتن السياسية ولا النعرات القومية عن أداء واجبهم والوفاء بأماناتهم. هذا ما تشهد به سيرتهم في كل أنحاء الدنيا.. نذكرها تحدثا بنعمة الله تعالى.. سائلين إياه أن يحفظ علينا هذا الخلق الإسلامي القويم.. الذي به يستتب الأمن وتستقر الأحوال ويسود السلام.

ومن كان هذا حالهم، كان عونًا لكم في الخير، لا يخشى منه ضرر، ولا يخاف منه غدر، ولا يتوقع منه خيانة. وإذا حدث من أحدهم غير ذلك -والعياذ بالله- استحق غضب الله وكان مخالفًا لتعاليم الإسلام وخارجًا على منهج الجماعة.

إنهم أحق بحسن الرعاية والأمان من غيرهم، فهم أهل القبلة المحمدية، لكم مخلصون، ولعهدكم راعون، وبطاعتكم عاملون، ولنظامكم محافظون.

نناشدكم الله الذي يقول: فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ والذي أمر بالقسط.. أن ترفعوا عنهم الاضطهاد -أقررتم فكرهم أو رفضتموه- وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين.. ما داموا موفين بعهدهم مطيعين لأمركم محافظين على حقكم. ناشدتكم الله تعالى ألا تصدقوا الإشاعات والأباطيل ما دامت لم تصدر منهم سيئة. والله تعالى نسأل أن يوفقكم للعمل بقوله:

وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى

وأن يوفقكم لما فيه إعلاء شأن المسلمين وخيرهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

Share via
تابعونا على الفايس بوك