فلست أبالي حين أقتل مسلمًا

فلست أبالي حين أقتل مسلمًا

ككل جماعة دينية يقيمها الله على يد مصلح يختاره لهداية الناس في أي عصر، قد تعرضت الجماعة الإسلامية الأحمدية لاضطهاد كبير تشتد وطأته حينًا وتخف حينًا آخر. ولقد اشتدت موجة الاضطهاد هذه بشكل خطير خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكم الآمر الباكستاني الراحل ضياء الحق. فضرب ونهب وسجن وقتل آلاف المسلمين الأحمديين لا لشيء إلا لإعلانهم عن دينهم الإسلام واتباعهم لشعائره وتعاليمه وقولهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وإلى القراء الكرام قصة مثيرة لأحمدي مضطهد كتبها إلى إمامه أيده الله (التقوى)

سيدي المفدى الخليفة الرابع للمسيح الموعود حضرة المرزا طاهر أحمد أيدكم الله بنصره العزيز: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا خادمكم المتواضع أحيطكم علمًا بما جرى لي بعد إلقاء القبض عليّ أثناء توزيعي منشور “دعوة المباهلة”، راجيًا منكم الدعاء لي.

ففي الساعة العاشرة ليلة 29/7/1988م أخرجني رجال البوليس من السجن وأحضروني أمام المفتش. فقال لي: أنت تعلم جيدًا أن الصفحة الأولى من هذا الكتيب أيضًا مليئة بكلمات صارخة ضد الجنرال ضياء الحق وقضاة المحكمة الشرعية الباكستانية، مع ذلك وزعته بهذه الجرأة، وأخللت بأمن المدينة. ثم أمر رجاله بضربي بالسياط طوال الليل. كما أمرهم بأن يخلعوا ثيابي أيضًا. فأسرع هؤلاء (وكانوا ستة)، وأعدوا المكان أمام منضدة المفتش بنقل الكراسي الموجودة من هناك في سرعة فائقة. ثم انقضّوا عليّ وهم يسبونني بأقذع وأفحش السب، وتمكنوا من نزع ثيابي رغم مقاومتي الشديدة، بعد أن أشبعوني لكمًا ولطمًا ورفسًا، إلا أنهم تركوا ثيابي الداخلية. ثم ألقوني على وجهي على الأرض بحيث ألصق أربعة منهم يدي ورجلي بالأرض، بينما ركب الخامس على ظهري، ضاغطًا على رقبتي بقوة. أما السادس فوقف قريبًا مني حاملاً في يده سوطًا كالجلاد. وأخذ في ضرب ظهري بالسوط فبدأت ترديد الدعاء القرآني:

رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ .

في حين أن الخمسة كانوا قد ألصقوا جسمي بالأرض بقوة لدرجة أنني لم أعد أقدر على أدنى حركة عند الضرب. ولكن لما تجاوز ألم الضرب المتواصل حد الاحتمال بدأت أصرخ قائلاً:

يا الله، يا الله. فاشتعلوا غيظًا وغضبًا، وحركوني بشدة ونهروني قائلين: أنت أيها الكافر الملحد تنادي الله تعالى؟

وكان المفتش في هذا الأثناء لا يزال جالسًا على كرسيه، وقد حوله إلى اليمين قليلاً، ناظرًا إليّ شذرًا بدون أن يتحول إلى اليسار كالجبان الذي لا يستطيع رؤية مشهد مخيف.

وبعد ضربي لبضع دقائق أمر المفتش ناظم المحطة بحملي إلى غرفته وبضربي هناك طوال الليل. فذهب بي إلى غرفته، وبدأ الجلاد بأمره يضربني بالسوط. وبعد ثماني أو عشر ضربات ألقى السوط على الأرض وخرج. وكان الناظم أثناء ذلك مشتغلاً بكتابة شيء، كما كان يسبني باستمرار. وبعد قليل جاء شرطي آخر وأخذ السوط وضربني بضع ضربات وسب وذهب. وبعدئذ جعل كل من يدخل الغرفة من الشرطيين لأي شغل يأخذ السوط ويضربني وينصرف.

أما أنا فكنت لا أصدق أثناء كل هذا الاضطهاد الذي ألاقيه في سبيل الله بأنني فعلاً أتحمله. وإنما كنت أظنه حلمًا. على أية حال، فلم أزل أدعو ربي الرحمن الرحيم بالصبر والثبات، ولم أنفك أحمد ربي الأعلى الذي كتب لي أنا العبد الأثيم هذا الشرف العظيم.

وكانوا في أثناء كل هذا الاضطهاد يتهمونني بأني أخللت بأمن المدينة بتوزيع المنشور. وفي الساعة الثانية عشرة ليلاً أرسل المفتش رجاله لإحضار المشائخ من بيوتهم. فجاؤوا ثم انصرفوا بعد قليل. وربما كان الغرض وراء إحضارهم أن يتأكدوا ويطمئنوا على تعرضي لاضطهاد الشرطة.

وفي الساعة الثانية عشرة والنصف أودعوني الزنزانة مرة أخرى، وكان فيها ثلاثة أحمديين آخرين أيضًا، وهم السيد سجاد أحمد الملك، والسيد سيد نعيم الحسن والسيد ميان محمود أحمد الجواهرجي. وقد أخذ الأخير اليوم بجريمة كتابة “بسم الله الرحمن الرحيم” على لافتة دكانه. أما أنا والسيد سجاد فقد أخذنا بجريمة توزيع منشور دعوة المباهلة، وأما السيد نعيم الحسن فقد اعتقله البوليس بدل أخيه حفيظ الحسن الذي لم يقدروا القبض عليه بنفس التهمة.

في الساعة الواحدة ليلاً جاء رجال الشرطة برجل آخر وأدخلوه في الزنزانة وهم يضربونه، وكنا أثناء ذلك مضطجعين على الأرض. فبدأوا يضربوننا إلا اثنين: الأستاذ محمود أجمد لأجل كبر سنه، وكذلك مجرمًا خطيراً آخر كان معنا.

في 28 يوليو رفعت صوتي لأول أذان في السجن، وذلك لصلاة المغرب. أما الأخ سجاد أحمد الملك فأذن لصلاة العشاء. وبسماع صوت الأذان أسرع أحد الحراس إلى شباك الزنزانة وهو يصرخ: ما هذا الصراخ الذي تثيرونه. ولكنه لم يزل واقفًا في صمت بجنب الشباك إلى أن انتهيت من الأذان. فاعتذر قائلاً: آسف لقد ظننت أنكم تثيرون شغبًا، ثم تساءل: أليس الأذان يرفع لصلاة الجماعة؟ قلنا: نعم، رفعناه لنفس الغرض. لأننا ننوي الصلاة جماعة. فسرّ بذلك كثيرًا، وقال: إنني لأول مرة اليوم في السنوات الخمس التي قضيتها في وظيفتي هنا أرى أحدًا يرفع الأذان في السجن لأداء الصلاة جماعة، هلا فتحت لكم الباب حتى تصلوا بالفناء الواسع. فشكرناه وقلنا: سوف نستطيع ذلك بالداخل أيضًا.

في 30 يوليو رفع الأخ سجاد الملك الأذان لصلاة الظهر وكان ثالث أذان رفعناه داخل السجن، وبمجرد أن انتهى الأخ من الأذان أسرع إلينا سائق سيارة الشرطة وهو يسبنا سبًّا فاحشًا، ودعا الأخ سجاد إليه وأخذ يده يجرها إليه من خلال القضبان بشدة، ثم قال: الآن بدأتم ترفعون الأذان داخل السجون أيضًا. هل وجدتم هذا المكان لمخالفة القوانين؟ ثم توجه إلى ذلك المجرم الخطير قائلاً: كيف يجترئ هؤلاء المرزائيون على رفع الأذان في السجن وأنت موجود بينهم – لماذا لا تمنعهم؟ فرد عليه المجرم: يا أستاذ! أنا رجل أمي لا أعرف عن الدين شيئًا. فقال له: بعد ذلك لو رفعوا الأذان فاضربهم كما تشاء. وعندما رجع الشرطي جعل المجرم يلومه ويسبه. وبعد دقائق جاء الشرطي الذي كان مسرورًا برفع الأذان لصلاة الجماعة، وتأسف لنا على سلوك هذا السائق، وبيّن أن الشرطة لا يحق لها أن تفعل بكم ذلك، إلا أنه لا باس أن تصلوا بدون رفع الأذان من الآن.

سيدي! إننا كنا ندعو لذلك الشرطي من أعماقنا في ذلك الوقت، كما نلتمس منكم أيضًا الدعاء له.

وفي الساعة الثانية والنصف في ليلة 28- 29 من يوليو داهمت الشرطة بيت السيد سيد حفيظ الحسن للقبض عليه، ولكنها عندما فشلت في العثور عليه ألقت القبض على إثنين من إخوته الصغيرين سيد طاهر أحمد (16 سنة) وسيد صغير الحسن (13 سنة). وهكذا سجنت الشرطة ثلاثة إخوة صغار مكانه.  والسلام عليكم ورحمة الله

خادمكم والمحتاج إلى دعواتكم

صباح الدين بك ابن ضياء الدين بك، سمبريال – محافظة سيالكوت – باكستان

10 نوفمبر 1988م ليلة الخميس

Share via
تابعونا على الفايس بوك