الحقائق تتكلم

الخصوصيات الثلاث في تاريخ الأنبياء

لا شك أن رسولنا محمد هو خاتم النبيين، وأن القرآن المجيد هو خاتم الكتب، ومعارفه تتدفق كالبحر الزاخر ودقائقه تبرق كبريق النجوم في السماء، وهو ذلك الكتاب الذي لم يترك أي حكمة أو معرفة إلا حواها، هذا هو الكتاب المقدس الذي نستند إليه في أبحاثنا، فهو خير مرجع ومستند لكل من يبحث في تاريخ الأنبياء.

ومن خلال دراسة القرآن المجيد اتضح لنا وجود مميزات ثلاث في حياة الأنبياء وهي:

الأولى: إن كل مأمور من الله تعالى يبعث في زمان يكون العالم فيه بأشد الحاجة إليه، وإن حياة ذلك المأمور قبل دعواه تكون طاهرة نقية، وبالرغم من ذلك فإنه حينما يدعي أنه مرسل من الله تعالى يواجه مخالفة شديدة من الناس، كما جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:

يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (يس: 31).

الثانية: لقد وجه الناس إلى جميع الأنبياء أنواعًا من التهم والاعتراضات، واتهموهم خصوصًا بأنهم عملاء للأغيار، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:

مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ (فصلت: 44). قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (الشعراء: 186).

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (الفرقان: 5)

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل: 104)

الثالثة: إن النصر من عند الله والغلبة من السماء هما دائمًا ما يحصل عليه المرسلون حيث يقول الله تعالى:

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (غافر: 52).
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (المجادلة: 22).

قيام الحركة الأحمدية

الحركة الإسلامية الأحمدية حركة دينية إصلاحية روحانية خالصة، أسسها حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه الصلاة والسلام حسب إلهام من الله تعالى في 20 رجب عام 1306 للهجرة الموافق 23 مارس عام 1889 في منطقة شمال الهند التي كانت واقعة تحت فتنة الدجال المسيحية. وكثير من المسلمين ومنهم المولوي عماد الدين إمام مسجد آغره سابقًا كانوا قد ارتدوا عن الإسلام، وأضحى مسلمو الهند تحت تأثير الحركات الدهرية والفلسفة الغربية وتعليم الآرية سماج والبراهمون سماج (وهما طائفتان هندوسيتان)، مما عرض استمرار قيام الإسلام ووجوده في تلك البلاد لخطر الزوال. وقد وصل الإسلام والمسلمون إلى حالة يرثى لها. ففي تلك الظروف المأساوية التي كان يمر بها الإسلام والمسلمون، قام مؤسس الجماعة الأحمدية مرزا غلام أحمد يجاهد بقلمه دفاعًا عن الإسلام، ليرد كيد الكفار الذين صالوا على الإسلام، ولصقوا به كثيرًا من التهم الباطلة والأكاذيب.

 

هدف بعثة حضرة مؤسس الجماعة الأحمدية وحقيقة دعواه؟

سندرج فيما يلي أقوال مؤسس الجماعة الأحمدية التي يبين فيها بنفسه دعواه والمقصد من بعثته، يقول حضرته:

“إني بعثت على رأس هذه المائة المباركة الربانية لأجمع شمل الملة الإسلامية، وأدفع ما صيل على كتاب الله وخير البرية، وأكسر عصا من عصى، وأقيم جدران الشريعة. وقد بينت مرارًا وأظهرت للناس إظهارًا أني أنا المسيح الموعود والمهدي المعهود”

وقد كتب حضرته مخاطبًا مشائخ العرب ما يلي:

“السلام عليكم أيها الأتقياء الأصفياء من العرب العرباء، السلام عليكم يا أهل أرض النبوة وجيران بيت الله العظمى، أنتم خير أمم الإسلام وخير حزب الله الأعلى. ما كان لقوم أن يبلغ شأنكم، قد زدتم شرفًا ومجدًا ومنزلاً”

“إني امرؤ رباني الله برحمة من عنده، وأنعم عليّ بإنعام تام، وما ألتني من شيء، وجعلني من المكلَّمين الملهمين، وعلمني من لدنه علما.”

“ومن أعظم المنن أنه جعلني لهذا العصر ولهذا الزمان إمامًا وخليفة، وبعثني على رأس المائة مجددًا لأخرج الناس إلى النور من الدجى” (مرآة كمالات الإسلام، ص 419/423)

لقد أمضى حضرة مؤسس الأحمدية كل حياته في خدمة الإسلام والدفاع عنه، وقد اخترنا هنا ستة أمثلة فقط تعبر عن مدى أهمية تلك الخدمات التي قام بها حضرته:

  1. لقد تحدى حضرته أعداء الإسلام وتصدى لحملاتهم المنظمة التي استهدفت التخريب والنيل من الإسلام. فقام بتأليف كتابه الذي لم يستطع أحد من الإتيان بمثله أو الرد عليه في كشف محاسن الإسلام ورد الاتهامات الموجهة إليه، وسمى ذلك الكتاب: البراهين الأحمدية على حقيقة كتاب الله القرآن والنبوة المحمدية.
  2. لقد وقف حضرته وقفة البطل الجليل في هذا العصر أمام فتنة القسيسين المخيفة المؤيدة من قبل الحكومة البريطانية، فقام لجهادهم بالأدلة والبراهين، ومزق فتنتهم كل ممزق. وقد اعترف له بهذا الموقف علماء زمانه. وقد كتبت إحدى الجرائد الإسلامية “وكيل” امرتسر الهند يوم وفاة حضرته ما يلي:

“لا شك أن ذلك الشخص (حضرة مرزا غلام أحمد) شخص عظيم جدًا، كان قلمه سحرًا، وبيانه معجزة، تجسمت فيه عجائب الأفكار، كان نظره صائبًا، وكلامه مؤثرًا، وبيديه لفَّ حبال الثورة والانقلاب، كانت في قبضته قوة كهربائية. لقد مكث هذا الرجل ثلاثين عامًا كالزلزلة والطوفان في عالم الأديان، فأيقظ الحالمين والغافلين كإيقاظ يوم القيامة. لقد ترك هذا الرجل هذه الدنيا الفانية ولم يأخذ منها شيئًا، فرحلة السيد مرزا غلام أحمد القادياني من هذه الدنيا لا يجوز لنا أن نتركها تمر دون أخذ الدروس والعبر منها، العبر من أولئك الأشخاص أمثاله الذين أيقظوا العالم الديني والدنيوي، وجعلوا فيهما انقلابًا عظيمًا. فمثل هؤلاء الناس قليلاً ما يظهرون في الدنيا.

إن رفعة السيد مرزا لم تتأثر رغم وجود مخالفة شديدة له من قبل بعض المسلمين الذين أرادوا الفتنة وخالفوا عقائده وتعليماته. فبالرغم من هذا كان فراقه فراق شخصية عظيمة، وبارتحاله انتهت تلك المدافعة الجريئة والفذة عن الإسلام التي يبكت بها جميع أعداء هذا الدين. لقد كان النصر والنجاح حليفه في كل ميدان أمام أعداء الإسلام. كانت هذه الميزة إحدى الخصوصيات التي اختص بها هذا الفقيد. نحن مضطرون جميعًا أن نعترف اعترافًا صريحًا وواضحًا أن الظفر كان حليفه في كل موطن.”

.. إن مؤلفات حضرة المرزا في مواجهة المسيحية والآرية كان لها القبول العام والسند الكامل (من جميع المسلمين)، ونحن نسلم اليوم بقدر وعظمة تلك المؤلفات.. فلم تكن تلك المؤلفات لحماية الإسلام من صول المسيحية في تلك الأيام في الهند فحسب، بل جاءت لتخمد هيمنة الدعوة المسيحية في مقرها بأوروبا وفي كل مكان.. لقد نجح حضرة المرزا في إبادة الأثر المسيحي والدعوة المسيحية في الهند خلال أيام حياته.

.. ملخص القول أن ما قدمه حضرة مرزا غلام أحمد لنا من خدمات هي ليست لجيل واحد فحسب، بل للأجيال القادمة أيضًا، والجميع سوف يذكر له هذا الإحسان. إنه قام للجهاد في الصف الأول بين المجاهدين للدفاع عن الإسلام، وقد ترك مؤلفاته خلفه تذكارًا إلى جميع المسلمين، حتى تبعث الروح فيهم للدفاع عن الإسلام واتخاذ هذا الدفاع شعارًا قوميًا لهم. (أبو الكلام آزاد، جريدة “وكيل” أمرتسر، حزيران 1908)

لقد اعترف مولانا نور محمد النقشبندي صاحب أصح المطابع في دلهي اعترافًا واضحًا أن السيد المرزا قد هزم جميع القساوسة من الهند إلى بريطانيا، كما نرى ذلك مدونًا في حاشية ترجمة القرآن لحضرة شاه رفيع الدين ومولانا أشرف علي التهناوي الديوبندي، وقد كتب فيه ما يلي:

“وفي تلك الأيام سافر من بريطانيا إلى الهند القسيس ليفرائي بالتحالف مع باقي القساوسة، وأقسموا أن ينصّروا جميع سكان الهند في مدة وجيزة. وقد حاز ذلك الحلف على المعاونة المادية المتصلة من الإنجليز، وبدأوا فعلاً بحملة تستهدف النيل من الإسلام وسيرة النبي وأحكامه. ولكن اتضح أن تلك الحملات لم تنجح في زعزعة الإسلام وأحكامه كلية. لأن أحكام الإسلام وسيرة الرسول كانت مماثلة بالأديان السابقة والأنبياء السابقين.

ولكن مسألة الاعتقاد بأن عيسى حي بجسده العنصري في السماء وأن باقي الأنبياء مدفونون في الأرض قد أثارت في عقول العوام وجعلت عندهم بلبلة. عندها قام المولوي غلام أحمد القادياني وخاطب القسيس ليفرائي وحلفاءه قائلاً: إن مسيحكم الذي تدعونه قد مات ودفن في الأرض. مثله مثل باقي البشر. وإن البشارات بمجيء عيسى في آخر الزمان ما هي إلا بشارات لمجيء مثيله، وليس رجوعه شخصيًا. وإني أنا ذلك المسيح الموعود، فإذا كنتم من السعداء فاقبلوني. وبهذا القول أوقع مرزا غلام أحمد ليفرائي ورفقائه القساوسة في ورطة صعب عليهم التخلص منها، ولم تلبث مسألة وفاة عيسى هذه حتى هزمت القساوسة من الهند إلى أوروبا. (من حاشية ترجمة القرآن المطبوع عام 1934)

  1. ومن الأعمال التي لا تنسى لحضرته عليه السلام دعوته الملكة فكتوريا إلى الإسلام برسالته التي أرفق بها نصيحة لها لحماية الحقوق القومية والسياسية لمسلمي الهند، وقد كتب ما يلي:

أ. أيتها المليكة الكريمة الجليلة.. أعجبني أنك مع كمال فضلك، وعلمك وفراستك، تنكرين لدين الإسلام، ولا تُمعِنين فيه بعيون التي تمعنين بها في الأمور العظام. قد رأيت في ليلٍ دجى، والآن لاحت الشمس.. فما لك لا تَرَينَ في الضحى؟

أيتها الجليلة، اعلمي -أيدك الله- أن دين الإسلام مجمع الأنوار، ومنبع الأنهار، وحديقة الأثمار، وما من دين إلا هو شعبته، فانظري إلى حِبره وسِبره وجنّته، وكُوني من الذين يُرزقون منه رزقًا رغدًا ويرتعون. وإن هذا الدين حي مجمع البركات، ومظهر الآيات، يأمر بالطيبات، وينهى عن الخبيثات، ومن قال خلاف ذلك أو أبان فقد مان. (مرآة كمالات الإسلام، ص 531)

ب. وفي آخر كلامي أنصح لك يا قيصرة، خالصًا لله.. وهو أن المسلمين عضدك الخاص، ولهم في مُلكك خصوصية تفهمينها، فانظري إلى المسلمين بنظر خاص، وأقرِّي أعينهم، وألّفي بين قلوبهم، واجعلي أكثرهم من الذين يقرّبون. التفضيل.. التفضيل! التخصيص.. التخصيص! وفي هذه بركات ومصالح. أَرْضيهم فإنك وردتِ أرضهم، وداريهم فإنك نزلتِ بدارهم، وآتاك الله ملكهم الذي أمروا فيه قريبًا من ألف سنة مما تعدون. فاشكري ربك وتصدقي عليهم، فإن الله يحب الذين يتصدقون. الملك لله، يؤتي من يشاء، وينـزع ممن يشاء، ويطيل أيام الذين يشكرون.

أيتها المليكة المكرمة.. لا شك أن قلوب مسلمي الهند معك، ولا أستنشق منهم ريح الفساد، وما أرى فيهم نار العناد، وإنهم رجلك وخيلك، المستعدون لفداء النفس وأداء شرائط الانقياد، والحاملون لك جميع شدائد القُنن والوِهاد، بل هم أول خدمكِ في مواطن الإقدام والانبراء، وجوارحك في مواضع الفصل والإمضاء. إشارتك لهم حكم، وطاعتك لهم غنم. لن تَرَي منهم غدرا ولا عذرا. ولكنهم يا قيصرة الهند قومٌ كان لهم شأن، وكانت فيهم سرر وتيجان، وكانوا يحكمون على عبدة الصنم كالرعاة على الغنم، فقلِّب أيامهم من سوء أعمالهم، وظُلموا من أيدي “الخالصة” وإخوانهم، وكانوا يستشرفون وقت حكومتك كاستشراف الصائمين هلال العيد، ويرقُبون عنايتك رُقْبَة الحبلى ولادة الابن السعيد، وكانوا بقدومك يستفتحون. وقد مضت عليهم أيام كانوا في حُللِ إمارات، وبعصيِّ اختيارات، فيلوعهم في بعض الأوقات ادّكارُ هذه الدرجات، فإن قلع العادات من المشكلات. وما قلت لك إلا نصحًا وإنما الأعمال بالنيات.

ووالله إن الخير كله في إكرامهم، وردِّ عزتهم إليهم ببعض المناصب والعطيات، وما أرى خيرًا في حيل استيصالهم وقتلِهم كالحيات.” (مرآة كمالات الإسلام، ص 535/537)

  1. في شهر كانون أول ديسمبر من عام 1896م أثناء انعقاد المؤتمر الأعظم للأديان في مدينة لاهور ألقي على مسامع الحاضرين من ممثلي مختلف الفرق والأديان والحاضرين الذين احتشدوا في ذلك المكان، “الخطاب الجليل” لحضرة مؤسس الجماعة الأحمدية في إظهار فلسفة التعاليم الإسلامية. وقد لاقى هذا الخطاب الجليل الذي سمي فيما بعد بكتاب “فلسفة التعاليم الإسلامية” نجاحًا باهرًا، وقد أظهر به الإسلام على باقي الأديان. وامتدح هذا الخطاب كل من كان شاهدًا من المسلمين وأتباع مختلف الأديان. وقد جاء في جريدة تصدر في كلكتا تحت اسم “جنرل وكوهر آصفي” تعقيبًا على ذلك الخطاب الجليل، الفقرة التالية:
“لقد ثبت من انعقاد هذا الاجتماع أنه لم يكن أحد بمرتبة حضرة مرزا غلام أحمد القادياني الذي قام للمبارزة بشجاعة في هذا الميدان، لإظهار محاسن الإسلام. وقد تكلم عن الإسلام كما هو حقه، وأثبت أن انتخابه لهذا العمل كان أحسن ما يكون عليه الانتخاب. فلا أحد كان يقدر أن يأتي بما أتى به أحمد في هذا اللقاء، وما كان بمقدور شخص أن يدافع مدافعته عن الإسلام. والحق الذي ثبت من هذا الاجتماع أنه لو لم يكن خطاب مرزا غلام أحمد الجليل للقي المسلمون هنالك الذلة والندامة أمام ممثلي الأديان الأخرى.ولكن يد الله الغالبة أبت أن ينهزم الإسلام الدين المقدس في هذا الاجتماع الشامل، فأيد الله الإسلام بهذا الخطاب الجليل وجعل به الفتح والغلبة.

وقد اعترف الجميع أن هذا الخطاب الجليل كان أهم وأرفع وأبلغ الخطب حتى أنه جرى على ألسنة المخالفين بعد اختتام الخطاب، أنه الآن فقط انكشفت علينا حقيقة الإسلام، ولا شك أنه الدين الفائز في هذا اللقاء، وإن مآله الغلبة والفتح.”

  1. لقد قام القسيس عماد الدين وغيره من أعداء الدين المتين بتلطيخ سمعة الإسلام عند الحكومة وبإثبات ادعاءاتهم الباطلة بأن المسلمين هم المعتدون.. حرفوا مسألة الجهاد عن حقيقتها ليظهروا الإسلام وكأنه دين يحث على البغي والفساد والظلم. ولرد تلك الأباطيل قام حضرة أحمد وأظهر على الملأ التصور الصحيح لحقيقة الجهاد في الإسلام. فكتب حضرته ردًا على الاتهامات التي أراد بها ذلك الواشي القسيس عماد الدين وزمرته الإساءة إلى الإسلام، ما يلي:

” وأما ما ذكر هذا الواشي قصةَ جهاد الإسلام، وتظنّى أن القرآن يحثّ على الجهاد مطلقا من غير شرط من الشرائط، فأيُّ زور وافتراء أكبرُ من ذلك إن كان أحد من المتدبرين؟ فليعلم أن القرآن لا يأمر بحرب أحد إلا بالذين يمنعون عباد الله أن يؤمنوا به ويدخلوا في دينه ويطيعوه في جميع أحكامه ويعبدوه كما أُمروا. والذين يقاتلون بغير الحق ويُخرجون المؤمنين من ديارهم وأوطانهم ويُدخلون الخَلق في دينهم جبرًا وقهرًا، ويريدون أن يطفئوا نور الإسلام ويصدّون الناس من أن يُسلِموا، أولئك الذين غضب الله عليهم ووجب على المؤمنين أن يحاربوهم إن لم ينتهوا.

فانظر هذه الدولةَ.. أيُّ فساد توجد فيها من هذه المفاسد؟ أتمنعنا من صلواتنا وصومنا وحجّنا وإشاعة مذهبنا؟ أو تقاتلنا في ديننا أو تخرجنا من أوطاننا؟ أو يجعل الناس نصارى ظلمًا وجبرا؟. (نور الحق الجزء الأول ص 62-63)

“وما بُعِثَ نبيُّ سفّاكًا بل جاؤوا كالعِهاد، وما قاتلوا إلا بعد الأذى الكثير والقتل والنهب والسبي من أيدي العدا وغلوِّهم في الفساد، فرُفعت هذه السُنّة برفع أسبابها في هذه الأيام، وأُمرنا أن نُعِدّ للكافرين كما يُعدّون لنا، ولا نرفع الحُسام قبل أن نُقتل بالحسام.” (حقيقة المهدي ص 28)

  1. لقد كان الدكتور اليكسندر دوئي الأمريكي الحاصل على الشهرة العالمية في القرن الماضي من ألد أعداء الإسلام، فقد ادعى هذا الشخص النبوة عام 1899، وأن الله بشره أن الإسلام سيهلك وسيأتي يوم لا يبقى من المسلمين أحد على وجه الأرض. فقام حضرة مؤسس الجماعة الأحمدية يتحدى ذلك الشخص، وكتب إعلانًا بتاريخ 23/8/1903 دعا فيه الدكتور دوئي للمباهلة، وأخبر أنه ستأتي آفة على مدينته صهيون، لكي يظهر للعالم كذب ودجل ذلك المسيحي الذي يزعم أنه نبي ويبشر بهلاك الإسلام. كما أخبر حضرة أحمد ذلك الشخص أنه سيعاقب ويعذب في هذه الدنيا أمام أقاربه ومعارفه، ويهان بين الناس بعدما كان رئيسًا وقائدًا لهم.

فبعد ذلك النبأ نزل غضب الله على الدكتور دوئي بصورة الفالج، وأقعد عن الحركة بعد أن كان سليمًا معافى. وأظهر الله غضبه عليه، فأقيل من منصبه الرفيع في مدينته التي كانت له فيها عزة ووقار، وقام أحد أتباعه ليستلم مكانه بإعلان أن الاكسندر دوئي مجرم وفاسق، فنبذه الناس وحقروه، ولم يلبث طويلاً حتى مات ميتة حقيرة بألم وحسرة يوم 9/3/1907، وبعده خربت مدينة صهيون أيضًا. وبذلك أظهر الله تعالى للعالم من هو النبي الصادق ومن من الأديان سيبقى حيًا. فكانت هذه معجزة لصدق أحمد ولصدق الإسلام حيث تحقق ما وعد الله وهلك ذلك المختال الكفار.

مرحلة العداء الأولى: 1889م / 1908م، زمان مؤسس الجماعة

بحسب سنة الأنبياء كان على الرسول الأكرم محمد أن يجتاز والمسلمون معه مصائب شديدة وأوقات عصيبة، وكذلك قدر في وقت المسيح الموعود أن يواجه المسيح الموعود والمهدي المعهود وجماعته مخالفة شديدة وعداء خطيرًا كالطوفان. يقول الشيخ الطنطاوي في مسألة عداء الأنبياء ما يلي:

واعلم أن أتباع كل دين في الأرض لا يصدقون بغير دينهم، ولو أن المسيح اليوم جاء للنصارى لقالوا له: كذبت، وكذلك نحن معاشر المسلمين لو جاءنا أي إنسان وقال: أنا عيسى أو موسى أو محمد لقلنا: أنت مدع. (الجواهر في تفسير القرآن الجزء 3 طبعة ثانية ص 112)

ويقول العلامة محمد رضا الشيبي وهو عالم عراقي في شعره ما يلي:

وأكبر ظني لو أتانا محمد

للاقى الذي لاقاه من أهل مكة

لقد أفتى بعض العلماء عام 1301 للهجرة أي خمس سنوات قبل تأسيس الحركة الأحمدية أن حضرة مؤسس الجماعة الأحمدية قد أحدث بكتابه “البراهين الأحمدية” انقلابًا عظيمًا، في الدفاع عن الإسلام، وإنه لم يكتب مثل هذا الكتاب كما أن صاحبه عديم المثال.

ولم يلبث هذا المديح والثناء مستمرا حتى أعلن حضرة مؤسس الجماعة أنه مأمور من الله ومجدد لدين الإسلام وأنه المسيح الموعود والمهدي المعهود. ففي عام 1307 أصدر أولئك العلماء الذين أفتوا بكمال وعظمة مؤسس الجماعة وكتابه “براهين أحمدية” مجموعة من الفتاوى مليئة بالشتائم والتكفير بأقبح الألفاظ. وقد عاداه علاوة على علماء المسلمين النصارى والهندوس، ورفعوا ضده في المحاكم اتهامات باطلة، وقد عملوا ما في وسعهم للقضاء على حضرته ، وجعلوا لهدفهم هذا مخطط تشاور اشترك فيه المسلمون والنصارى والهنود. ففي كابل (أفغانستان) عذب صحابيان كريمان للمسيح الموعود حتى استشهدا تحت التعذيب وهما حضرة المولوي عبد الرحمن وحضرة السيد عبد اللطيف رضي الله عنهما. وإليكم أقوال أحد علماء شمال البنجاب المشهورين وهو الشيخ عبد الواحد خانبوري، مشيرًا بكلامه ومعقبًا على اشتهار مؤسس الجماعة في “الصلح خير” الصادر عام 1901 يقول الشيخ:

“ما عاد خافيًا أن الباعث على هذا المنشور المعنون بـ “الصلح خير” هو أن الطائفة المرزائية لما خزيت وأهينت في أمرتسر، وطردت من صلاة الجمعة والجماعة، وأخرجت من المساجد التي كان أعضاؤها يجتمعون فيها للصلاة، اضطر أتباع المرزا القادياني لمطالبته بتأسيس مسجد جديد. فأوصاهم بالصبر، وقال لهم أصالح الناس، فإن جنحوا للصلح فلا داعي لتأسيس مسجد جديد. وهكذا ذاقوا ألوان المذلة والإهانة، وقاطعهم المسلمون في المعاملات، واغتصبت نساؤهم ومنكوحاتهم لمجرد انتسابهم للقاديانية، وأخفيت أمواتهم في الحفر بلا صلاة ولا تكفين. فعندئذ اضطر المرزا القادياني لطلب الصلح. (مخادعة مسيلمة القادياني ص 7).

وكذلك قال في نفس النشرة:

“قوطعتم في المعاملة، واختطفت نساؤكم، وأهينت أمواتكم، ونبذت في العراء فاسدة خاسئة بلا صلاة، وأصبتم في أموالكم وكرامتكم، وقلّت مواردكم. لا يمكنكم أن تدخلوا المساجد ولا الاجتماعات، وليس لكم من الأمر شيء في المستقبل. (ص 14)

لقد أقام علماء ذلك الوقت وقساوسة الهند وعلى رأسهم القس عماد الدين خطًا سياسيًا ضد حضرته وأذاعوا عنه والعياذ بالله أنه مفسد وباغ. وكان من أشد المكفرين والمخالفين لحضرته شخص يدعى المولوي أبو سعيد محمد حسين البطالوي وكان من علماء فرقة أهل الحديث (وقد حصل على الأراضي من الحكومة البريطانية مقابل خدماته وكان قبل دعوى حضرته بالمهدية صديقًا حميمًا له، وهو الذي أثنى على حضرته حين تأليف كتابه الشهير البراهين الأحمدية، أنه لم يكتب أحد منذ ثلاثة عشر قرنًا كتابًا مثله في الدفاع عن الإسلام)، فقد وشى هذا الشخص إلى القادة الإنجليز في الهند يحذرهم من المرزا غلام أحمد قائلاً:

“على الحكومة أن لا تحترمه (أي مرزا غلام أحمد)، بل الجدير بكم أن تحذروا منه، وإلا سيضركم هذا المهدي القادياني أكثر مما ضركم وخرب عليكم المهدي السوداني، يصل إلى أكثر ما وصل إليه. (إشاعة السنة الجزء 19 ص 51)

وكتب المولوي كرم دين وهو من أشد المخالفين لحضرته في كتابه “سوط العبرة” ص 93-94 يقول:

“لا شك أن الحكومة الإنجليزية مطمئنة من رعاياها المسلمين الأوفياء. وعلى الحكومة أن تعلم جيدًا أن السيد المرزا الذي يدعي نفسه مهديًا ومسيحًا يجلب بلا شك الآفات والمصائب لهذه السلطنة. ولتعلم الحكومة أن المسلمين لا يؤمنون ولا يصدقون أن هذا الزمان هو زمان المهدي والمسيح، لأن هذا الزمان بوجودكم هو زمان الأمن والعدل والإنصاف، وأن خلق الله ينعمون تحت ظل سلطنتكم بالأمن والرخاء والعيش الهني. وباعتقادنا أن المهدي والمسيح لا يظهر في مثل هذه الأحوال، بل يظهر في وقت يكون الحكم فيه بيد سلطان جائر، وتكون الفتنة والفساد في الأرض وسيل الدماء كالطوفان. ففي مثل ذلك الوقت يبعث إله العالمين الإمام ملك المسلمين المهدي والمسيح، لكي يثبت الأمن والسلام في العالم. ولكن السيد المرزا أوهم المسلمين بأن هذا الزمان هو زمان المهدي والمسيح. وقد كتب في العديد من مصنفاته عن الإلهام والكشوف التي يريها الله له، ومنها قوله: “إن الملوك سيتبركون بثيابك”، وبمقام آخر قال: إن هؤلاء الملوك يكونون من جماعته في أحد الأزمنة.

فتفكروا من فضلكم كم هي خطيرة هذه الخيالات، لقد أظهر المرزا في إلهامه هذا بشارة دخول الملوك في جماعته، وليس هذا فحسب، بل يكون هؤلاء الملوك من المرزائيين ويكون الملك للمرزائيين. فما العجب أن يقوم هؤلاء المرزائيون بالتضحية بأنفسهم وأرواحهم للحصول على السلطة حتى تتحقق تلك البشارة. ولا شك أيضًا أن المرزا يشعل المسلمين غضبًا على النصارى حيث يسيء ظن المسلمين بهم، ويقول عن النصارى أنهم الدجال، ويقول عن القطار حمار الدجال. وأنتم تعلمون من صنع هذا القطار، فهم يستهينون به وبصانعه. ولذلك فعلى الحكومة أن تحترس من مثل هؤلاء الأشخاص وتراقبهم في كل وقت.”

وكانت نتيجة هذا الاتحاد السياسي ضد حضرة المرزا هي التشكك والارتياب الدائم من طرف الحكومة طيلة حياته. وتبيانًا لهذه الحقيقة نقدم لكم مترجمًا إلى العربية ما كتبته الجريدة الحكومية السياسية “سِفِل آند ملتري كزت” الصادرة بتاريخ 24/10/1894م ونصه:

“مجنون ديني مخيف”

“إن في بنجاب مجنونًا دينيًا مخيفًا ومشهورًا في مقاطعة غوردا سبور، يعد نفسه مسلمًا ويزعم أنه هو المسيح الموعود. لقد أقام مدينة أمرتسر ثلاثة أشهر وأقعدها متنبأً عن موت أحد أبنائها المتنصرين. فما ظهر لنبأه ذلك من أثر ولا يزال المتنصر حيًا لم يمت. وإن هذا المجنون المخبوط بدينه تحت رقابة الشرطة اليوم، لأنه إذا خرج للتبليغ لا تؤمن بوادره، بل ويخشى اشتعال الفتن الهائلة ونقص الأمن، ذلك لأن أتباعه لا يحصون عددًا من كثرتهم، وهم في الجنون الديني لا يقلون عنه. نعم، لا يتوقع خطر سياسي عاجل من آرائه الراهنة، ولكن جنونه يمتاز ببدائعه وروائعه، إلا أن عبقريته الأدبية مسلم بها ومصنفاته كثيرة وسهلة الأخذ والعمل بها، كما وتجمع بين دفتيها جميع العناصر التي تشكل في نفسها تركيبًا خطيرًا وهائلاً. ولا شك أنه مرفوض من الرجعيين أصحاب السخافات القديمة والذين يعتبرونه لعنة من ربهم. على الرغم من ذلك فقد طبقت شهرته آفاق البلاد كمدينة (مدراس) وغيرها. وها نحن ننقل مقتطفًا من جريدة إنجليزية من جرائد تلك المدينة (مدراس) اسمها “المحمدية” جاء فيها:

“إن اليقين الديني المتأصل المعزى إلى القادياني أضحى لا تزعزعه المطاعن الواهية، ولكننا نرى على التسليم بسلامة قواه العقلية والذهنية، إن دعوته ممزوجة بشيء من ضيق النظر في أمر الدين، مما يجعله في مصاف الرجعيين من العامة، تتكيف ذهنيته بمعتقداته التي تصبح غير مرضية. ويستشف مما في مصنفاته أنه عدو لدود للثقافة الحاضرة الغربية المصبوغة بالعقائد المسيحية.. إن في كلامه لوحشة مخبوءة تدل على أنه الهلال الأحمر المطوي في ممكنات الدهر، كما يعتقد فيه ممتدحوه جميعًا. فما هو بالرجل الغافل المعتوه، وعسى أن يكون المداحون ملمين ببعض ما يتوخاه، فلعلهم يساعدوننا على تغيير رأينا فيه.”

إن الشيخ القادياني لم يزل تحت أنظارنا منذ أعوام، وإنا لنؤيد الرأي المذكور أعلاه استنادًا لمعلوماتنا الذاتية عن شخصيته وأعماله. إنه كما نرى لفي ازدياد قوة وتمكنًا يومًا بعد يوم، وقد يضطرنا في المستقبل القريب إلى الالتفات إليه بأكثر اهتمام.”

 

مرحلة العداء الثانية: الاتهام المخزي أن حضرته عميل للإنجليز (1947-1908)

بالرغم من وجود المخالفة الشديدة من علماء المسلمين ومن القساوسة وغيرهم ومن أصحاب الوظائف الحكومية فقد استمرت الجماعة الأحمدية بعد وفاة مؤسسها ، تعمل جاهدة في خدمة الإسلام في مختلف المجالات، وقد ساهمت مساهمة فعالة للحصول من الحكومة على عطلة رسمية أيام الجمعة، وكذلك ساهمت في توحيد المسلمين بالحزب (مسلم ليغ) وتمكينه من الحياة السياسية في الدولة. وبفضل مجهودات هذه الجماعة رجع مئات الآلاف من المسلمين الذين كانوا ارتدوا بسبب حملة “شدهي” التي قام بها الهندوس في الهند، إلى حظيرة الإسلام من جديد. وقد قامت الجماعة بتنظيم حملات ضد قوى غير إسلامية لإبطال مكائدهم وادعاءاتهم ضد الإسلام. وقد تحدث زعماء المسلمين وقادتهم كثيرًا عن هذه الخدمات التي قدمتها الجماعة الأحمدية، وقد كتبت الصخف تشيد بمواقفها في الدفاع عن الإسلام واتحاد المسلمين، فقد كتبت صحيفة “المشرق” “كوركبور” الصادرة بتاريخ 22/9/1928م ما يلي:

“إن جميع الفرق الإسلامية في الهند اليوم تخاف الإنجليز أو الهنادك أو الطوائف الأخرى بصورة من الصور، لكن الجماعة الأحمدية وحدها هي كالسلف الصالحين من القرون الأولى، لا تخاف فردًا ولا جمعية، وهي تمتاز بخدمة الإسلام دون لومة لائم.”

وبناء على هذه الخدمات الجليلة التي قدمتها الجماعة الأحمدية لمسلمي الهند كتب القائد الهندي المسلم مولانا محمد علي جوهر عن الجماعة الأحمدية وإمامها بذلك الوقت حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد ما يلي:

“من الجحود أن لا نذكر هنا السيد مرزا بشير الدين محمود أحمد وجماعته المنظمة الذين وقفوا جميع جهودهم واهتمامهم على تحقيق مصالح المسلمين بصرف النظر عن اختلاف العقيدة. هؤلاء السادة نراهم يهتمون بسياسة المسلمين من جهة، ومن جهة أخرى يبذلون جميع مساعيهم الحثيثة لجمع شمل المسلمين ونشر الدعوة الإسلامية. وأتوقع متأكدًا أن هذه الفرقة المنظمة من أهل الإسلام وخدماتها الجلية ستكون مثلاً لجماهير المسلمين بصورة عامة، وبخاصة لأولئك الذين يعتادون الدعاوي الفارغة بخدمة الإسلام، وهم قاعدون تحت قباب المساجد.” (صحيفة همدرد دلهي 26/9/1927م)

 لقد كتب أحد المتعصبين الهندوس (الذي كان يرى نفسه خليفة الإنجليز في الحكم والحلم بالسيطرة الأبدية على المسلمين) منبهًا شعبه الهندوس من خطورة الجماعة الأحمدية وواجب إبادة هذه الفرقة، وذلك في أحد الجرائد الهندية المشهورة وتحمل اسم “تيج” الصادرة يوم 25/7/1927م، قائلاً:

“في رأيي أن الجماعة الأحمدية هي أخطر الفرق الإسلامية وأكبرها أثرًا وأشدها قوة في تبليغ الإسلام. وإني أقول لكم صراحة أننا ما زلنا نجهل هذه الجماعة وما زلنا غافلين عن حقيقتها وقوتها المخيفة. وبدون مبالغة فإن الأحمدية حركة مخيفة لا يرى من ظاهرها مدى خطورتها، ولكنها في الداخل تحمل جميع وسائل هلاكنا، وإن لم تستيقظوا الآن، وأوقفتم هذا التيار الجارف فسنفاجأ جميعًا بازديادهم وبتمكنهم علينا.”

وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 1929م أثناء انعقاد الكونجرس الهندي في لاهور قام العلماء عملاء حزب “كونجرس” بإنشاء جماعة سياسية جديدة أطلقوا عليها اسم “مجلس الأحرار الإسلامي”، ووضعوا لهذا الحزب الجديد هدفين أساسيين هما:

الأول: وضع المسلمين تحت تأثير الشيوعية حتى يبقى المسلمون بذلك خدامًا للهندوس، ويتضح صدق هذا القول من الاقتباسات التالية وضوح الشمس في وسط النهار، وهذه الفقرة التالية هي كما كتبها مفكر الأحرار المسلم السيد شودري أفضل حق، كتب يقول:

“يسأل الناس عن الذي جرى للأحرار، وكيف يخرجون من الوحل الذي هم عالقون فيه. اعملوا لن يكون لهم سبيل لذلك لأنه ليس فيهم أحد اليوم يبكي لمصائب الفقراء، وقد ملوا من الإسلام، وما برحوا يذكرون سلطنتهم وأيام حكمهم بألم وحسرة. ومن منهم يهمه التفتيش عن إبرة الإسلام حتى يخيط بها رقع ثوب الإنسانية، لا حاجة، وعندهم سلاح علوم كارل ماركس الشيوعية”.

“وماذا يضرنا نحن المسلمين إذا كان جواهر لال نهرو وغاندي يتبعون الخلفاء الراشدين في إزالة عدم المساواة في المجتمع.” (تاريخ الأحرار ص 138)

وقد كتب زعيمهم الآخر السيد عطاء الله شاه بخارى ما يلي:

“بعد مضي قرنين من الزمان نجد اليوم انقلابًا وحرارة في المسلمين، وإن كنا نفخر بأنا قد حصلنا على الحرية الكاملة، فبدون شك أن جواهر لال نهرو قد أعاننا ورفع معنا علم حريتنا. فليبارك الله فيه ويعطيه الاستقامة ويضاعف له في الخيرات. وحيث أننا منعنا هذه النعمة سابقًا فعلينا أن نشكر القائد نهرو، وتكون حريتنا هذه هدية له. وعليكم أن تحاولوا دائمًا أن يكون خطاب كل مسلم كخطبة جواهر لال نهرو التي قال فيها: إن للمسلمين حقًا في الحصول على الحرية. وشكرًا لحصولكم على هذه الحرية عليكم أن تقدموها وتمنحوها للشعوب الأخرى، وتكونوا مشغولين كل أوقاتكم في خدمة المجتمع. فلا تسلط ولا استبداد بأحد.” (أخبار مجاهد لاهور 11/5/1936م)

الثاني: القيام بدعاية كاذبة ضد المسلمين المساندين “لمسلم ليغ” (ومن بينهم الجماعة الإسلامية الأحمدية) بأنهم عملاء الإنجليز. وقد أضعفت هذه الدعاية بغير شك قوة مسلمي الهند واتحادهم وزادت في قوة “حزب الكونجرس” الهندي، وفي هذا الخصوص كتب بعض رؤساء الأحرار الملاحظات التالية:

  1. إن الذين يتسترون برداء الحزب الإسلامي هم عملاء للإنجليز. “خطابات أحرار ص 22”
  2. إن وزارتي السيد جناح والحزب الإسلامي هما رهن منّة الإنجليز، ويعملون بكل ما تشير عليهم بريطانيا. (ملاب، 13/8/1944م)
  3. من سيأتي من المؤرخين بعدنا سيكتب أن رأي عامة المسلمين بقادتهم كان أنهم كانوا ميتي الضمير وأنهم شجرة غرس الإنجليز. “أخبار أفضل سهارن بور 21/9/1945م”
  4. حجة الإسلام حضرة العلامة أنور شاه الكشميري وحضرة بير مهر علي شاه غولروي وحضرة مولوي ثناء الله الأمرتسري وغيرهم رحمهم الله، من الذين استعملوا الأسلحة العلمية لإثبات موت النبوة، قد فشلوا في ذلك. فقام مفكرو الأحرار الأكابر وبدلوا وجهة الحرب، فابتعدوا عن سلاح العلم والبحث والنظر، واتخذوا سلاحًا جديدًا وهو السلاح السياسي.” (جريدة آزاد، لاهور 30/4/1951)

إن اتهام حضرة مؤسس الجماعة الأحمدية وجماعته الدينية الخالصة بأنهم عملاء الإنجليز هو اتهام وادعاء باطل، وقد أثبتت الحقائق التاريخية أن هذا الاتهام افتراء ودجل وتلبيس واضح. إن الحركة الأحمدية هي في الأصل حركة قائمة على منهاج النبوة، وإن مؤسسها هو في الحقيقة مأمور رباني، وإن ظهوره مطابق لظهور الأنبياء، وحالات زمان بعثته هي حالات زمان بعثة الأنبياء، وما حصل له كان طبق ما حصل للأنبياء من قبله، فاتهامه بكونه عميلاً ما هو إلا شاهد ناطق على صدقه .

لقد لعب أكابر علماء الأحرار في حزب “الكونجرس” لعبتهم الخسيسة في هذا المضمار “لعبة الوجهين”، فمن جهة أشاعوا في العالم ادعاءهم أن الأحمديين عملاء الإنجليز، وحذروهم من خطر الجماعة الأحمدية على نظام الحكم البريطاني في الهند، وأن الأحمديين يسعون لإقامة حكومة خاصة بهم.

وقد أُشيعت هذه الدعاية في الأحزاب الهندية المعادية للجماعة الأحمدية، وانتشر هذا الإدعاء في كل مكان حتى أن حكومة “إيمرسن” الحاكم العام للهند صدقت هذه الادعاءات. وقد ظهر في الدور الثاني هذا من المخالفة انقياد الحكومة الإنجليزية تحت تأثير حزب الأحرار للتشديد في معاملاتها مع الجماعة الأحمدية، وعقد قادة حزب الأحرار مؤتمرًا في قاديان مركز الجماعة الأحمدية لإشعال الفتنة. ووقفت الشرطة بجانب الأحرار، وأخذوا يهددون الجماعة الأحمدية من خلال ذلك المؤتمر، ويبشرون بمحو اسم الأحمدية من العالم. وفي تلك الأيام العصيبة أمرت الحكومة إمام الجماعة الأحمدية بأن لا يأذن لأي أحمدي من الخارج الدخول إلى القاديان أثناء انعقاد المؤتمر.

ولكن شاء قدر الله أنه بعد عدة شهور فقط من انعقاد ذلك المؤتمر اشترك الأحرار مع السيخ في هدم مسجد الشهيد كنج في لاهور، وكان من نتائجه أن زلزلت الأرض تحت أقدام الأحرار، وأصبحوا في نظر مسلمي الهند أعداء الإسلام والمسلمين والغادرين بهم. وقد اعترف أحد قادة حزب الأحرار السيد عطاء الله شاه في كتاب سوانح عبد الله شاه اعترافًا صريحًا أن الأحرار كالشعب الألماني كتب عليهم الفشل.

فبعد عام 1940 قام علماء حزب الأحرار بإشارة من حزب الكونجرس بمخالفة الحزب الإسلامي (مسلم ليغ) العامل لقيام باكستان، في وقت كانت الجماعة الأحمدية منهمكة في الجهاد من أجل قيام دولة باكستان، كما أنها تعرضت كغيرها من الذين كان لهم اسهام في إقامة دولة باكستان للظلم والاعتداء. ولكن النجاح كان حليف مشروع إقامة باكستان، وقد ظهرت باكستان فعلاً في حيز الوجود رغم كل الصعاب. واعترف الجميع بمساهمة الأحمديين في إقامة هذه الدولة، وأثنوا على ما قامت به الجماعة بفدائية وعزم وحزم، حتى تحقق الهدف المنشود. وفيما يلي نقدم نصًا لاعتراف أحد أكابر علماء أهل الحديث مولانا مير محمد إبراهيم السيالكوتي من أن الجماعة الأحمدية هي جماعة إسلامية لها حق ونصيب من العلَم الإسلامي (باكستان):

“لا شك أن للأحمديين مكانًا تحت هذا العلم الإسلامي علم باكستان، ودليل ذلك أنها ممثلة في “الحزب الإسلامي” الحزب الأوحد لجميع المسلمين. والأحمديون لا ينتمون إلى حزب “الكونجرس”، لأن ذلك الحزب ليس حزبًا إسلاميًا حرًا، ولا يعمل لصالح عامة المسلمين. كذلك لا ينتمي الأحمديون إلى حزب “الأحرار”، لأن حزب الأحرار يخدم مصالح أعضائه، ولا يخدم مصالح عامة المسلمين. وكما جاء في الحديث الشريف “الدين النصيحة”. فالرسول المقبول قد أراد الخير لعامة المسلمين، لذلك فالحزب الذي يهتم برعاية مصالح جميع المسلمين هو الحزب الذي يجب أن نقف لجانبه ونؤيده، وإن حزبنا “الحزب الإسلامي” هو وحده حزب جميع المسلمين، ويشمل جميع الفرق، وإن للأحمديين نصيبًا فيه، كذلك لأهل الحديث والحنفية والشيعة وغيرهم. وبهذا نقر ونعترف أن الأحمديين هم فرقة من فرق الإسلام. (رسالة الهداية في تأييد باكستان ص 112)

وفي هذه الفترة من المخالفة، لم تقم الجماعة الأحمدية بأخذ حصة في الجهاد لقيام باكستان وحسب، بل إنها شاركت بتعاطفها وأدعيتها في القضايا الخاصة بالعالم العربي، وقد قدمت ما بوسعها من العون والمساعدة المعنوية لمساندة الموقف العربي في مختلف القضايا والأحداث، ومثالاً لذلك موقف إمام الجماعة الأحمدية إلى جانب السلطان ابن سعود سلطان نجد، أثناء الخلاف الذي نشب بين الدولتين الهند ونجد حول كسر قبب القبور والكتابات التي عليها. فصاح مسلمو الهند واتهموا الحكام في نجد بهتك حرمة القبور، فاجتنابًا لوقوع فتنة كبيرة حول هذا الموضوع، ولكي يستتب الأمن في مكة المعظمة مركز العالم الإسلامي، وقف حضرة إمام الجماعة الأحمدية إلى جانب السلطان ابن سعود ولم يسمح بازدياد الفتنة. (جريدة الفضل 3 سبتمبر 1935 ص 9-10)

كذلك تعاونت الجماعة الأحمدية مع الحكومة السعودية لإخماد الفتنة التي أشعلها البريلويون والأحرار في الهند أيام المعاهدة مع شركات التنقيب عن البترول البريطانية والأمريكية لاستخراج البترول من السعودية.

وفي شباط فبراير سنة 1939م أثناء بحث قضية فلسطين في مؤتمر لندن دعي ولي العهد الأمير فيصل إلى مسجد الجماعة الأحمدية في لندن برفقة رفقائه السادة: الشيخ إبراهيم سليمان رئيس النيابة العامة، الشيخ وهبة، عوني بيك الهادي، القاضي علي العمري، القاضي محمد الشامي ومندوبين وسفراء، وأقامت لهم الجماعة الأحمدية حفلة استقبال فخمة، وقد ألقى على مسامع الحاضرين البرقية التالية التي أرسلها إمام الجماعة الأحمدية بهذه المناسبة، (البرقية موجهة إلى مندوب الجماعة في لندن): “سلم ورحب بالنيابة عني بولي العهد الأمير فيصل وجميع المشتركين في مؤتمر فلسطين، وأخبرهم أن الجماعة الأحمدية تقف بجانبهم بكل اخلاص وتعاون. وندعو الله تعالى أن يكلل اجتماعهم هذا بالنجاح، وأن تفوز جميع الدول العربية في السير على طريق الخير والفلاح، وأن يهبكم الله قيادة العالم الإسلامي كتلك القيادة التي كانت من نصيبكم في القرون السابقة” (الفضل 16/3/1939م، ص 2)

وبالمقابل كان رأي قادة حزب الكونجرس من الأحرار والديوبنديين ونظريتهم الثابتة في هذا الموضوع كما يلي:

“إن الخطر علينا المسلمين ليس من الهنود أو اليهود، بل هو من الحزب الإسلامي الذين يحسبون أنفسهم أطباء الأمة الإسلامية، ومن الذين يعتمدون عليهم” (مجلس الأحرار والحزب الإسلامي للشيخ نظام الدين نائب رئيس مجلس الأحرار – لاهور)
Share via
تابعونا على الفايس بوك