رسالة من إمام الجماعة بمناسبة احتفال عيد الشكر المئوي على حياة الجماعة

رسالة من إمام الجماعة بمناسبة احتفال عيد الشكر المئوي على حياة الجماعة

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

رسالة من إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية أيده الله تعالى بمناسبة احتفال عيد الشكر المئوي على حياة الجماعة

قبل مائة عام حدث في قرية صغيرة بمنطقة البنجاب الشرقي (الهند) حدث غريب من نوعه، قدر الله أن يكون بداية عهد ثوري في حياة البشرية -فقد بعث الله هنالك زعيمًا دينيًّا ادعى بأمر منه أنه مصلح آخر الزمان.

مما لا شك فيه أنه قد ظهر وسيظهر مئات الأشخاص يدعون بمثل ما ادعى به، ولكنه قد أعلن في دعواه أمرًا غريبًا جدًا يميزه عن غيره من المدعين، أمرًا يهيّء بأسلوب جديد أساسًا لتوحيد الأمم، أمرًا يعتبر تفسيرًا رائعًا للتوحيد الإلهي، ويوفق بين نظريات متباينة عند مختلف الأديان حول ظهور مصلح في آخر الزمان.

ما هو ذلك الإعلان الثوري الذي أحدث في عالم الأديان ضجة سمع دويها في كل أنحاء العالم، وزلزالاً اهتزت له الأرض من أقصاها إلى أقصاها، وذلك في عصر يمكن أن نسميه عصر الانتظار، حيث كان أتباع سائر الأديان الكبيرة كاليهودية والمسيحية والإسلام والهندوسية والبوذية والزردشتية والكنفوشية ينتظرون مصلحًا سماويًا طبق أنباء وردت في كتبهم. فاليهود أيضًا كانوا ينتظرون مسيحًا مزمعًا ظهوره في آخر الزمان، والنصارى أيضًا كانوا في انتظار المسيح، والمسلمون أيضًا كانوا ينتظرون مسيحًا موعودًا ومهديًّا معهودًا، والهندوس كانوا ينتظرون مجيء كرشنا مرة ثانية، والبوذيون كانوا في انتظار ظهور بوذا في مظهر جديد.

فقد كانت هناك في كل دين أنباء قطعية الثبوت وصريحة الدلالة على أن الله تعالى ليبعثن مصلحًا لتحقيق غلبة عالمية للحق في آخر الزمان. ولكن المشكلة كانت تكمن في كون كل دين يطلق على هذا المصلح المنتظر أسماء مختلفة.

لقد نبأ الله سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني بحل هذه المشكلة حيث كشف عليه أن النبوءات الموجودة في شتى الأديان التي تطلق على هذا المصلح العالمي تسميات مختلفة، صحيحة من حيث المبدأ ولا شك فيها، إلا أنه ليس صحيحًا أن الله الواحد الأحد سوف يبعث لكل دين مصلحًا خاصًّا به، بل كان المراد أنه سوف يبعث من بين أتباع دين اختاره الله لإقامة توحيده مصلحًا عالميًا يمثل سائر المصلحين الموعودين في مختلف الأديان، حتى تنخرط كل البشرية في سلسلة الوحدة العالمية، فيرى العالم مشهدًا روحانيًا رائعًا لانعكاس توحيد الخالق في مرآة توحيد الخلق.

لقد أعلن حضرته عليه الصلاة والسلام بأمر من الله أن الإسلام هو الدين الذي اختاره الله لإقامة التوحيد في العالم كله، وأن النبي محمدًا المصطفى هو الذي أرسله الله بآخر رسالة شرعية، وجعله رحمة للعالمين، وأنه هو السيد الذي من بين أتباعه وخدامه يُبعث مصلح آخر الزمان الموعود به في مختلف الأديان بشتى الأسماء وبشتى المظاهر وشتى الحلل.

لقد كانت هذه الدعوى غريبة جدًا، وهذا الصوت الذي رفعه رجل وحيد منفرد من قرية صغيرة مجهولة بالهند لم يكن في الظاهر لينال أي عناية واهتمام عند الناس، ولكن الغريب أن الدنيا أقبلت إليه بأذن صاغية، وأولته اهتمامًا كبيرًا. فارتفعت في تأييده أصوات من ناحية، ومن ناحية أخرى تعالت في معارضته صيحات قلما نجد نظيرها في تاريخ البشرية، وثارت في عدائه ضجة كبرى تعيد إلى الأذهان تلك الأدوار التاريخية التي اختار الله فيها بعضًا من عباده الضعفاء لتبليغ الحق، وبرغم تعرضهم لمعارضة جميع القوى الدنيوية فإن الله لم يزل يؤيدهم في كل مرة ويحفظهم في كل حين، ويبدل ضعفهم قوة في كل موطن.

وهذا بالضبط ما حدث بهذا المدعي وبجماعته، فلم تدخر الدنيا وسعًا ولم تأل جهدًا في معارضته.. أفتوا عليه بالكفر، ورموه بالإلحاد، ورفعوا ضده تهم القتل افتراء، وخططوا لقتله مرارًا، آذوا أتباعه بكل سوء وأذى، حرموهم من الحرية الدينية، ومن حقوق الإنسان الأساسية، أباحوا أموالهم، وأحلوا دماءهم، بل اعتبروا قتلهم واجبًا.. فتعرضوا لتعذيب شديد واستشهدوا بوحشية وبربرية.. محلاتهم نهبت، وتجاراتهم كسدت، وبيوتهم حرقت ومساجدهم هدمت. فقد أنفد الأعداء كل وسيلة للقضاء على دعوته واستئصال شأفة أتباعه، ولكن ضجة العداء والعناد هذه لم تقدر على تبكيت هذا الصوت السماوي، بل لم تزل سفينة الجماعة رغم موجات العداء المتلاطمة تتقرب من شاطئ الأمان في كل مرة بقوة أكثر وسرعة أكثر.

فلا شك أنه منذ أن تأسست هذه الجماعة الضعيفة قبل مائة عام والله القوي العزيز كان يقف بجانبها يؤيدها ويشد أزرها ويحميها بقدرته في كل حين.

ولكي تحمد وتشكر الجماعة ربها المنان على هذه الأفضال المتتابعة والعنايات المتجاوزة حد الإحصاء فإنها تحتفل بعام 1989م كعام احتفال عيد الشكر المئوي على تأسيسها.

وبهذه المناسبة المباركة إنني أدعو بكل تواضع وإخلاص جميع إخوتي من بني آدم إلى الانضمام إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية، وأنا أشهد الله عالم الغيب والشهادة على أنها جماعة صادقة مخلصة، تعتقد من الصميم أن الإسلام هو الدين الحق، وتؤمن من الأعماق أن نجاة البشرية منوطة اليوم بالإسلام وحده.. إنه دين يدعو جميع بني آدم إلى الوحدة والأمن والحب والوئام، ولا يسمح مطلقًا باستخدام أي نوع من الجبر والإكراه لنشره، بل إنه حامل لواء حرية الضمير وحرية العقيدة.. ينجي الإنسان من قيد الأهواء النفسانية، ويقدم للحياة نظامًا بسيطًا ولكن متطورًا جدًا يضمن حل جميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والحضارية على أحسن وجه. كما يقدم للعالم نظرية سياسية لا مكان فيها للكذب والخداع، ويقدم تعليم عدل كامل هو أسمى من المصالح الفردية والطائفية والشعبية، ويزن حقوق الصديق والعدو بميزان واحد.

إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تؤمن بأن هذا هو الدين الوحيد الذي يقدر اليوم على توحيد أمم العالم كلها على يد واحدة.

لذا إنني بصفتي إمامًا للجماعة الإسلامية الأحمدية المنتشرة في كل أنحاء العالم أدعو بهذه المناسبة السعيدة كل إخوتي من بني آدم إلى نفس الدين دين الأمن والتوحيد، مندفعًا من إخلاصي الشديد وأخوّتي الصادقة النابعة من الأعماق.

حقًا إن الدعوة الأحمدية في بادي الرأي لم تظهر إلى الآن على خريطة العالم كقوة قادرة على إحداث انقلاب عالمي، إلا أنه ليس لكل ذي بصيرة بد من الاعتراف بأن الرقي المدهش الذي حققته هذه الجماعة في العالم خلال المائة عام الماضية، رغم المعارضة الشديدة، ليس مما يصرف عنه النظر ويمر به مرور الكرام.

فخلال هذه الفترة وبفضل الله تعالى قد تأسست وتوطدت الجماعة في 120 بلدًا من العالم. وإن سرعة رقيها وازدهارها تزداد كل حين بإذن الله، وإنه يهيّء لها من أسباب ويحقق لها من أهداف ما لا يمكن أن يخطر على بال أحد قبل مائة عام، فلم يبق شك ولا ريب أن الصوت الذي تلقاه مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حول مستقبل مشرق لدعوته هو صوت الله تعالى، حيث أنبأه ربه قائلاً:

“سوف أتجلى وأرفعك بقدرتي. إن نذيرًا بعث إلى الدنيا، ولكن الدنيا لم تقبله. إلا أن الله سوف يقبله، ويظهر صدقه للعالم بهجمات شديدة.. إنني سوف أبلغ دعوتك إلى أقصى أطراف الأرضين”.

وقام حضرته عليه السلام مستمدًا النور والقوة من هذه البشارات السماوية وبشر الناس بهذا النبأ العظيم:

“أكاد أن أحقق نصرًا عظيمًا. أقول هذا، لأن صوتًا آخر ينطلق لتأييد صوتي، ولأن يدًا أخرى تعمل لتشد يدي، الدنيا لا تستطيع رؤية ذلك ولكني أشاهده. إن روحًا سماويًا تتكلم من داخلي، وتكتب الخلود لكل حرف وكلمة تخرج من فمي. لقد حدثت في السماء ثورة فصنعت من حفنة الرماد هذه شخصًا يتحرك بإرادة السماء كالدمية. إن كل من لم يغلق باب التوبة في وجوههم سيدركون أنني لست من صنع يدي – هل تبصر تلك العيون التي لا تقدر على معرفة الصادق، وهل يعتبر حيًا من لا يستمع إلى هذا الصوت الرباني.” (إزالة الأوهام – الخزائن الروحانية ج 3 ص 403)

سعيد هو ذلك الإنسان الذي يصغي إلى هذا الصوت السماوي، ويلبي دعوة إمام بعثه الله في هذا العصر.  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المخلص

مرزا طاهر أحمد

إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية

Share via
تابعونا على الفايس بوك