المباهلة مع المولوي ثناء الله الأمرتساري

المباهلة مع المولوي ثناء الله الأمرتساري

محمد حلمي الشافعي

كاتب

لكل سؤال جواب

إن الوعد الذي قطعته (التقوى) على نفسها بأن تكون مهدًا لكل حوار فكري علمي هادئ يطل اليوم في شكل باب جديد نضيفه لصفحات المجلة تحت عنوان “لكل سؤال جواب” يجيب من خلاله الكتاب المختصون على الأسئلة الكثيرة التي يحملها بريد المجلة. إن أسئلتكم ستكون الزاد الذي يغني هذا الباب ولذلك فصدر (التقوى) الرحب سيتسع لكل سؤال بناء يتعلق بالمواضيع التي تطرحها المجلة.

الجواب عن سؤال هذا العدد اقتبسناه من كتاب بالإنجليزية للأستاذ المرحوم نعيم عثمان ميمن[1] قام بتعريبه الأستاذ المرحوم محمد حلمي الشافعي[2]

يتبين من خلال دراسة تاريخ الجماعة الإسلامية الأحمدية أن بعض نبوءات مؤسسها لم تتحقق. فما هو رد جماعتكم على ذلك؟

تمثِّلُ مباهلة سيدنا أحمد مع المولوي (الشيخ) الأمرتساري وعواقِبُها حدثًا آخر في حياة سيدنا أحمد يزعم خصومه أنه قد انقلب عليه.

كان المولوي ثناء الله الأمرتساري محرِّرًا مساعدًا في الجريدة الأسبوعية “أهل الحديث”، وكان معارضًا متحمسًا لسيدنا أحمد مثل كثير من المـــُلَّات (المشائخ) المعاصرين له، ولم يَدَعْ فرصةً لسبِّه تفلت منه.

وفي عام 1897م كتب سيدنا أحمد كتابه “أنجام آثم” توجّه فيه إلى بعض رجال الدين المتعصبين في الهند الذين أطلقوا عليه اسم “المدعي الكاذب”، وتحداهم للدخول في مباهلة، وكان اسم المولوي ثناء الله ضمن القائمة التي تضم أسماء هؤلاء المشائخ المتعصبين. كان سيدنا أحمد عندئذٍ قد بلغ من العمر 62 عامًا؛ في حين كان المولوي الأمرتساري شابًا عمره 29 عامًا.

تدل السجلات التاريخية أن المولوي الأمرتساري تجاهَلَ هذا التحدي لمدة 5 سنوات، ولكنه في عام 1902م -ربما تحت ضغط من بعض زملائه- بادر وتحدى سيدَنا أحمد إلى المباهلة. وما إن تلقَّى حضرتُه إعلانَ المولوي الأمرتساري حتى نشره مشفوعًا بقبول ما عرضه المولوي وصرح فيه بقوله:

“لقد اطلعت على إعلان المولوي ثناء الله الأمرتساري الذي يدعي فيه أن لديه رغبةً مخلصة في أن يدعو كلٌّ منا بأن يموت الكاذبُ منا في حياة الآخر” (1).

وكان سيدنا أحمد يعرف طبيعة المولوي الأمرتساري الرِعْديدة، فصرح حضرته بأن الأمرتساري قد قدَّم اقتراحًا جيدًا، ونأمل أن يظل متمسكًا به (2). ثم أضاف:

“إذا كان المولوي ثناء الله مخلصًا في تحديه بأن يهلك الكاذبُ قبل الصادق.. فلسوف يموت ثناء الله أولاً” (3).

وعندئذٍ بادر المولوي الأمرتساري إلى التراجع متعللا بقوله:

“أنا لست نبيًّا ولا أدّعي مثلكَ النبوة أو الرسالة أو البُنُوّة لله أو تلقِّي الوحي، ومن ثم لا أجرؤ على الدخول في هذه المعركة. إن مؤدَّى اقتراحك هو أني لو مُتُّ قبلك فستعلنه كدليل على صدقك، وإذا مُتَّ أنت قبلي -وهو تخلُّصٌ جيد- فمن ذا الذي سيذهب إلى قبرك ويحاسبك؟ هذا هو السبب في عرضك هذا الاقتراح السخيف. ومع ذلك فإني أعتذر بأني لا أجرؤ على الدخول في هذه الخصومة، ونقصُ شجاعتي هذا مصدر شرف وليس تحقيرًا لي” (4).

وهكذا تراجَعَ الأمرتساري عن المضي في المباهلة التي أثارها بنفسه؛ ومن ثم فإن المباهلة التي قبِلَ بها سيدنا أحمد في كتابه “إعجاز أحمدي”.. أصبحت غيرَ ذات موضوع.

وبالرغم من هذا فإن تراجُع الأمرتساري عن تحديه أصبح مصدرَ إحراج لزملائه، وتعرَّض لنقدٍ قاسٍ منهم، مما دفعه -بعد خمس سنوات أخرى- ليصدر تحديًّا جديدًا يدعو فيه أعضاءَ الجماعة الإسلامية الأحمدية ليتقدموا ومعهم سيدنا أحمد، فقال:

” الذي تحدانا إلى المباهلة في كتابه “أنجام آثم” أَرْغِموه على مواجهتي، لأنه مالم يصدر حكمٌ فاصل في أمر نبي فإن أتباعه لا يجدون شيئًا يربطهم به” (5).

وعندما قرأ سيدنا أحمد تحديه الأخير كتب محرِّرُ جريدة الجماعة الإسلامية الأحمدية “بدر” ليعلن:

“ليفرح المولوي ثناء الله بأن سيدنا الميرزا صاحب قد قَبِلَ تحديه. فعليه أن يعلن إعلانًا جادًّا بأن حضرة أحمد مزوِّرٌ في ادعائه. ثم يدعو ثناء الله أنه إذا كذب في قوله فلتنزل لعنة الله على الكاذب (6).

ولكن الأمرتساري -كما بدا منه آنفًا- اعترف بأنه لا يجرؤ على الدخول في مثلِ هذا الخصام. ومن ثم تحوَّلَ عن موقفه مرة أخرى وأعلن على الملأ:

“إني لم أتَحدَّك للمباهلة بل أعلنت استعدادي للحلف، ولكنك تسميه مباهلة في حين أن المباهلة تتضمن أن يحلف الفريقان ضد بعضهما. لقد أعلنت استعدادي للحلف ولم أشرع في مباهلة. إن القسم من جانب واحد والمباهلة شيء آخر (7).

إن اقتراح المولوي الأمرتساري يعني أنه لم يُرد من سيدنا أحمد أن يدعو ليستنزل اللعنة على المولوي الأمرتساري، في حين أنه نفسه مستعد لاستنزال اللعنة من جانبه وحده على سيدنا أحمد! ومع ذلك فإن الأمرتساري بتراجعه هذا قدَّم الدليلَ مرة أخرى أنه يروغ من موقفه الأصلي.. مع أنه طلب من سيدنا أحمد طلبًا صريحًا واضحًا كي تتم المواجهة بينهما.

وعندما لاحظ سيدُنا أحمد أن المولوي الأمرتساري لم يكن مستعدًا للوقوف موقفًا محددًا في الخلاف.. صرّح حضرته يوم 15/4/1907م بهذا الدعاء:

“اللهم افْصِلْ بيني وبين المولوي ثناء الله. واجعل مثير الفتنة الفعلي الكاذب يهلك في حياة الصادق!” (8).

أُرسل هذا الإعلان إلى المولوي الأمرتساري مع طلب لنشره في جريدته “أهل الحديث”، واختتم الإعلان بتصريح من سيدنا أحمد يقول فيه:

“وأخيرًا أرجو من المولوي ثناء الله أن ينشر تصريحي هذا في صحيفته “أهل الحديث”، ويعلق في نهايته بما يشاء، ويترك الحكم لله تعالى”(9). فأوضح الأمرتساري موقفه بقوله: “هذه الوثيقة غير مقبولة لدي، ولا يقبل أي إنسان عاقل بالموافقة على مثل هذا التحدي. وإني أرفض هذا العرض الذي نشرتَه” (10). ولم يقتصر المولوي الأمرتساري على رفض تحدي سيدنا أحمد له؛ بل بلغ به خوفه من عواقب دعاء سيدنا أحمد أن اشتكى قائلاً: “لا يمكن أن أدخل طرفًا في هذا التحدي، لأنه لم تؤخذ مني موافقةٌ على هذا الدعاء، ونُشر فحواه دون علمي” (11)

كان الأمرتساري ولا ريب خائفًا أنه لا بد ميت ميتة لعينة لو تجاسر على دخول المباراة مع سيدنا أحمد.. ومن ثم سأل:

“كيف يمكن أن يكون موتي آية تقول بأن المولوي دستغير القصوري والمولوي إسماعيل العليكرهي والدكتور دوئي الأمريكي وغيرهم قد ماتوا بنفس الطريقة؛ فهل آمن بك الآخرون؟ وهكذا لو حدث الموت فما النفع في ذلك؟ (12)

ثم طلب المولوي الأمرتساري من سيدنا أحمد:

“أرِنِي آيةً أَشهدُها بنفسي. لو أني متُّ فماذا أستطيع رؤيته؟” (13)

وبحسب نص هذا الجواب لتحدي سيدنا أحمد اقترح المولوي الأمرتساري معيارًا جديدًا تمامًا لتسوية هذا الموضوع فيما بينه وبين سيدنا أحمد حيث قال لمؤسس الأحمدية:

“يقول القرآن الكريم إن الله يُمهل المجرمين. فمثلاً يقول تعالى: مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا (مريم: 76)، ويقول: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا (آل عمران: 179)، ويقول: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة: 16)، ويقول: بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ (الأنبياء: 45). كل هذه الآيات تعني بوضوح أن الله يمهل ويمنح حياة طويلة للكاذبين والخادعين ومعكري السلام والعصاة الفاسقين، كي تزداد آثامهم في فترة المهلة. فكيف إذن تقترح قاعدة بأن مثل هؤلاء الناس لا ينالون فسحة طويلة من العمر؟” (14).

وحاول الأمرتساري بعد ذلك أن يؤسس صحة اعتقاده هذا بأن الكاذبين ـ وليس الصادقين ـ هم الذين يمنحهم الله تعالى عمرًا أطول، مستشهدًا بالتاريخ الإسلامي، فاحتج قائلاً:

“على الرغم من حقيقة أن النبي كان نبيًّا صادقًا من الله تعالى، وأن مسيلمة كان مدعيًّا كاذبًا.. فإن هذا بقيَ حيًّا بعد وفاة النبي ، أو بعبارة أخرى: إن مسيلمة الكذاب مات بعد موت الصادق” (15).

من هذه المحاورة بين سيدنا أحمد والمولوي الأمرتساري وما ساقه هذا من أعذار للرد على إعلان سيدنا أحمد.. يتبين أن المسألة قد تحولت تمامًا إلى وجهة جديدة. في بادىء الأمر كان المعيار لتحديد الصادق من الطرفين هو موت الكاذب في حياة الصادق. ولكن اعتراضات المولوي الأمرتساري قامت على مبدئه الراسخ في ذهنه بإصرار وعناد بأن الله يمهل الكاذبين ويمنحهم حياة طويلة كي يزدادوا إثمًا. وبذلك أرسى هو من عند نفسه معيارًا جديدًا للفصل في النزاع وحسم الخلاف، ذلك أن الأشرار يُمهَلون وينالون عمرًا أطول كي يُمعِنوا في عدوانهم وتتضاعف سيئاتهم.

ومن دواعي الندم للمولوي الأمرتساري أن سيدنا أحمد قَبِلَ توضيحه هذا، وصرّح: “قد اقْتَرَحَ معيارًا مختلفًا تمامًا بأن الكاذب يعيش أطول من الصادق.. كما حدث في حالة مسيلمة الكذاب والنبي الأكرم ” (16).

وكما قدر الله تعالى، سقط المولوي الأمرتساري في فخ من اختياره. فبحسب شرطه ومعياره: منح الله المولوي الأمرتساري فسحة طويلة من العمر.. فعاش أربعين عامًا بعد وفاة سيدنا أحمد؛ ليشهد بعينه آيات صدق سيدنا أحمد تتواتر، وليشهد أيضًا خيبة آماله عن إحباط دعوة سيدنا أحمد .

لقد عاش الأمرتساري ليرى قومه يهجرونه وينبذونه عندما حصل مسلمو الهند من علماء مكة على فتوى بكفره وارتداده جاء فيها:

“المولوي الأمرتساري رجل ضال ابتدع عقائد جديدة” (17).

وتصرح هذه الفتوى التي أصدرها علماء مكة ضد المولوي الأمرتساري:

“لا يجوز أن يُسأل عن علم ولا يُتَّبع. ودليله لا يُقبَل، ولا يجوز أن يؤم الصلاة. لا شك في كفره وارتداده” (18).

لقد عاش الأمرتساري أيضًا ليرى نفسه يتردى من الأرستقراطية إلى الفقر والعوز. رجل كان يظن بأنه يملك الملايين فإذا بيته يتعرض للنهب والحرق في المذابح الطائفية عند انقسام الهند وباكستان عام 1947م (19). وفقد ابنه الوحيد “عطاء الله” الذي ذُبح بلا رحمة أمام عيني أبيه. ولم تفارقه آثار هذه المأساة بقية حياته (20). والواقع أن هذه الوقائع كان لها وقع شديد على عقله حتى إن الشخص الوحيد الذي سجل تاريخ حياته قال عن هذه الأحداث إنها: “تسببت في موته موتًا سريعًا بائسًا” (21).

الهوامش

  1. إعجاز أحمدي ص14، الخزائن الروحانية ج19 ص 121.
  2. المرجع السابق.
  3. مجموعة الإعلانات، ج3 ص578.
  4. إلهامات الميرزا، للمولوي “ثناء الله” الأمرتساري ص112.
  5. جريدة “أهل الحديث”، 29/3/1907م، ص10.
  6. جريدة “بدر”، يوم 4/4/1907م.
  7. جريدة “أهل الحديث” ليوم 19/4/1907م.
  8. الفصل النهائي في الخلاف مع المولوي “ثناء الله” الأمرتساري.
  9. المرجع السابق.
  10. جريدة “أهل الحديث” ليوم 26/4/1907م.
  11. المرجع السابق.
  12. المرجع السابق.
  13. المرجع السابق.
  14. جريدة “أهل الحديث” ليوم 26/4/1907م.
  15. كتاب “مرقّع قادياني”، طبعة أغسطس 1907م.
  16. إعلان أكتوبر 1907م.
  17. فيصلة مكة ص17.
  18. المرجع السابق.
  19. سيرت ثنائي.
  20. مجلة “الاحتشام” بتاريخ 15/7/1962م.
  21. سيرت ثنائي.
Share via
تابعونا على الفايس بوك