حمار المسيح الدجال

 

احذروا الدجال يجتاح العالم(7)

 

جاء في حديث لرسول الله أن الناس سيتركـون ركوب الجمال فلا يسعون عليها في حين كانت في زمنـه من أهم وسائط النقل التي لا يمكن التفكير بالاستغناء عنها، قال:

(وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا) (صحيح مسلم، كتاب الإيمان)

ويؤيّد القرآن هذه النبوءة، حيث يقول الله تعالى:

وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (التكوير: 5)

ويقول أيضًا:

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (النحل: 9)

أيّ أنّه سيأتي يومٌ يتوقّف فيه الإنسان عن استخدام الجِمال ذات الأشهر العشر من العمر (التي تتوالد في عشرة أشهر) -والتي كانت تُشكّل أهمّ ركوب للنقل- وذلك  بسبب وسائط النقـل الحديثة المتطـوّرة، التي يكون الله قد مكّنه من اختراعها واستخدامها في المستقبل، بحيث يستغني بها عن ركوب الحيوانات كوسائط للنقل.

وهكذا عندما تحدّث سيدنا رسول الله عن (حمار الدجّال) العجيب فقد كان ينقل إلينا، عبر أمّته، نبوءته المتعلّقة باستخدام وسائط النقل السريعة التي تخترعها وتستخدمها أمّة الدجّال ذات التقدّم المادّي الهائل، ولكنّه عبّر عن ذلك لقومه حينذاك باستخدامه لفظة (الحمار) -ولكن أيّ حمار!

بيّن رسول الله أن هذا (الحمار) يعمل بالطاقة النارية وذلك في حديثه:

(يوشك أن يخرج من جسّ سيل نار تسير سيرًا بمطية الإبل). كنز العمال الجزء السابع.

أي سوف تكون نارٌ تُسيّر المطايا كما تَسير الإبل كواسطة نقل. وتتبيّن لنا ملامـح هذا الحمـار العجيب بوضـوح أكثر حـين نقرأ عن شكله وحجمه وسرعته وأوصافه كما مرّ معنا؛ فهو حمار ضخم هائل، يوصف في رواية أوردها صاحب (عقد الدرر في أخبار المنتظر) أنّ طوله ستّون خطوة لونه أحمر طعامه الحجارة، لا يُدرى قبله من دبره يتقدّمه جبل من دخان، له صوت يدوي ما بين الخافقين، يدعو الناس إليه!

نجد أنّ هذه الأوصاف تنطبق أوّل ما تنطبق على القطار البخاري الذي كان من أوّل وسائط النقل الحديثة لأمّة الدجّال في العصر الحديث؛ وقد كان الهنـود الحمر يُطلقـون عليه اسـم (الحصـان الناري) لأنه وسيلة نقل تعمل بالطاقة النارية التي تُولِّد البخار وتستخدم قوّة دَفْعه.

وتنبأتْ أحاديث رسول الله عن ظهور شكل آخر لوسيلة نقل الدجّال (حمار الدجّال) فتصفه بأنّ ما بين حافره إلى حافره مسيرة يوم وليلة (كنز العمال)، وكذلك طول كلّ خطوة من خطاه ثلاثة أيام (نزهة المجالس) ويضع خطوه عند منتهى طرفه (الإشاعة ص: 4) ، كما وصُفت  دابّة الدجال هذه بأنها: (ذوات السروج والفروج)  (بحار الأنوار ج: 3)  كما أنّه أقمر أبيض لا شعر له[2]، طول كلّ أذن من أذنيه ثلاثون ذراعًا (كنز العمال عن الإمام علي )، وما بين أذنيه أربعون ذراعًا (البخاري ومشكاة المصابيح)، كما جاء في (الدرّ المنثور) أنّ أذن حمار الدجال تُظِلّ سبعين ألفًا من اليهود، وهو ذو سرعة خارقة بحيث أنّ الأرض تُطوى له منهلاً منهلاً ويسبق الشمس إلى مغيبها!

إذا تفكّرنا بهذه الأوصاف وجدنا أنّها تنطبق على الطائرة الحديثة التي هي من اختراع أمّة الدجّال، وهي من أهمّ وسائط نقلها. فهي قمراء بيضاء لا شعر لها، وأجنحتها التي هي بمثابة أذنيها تُقارب في بعضها تمامًا الأطوال المذكورة، وهي سريعة جدًا تُطوى لها الأرض منهلاً منهلاً وتسبق الشمس إلى مغيبها فعلاً، بحيث أنك إذا كنت في باريس وكان الوقت عند الغروب والساعة الخامسة مثلاً، وانطلقتَ بالطائرة إلى لندن في الوقت ذاته، فإنّ سفرك سيستغرق أقلّ من ساعة فتصل إلى لندن قبل الغروب وقُبيل الساعة الخامسة، وذلك بسبب سرعة الطائرة وفارِق التوقيت. وإذا انطلقتْ طبعًا هذه الطائرة (بحافرها) الأوّل من مطار مدينة أو بلـد ما فهي لا تضع حافـرها الآخر إلاّ عند وصولها إلى مطار مدينةٍ أو بلد آخر بعد مسيرة طويلة. وهكذا تنطبق النبوءة العظيمة لرسول الله تمامًا.

وكذلك نقرأ وصفًا عجيبًا آخر لحمار الدجّال في أحاديث الرسول يصف فيه الطائرة المقاتلة فيقول عن الدجّال في حديث أورده المقدسي صاحب (عقد الدرر في أخبار المنتظر) من حديث ذكره الإمام أبو الحسن بن عبيد الله الكسائي:

(يخرج على حمار مطموس العين، مكسور الطرف، يخرج منه الحيّات، محدودب الظهر قد صُوّر كلّ السلاح في يديه، حتى الرمح والقوس).

نجد هنا أنه ليس لهذا الحمار الهائل أطراف، كما أنّ ظهــره -خلافًا لشكل الحمار المعروف- محدودب وليس مقعَّرًا  كالحمار العادي، ثم نجد بقيّة أوصافه تنطبق على الطائرة المقاتلة التي تنطلق منها الصواريخ والقذائف بأشكال مختلفة، فهي مطموسة العين، محدودبة الظهر، لا أطراف لها ومعها من كلّ السلاح وتخرج منها القذائف. وقد جاء في رواية أنّ اليهود يستظلون بحماية أذني هذا الحمار الهائل؛ وهذا كناية عن احتمائهم بالمظلّة الجوية لطائراتهم المقاتلة، إذ يقول في الحديث أن سبعين ألفًا من اليهود يحتمون بظل أذني هذا الحمار، فكيف يجب أن يكون حجم أذنيه حتى يحتمي بظلّهما سبعون ألفًا من اليهود! يقول الحديث:

“يركب -الدجّال- حمارًا أبتر بين أذنيه أربعون ذراعًا يستظل تحت أذنيه سبعون ألفًا[3] من اليهود..”. (سنن الدّاني)

إنّ كلمة (أبتر) في هذا الحديث تُلقي الضوء على أنّ هذا الحمار ليس من النوع الذي يتناسل ويكون له ذرية من الحمير كما هي الحال في الحُمر العادية، وذلك لأنّ هذا الحمار ما هو إلاّ  شكل من أشكال الآلة البتراء التي لا يمكن أن يكون لها نَسْل كوسائط النقل الأخرى من الحيوانات. كما أنّ استظلال اليهود بحمار الدجال  يمكن أن يعني هنا أيضًا المراقبة الرادارية التي تلتقط الأصوات والصور ويحتمي في ظلّها اليهود وغيرهم. وإلاّ فكيف يكون حجم هذه الأذن التي يستظلّ بها سبعون ألفًا من اليهود؟! ثم إذا أخذنا حجم أذن الحمار بعين الاعتبار، فكم وكيف يكون حجم هذا الحمار الخارق؟! فإذا كانت أذنه وحدها تغطّي قرية أو مدينة فهل يُغطّي هو بجسده دولاً وبلادًا؟!

وكذلك نجد في أحاديث الرسول أنّ هذا الحمار الهائل يخوض البحر ولكنه لا يغرق، إذ لا يبلغ الماء أكثر من حقويه: “يخوض البحر لا يبلغ حقويه” ـ (كنز العمال)

وينطبق هذا الوصف على السفينة التي تخوض البحر ولا يُغمر سوى جـزء صـغير جـدًا من سـطحها السـفلي الملامس للمـاء بحسب دافعة أرخميدس. وبما أنه قد ورد أيضًا أنّ هذا الحمـار المائي يعمل بطاقة النار ويُطلق جبلاً من دخان يتقدّمه فهذا ينطبق أيضًا على السفن البخارية في بداية عهدها.

كما أنّ حَبْسَ الشمس يمكن أن يعني ما توصّل إليه إنسان اليوم من إمكانية حبس الطاقة الشمسية لاستخدامها لأغراض حرارية وتوليد الكهرباء وغير ذلك مما هو شائع ومعروف حتى بات مصطلح (حبس الشمس) اليوم من الأمور الشائعة المألوفة التي يستخدمها الكتّاب في مؤلّفاتهم ويحدّثون الناس بها

وجاء في حديث لرسول الله عن واسطة نقل عجيبة أُطلق عليها اسم (بعير) يُحشر الناس عليه أو يجتمعون فيه فقال:

“يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ النَّارُ تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا” (صحيح البخاري، كتاب الرقاق) عن أبي هريرة.

ولا شكّ في أنّ هذا البعير كناية عن السيارات وحافلات النقل -السيارات، الباصات والقاطرات وغيرها- التي كان يركبها في البدء واحد أو اثنان ثم تطوّرت في الشكل والحجم فصار يركبها أكثر وأكثر من الناس حتى وصلت إلى شكلها الحالي، بحيث يمكن أن تقلّ عشرة أو أكثر، ينحشر الناس فيها في عربة واحدة.

وهكذا نجد من خلال نبوءات الرسول الكريم عن حمار الدجّال نبوءاته المدهشة عن جميع وسائط النقل الحديثة المعاصرة كالقطارات والطائرات المدنية والطائرات المقاتلة والسفن والسيارات، بوصف دقيق رائع لا يمكن لأحد أن يأتي به إلاّ إذا كان الله ذاته قد أطلعه عليه وأظهره على غيبه فجعله يرى هذه الصوَر والأشكال والأحداث المستقبلية منـذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا من الزمان.

 

تَقارُب الزمان

وتحدّث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا عن تقارب الزمان بسبب تمكّن أمّة الدجّال من اختراع وسائط النقل الهائلة السرعة والتي أصبح الإنسان، بواسطتها، قادرًا على اختصار الزمان، فيقطع في شهر ما كان يقطعه في سنة، ويقطع في أسبوع ما كان يقطعه في شهر، ويقطع في يوم ما كان يقطعه في أسبوع، ويقطع في ساعة ما كان يقطعه في يوم، ثم يقطع  في لمح البصر ما كان يقطعه في ساعة، وهذا من خلال سرعة الصواريخ الفضائية التي وصلت تمامًا إلى هذه السرعات المذهلة، حيث ورد عن رسول الله في حديث أنس عند أحمد والترمذي:

(…فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ) (سنن الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله).

وورد كذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الدجّال يحبس الشمس فيقول:

 “أنا ربّ العالمين وهذه الشمس تجري بإذني، أفتريدونني أن أحبسها لكم، فيحبس الشمس حتى يجعل اليوم كالشهر، والجمعة كالسنة، ويقول أتريدون أن أسيّرها، فيجعل اليوم كالساعة”. (رواه نعيم والحاكم عن ابن مسعود)

ومما لاشكّ فيه أنّ أطوال اليوم والشهر والسنة تعتمد على حركة النجوم والكواكب في الأفلاك السماوية، فهي تعتمد على سرعة دوران الأرض حول نفسها وسرعتها حول الشمس وهكذا. وقد بيّن لنا القرآن الكريم أنّ دوران وسرعات هذه الأجسام السماوية في أفلاكها مرتبطة بقوانين محكمة تجعلها تسير في مسارات وحُبُك مرسومة محسوبة ومقدّرة بتقدير العزيز العليم، وأنّ الله قد سخّر هذه القوانين الفلكية لصالح حياة الإنسان وبقائه فلا يمكن أن تختلّ أو تتغير، لأنّ ذلك لو حدث فإنه سيؤدّي إلى فساد نظام السماوات والأرض وبالتالي دمار الحياة والجنس البشري بأكمله، بالإضافة إلى مخالفته لقوانين الطبيعة التي بثّها الله وأحكمها في الكون بيديه، يقول تعالى:

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ  (إِبراهيم: 34)

أيّ أن الله قد ضبط الشمس والقمر والليل والنهار بقوانين مُحكمة لا يمكن لها أن تُخالفها لأيّ سبب من الأسباب، لأنّ الخروج على هذه القوانين سوف يؤدّي إلى فساد نظام الكون وبالتالي إلى هلاك الجنس البشري؛ ولذلك فقد جعل الله لكلّ كوكب فلكًا ومسارًا خاصًّا لا يخرج عنه، قال تعالى:

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس: 41)

وهذا يعني أنّ الوقت والزمان اللذين سخّرهما الله للإنسان -من خلال ضبط حركـة الأرض والشمس والقمر بقوانين خاصّـة قدّرها عليها- لا يمكن أن يخالفا القوانين التي ضبطهما بها الله تعالى، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يطول الزمان أو يقصر بشكل مخالف لهذه القوانين الإلهية المـُحكمة، قال تعالى:

وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (الرحمن: 7)

أي أنهما ينصاعان بالطاعة التامّة للتقدير الذي قدّره الله عليهما ولا يمكن أن يخالفاه أبدًا، ولا يستطيع أحد أن يجعلهما يُخالفانه. ويبّين الله تعالى أنّ جميع الكواكب والنجوم إنّما تسير في السماء في الطرق المحسوبة المحبوكة التي حبكها ورسمها لها، فوصَفَ السماء بأنها ذات الحُبك أي ذات الطرق المحدّدة للأفلاك التي تسبح فيها، فقال:

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (الذاريات: 8)

وهذا ما يؤيّده العلم الذي أثبت أن لكلّ نجم وكوكب مسارًا خاصًا لا يمكن أن يخرج عنه.

فكيف يمكن إذن للمسيح الدجّال الأعـور الكافـر أن يُفسِد نظام الكون ومدارات الشمس والقمر والأرض والأفلاك حتى يغيّر الوقت والزمـان فيجعلـه يقصـر أو يطـول، أو يوقفـه بحبـس الشـمس؟! إنّ هذا لا يمكن أن يكـون إلاّ بمعنى تَمَكّنـه من اختراع وسـائط متطوّرة للنقل تجعلـه يجتاز المسافات بسرعات هائلة. فما كان يُقطع في سنة، يمكنه بوسائط نقله أن يقطعه في شهر، ثم مع زيادة السرعات يمكن اختصار الزمن لمسافات أكبر وأكبر وبذلك يصير الشهر كالجمعة، والجمعة كاليـوم، واليـوم كالسـاعة، والسـاعة كضرمة النار؛ تماما كما أخبرنا محمـد رسول الله منذ ما يزيد على ألف وأربعمئة سنة في أحاديثه ونبوءاته المعجزة عن الدجّال وأيّامه. ومن المعروف كذلك أنّه يمكن للإنسان اليوم أن يظلّ في وقت الشمس والنهار من خلال السفر من منطقة ذات توقيت سابق في الشرق، إلى منطقة أخرى ذات توقيت لاحق في الغرب، فبدلاً من أن تغرب الشمس في موعدها المحدّد تتأخر لساعة أو ساعات على من يطير في طائرة باتجاه الغرب، وكذلك يكسب فارقًا في التوقيت وكأنّ الشمس قد حُبست والنهار طال.

كما أنّ حَبْسَ الشمس يمكن أن يعني ما توصّل إليه إنسان اليوم من إمكانية حبس الطاقة الشمسية لاستخدامها لأغراض حرارية وتوليد الكهرباء وغير ذلك مما هو شائع ومعروف حتى بات مصطلح (حبس الشمس) اليوم من الأمور الشائعة المألوفة التي يستخدمها الكتّاب في مؤلّفاتهم ويحدّثون الناس بها، فقد ورد في كتاب (حفّارو القبور) لمؤلّفه الشهير روجيه غارودي يتحدّث فيه عن أهمية الطاقة الشمسية بالنسبة إلى أفريقيا فيقول:

“إنّ أفريقيـا السوداء لا تحتاج إلى البنطال الضيّق أو إلى مزيل الرائحة، بل إنّها بحاجة إلى الكثير من الآلات التي تحبس الشمس لتتحكّم بمصدر الطاقة الأهم بالنسبة إليها: الشمس.”[4]

وهكذا يَثبُت بأنّ سيدنا رسول الله محمد قد نبّأ العالم بتوصّل الإنسان إلى إمكانية حبس الشمس، قبل تمكّنه من ذلك بما يزيد على 1400 سنة.

فمن يقدر على تكذيب هذه النبوءة العظيمة فليفعل! ومن يصدّقها فليسأل نفسه: ماذا يعني تحقّق هذه النبوءات بالنسبة إلى العالم؟

سـيطرة الدجّال على السماء والأرض

مرّ معنا في أحاديث الرسول أن السماء والأرض تأتمران بأمر الدجّال فقال:

“فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ” (صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة) عن النواس بن سمعان.

إنّ هذا لا يمكن أن يعني -كما يزعم أو يفهم البعض- أنّ الدجّال يصرخ آمرًا السماء بقوله: “يا سماء أنزلي الغيث والمطر”، فتنصاع بأمره وتُنزِل الغيث في المكان الذي يحدّده؛ أو أن يأمر الأرض قائلاً: “أنبتي” فتُخرج زروعها وثمارها، منصاعة لكلمته الآمرة من غير حرث ولا زرع! إنّ هذا الفهم لا يمكن أن يكون مقبولاً بأيّ شكل كان، فالكون لا يأتمر إلاّ بكلمة الله وحده، ولا قُدرة للدجال أو لغيره على أن يأمر السماء فتُطيعه، ولا أن يأمر الأرض فتنصاع طائعة كما يريد. بل إنّ هذه النبوءة في حديث رسول الله تُشير إلى تقدّم أمّة الدجّال في ميادين الزراعة واستثمار الأراضي فيتمكنون من نقل الماء عبر الأنابيب المرتفعة المثقّبة التي ترش الماء من علو[5] أو ترّش الماء والمبيدات بواسطة الطائرات الزراعية بأمره وكلّما أراد. وقد جاء في قواميس اللغة العربية أنّ كلّ ما يعلو الأرض مهما كان ارتفاعه يمكن أن يُطلق عليه اسم السماء[6]، وهكذا فإنّ ريّ الأراضي بواسطة الأنابيب المرفوعة الضخمة الدوّارة التي تروي الحقول المزروعة بواسطة الرشّ يمكن أن يعدّ بمثابة إنزال المطر من السماء، ولا شكّ في أنّ هذا الشكل من الريّ يمكن أن يتمّ بأمر ورغبة المزارع الذي يستخدم هذه الطريقة وقتما يشاء، وبهذا نجد أنّ نبوءة رسول الله هنا تتعلّق بتقدّم الدجّال وقومه في مجال ريّ الأراضي واستخراج الزروع والثمار بوسائل حديثة متطوّرة تُحيل الصحارى والأراضي البـور إلى جنات وارفة الظلال. وجميعنا يعلم أن هذا متحقق فعلاً.

ويشبه هذا الأمر أيضًا نبوءة رسول الله عن الدجّال بأنه يأمر الأنهار فتُطيعه، حيث جاء في حديث له عليه الصلاة والسلام أنّ الدجّال:

(يأتي النهر فيأمره أن يسيل فيسيل، ثم يأمره أن يرجع فيرجع، ثم يأمره أن ييبس فييبس)[7].

وهذا لا يمكن أن يعني بأنّ الدجّال يقف على ضفّة نهر عظيم فيصرخ آمرًا ماءَه قائلاً: “أيها الماء ارجع”. فيرجع إلى مصادره ومنابعه، ثم إذا قال له: “أيها الماء اجْرِ”. فينصاع له طائعًا أمرَه فيجري، ثم إذا قال له: “ايبس”، يتوقّف عن الجريان ويجمد يابسًا في أرضه! إنّ هذا الكلام لا يستطيع قبولَه عقلُ عاقل من الناس؛ بل إنما هي نبوءة عظيمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نبّأنا فيها عن تمكّن الإنسان في المستقبل من السيطرة على مياه الأنهار بواسطة السدود الضخمة الهائلة وبوّاباتها الكبيرة، بحيث يمكن للمهندس المسؤول أن يضغط على زرّ واحد، فيُغلق بوابات السدّ في مسير ماء النهر فيرتدّ بأمره، ثم إذا أراد فَتَحَ هذه البوابات فيجري الماء وينساب بأمره.

وأمّا عن تيبيس الماء فما هي إلاّ النبوءة المتعلّقة بتمكّن الإنسان من تجميد الماء وتحويله إلى جليد في المعامل والبيوت بحسب الرغبة والطلب. وبهذا نجد الكثير والكثير من الكنوز المحمدية في نبوءاته المتعلّقة بالدجّال وقدراته.

وهكذا فإن هذه النبوءات تتعلّق بتقدّم الإنسان الهائل في مجال الريّ بواسطة السدود وغيرها واستصلاح الأراضي واستخراج كنوزها وثرواتها النباتية بأحدث الأساليب العلمية التي تخترعها وتصنّعها الحضارة المعاصرة بوسائلها واختراعاتها العلمية الحديثة.

وعودًا إلى النبوءة القائلة بأنّ الدجّال يأمر السماء أن تمطر فتُمطر، فإنني أرى أنّ ألفاظ هذا الحديث لا تتحدّث عن قدرة إنزال الدجّال للماء -حصرًا- من السماء، بل هي نبوءة خطيرة تتحدّث عن إنزالـه الهـلاك على الناس من السـماء؛ فكيف يكـون ذلك؟

إنّ نبوءة الرسول تتحدّث عن (المطر) وليس الغيث؛ والمطر في اللغة العربية ومصطلح القرآن الكريم غير الغيث. وإذا مـا انتبهنا إلى القرآن الكريم، فإننـا نجد أنّـه لم يستعمل كلمة “المطر” إلاّ في حالة السوء والأذى؛ في حين أنّ الغيث فقط هو الكلمة التي تُستعمل للخير، وإليكم البرهان:

وردت كلمة “مطر” في القرآن الكريم أربع مرّات، وقد استخدمت جميعها في مجال السوء والأذى يقول تعالى:

وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ (النساء: 103)

نلاحظ هنا وجود الأذى بسبب المطر واقتران كلمة الأذى به. ويقول تعالى أيضًا:

وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (الفرقان: 41)

ونلاحظ هنا أيضا اقتران كلمة السوء بكلمة المطر. وكذلك نقرأ قوله تعالى:

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (الشعراء: 174)

وهكذا فإن السوء والأذى يمكن أن يقترنا بكلمة المطر، وأما الغيث فهو الذي يأتي بالأمل من بعد اليأس، يقول تعالى:

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (الشورى: 29)

كما يبين لنا القرآن الكريم بأن الله تعالى قد خصّ نفسه بالقدرة على إنزال الغيث، فلا يجوز أن نشرك بذلك أحدًا آخر كالدجّال أو غيره. يقول تعالى عن نفسه:

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ (لقمان: 35)

يمكننا إذن أن نفهم الآن معنى فتنة الدجّال بأنّه يأمر السماء فتُمطر، ليس فقط بمعنى أنّه ينزّل الماء لريّ النبات، بل أيضًا بمعنى أنّه ينزّل الأذى من السماء كالقنابل والقذائف والصواريخ والمتفجّرات بمختلف أنواعها كالمطر. ونعلم التعبير المألوف الذي يقول فيه الواصفون للغارات الحربية بأنّ الطائرات قد أمطرت مدينةَ كذا أو قرية كذا بوابل من القنابل والصواريخ؛ أو في قولهم: أُمطر العدو بوابل من الرصاص، وفي رأيي أنّ هذا هو المعنى الأعمّ لنبوءة سيدنا محمد بأنّ الدجّال يأمر السماء فتمطر، أي أنّه يأمر طائراته في السماء، فتُمطر الناس بالقنابل والنار والبارود تخويفًا وإرهابًا لهم ليقبلوا دعوته ويؤمنوا به فيتّبعونه، وهذا هو الحاصل أيضًا كما تعلمون، هذا بالإضافة إلى ما ذكرنا من تمكّن أمّة الدجّال من وسائل الريّ الهائلة الحديثة التي ترشّ بواسطتها الماء على زروعها لتُخصب الأراضي الميتة فتُحييها وتحيلها إلى جنات مثمرة وارفة الظلال، والله أعلم.

كما تنبّأ الرسول الكريم ؛ وإلاّ فكيف يمكننا أن نقبل فكرة أن ينام الناس ويبيتون مع النار بالمعنى الحرفي فلا تحرقهم! بل هي نبوءة عظيمة من رسول الله عن استخدام الكهرباء التي تجمع الناس في البيوت والقرى والمدن، بحيث لم يعد بالإمكان تخيّل مكان ينحشر فيه الناس ويجتمعون دون أن تتوفر فيه الكهرباء، التي هي شكل من أشكال النار.

النار التي تصاحب الناس في كلّ مكان

جاء في حديث لرسول الله نبوءةٌ عن نار عجيبة تصحب الناس وتجمعهم في كلّ مكان وهم ينامون ويبيتون معها مطمئنين، قال:

(يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ النَّارُ تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا) (صحيح البخاري، كتاب الرقاق) عن أبي هريرة.

يُبيّـن هـذا الـحديث نبـوءةً عـن المناسبات الـتي يجتمـع فيها النـاس ويُحشرون، فهم يجتمعون في وسائط النقل (البعير) التي يمكن أن تَحمل اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة أو أكثر؛ وهذا ما نراه اليوم من اجتماع الناس في وسائط النقل الحديثة كالسيارات والباصات والقطارات وغيرها. كما أنّ الناس يجتمعون ويُحشرون في القرى والمدن التي تكون فيها الكهرباء متوفرة لضرورتها في الإنارة والتدفئة والتبريد وضخّ الماء وتشغيل الأجهزة وغير ذلك من الاستعمالات الكثيرة. ويمكن اعتبار الكهرباء، كما  هو معلوم، شكلاً من أشكال النار. ولكنّها النار التي يمكن للناس أن يقيموا معها ويبيتوا معها ويصبحوا معها ويمسوا معها، تمامًا كما تنبّأ الرسول الكريم ؛ وإلاّ فكيف يمكننا أن نقبل فكرة أن ينام الناس ويبيتون مع النار بالمعنى الحرفي فلا تحرقهم! بل هي نبوءة عظيمة من رسول الله عن استخدام الكهرباء التي تجمع الناس في البيوت والقرى والمدن، بحيث لم يعد بالإمكان تخيّل مكان ينحشر فيه الناس ويجتمعون دون أن تتوفر فيه الكهرباء، التي هي شكل من أشكال النار.

وهكذا نجد من خلال نبوءات الرسول الكريم عن حمار الدجّال نبوءاته المدهشة عن جميع وسائط النقل الحديثة المعاصرة كالقطارات والطائرات المدنية والطائرات المقاتلة والسفن والسيارات، بوصف دقيق رائع لا يمكن لأحد أن يأتي به إلاّ إذا كان الله ذاته قد أطلعه عليه وأظهره على غيبه فجعله يرى هذه الصوَر والأشكال والأحداث المستقبلية منـذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا من الزمان.

استخدام الطاقة الشمسية:

جاء في حديث لرسول الله يصف الدجّال، قال:

(.. ويتناول الطير من الجو ويشويه في الشمس شيًّا). (الإشاعة لأشراط الساعة) ص: 127، ورواه الحاكم وابن عساكر عن ابن عمرو.

نجد في هذا الحديث نبـوءة عن تمكّـن الإنسـان من اختراع بنادق الصيد المتطوّرة التي تُمكّنُ مُستخدمَها من اصطياد الطير وهو طائر في السماء. وكذلك نجد في هذا الحديث نبوءة عن تمكّن الإنسان من استخدام الطاقة الشمسية لأغراض حرارية، حيث يستطيع أن يشوي بالشمس، أو بالطاقة الشمسية ما يصطاد من طير أو غيره؛ وهذا معروف اليوم إذ قد تمّ اختراع مواقد حرارية تحوّل الطاقة الشمسية إلى طاقة حرارية يمكن استخدامها في طهي الطعام والإنارة والتدفئة وغيرها، كما هو معلوم.

كما عبّر الرسول الكريم في نبوءته عن الاستفادة من تخزين الطاقة الشمسية بقوله إن الدجّال يحبس الشمس كما بيّنا آنفًا، وقد روى نعيم والحاكم عن ابن مسعود أنّ رسول الله قد روى في حديث له أنّ الدجّال يقول:

 (أنا ربّ العالمين وهـذه الشمس تجـري بإذني، أفتريدونني أن أحبسها لكم فيحبس الشمس).

وهكذا نجد أنّ رسول الله قد تنبأ بتوصّل الإنسان إلى استخدام الطاقة الشمسية منذ ما يزيد على ألف وأربعمئة سنة!

كما أنّ حبس الشمس يمكن أن يعني القدرة على مواجهتها بشكل أطول من المعهود أو بشكل مستمرّ ودون غياب عنها، وذلك من خلال السفر بسفن فضائية تطير بسرعة خاصّة بحث تبقى في مواجه مستمرّة مع الشمس التي لا تغيب عن مثل هذه المركبة السريعة ومن فيها، فتبدو وكأنها قد حُبست فلا تغرب أبدًا!

[2] ـ إنّ كلمة ” أهلب” من كلمات المعاني المتضادّة فهي تعني: كثير الشعر كما تعني: لا شعر له، ولذلك فإن الرسول عندما وصف الجساسة في حديث تميم الداري أضاف صفة “كثير الشعر” للبيان فقال: “فلقينا دابة أهلب كثير الشعر”.[3]- إنّ العدد سبعين أو مضاعفاته في اللغة العربية يمكن أن يستخدم للكثرةلا للحصر؛ قال تعالى: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ (التوبة: 80) وطبعًا هذا لا يعني أن الرسول لو استغفر 71 مرّة فإنّ الله سيغفر لهؤلاء المنافقين المذكورين في الآية.

[4]- منشورات عويدات، بيروت-باريس طبعة عام 1993 الصفحة 144.

[5]- جاء في معجم اللغة العربية “كلّ ما علاك فهو سَماك” وهذا يعني أن أي ارتفاع فوق الأرض مهما كان علوّه يمكن أن يسمّى السماء، وبهذا يكون الريّ بالأنابيب الضخمة المرتفعة فوق الحقول بمثابة إنزال المطر من السماء. ومن المعلوم أن ثمة بعض الوسائل لإنزال الماء من الغيم المعقود في السماء بواسطة قذائف خاصّة وغير ذلك مما ذُكر عن هذه الأنباء العلمية الحديثة.

[6]- راجع مادّة سمو في معاجم اللغة العربية.

[7]- رواه نعيم بن حماد في حديث أورده الإمام البرزنجي في كتابه (الإشاعة لأشراط الساعة)، ص: 125. كما أورده المقدسي في كتابه (عقد الدرر في أخبار المنتظر).

Share via
تابعونا على الفايس بوك