“قلت لنفسي لو بنى الإنسان حياته على هذا وما تعدى حدود الله ما أدى بنفسه للتهلكة”
لعل البعض منّا شاهد الفيلم الأمريكي “لا بدون ابنتي” الفيلم يدور حول شاب إيراني تزوج من امرأة أمريكية ثم رحلا إلى إيران حيث بدأت المأساة. فالمرأة الأمريكية لا تستطيع التأقلم مع جو الحياة الشرقي “البربري” كما يصوره الشريط السينمائي، فيعرض الزوج الإيراني عليها العودة إلى بلادها وكما يقول المثل المصري “وَيَا دار ما دخلك شر”، لكنها تأبى العودة إلى أمريكا بدون ابنتها، وتدور عجلة المغامرات. وبمساعدة السفارة الأمريكية وبعض المهربين، تعود إلى أمريكا كبطلة، بعد أن أنقذت ابنتها من أن تكبر وسط البربر الهمج المسلمين؟! قصة هذا الفيلم الأمريكي تعبر بشكل أو بآخر عن طريقة التفكير الغربية حول قضية العلاقات المشتركة بين الغرب المسيحي المتحضر والشرق الإسلامي الهمجي. طريقة التفكير هذه تنعكس في نمط كل تعاملات القطبين المتضادين، سواء على قمة الهرم السياسي أو في أبسط نموذج للتعايش بين حضارتين مختلفتين وذلك من خلال زواج مسلم بمسيحية غربية أو شرقية.
بحثا وراء هذه القضية حملت حقيبة أوراق وذهبت استمع وأنصت وأحاور العديد من الناس لعلي أصل لرؤيا متكاملة حول هذا الموضوع الشائك .
السيد ن. أ. ع مستشار قانوني مصري يرى أنه قانونيا وتشريعيا يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية والأولاد يرثون دين أبيهم وتقبل الزوجة الكتابية أن ينشأ أولادها على تعاليم الإسلام. هذا تشريعيا وقانونيا، أما اجتماعيا فيرى السيد صلاح . ت عالم اجتماع أن الزواج المختلط سلاح ذو حدين فإذا كانت الزوجة فعلا مخلصة في تقبل إسلام زوجها وتقبل بالفعل أن ينشأ أولادها على دين الإسلام فهذا خير عظيم ويساهم في التواصل الاجتماعي بين المسلمين وغيرهم، أما إذا كانت الزوجة غير مخلصة تماما في تقبل إسلام زوجها فإن الأمر يتحول إلى مأساة اجتماعية وإنسانية، ويستهلك المجهودات النفسية والطاقات المادية للطرفين، وربما يضيع الأولاد ضحية لهذا الوضع المؤذي. ويشير السيد فن هافن عامل اجتماعي إلى أن نسبة الطلاق مرتفعة جدا في حالات الزواج المختلط وفي بعض الحالات تصل إلى ٩٥٪. وكثيرا ما تسير العلاقات في منحنيات خطرة، إساءات بدنية واستنزاف نفسي، ويُرجع السيد فن هافن السبب إلى الاختلافات الحضارية العريقة بين طرف العلاقات، بحيث يصعب على كل طرف إرضاء الآخر ويجري تفسير الخلافات التي تكون أحيانا عفوية وغير مقصودة، بشكل سيء مما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الطرفين. لكن هل الزواج المختلط هو الزواج بين شخصين لهما دينان مختلفان فقط أم من بيئات حضارية متباينة. ولماذا يقدم البعض على الزيجات المختلطة رغم أنه من المعلوم أن نسبة نجاحها ضئيلة.
السيد صلاح ت. العالم الاجتماعي يرى أن الزواج بين شخصين من بيئات اجتماعية ودينية مختلفة يحمل في طياته العديد من المشاكل، ولكن لا يعني بالضرورة أن يكون الاختلاف القومي هو السبب. فشاب عربي من بيئة مصرية متوسطة يمكن أن يقيم علاقة زوجية ناجحة مع امرأة عربية مغربية من نفس البيئة لتوافر الزاد الروحي والنفسي والاجتماعي للعلاقة. وربما يفشل مثلاً شاب عربي سوري مسلم في زواجه من امرأة سورية مسيحية من نفس الشريحة الاجتماعية لعدم توازن القاعدة الروحية للزواج. ويضيف قائلاً :إن العواطف الغير خاضعة لزمام العقل كثيرًا ما تقود إلى زيجات مثل هذه، فتحت ضغط العواطف يندفع الناس لبناء علاقات تفتقد لأي أساس سليم، ولا بديل عن الانهيار ما دام الأساس لم يتغير.
أما السيد فن هافن فيرى أن كثيرا من الزيجات المختلطة تتم بسبب قضية أوراق الإقامة في البلدان الأوربية فيندفع الشباب لتقديم تنازلات في البداية لشريكة الحياة المقبلة طمعًا في كسب رضاها حتى تتم قضية أوراق الإقامة على ضير، وبعد الحصول عليها تنفجر كل العواطف المكبوتة، حينما يشعر الزوج أنه لم يعد بحاجة لزوجته في شيء، ويبدأ الطوفان في فيضانه؟!!
لكن ماذا يقول أصحاب القضية أنفسهم، مارية سيدة في السادسة والعشرين من عمرها. تزوجت شابا مغربيا مسلما: لم يهضم أبويَّ قضية الزواج هذه منذ بدايتها فأساءا معاملته وكانا يزدريان بوجوده الشخصي، وكنت أنصاع لهما أحيانا وأتهمه أنه مثل كل العرب. فكان يفقد شعوره ويصير عصبيا وينهال علي ضربًا، انتهى زواجنا بالطلاق، أحيانا أسأل ما السبب؟ هل لو تصرف أبوي بشكل أفضل معه، وكانا مخلصين في نصحهما لي هل كان سيؤدي هذا إلى إنقاذ زواجي، رغم كل شيء لازلت أحبه ولكن أعلم أنه الحب المستحيل !
-السيد أحمد، مصري تزوج من سيدة أوربية، لا أكذب عليك كان الدافع هو أوراق الإقامة، لقد صبرت على إهانتها وطيلة لسانها وامتصاصها لدمي حتى حصلت على جواز السفر؟ فتنفست الصعداء ورحلت، ولكنها لا تزال تطاردني طلبًا للنفقة؟!
– سليم عرابي … كنت متزوجا من سيدة أوروبية من باب الحب، فأنا من عائلة ثرية ولنا أملاك في أوروبا، لكن لم تمش الأمور على ما يرام رغم أنني غير متدين إلا أنه تتبقى دائمًا أشياء لها حرمتها كالقرآن، شهر رمضان، أيام الأعياد، الرموز الدينية، كانت ترى هذه الأمور بشكل مقزز، شعرت بأنني أهان في أعماق كياني فرحلت نادمًا على سنوات ذهبت في اللاشيء.
- هناء …. سيدة عربية مسيحية تزوجت من شاب عربي مسلم: كان رجلا على خلق لكنه لم يهتم كثيرًا بقضية الدين، وكان يذهب بي إلى الكنيسة ويأتي أصدقاء مسيحيون عرب لزيارتنا، لكنه بدأ في التغير يصلي ويصوم. طلب من أن أغير نوعية ثيابي. خفت أن يطلب من أن أصير مسلمة، فهربت وطلبت الطلاق، لا أستطيع أن أخون تقاليدي وتراثي الديني حتى مقابل الحب.
– المهدي محمود: تزوجت سيدة عربية مسيحية كانت سيدة فاضلة لكن الاختلاف الديني وضغوط الأهالي والأقرباء عليها كان صعبا، رفضت حتى أن تنجب أولادًا، لأنها لا تريد أن يكون عندها أولاد مسلمون. قالت لي إنها تحبذ وتود قضاء حياتها معي، لكن أولاد لا.
استفحلت المشاكل وانتهى الأمر بالطلاق. تزوجت بعدها من سيدة مغربية. الحمد لله، لأول مرة أشعر بمعنى الاستقرار النفسي … شعور فقدته منذ سنوات.
في نهاية الجولة كنت عائدًا بالترام، الشوارع مزدحمة، عشرات الوجوه والأصوات، بانوارما من الألوان والملامح، أفكار تزدحم في رأسي، لكن صوتا رقيقا رن في أعماق روحي مطمئنا فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ . قلت لنفسي لو بنى الإنسان حياته على هذا وما تعدى حدود الله ما أدى بنفسه للتهلكة.