مجتمعات الهجرة

مجتمعات الهجرة

خالد صالح

الاندماج وأزمة الهوية

                                                      

منطقة وسط البلد في مدينة Eindhoven  الهولندية الصناعية الشهيرة، أمواج من البشر تتقاذف ذات اليمين وذات اليسار، ملامح حياة الثراء والرفاهية التي يعيشها قطاع كبير من الشعب بادية على الكثيرين، الثياب الأنيقة الغالية، السيارات الفارهة، شباب في مقبل العمر تكتظ به حوانيت الثياب، المقاهي المبعثرة هنا وهناك، أصوات الموسيقى الصاخبة تنبعث من كل الأحياء. وسط طوفان البشر هذا لا تفقد عيناك أصحاب الأصول العربية، تلتقط الآذان كلمات بلهجات مختلفة مصرية عراقية مغربية، إنهم لا يختلفون في ثيابهم وطريقة حياتهم على بقية الناس. صاحب محل ملابس شهير: الشباب والشبات ذوو الأصول العربية ينفقون أيضا بسخاء على مظهرهم الخارجي، ولن أكذب إذا قلتُ إنهم أشد اعتناء بثيابهم وأناقتهم من الهولنديين.

الفتاة التي تقوم بالبيع من أصل مغربي تقول: أتى جدي إلى هولندا منذ سنوات طويلة وأنا وُلدتُ هنا. لقد زرتُ المغرب مرات عديدة في الإجازات الصيفية. هناك يقولون أننا أجانب وهنا كذلك يقولون أننا أجانب. أنا مغربية مسلمة وإذا صح القول مغربية مسلمة مهجرة. تكويني الثقافي والنفسي غربي، لكن أعماقي عربية مسلمة، وأنا فخورة بذلك، أنا لا آكل الخنزير لأنه حرام، وأصوم رمضان، أشعر أنني مسلمة صالحة.

سألتها: هل أنت مخطوبة؟

قالت بحماسة: نعم عندي صديق مغربي نعيش سويا منذ سنة.

قلت: إذن فأنتما غير متزوجين؟

قالت باستنكار: الزواج أمر باكر للغاية ما زلنا صغار.

قلت: لكن هل هذا مباح في الإسلام؟ أنت تعيشين مع رجل دون عقد زواج؟

غضبت وقالت: ولِمَ لا. الإسلام دين التسامح. وما هي قيمة ورقة في العلاقة. المهم هو الحب والاحترام، أما الورق فيأتي بعد. ثم نحن نعيش في هولندا وليس في المغرب. هذه عادات مغربية لا صلة لنا بها!!! نظر لي صديقي نظرة ملخصها لا داعي للمزيد، شكرتها على الحوار وخرجتُ…

السيد يوس: عامل اجتماعي في مؤسسة الشبيبة يقول: واقع الأمر أن الاختلاط بين الأقليات والأغلبية صنع مزيجًا جديدًا من الشعب الهولندي، كثير من الأقليات تربَّوا هنا ودرسوا هنا ويعتنقون طريقة الحياة الهولندية، طبعا لا زالت عندهم قيم خاصة، لكن مزاجهم النفسي للمزاج الهولندي أقرب منه لمزاج الوطن الأصلي. لا تستطيع لومهم على ذلك فهم أيضا أبناء لهذه الحضارة؟!

السيد حسن. قيادي إسلامي بارز:

شباب الأقليات صاروا مأساة مسخ. لاهم هولنديين ولا هم عربًا. هم يسيرون قدمًا هنا وأخرى هناك. الآباء هم المسؤولون. لم يحسنا تربية أولادهم. ما هي الفائدة في قولهم إنهم مسلمون وهم لا علاقة لهم بالإسلام.

ياسين شاب مغربي الأصل:

ما هذا الكلام هل نحن غير مسلمين. وهل الأخ حسن مسلم لأنه يطلق اللحية ويذهب للمسجد. ما هذه العقلية.

دَعِ الأَخَ حسن يذهب عائدًا من حيث أتى. فهذا كلام أناس لا علاقة لهم بواقع الحياة، هل نحن مسخ. ما هذه الألفاظ القبيحة، وهل منهج الأخ حسن غير مستمد من دول غير بلده الأم.

ياسمين تدرس طب العيون في إحدى الجامعات الهولندية: القضية شائكة، المجتمع الهولندي يطالبنا بالاندماج ومجتمعاتنا تعتبر الاندماج انحلالاً.

ياسين: الاندماج بمعنى حسن النطق بلغة البلد الأصلية والحصول على شهادة علمية جيدة تبوؤك مركزًا وظيفيًا حسنًا وإحسان معاملة الجيران الهولنديين. فإن يكون البيت مؤثثًا بشكل أنيق ومظهر الإنسان الخارجي حسن، فهل يعتبر هذا انحلالاً.

ياسمين: أظن أن الفكرة السيئة من الاندماج أتت من بعض الشباب الذين يعيشون حياة منحلة في المغرب ومصر وغيرها من البلدان الإسلامية. وهذا ظلم وتحامل على أبناء المهاجرين واتهامهم بالانحلال، هذا أمر لا يرضاه الله.

رائد، شاب قيادي: يا أخي، العالم يتغير من ألفه إلى يائه وبعض الناس لا يستوعب هذا ولا يريد استيعابه.

ياسين: ما علاقة تغير العالم بهذه القضية.

رائد: الإسلام دين عالمي لا علاقة له بخلافات عرقية وحضارية. القضية بالنسبة لنا أن نحافظ على هويتنا العربية الإسلامية وأن نساهم بشكل إيجابي في حياة البلد الذي نعيش فيه لا أن نتحول إلى هنود حمر يعيشون في خيام ويضعون ريشًا على رؤوسهم بدعوى الحفاظ على الهوية.

الهولنديون كانوا يمشون زمان بأحذية خشبية والآن يفعلون هذا على سبيل الفكاهة فهل فقدوا هويتهم.

ياسمين: لديك حق فيما تقوله.

كان لهيب النقاش يزداد احتدادا. سرحت عيني إلى النافذة. بدأ الطقس يتغير، أشعة الشمس تختفي وراء سحاب داكن. بدأت المطر الخفيف تقرع حافة النافذة. صوت الضجيج يتلاشى، مخلفا وراءه صوت الريح العاصف، انتبهت إلى صوت ياسمين الذي كان مجلجلا، أنا متعودة على كل شيء في هولندا إلا هذا الطقس المتقلب ويبدو أنني لم أتعود عليه أبدًا.

كنت وحيدا وكان الشارع خاليا مبللاً، أنوار الطريق الخافتة لم تكن لتقدر أن تنزع من قلبي وحشة الاغتراب والخوف…

Share via
تابعونا على الفايس بوك