مؤتمر المحبة والسلام

مؤتمر المحبة والسلام

التحرير

مشهد يتكرر كل عام، لكنه في كل عام يحمل شيئًا جديدا. إنه لمشهد له خصوصية ولئن كثرت مظاهر اجتماع الناس ففي هذا الزمان الذي زوجت فيه النفوس، ونشرت فيه الصحف، وتقاصر فيه الزمان. هو مؤتمر لأناس من أجناس وألوان مختلفة تجمعهم كلمة واحدة وعقيدة واحدة وإمام واحد وتوجه واحد. يستبقون الخيرات ويتناجون بينهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبطاعة الله ورسوله وخليفته الذي أقامه.

طموحاتهم أن يصل الإسلام بصورته البهية وبريحه الطيبة إلى كل بقعة من بقاع الأرض. آمالهم لا يحدها مجال وهمتهم لا تعرف المحال. يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا. ويقولون ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.

الجديد في كل عام أن الله تعالى يأتي الأرض ينقصها من أطرافها أفحسب الذين كفروا أنهم غالبون. ويُثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، ويفعل الله ما يشاء. يأتون في كل عام بإخوة لهم أبصرت عيونهم النور، فانطلقوا إلى ظل ظليل وفضل جزيل. دعواهم فيها باسمك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ربنا آمنا واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ربنا اجعلنا مسلمين مؤمنين مهديين بفضلك يا أرحم الراحمين.

ما أجمل أن ترجع النفس المطمئنة إلى ربها راضية مرضية. لله در هذا الإنسان الذي خلق من علق. طوبى له إن علق بالله وتعلق به والويل والثبور له إن تعلق بغيره. مذمومة هذه الدنيا التي تحرفه عن دربه الذي فيه الحياة الأبدية والسعادة والنعيم المقيم. هذا الإنسان هو درة مخلوقات الله وهو المكلف بالعبودية. جعلت هذه الدنيا بخيرها وشرها وقوتها وعزتها وذلتها ليبلو الله الناس أيهم أحسن عملاً، أيهم أجدر بأن ينال شرف العبودية لله وأن ينطبع بكثير من صفاته الحسنى. ما أجل هذه الغاية التي يواكبها الله ويكون منتهاها، ويوفي فيها الله تعالى الناس أجورهم أضعافًا مضاعفة ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وها هي الخيرات تعم والبركات تتم. وها هي الجماعة الإسلامية الأحمدية تحمل شرف السقاية والرفادة على مائدة الإسلام. تطعم الدنيا طعامًا لم يعرفوه إلا قليل منهم. وتسقيهم ماء من حوض المصطفى ، من اغترف غرفة بيده لا يظمأ بعدها أبدًا.

وكما أخبر المصطفى فإن أكبر مراتب الإيمان هي الحب في الله والبغض في الله. وإن حب أفراد الجماعة الإسلامية الأحمدية بعضهم بعضًا، والحب الذي يحملونه للمسلمين كافة كونهم منسوبين إلى حبيبهم المصطفى ، والحب الذي يحملونه للناس أجمعين كونهم خلق الله وعيال الله، إن هذا الحب لهو أمر يميز هذه الجماعة عن غيرها. فلقد تعلم الأحمديون من سيدهم الإمام المهدي وخلفائه محبة الله ورسوله والناس أجمعين. ولقد كان في رسول الله وأصحابه الأخيار أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر. إن تعاليم الإسلام ومسيرته وتاريخه لتشهد بجلاء على أن الإسلام إنما هو دين المحبة والسلام، هو الدين الخالص الذي جاء ليطهر الأرض من الفساد وسفك الدماء. هو الدين الذي حمل لأول مرة بجلاء وفي مصادره الأساسية -وأهمها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة- مبادئ الإنسانية والتسامح والتعايش بين الناس. ولقد حارب الغطرسة والتعصب الأعمى لأي جماعة أو تجمع بشري. ولقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة في التعامل مع من كانوا تحت سلطانهم من غيرهم. فالمآذن التي ارتفعت في الأصقاع ترفع نداء “الله أكبر” ظللت بالأمن والأمان أبراج الكنائس والصوامع ودور العبادة المختلفة. وتحت عدل الإسلام عاشت الأديان آمنة مطمئنة تعبد ما تشاء متى تشاء. ولقد أمن الناس على أنفسهم وأموالهم، وخرجت الدنيا من ظلمات العصور الوسطى إلى فجر الإسلام الذي طلع وسطع باليمن والبركة والعدل والحرية.

أما الآن وقد اضمحل هذا النور، واستبدلت الدنيا عدل الإسلام وميزانه القويم. بميزان الدجال المائل إلى الدنيا والجاه والسلطان وحب الشهوات. وأصبحت الأمم الضعيفة وعلى رأسهم المسلمون على موائدهم أضيع من الأيتام على موائد اللئام. واستبدل الربيع بالقحط، والجنان الغناء بجنان ذوات أكل خمط. وتاقت الأرض إلى ماء السماء ليرويها. وغيض الماء وقضي الأمر ولم تجد العلل ما يشفيها. والليل سدر والظلم انتشر. حتى إذا اشتد الخطب وادلهم. وتكاثف الليل وأظلم. جاء رَوْح الله وتمت كلماته وقضي قضاؤه، فأمر الله الليل فعسعس والصبح فتنفس. وأرسل الغمام بعد الغم. وأوجد الترياق بعد السم.

ودعا الناس إلى مائدته التي هي لأول الخلق وآخرهم، ولإنسهم وجنهم، وغنيهم وفقيرهم، وصغيرهم وكبيرهم. فأكل من أكل من المؤمنين واطمأنت قلوبهم وعلموا أن الله قد صدقهم ورسوله. فهي عيد لهم وآية من الله بعد أن خرب الزرع وجف الضرع.  المسلمون الأحمديون لا يرجون إلا جزاء الله الأوفى ولا يسألون الناس أجرًا. فيا حسرة على من دعي ولم يلب، وعلى من غرته الحياة الدنيا فآثرها وأعرض وأبى. فانطلق إلى ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب. فليس له اليوم ها هنا حميم، إلا شيطان رجيم سيلقاه في سواء الجحيم. أيها الانس إنا ندعوكم بدعوى الإسلام فهلموا إلى الإسلام الحقيقي. ولقد أغواكم الشيطان بالدنيا وناداكم فاستجبتم له فهلكتم وهلكت شجرة الدنيا وذقتم منها زقومًا وغساقًا. وأكلتكم الدنيا وأكلت آباءكم من قبلكم ولوحتكم ولم تبق ولم تذر، فظننتم أن خيرها موصول ونعيمها لا يزول. فلا تركنوا لها فإن دسمها مسموم وخيرها لا يدوم وهذا مما هو لديكم جميعًا معلوم. فاتركوها تأتكم وأعرضوا عنها تقبل عليكم. واجعلوها معراجًا لكم، ذلك بأن أحسن ما فيها هو أن الإنسان يمكن أن يتذوق ثمرات الآخرة فيها إذا كان من الذين صبروا وممن هم ذوو حظ عظيم.

فيا أيها الناس اتقوا ربكم وانظروا في أمرنا. وادعوا ربكم أن يهديكم وإيانا سبيل الرشاد. واسمعوا وعوا فليس لكم أمام ربكم إن أعرضتم عن الحق من حميم ولا شفيع يطاع. وستندمون حيث لا ينفع الندم ولا تقبل الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا، يومئذ تعرضون على الله مالكم من الله من عاصم. لا تنطقون ولا يؤذن لكم فتعتذرون. لمن الملك يومئذ من دون الله الواحد القهار. نسأل الله أن يجنبنا وإياكم هذا الموقف العسير وأن يهدينا وإياكم إلى سبيل الرشاد بفضله ورحمته وهو أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك