المفهوم الحقيقي لختم النبوة

 القسط الخامس والأخير من خطاب ألقاه حضرة مرزا طاهر أحمد

الخليفة الرابع لسيدنا الإمام المهدي

أثناء المؤتمر السنوي للجماعة في بريطانيا سنة 1985م،

ردًّا على تهم باطلة ألصقتها حكومة باكستان آنذاك بجماعتنا ونشرتها في كتيب تحت عنوان

“القاديانية خطر رهيب على الإسلام” أثناء حملتها الشرسة ودعايتها الكاذبة

ضد جماعتنا ومؤسسها

“تنشر أسرة التقوى ترجمة هذا الخطاب على مسؤوليتها”

 

إعلان لا يدعمه دليل

يقول الكتيب الحكومي أيضا: “إن أسفار التوراة والإنجيل تشهد بأن جميع الأنبياء السابقين قد تنبؤوا بالأنبياء المبعوثين بعدهم. ولكن لا توجد في القرآن الكريم أدنى إشارة بهذا الشأن، وعلى عكس ذلك نجد في القرآن الكريم آيات واضحة تبرهن دون أدنى شك أن منصب الرسالة قد وصل إلى باب مسدود وأُغلق باب النبوة إلى الأبد. ويوجد في هذا الصدد عديد من الأحاديث الصحيحة المتفق عليها وهي حائزة على سند التواتر أيضا”. (الكتيب الحكومي ص6)

فيما يتعلق بالجزء الأخير من المقتبس فقد علقت عليها مسبقًا. أما فيما يتعلق بالآيات القرآنية الواضحة حسب قولهم فلم يوردوا ولا واحدة منها تأييدا لإعلانهم. وما قدموه في هذا الصدد هو حديث فقط، يذكر الدجالين الثلاثين ولم يقدموا ولا آية واحدة من القرآن الكريم.

تجاهلهم للآيات القرآنية

والآن نستعرض ادعاءاتهم في ضوء القرآن الكريم. وإن لم يجدوا آيات القرآن الكريم التي تؤيدهم فقد وجدتُ بعض الآيات التي تبطل دعاويهم وتصدق وتؤيد موقف الأحمدية. أما قولهم بأن القرآن لا يذكر أحدًا يُبعث في الأمة المحمدية بعد النبي فإنما يدل على جهلهم. وجهلهم هذا يشبه جهل المسيحيين الذين يقولون: إن التوراة لا تذكر شيئا عن مجيء محمد رسول الله . الحقيقة أنهم لو كانوا يملكون أعين البصيرة لوجدوا هذا الذكر مكتوبا في التوراة بكل جلاء بل بأحرف من النور، ولكن الذي يغمض عينيه متعمدا فلا يقدر أحد على أن يُريه شيئًا رغمًا عنه. لا شك في أن هذا الذكر وارد في القرآن الكريم أكثر من مرة. لقد ورد هذا الذكر من حيث المبدأ، وبصورة معينة أيضا كما ذكرت، في سورة الجمعة، ثم أوردتُ شرحها من الحديث النبوي الشريف الذي يتناول بكل وضوح ذكر مبعوث في الأمة المحمدية. وإليكم الآن أخرى تتناول هذا الذكر من حيث المبدأ. يقول الله :

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (النساء: 70-71)

يستنتج معارضونا من هذه الآية ويقولون إن المطيعين لله والرسول يكونون في صحبة المنعَم عليهم ولن يكونوا من المنعم عليهم. أرى من الأنسب أن نبحث في أمر آخر قبل الخوض في موضوع صحة هذا الاستنتاج. يجب أن نرى ما الذي تعلنه الآيات المذكورة؟

تقول الآية: “من يطع الله والرسولَ” أي محمدًا رسول الله. ما أعظَمَه من إعلان! إنه لإعلان أكبر مما سبقه من هذا القبيل. لا شك أن هذا الإعلان يهب لأَتباع محمد رسول الله مراتب هي أعلى من مراتب وُهبت لأَتباع الأنبياء الآخرين. كان الناس في الماضي يطيعون سيدنا إبراهيم ونوح وداود وسليمان عليهم السلام وكان الله ينعم عليهم. أما الآن فقال الله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ ففي هذه الحالة هل كان من المفروض أن يكون الإنعام على أتباع النبي أكثر من أتباع الأنبياء الآخرين أم أقل؟ وإذا كان الأمر هكذا أي لو لم ينل المطيعون إنعاما بل بقوا في صحبة المنعم عليهم فقط لكان ذلك ظلمًا عظيما وبهتانا كبيرا على محمد ، والقرآن الكريم أيضا. إن هذا الاستنتاج باطل تماما وظلم ما بعده ظلم.

من المعلوم أن النبي أفضل الرسل وأعلاهم مرتبة، وأكثرهم نفعًا وبركة، فهل يعقل أن يقال لأتباعه إنكم لو أطعتموه فلن تنالوا فضلا وبركة، ولن تكونوا من المنعم عليهم بل ستبقون في صحبة المنعَم عليهم فقط؟

هذا المفهوم بديهي البطلان ويكذبه القرآن الكريم بنفسه. لأن كلمة “مع” في آية

فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم…

جاءت في محل المدح، ومثلها كمثل كلمة “مع” وردت في آية وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ … (آل عمران:194)

من المعلوم أن كلمة”مع” تعطي معنى المصاحبة ومعنى “مِن” أيضا. يقول الله تعالى في الآية المذكورة آنفًا أَن ادْعوني قائلين:

وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ …

أي اجْعَلنا يا رب من الأبرار ثم تَوَفَّنا. ولا تعني الآية قط أن الله يأمرنا أن ندعوه أنك عندما تقبض روح الأبرار نرجوك يا رب أن تقبض أرواحنا أيضا معهم. أهذا هو الدعاء الذي يعلمنا الله سبحانه وتعالى يا تُرى في كلامه المجيد؟ ولو قلتم ذلك لسخرتم من الأمة المحمدية والقرآن الكريم. وإلى ما تسخرون وتستهزئون؟ لقد استخدمتْ كلمةُ “مع” في الآيتين المذكورتين بمعنى “من”، ولا يمكن أن يُستمد منها معنى آخر بشكل من الأشكال، لأنه لو استخدمت كلمة “مع” (بمعنى المصاحبة في الحالات العادية) للإشارة إلى عدد أكثر من واحد وللإشارة إلى أفراد النوع أو الجنس نفسه وكان الكلام لكيل المديح لا بد أن تعطي معنى “من” كما في الآية

وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ.

مما يعني أن المؤمنين العاديين والأبرار منهم من جنس واحد، أي البشر. لذا جاءت كلمة مع بمعنى “من” أي لا تتوفنا ربنا إلا إذا كنا من الأبرار عندك. ولكن لو اختلف النوع أو الجنس المشار إليهم في كلمة “مع” لتغير المعنى أيضا وأعطت معنى الصحبة فقط ومثاله آية:

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ .

هنا لم ترد كلمة “مع” بمعنى “من” وذلك لاختلاف النوعين (الله – الصابرين) المشار إليهما. فلو قلتَ إن الحمار مع القوم فهذا يعني أن الحمار في صحبة القوم وليس منهم وذلك لاختلاف النوعين المشار إليهما في الجملة. أما لو قلت إن زيدا مع الصالحين فمعناه أنه صالح من جملة الصالحين المذكورين وذلك بسبب التوافق بين النوعين المشار إليهما. ويقال: أنا مع الذي يحبني. وقال النبي : هو مني، أو كما قال. ففي كل هذه المواضع جاءت كلمة “مع” بمعنى “مِن” حتمًا. أَضِفْ إلى ذلك أن القرآن الكريم نفسه يؤكد على هذا المفهوم في الآية نفسها إذ قال تعالى

فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا

أي إنهم من الأنبياء. مما يعني أنهم يندرجون في قائمة الأنبياء.

من المعلوم أن النبي أفضل الرسل وأعلاهم مرتبة، وأكثرهم نفعًا وبركة، فهل يعقل أن يقال لأتباعه إنكم لو أطعتموه فلن تنالوا فضلا وبركة، ولن تكونوا من المنعم عليهم بل ستبقون في صحبة المنعَم عليهم فقط؟

فلو أراد الله أن يكون المنعم عليهم في صحبة النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين، وألا يندرجوا في قائمتهم لما ذكر كلمة (من النبيين) بل لأعاد كلمة “مع” مرة أخرى ولقال: “مع النبيين”. ولكن الله أزال سوء الفهم الذي كان من الممكن أن يجد سبيله إلى الأذهان وشرح الموضوع أكثر فقال: مع الذين أنعم الله عليهم (أي) من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ثم يقول الله في موضع آخر:

اللَّـهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (الحج: 76).

يقول معاندونا: هذه الآية نزلت حين كان الله قد امتنع عن اصطفاء الرسل من الناس وكان رسول الله خاتم النبيين (آخرهم حسب زعمهم). ولكن الحقيقة أن الله تعالى يخاطب النبيَّ خاتَمَ النبيين ويخبره أنه يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، ولم يقل” كان يصطفي”. ولو كانت النبوة قد انقطعت نهائيا وبكل أنواعها، فما هو الغرض الذي تفيه هذه الآية؟ ولو كان قولهم صحيحا لكان من المفروض أن يقال: ” كان الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس”. كما قال عن سيدنا عيسى وأمه:

كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ (المائدة: 76).

ومن المعلوم من ناحية القواعد أنه إذا كان أحد قد امتنع عن عمل ما نستخدم فعل الاستمرار عند الحديث عن عمله ذلك بل نستخدم في هذه الحالة فعل الماضي كما في كلامه المجيد. إذن كانت النبوة قد أصبحت قضية من الماضي ما كان الله لينزل هذه الآية بهذه الصورة بل كان من الأجدر أن يقال: ” كان يصطفي….” ولكنكم لا تفهمون ما قاله “مفكر الإسلام” أيضا.

وإليكم الآن ما يقوله صاحب تفسير مجمع البيان في شرح هذه الآية: “الله يصطفي من الملائكة رسلا يعني جبريل وميكال ومن الناس يعني النبيين” ( مجمع البيان الطبرسي ، ج7، ص96، بيروت) أي المراد من الرسل هنا الأنبياء. ثم يذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن المجيد ميثاقًا ويقول:

وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ

(آل عمران:82) ثم يقول سبحانه وتعالى في موضع آخر:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا * لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (الأحزاب: 8-9)

يذكر الله سبحانه وتعالى ميثاق النبيين الذي أخذه من كل نبي وهو أن الله تعالى قال لهم: كلما جاء بعدكم نبي مصدقا للكتاب والحكمة التي أوتيتم، فهل تُقرُّون وتعدون أنكم سوف تؤيدونه ولا تخالفونه؟ هذا يعني أن الله تعالى يأمر كل نبي بوضوح تام قائلا: من واجبكم أن تَعظوا وتشرحوا لأممكم أنه كلما جاء رسول لا يخالف شرعكم بل يؤيده وكان مأمورا بخدمته فلا ترفضوه ولا تعارضوه.

ما أعظَمَه من ميثاق! ثم بعد ذلك يخاطب الله في الآية الثانية النبيَ ويقول:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ .

. أتساءل إذا كان باب النبوة قد سُدّ نهائيا فلماذا أخذ الله الميثاق نفسه من النبي ؟ لا شك في أن الله أخذ الميثاق نفسه من النبي أيضا أنه يمكن أن يكون هناك نبيٌّ، ولكنه لن يكون خارج سلطتك.

يقول الإمام الرازي في تفسير الآية التي نحن بصددها: “فحاصل الكلام أنه أوجب على جميع الأنبياء الإيمان بكل رسول جاء مصدقا لما معهم” ( تفسير الفخر الرازي المعروف بالتفسير الكبير تحت آية وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ (دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت عام 1993م)

ما أروَعَه من بيان! يقول: ما دام الكتاب والشريعة ساريتي المفعول ولم يتم نسخُهُما فمن المستحيل أن ينهض كاذبٌ لتأييدهما وتكميل مهمتهما، إذ أن الكاذب إنما يقوم لمعارضة الحق وليس لتأييده. لذلك فإن الذي يقوم لتأييد الشريعة السارية المفعول ونشر دعوتها ويبذل كل ما في وسعه في هذا السبيل فلا تخالفوه بل آمِنوا به.

والواضح أيضًا أن هذه الآية لا تطلب من النبي نفسه أن يؤمن بنبيٍّ مُقبل لأنه من المستحيل أن يُبعثَ نبيٌّ من جديد في حياته، فالحق أن هذا الميثاق إنما يؤخذ من أتباع النبي الذين هو سيدهم ويُطلب منهم الالتزام بهذا العهد، وإلا فالأنبياء لا يمكن أن يخالفوا من يُبعث من عند الله تعالى. وقد أشار القرآن إلى هذا الأمر حيث أمر الله نبيَّهُ وقال:

قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (الزخرف: 82)..

أي أنني مُحب لربي ومُؤثِرٌ لمرضاته، لذا أنا أنفّذ كلَّ ما يأمرني به دومًا، وأنتم الذين تنكرون أوامر الله. أنا لا أومن بوجود ابن لله تعالى، لأن هذا أمرٌ باطل لا أساس له.

الغريب في الأمر أن معاندينا يتجاهلون كل هذه الآيات الواضحة الموجودة في القرآن الكريم ويقولون إننا لا نجد هذا الذكر في القرآن الكريم.

إعراضهم عن الأحاديثِ وأقوالِ الأسلاف

لقد قاموا في البيان الأبيض المزعوم بمراوغة فريدة من نوعها إذ استنبطوا في موضع أن النبوة قد انقطعت نهائيًا حسب مفهوم القرآن، ولم يقدِّموا على موقفهم هذا من القرآن الكريم أيّة آية بل جاؤوا بالأحاديث بدلاً منها. إنهم يقولون إن القرآن يقول كذا وكذا، ولكن عندما يواجهون أحاديث تناقض موقفهم لا يذكرونها أيضًا. فهم أولاً أسرَعوا إلى تقديم الأحاديث لأنهم وجدوا حديثًا واحدًا يؤيِّد موقفهم حسب زعمهم ويقول: لا نبيّ بعدي، حيث كانوا يستطيعون أن يستنبطوا منه استنباطًا خاطئًا عن طريق التلبيس والمداورة المتعمّدة لذلك قفزوا إلى مجال الأحاديث بعدما كانوا قد بدؤوا النقاش من منطلق القرآن الكريم. ولكن الآن حين تعرّضوا في مجال الأحاديث لموقف يُناقض موقفهم حاولوا الفرار من الأحاديث أيضًا. كانوا قد بدؤوا النقاش من الأحاديث وقالوا: إن النبي لم يتنبّأ شيئًا، لذا أرونا إياه من القرآن الكريم. فدَحضنا حجَّتهم هذه وقلنا: إنكم تعرفون جيدًا أنباءً قام بها النبي في هذا الصدد، عندها قاموا بمراوغةٍ أخرى فتحوّلوا من الحديث إلى القرآن. الحقيقة أنه ليس لديهم أساسٌ ثابتٌ يقومون عليه.

لقد ذكرتُ الأنباء الواردة في القرآن الكريم. أما بالنسبة إلى الأحاديث فقد أوردتُ حديثًا أيضًا حيث تنبّأ النبي بمجيء عيسى نبيّ الله. إن معارضينا أيضًا يعترفون بصحة الحديث المشار إليه، كما إنهم يُقرّون بظهور المهدي المنتظر أيضًا، ولكنهم مع ذلك يقولون: كان من المفروض أن يتنبّأ النبي بنفسه عن بعثة شخصٍ كهذا يأتي بعده، ولكن القرآن الكريم لم يذكر مثل هذا النبأ في أي مكان، لذا فلن يبعث الله أحدًا في هذه الأمة. من ناحية أخرى إنهم متمسكون بعقيدةِ ظهور المهدي المنتظر، وإن الذي يؤمن بكونه نبيًّا يكون كافرًا أشدَّ الكفر. وبالإضافة إلى ذلك يعتقدون أن النبي عندما أخبرَ عن نزولِ عيسى قال: «ألا إنه ليس بيني وبينه نبيٌّ وإنه نازل». (الطبراني في الأوسط والكبير)

حلّ النبي هنا قضية «لا نبيّ بعدي» وقضية الدجّالين الثلاثين أيضًا إذ قال: ليس بيني وبينه نبيّ. المراد من “بعدي” هو أنه مهما ظهر الدجّالون الكذّابون فلا تظنوا عيسى دجّالاً إنه نازل لا محالة غير أنه “ليس بيني وبينه نبي”. ثم قال: «ولا رسول وألا إنه خليفتي في أمتي».

مما يعني أنه لم يكن يتحدث عن المسيح الناصري بل كان يذكر مسيحًا جديدًا سوف يُبعثُ في الأمة المحمّدية ويكون منها.

يقول حضرة مُحي الدين ابن العربي رحمه الله:

«عيسى ينزِلُ فينا حَكَمًا من غير تشريع وهو نبيٌّ بلا شك». (الفتوحات المكيّة ج1 ص570)

يعلّق المشائخ المعاندون على هذا التصريح قائلين: إن عيسى نبيٌّ قديم فلا حرجَ في مجيئِه مجددًا، والشيخ ابن العربي أيضًا يتحدث عن نبيٍّ قديم.

ولكن قولهم هذا باطلٌ بالبداهة. لا يتحدّث الإمام ابن العربي عن المسيح القديم إذ يقول حضرته في موضعٍ آخر: “وَجبَ نزوله في آخر الزمان بتعلُّقهِ ببدنٍ آخر”. (تفسير القرآن الكريم للعلّامة محي الدين بن العربي المجلد الأول ص296، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع بيروت)

أي لن يظهر عيسى ببدنٍ قديم، ولن تروا عيسى الذي تعتقدون بغيابه ببدنٍ قديم، بل عيسى الذي سيأتي الآن يكون ببدنٍ جديد. فمن هذا المنطلق يقول حضرته: “هو نبيٌّ بلا شك”.

إنني أستغرب كل الاستغراب من حالة كُتَّابِ البيان الأبيض المزعوم حيث يقولون رغم وجود كل العبارات الواضحة: إن النبي لم يتنبّأ بأحدٍ يُبعث بعده . هذا وقد قدّمنا الأنباء في هذا الصدد من الحديث النبوي الشريف والذي شرحه العلماء الذين يُعتبرون محتلين مكانةً ساميةً جدًا بين الصلحاء الأسلاف.

وإليكم الآن ما قاله الإمام ابن القيِّم:

«ففي زادِ المعاد للحافظ ابن القيّم رحمه الله تعالى: ما يُذكر أن “عيسى رُفِعَ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة” لا يُعرف له أثرٌ مُتصل يجب المصير إليه. قال الشامي: وهو كما قال، فإن ذلك إنما يُروى عن النصارى». (فتح البيان في مقاصد القرآن ج2 المكتبة العصرية سيدا بيروت عام 1992م)

توضح العبارة الآنفة الذكر أمرين اثنين بوضوح تام: أن الروايات التي تُقدَّم في هذا الصدد ليس لها أسنادٌ قوية موثوقٌ بها. ويقول الإمام الشامي: إنها روايات النصارى ولا تقوم على أصل أو أساس. وهل تعرفون من هو صاحب هذا الكلام؟ إنه الإمام ابن القيّم الذي يقدِّمه البيان الأبيض المزعوم كمفكرٍ إسلامي. وإلى جانب ذلك يعتقد حضرته أن عيسى سوف يأتي لا محالة لكن ليس عيسى الناصري لأنه لم يُرفع إلى السماء بجسده العنصري وبالتالي لن يأتي مرة أخرى. إن لم تكن هناك إمكانية بعثة أحد في هذه الأمة فلماذا تحدّث هؤلاء الأئمة الأطهار بمثل هذا الكلام؟

الإمام ابن القيّم الذي يقدِّمه الكتيب الحكومي كحجّة، يقول في موضعٍ آخر: «لو كان موسى وعيسى حيّين لكانا من أتباعه». (مدارج السالكين لابن القيّم ج2 ص496 دار الكتب العلمية بيروت عام 1983م)

من المعلوم أنه لو استحال الجزء الأول من الأصل لاستحال الجزء الثاني أيضًا. ما داما ليسا حيَّيْنِ فلم يدخلا في قائمة الأتباع. وقد ضمَّ ابنُ القيّم سيدَنا موسى أيضًا إلى هذه القائمة. والمراد “لو كان” هو أنهما ليسا على قيد الحياة وإلا لما قال “لو كان”. هكذا يقول الإمام ابن القيّم بأن الروايات القائلة بصعود عيسى إلى السماء ليست إلا أساطير افتراضية.

ومع ذلك يقول هؤلاء الناس بأنه ليس هناك نبأٌ عن مجيء أحد.

المهدي المنتظر والمسيح شخصٌ واحد

هاكم الآن رأي العلّامة ابن خلدون الذي يعترف الكتيّب الحكومي بكونه من مفكري الإسلام والصلحاء العِظام، يقول: «قال ابن أبي واطيل: والشيعة تقول إنه هو المسيح مسيح المسائح من آل محمد. قلت، وعليه حمل بعض المتصوِّفة حديث لا مهدي إلا عيسى. أي لا يكون مهدي إلا المهدي الذي نسبته إلى الشريعة المحمديّة، ونسبة عيسى إلى الشريعة الموسوية». (مقدمة ابن خلدون 407 دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع طبعة عام 1988م)

لاحِظوا الفَرقَ بين كلام الصلحاء الأسلاف الأطهار وكلام علماء الظاهر الحاليين. حيث لم يرفض حضرتُه قولهم على الفور بل قَبِلَهُ، وبالإضافة إلى ذلك بيّن نقطة المعرفة العظيمة أيضًا. أما القول: “لا المهديُّ إلا عيسى” فليس كلامًا خاليًا من الحكمة، بل هكذا يجب أن يكون بأن عيسى الذي ينتمي إلى موسى لا مجال له في الأمة المحمدية. ولا بد أن يظهر في هذه الأمة مسيح ينتمي إلى الشريعة المحمدية وهو خادم مخلص وتلميذ مطيع لسيدنا ومولانا محمد .

رأي د. إقبال حول نزول المسيح

لم يقتصر الأمر في الكتيب الحكومي على مفكر الإسلام المذكور آنفًا بل اعتمدوا على العلّامة إقبال كمفكر الإسلام لدرجة أسسوا فيها حججهم المزعومة على أقواله إلى حدٍّ كبير. أما الآخرون فقد أسموهم بالمفكرين بكل بساطة ثم مروا بهم مرَّ الكرام. لنرَ الآن ما يقوله المفكر الإسلامي المزعوم إقبال في قضية تختلف فيها الأحمدية والفرق الإسلامية الأخرى، ألا وهي أن عيسى الناصري لن يعود إلى الأرض مرة أخرى بل سوف يُبعث شخص آخر ويسمى عيسى بصورة معنوية حسب رأي الأحمدية، في حين تعتقد الفرق الأخرى على عكس ذلك. يقول العلّامة إقبال متحدثًا عن معتقدات الأحمدية بهذا الخصوص:

«بقدر ما استوعبتُ وجهة نظر هذه الحركة فهي كالتالي: أرى أن اعتقاد المرزائيين (ويقصد بذلك الأحمديين) بأن عيسى ذاقَ كأس الممات مثل أي إنسانٍ فانٍ، وأن ظهوره ثانيةً يعني ظهور مثيله من الناحية الروحانية، يحملُ قدرًا من المعقولية». (بيان إقبال ردًا على بندت جواهر لال نهرو، ص٢٢ المطبوع في ١٧ شباط ١٩٣٦ بشارع برانرت لاهور باكستان)

أين ملاذهم الآن؟ إنهم يعتقدون بصورة قاطعة عن المسيح المنتظر أنه سيكون نبيَّ الله حتمًا، وبقي الآن أن نبحث في كيفية مجيئه: هل سيأتي المسيح القديم بنفسه أو سيأتي شخصٌ آخر بصورة مثيله الروحي؟ فيقول مفكرو الإسلام والصلحاء الكبار الذين يعترف بهم معاندونا أيضًا: إن فكرة ظهور المسيح من الأمة المحمديّة بدلاً من ظهور المسيح القديم فكرة معقولة، كما بيّنه العلّامة ابن خلدون بكلمات واضحة وبيَّن حكمة هذا الاعتقاد.

لاحِظوا الفَرقَ بين كلام الصلحاء الأسلاف الأطهار وكلام علماء الظاهر الحاليين. حيث لم يرفض حضرتُه قولهم على الفور بل قَبِلَهُ، وبالإضافة إلى ذلك بيّن نقطة المعرفة العظيمة أيضًا. أما القول: “لا المهديُّ إلا عيسى” فليس كلامًا خاليًا من الحكمة، بل هكذا يجب أن يكون بأن عيسى الذي ينتمي إلى موسى لا مجال له في الأمة المحمدية. ولا بد أن يظهر في هذه الأمة مسيح ينتمي إلى الشريعة المحمدية وهو خادم مخلص وتلميذ مطيع لسيدنا ومولانا محمد .

يجب التنويه هنا إلى أن العلّامة إقبال كان متأثِّرًا بالحضارة الغربية وفلسفتها، وبالتالي كان ينظر إلى الإسلام أيضًا بمنظور الفلسفة الغربيّة، لذا لا يتفق معنا ولا مع غيرنا في أمر المعتقدات. أما فيما يتعلق بمعقولية المعتقدات فيكتفي بالقول إن معتقدات الأحمديين أكثر معقولية من غيرهم لأنها تحتوي على حكمة ومنطق داخلي، ولكنه لا يبوح باعتقاده الشخصي. واقع الأمر أن اعتقاده يختلف عن الأحمديين وغيرهم إذ يعتقد أنه لن يُبعث في الأمة المحمديّة أحدٌ نهائيًا، ويعتبر اعتقاد ظهور المسيح والمهدي قصة افتراضية فحسب. مما يعني أن واحدًا من مفكري الإسلام يقول إن الروايات التي تذكر صعود عيسى إلى السماء بجسده العنصري ليست من الإسلام في شيء، بينما يقول المفكر الآخر (العلّامة إقبال): إن الروايات التي تذكر مجيء عيسى ليست من الإسلام في شيء. مما يعني أن صعود عيسى إلى السماء ونزوله من السماء أمران ناتجان عن روايات غير إسلامية. وهكذا فقد تخلّى اثنان من مفكري الإسلام المذكورين في الكتيب الحكومي عن فكرة عيسى نهائيًا.

لقد نظَّم العلّامة إقبال شعرًا عام 1905م وقال فيها ما تعريبه:

«شاهدْ نزول ربّك على منارة قلبك، وتخلَّ عن انتظار المهدي وعيسى». (باقيات إقبال، ص451، للسيد عبد الواحد معيني)

أي لن يأتي مسيح ولا مهدي. لا شكَّ أن هذا ما قاله العلّامة إقبال في منظومه وقد يقول الشاعر في كلامه المنظوم ما يستدعي التأويل، ولكن لا يمكن التأويل للكلام المنثور. فيقول إقبال في منثوره ما تعريبه:

«الأحاديث المتعلقة بالمهدي والمسيحية والمجددية ناتجة عن أفكار إيرانية وعجمية حسب رأيي ولا علاقة لها بالأفكار العربية وبروح القرآن الصحيحة”. (إقبال نامه الجزء الثاني ص230-231، الرسالة إلى السيد محمد أحسن)

وعلاوة على ذلك هناك العديد من مؤلفات العلامة إقبال التي طالعتها ووجدت فيها عبارات تبرهن على أن هذه الفكرة -عنده- فكرة غير إسلامية وجدت طريقها إلى الإسلام بعد فترة طويلة جدًا ولن يظهر مسيح ولا مهدي. أي أن هذه الأفكار كلها وجدت طريقها إلى المعتقدات بعد قرون طويلة بتأثير من الحضارات الأجنبية. إذن فيجب على أتباع هذا المفكر الإسلامي أن يعلموا أن مفكرهم قد تخلى عن فكرة ظهور المهدي والمسيح بأي شكل كان. أما سيدنا محمد رسول الله فقد تنبأ بالتواتر بمجيئه. لذا يجب أن يحسموا الموقف في أمرهم فيما إذا كانوا يريدون الاقتداء بمفكرهم أو الاقتداء بالنبي ؟ أو هل يختارون (عيسى ) الذي ينتمي إلى أمة موسى ولا ينتمي إلى أمة محمد أم يختارون مَن ينتمي إلى أمة محمد وهو خادمه المخلص وتلميذه المطيع؟

أما فيما يتعلق بنا فنعتقد يقينًا -كما تعتقدون أنتم أيضًا- أن المسيح المقبل سوف يكون نبي الله حتمًا ولا نختلف في هذا الاعتقاد قط. فلماذا تفترون علينا افتراءات كبيرة ولماذا تثيرون ضجة، ولماذا ألفتم كتبًا عديدة وبدأتم حملة التكفير ضدنا؟ في حين تعتقدون أنتم أيضًا اعتقادًا راسخًا أن الذي سيظهر باسم المسيح يكون نبيًا حتمًا. أما قضية كونه قديمًا أم جديدًا فهذا موضوع آخر. ولقد كتب الصلحاء الأسلاف والمفكرون الذين تعترفون بهم أن المسيح المقبل يكون نبي الله ولن يأتي مسيح قديم بل سيظهر شخص آخر ببدن آخر، وأن المهدي وعيسى المقبل لن يكونا شخصين مختلفين. أما فيما يتعلق بالأحمدية فالموضوع بالنسبة لها بيّن وواضح كوضوح النهار ولا مجال للشك والريبة فيه. ولكنكم رغم ذلك تخاصموننا منذ مائة عام، وتظلموننا من جانب واحد، ولا تكادون تكفّون عن هذه الاضطهادات إلى الآن.

لقد وصلني خبر من إقليم السند بباكستان أن أحمديًا قد استُشهد هناك. وقبل فترة وجيزة كان السيد عبد الرحمن، أمير الجماعة الإسلامية الأحمدية في مدينة “سكهر” قد استشهد وجُرح شخص آخر. ثم استشهد هناك شاب اسمه إنعام الرحمن. وصباح هذا اليوم استشهد السيد عبد الرزاق، أمير الجماعة في مدينة “نواب شاه”. أهكذا تسوّى قضايا المعتقدات؟ تستطيعون أن تقتلوا شخصًا أو شخصين أو ألف شخص، واقتلوا بقدر ما شئتم من الأحمديين، ولكننا نعرف يقينًا أن الله جل جلاله لم ولن يزال يعتبرهم أحياء ولا تقدرون على إماتة من أحياه الله. غير أنكم تحاولون عبثًا إحياء من أماته الله سبحانه وتعالى. لقد خابت آمالكم في محاولتكم الأولى ولا بد أن تخفقوا في محاولتكم الثانية أيضًا، ولن تقدروا على إحياء عيسى . إن كنتم تريدون القضاء على الأحمدية فلن تقدروا على ذلك بقتل عشرة من أبنائها أو مائة منهم أو آلاف، بل أحيوا شخصًا واحدًا -عيسى – بدلاً من قتل آلاف من الأحمديين فسوف تموت الجماعة تلقائيًا بإحيائكم إياه. لقد طال الشجار وامتد إلى مائة سنة، ولقد قال علماؤكم أنتم قبل مائة سنة أو أكثر إن حالتكم قد ساءت إلى حد كبير ولم يبق فيكم من الإسلام إلا اسمه، فماذا ينجزه لكم عيسى متربعًا في السماء ولم لا ينزل لإصلاح أحوالكم؟ فبدلاً من أن تقتلوا الأحمديين كلهم أحيوا ميتًا واحدًا، عيسى . وإنني أعلن وأتحداكم باسم الأحمدية كلها أن القضية سوف تنتهي على هذه النقطة. وأقسم بالله أنكم لو أحييتم عيسى أو أنزلتموه من السماء لبايعته أنا وجماعتي بأسرها قبل غيرنا، ولتراجعنا من موقفنا على الفور. ولسوف نقاتل أمام عيسى  وورائه وعن يمينه وعن شماله. فإننا قد تعودنا على الإيمان بالمرسلين وتصديقهم. ولكنني أخبركم أيضًا أن عيسى مسيحكم المزعوم الذي تقدمونه أنتم ولو كان في السماء على سبيل الافتراض ونزل فيكم اليوم لعارضتموه حتمًا لأنكم أبيتم إلا الإنكار والتكذيب. لم لا تحلون القضية عن طريق الدعاء والابتهال إلى الله أن ينزل عيسى لأن الأمر قد طال كثيرًا؟ أرى أن اليهود أحسن حالاً منكم في هذا الشأن على الأقل. إذ لا يزالون يبكون ويبتهلون إلى اليوم عند جدار المبكى ويدعون الله أن يرسل إيليا حتى يعقبه مجيء المسيح حسب زعمهم. ألا تشعرون بألم وحسرة لحال الإسلام؟

أما فيما يتعلق باعتقادكم فلم يظهر حمار الدجال بعد -ناهيك عن ظهور المسيح- والذي سوف يركبه الدجال على حد قولكم ويفشي الدمار والهلاك قبل ظهور المسيح عيسى . لا شك أنكم تعيشون في عالم الأوهام لا علاقة لكم بحقيقة الأمر، .. يا حسرة عليكم!!!

أما نحن فندعو لكم إلى جانب هذه الحسرات. إنني أقسم بعزة الله وجلاله الذي نفسي ونفس الأحمديين كلهم في يده وأدعوه أن يهلكنا جميعًا إن كنا خاطئين وكان عيسى حيًا في السماء في الحقيقة. ولكنني أحلف بالله أنه قد مات والإسلام حيّ. إن حياة الإسلام تقتضي منكم فدية، ألا وهي موت عيسى !! فدعوه يمت ففي ذلك حياة الإسلام.

مثال رائع للصبر والرضا

والآن، قبل أن تسافروا إلى أوطانكم بعد نهاية الاجتماع السنوي هذا، أرجو منكم الدعاء. هناك كثير من الأحبة الذين قدموا إلى هنا من مناطق نائية من كل أنحاء العالم مثل أفريقية وأمريكة وإندونيسيا واليابان وغيرها، بعد تكبد مشاكل كبيرة. وذلك رغم منعي إياهم من الحضور. لم أمنعهم بطبيعة الحال بصورة مباشرة بل صرحت لهم أن هذا الاجتماع اجتماع لفرع الجماعة في بريطانية فقط وليس اجتماعًا مركزيًا. لقد حضر من باكستان كثير من المفلسين الذين أعرف عنهم شخصيًا أنهم كانوا يحصلون على قوتهم اليومي بصعوبة متناهية. فتعجبت كثيرًا من حضورهم. لا أدري ماذا باعوا من أغراضهم الضرورية وحضروا إلى هنا مندفعين بالحب والعشق. نذكرهم في دعائنا دائمًا ونظل نذكرهم كذلك.

وأرجو أن تذكروا في دعائكم أولئك الذين تمنوا الحضور ولكن لم يقدروا على ذلك. أستلم كثيرًا من الرسائل كل يوم حيث يذكر أصحابها باللوعة والتألم الشديدين أمنيتهم للحضور إلى هنا ولكنهم لا يستطيعون ذلك لأسباب قاهرة. إذن فادعوا لهؤلاء الذين يمرون بحالة الكرب هذه، وادعوا للأقوياء والضعفاء منكم إيمانًا، وللذين هم في غفلة من أمرهم إلى الآن.

وادعوا للشهداء الذين قضوا نحبهم لأن الله قد وفقهم لذلك. ادعوا للذين لا يزالون يتمنون الشهادة في سبيل الله وقد آلوا على أنفسهم أنهم لن يولوا دبرهم حين استدعتهم الظروف للتضحية بأنفسهم. ادعوا للمظلومين والظالمين أيضًا لأنهم على الأقل يدّعون بانتمائهم إلى أمة محمد . هذا الاسم محبوب لدينا لدرجة أننا لا نقدر على تحمل هلاك أمته . غير أن الأوضاع المماثلة للعيان توحي أن قادتهم يجرّونهم إلى الدمار والهلاك الشاملين. هناك بعض الأمور تبدو لي بوادرها وتقلقني كثيرًا وإليها أريد لفت انتباهكم.

كان أبناء الأحمدية يستشهدون في الماضي أيضًا إلا أنهم لم يستشهدوا في إقليم السند إلا نادرًا. أما في الحملة الحالية فقد اختار المعاندون إقليم السند بوجه خاص لإثارة هذه الفتنة. إن حركتهم في إقليم فنجاب قد أخفقت على الصعيد العملي غير أن هناك بعض المناطق في إقليم السند لا ترتبط بالأحمدية أي ارتباط فوجد المعاندون فرصة لتشويه سمعة الأحمدية هناك. وكذلك هناك أحزاب سياسية تهيج المشائخ وتستأجر القاتلين لقتل الأحمديين بغية تأجيج الفتنة والفساد للتخلص من الحكومة والإطاحة بها.

أما نحن فندعو لكم إلى جانب هذه الحسرات. إنني أقسم بعزة الله وجلاله الذي نفسي ونفس الأحمديين كلهم في يده وأدعوه أن يهلكنا جميعًا إن كنا خاطئين وكان عيسى حيًا في السماء في الحقيقة. ولكنني أحلف بالله أنه قد مات والإسلام حيّ. إن حياة الإسلام تقتضي منكم فدية، ألا وهي موت عيسى !! فدعوه يمت ففي ذلك حياة الإسلام.

فقد أمهلهم الله تعالى إلى فترة فتشجعوا على قتل الأحمديين الأبرياء، وكل هذا يحدث في وضح النهار ضد المبادىء القانونية.

هذا الوضع يضم في طياته بعض الأخطار وبعض البشارات أيضًا. فيما يتعلق بالأخطار فهي تشبه أخطارًا لحقت بأفغانستان بعد استشهاد سيد الشهداء عبد اللطيف إذ تعرض القوم إثر استشهاده للدمار الشامل ولا يزال يمر إلى اليوم في ظروف مؤلمة للغاية وعقوبة قاسية وفقًا لوحي تلقاه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود . أما البشارات فتتحقق بشكل أنه حيث تُهرق دماء الشهداء فتنبت من الأرض الحدائق والبساتين المزهرة والمثمرة. ومقابل كل قطرة من دمهم يهدي الله  أرواحًا سعيدة كثيرة. والقرآن الكريم يؤكد على كلا الأمرين، أي أن الشهادات تسبب النمو والازدهار الكبيرين ونزول الأفضال والبركات الإلهية. وقد يحل بالظالمين الغاشمين دمار شامل فيطوى صفهم. ولا شك أن أحد الأمرين سوف يحدث لا محالة. أما إقليم السند فسيذوق العذاب السماوي وبطش الله القهار. إذا كان الساسة المحليون يؤججون هذه الفتنة فإن الله سوف يأخذهم بذنبهم.

المصائب التي تصب علينا سوف نتحملها في سبيل الله. لسنا مثل مَن يرضون بالنعم فقط، بل قد تعودنا على الرضا في الابتلاء والمصائب أيضًا. لذا نحن سعداء وفرحون في كل الأحوال لأننا قد تعلمنا أساليب الصبر والرضا وعليها سوف نعيش إلى آخر لحظة في حياتنا. غير أنكم أنتم يا معاندينا في خطر لأن العقاب عندما يحل بقوم لا يترك مجالاً للفرار. وسوف يحيط بكم العذاب قبل أن تشعروا بما يجري حولكم. ولكن لو استغفرتم الله وتبتم إليه طالبين رحمته ونصرته لوجب عليكم أن تمتنعوا عن تأجيج الفتن وهذا هو السبيل الوحيد لنجاتكم.

كذلك أقول لأبناء الأحمدية إن كنتم تريدون أن ينضم إلى الأحمدية أعداد كبيرة في إقليم سند فابتهلوا إلى الله كثيرًا. لا شك أن الإنسان يفرح بمشاهدة ظهور آيات الله القاهرة وبطشه الأعداء، ولكن مما لا شك فيه أيضًا أننا نتوجع ونتألم أكثر في مثل هذه المواقف. أما البركات التي تُنزّل على العافين عقب عفوهم وترحّمهم على أعدائهم تمنحهم لذة روحية لا مثيل لها. لذا فاطلبوا اللذة ولكن ليس لذة الانتقام بل لذة العفو.

فهرس مواضيع الأقساط الخمس لهذا الخطاب

  • تهمة بغيضة لا أصل لها
  • الإيمان القوي بكون النبي خاتم النبيين
  • مثال سافر على التلبيس وإخفاء الحق
  • ختم النبوة تحيط بكمالات النبوة كلها
  • المفهوم الجديد والمفعم بالمعرفة الدقيقة لخاتم النبيين
  • تأويلات بالغة الحكمة لمفكري الإسلام
  • ختم النبوة أرفع من حدود الزمن
  • تأويل يعكس الجهل والغباوة
  • لاحظوا الفرق بين الثرى والثريا
  • مفهوم ختم النبوة في ضوء الأحاديث
  • المسيح المقبل يكون نبي الله
  • كمال البناء يعني كمال الشريعة
  • معنى الـ “بعد” اللغوية
  • حاجة الزمن إلى بعثة نبي
  • دليل آخر على إمكانية النبوة
  • المعنى الحقيقي لـ “لانبي بعدي”
  • قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
  • رأي الإمام قتيبة رحمه الله
  • حكم/ رأي عالم صالح وتقي آخر
  • لن يأتي نبي بشريعة جديدة
  • إمكانية مجيء نبي دون شريعة
  • اعتقاد عالم من علماء أهل الحديث
  • لن يكون هناك نبي يساوي النبي مرتبة وشأنًا
  • تلبيس آخر في الكتيب الحكومي
  • المفهوم الحقيقي لخاتم النبيين
  • أسقام الأمة رغم وجود الكتاب الكامل
  • دروس من تاريخ الأنبياء
  • احتجاج قرية سدوم
  • الانتظار الشديد للمهدي الموعود
  • تحديد “الآخرين منهم”
  • مواربة الكتيب الحكومي
  • هكذا يتميز الصادق من الكاذب
  • السبب الحقيقي لمعارضة المبعوثين من الله
  • مراوغة الكتيب الحكومي
  • الاعتقاد بختم النبوة وأسس الإيمان
  • الإيمان بختم النبوة وفكرة التمدن والحضارة
  • الحضارة الإسلامية في رأي العلماء
  • إعلان لا يدعمه دليل
  • تجاهلهم الآيات القرآنية
  • تجاهلهم الأحاديث وأقوال الأئمة
  • المهدي والمسيح اسمان لشخص واحد
  • نزول المسيح ومفكر الإسلام المزعوم في الكتيب الحكومي
  • المثال الرائع للصبر والرضا
Share via
تابعونا على الفايس بوك