الإسلام دين حي

 

أيّها الناس.. تمّتْ عليكم حجة الله فإلامَ تفرّون؟ وإن آياته من كلّ جهةٍ ظهرت، والإسلام نـزل في غار الغربة وأوامره تعطّلت، وكلّ آفةٍ عليه نزلت، وكلّّ مصيبةٍ كشرت له أنيابها، وكلّ نحوسةٍ فُتح عليه بابها، والألْفُ السادس الذي وُعد فيه ظهور المسيح قد انقضى، فما زعمكم.. أأخلفَ الله وعده أو وفّى؟ ألا ترون كيف اتّفقت الأمم على خلاف هذه الملّة، وصالوا عليه متّفقين كسباع تخرج من الأَجَمة الواحدة، وبقي الإسلام كوحيدٍ طريد، وصار غَرَضَ كلِّ مَريدٍ، وللأغيار عيدٌ، وقمرُنا ذو القعدة، قَعَدْنا كالمنهزمين من الكَفَرة بكمال الخوف والرِّعْدة، وهم يطعنون في ديننا ولا كطَعْن الصَّعْدة؟ فعند ذلك بعثني ربّي على رأس المائة. أتزعمون أنه أرسلني من غير الضرورة؟ ووالله إنّي أرى أن الضرورة قد زادتْ من زمانٍ سَبَقَ، وولّى الإقبال كغلامٍ أَبَقَ. وكان الإسلام كرجل لطيف البُنْية، مليح الحلْية، والآن ترى على وجهه سواد البدعات، وقروح المحدَثات، ونُقل إلى الغثّ سمينُه، وإلى الكدر مَعينُه، وإلى الظلمات نوره، وإلى الأخْرِبة قصوره، وصار كدارٍ ليس فيها أهلها، أو كوَقْبَةِ مَشارٍ ما بقي فيها إلا نحلُها. فكيف تظنّون أن الله ما أرسل مجـدّدًا في هذا الزمان، وكان وقت نـزولِ المائدة لا وقت رفعِ الخِوان. وكيف تزعمون أن الله الكريم عند ازدحام هذه البدعات وسيل السيئاتِ، ما أراد إصلاح الخلق، بل سلّط على المسلمين دجّالا منهم ليهلكهم بسمّ الضلالات؟ أكان دجلُ النصارى قليلاً غير تامٍّ في الإضلال، فكمّله الله بهذا الدجّال؟ فوالله ليس هذا الرأي من عين العقول والأبصار، بل هو صوت أنكَرُ مِن صوت الحمارِ، وأضعف مِن رَجْعِ الحُوار.

ثم مع ذلك كيف نـزلت الآيات تَتْرَى لتأييد رجل يعلمه الله أنه من المفترين؟ أليس فيكم شيء من تقوى القلوب يا معشر المنكرين؟ ما كان لعبد أن يفتري على الله ثم ينصره الله كالمقبولين، فإن مِنْ هذا يُرفَع الأمان ويشتبه الأمر ويتزلزل الإيمان، وفيه بلاء للطالبين. أتزعمون أن رجلا يفتري على الله كلّ ليلٍ ونهارٍ، وآصال وأبكارٍ، ويقول يوحى إليّ وما أوحي إليه شيء، ثم ينصره ربّه كما ينصر الصادقين؟ أهذا أمر يقبله العقل السليم؟ ما لكم لا تفكّرون كالمتقين؟ أبقِيتْ لكم دجّالون.. وأين المجدّدون والمصلحون، وقد أكل الدينَ دودُ الكفر.. ألا تنظرون؟

أَلا ترون علماء النصارى كيف يخدعون الجهّال، ويلمّعون الأقوال والأعمال، لعلهم يرجعون؟ وإن الله أنـزل لكم حجّة عليهم، فلم لا تنتفعون بحجّته أيها العاقلون؟ ووالله لو اجتمع أوّلهم وآخرهم، وخواصّهم وعوامّهم، ورجالهم ونساؤهم، ما استطاعوا أن يأتوا بآية كما نُعطَى من ربّنا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. ذلك بأنهم على الباطل، ونحن على الحقّ، وإلهنا حيٌّ، وإلههم ميّت، فلا يسمع شهيقهم ولا زفيرا. وإن لنا نبيّ نرى آيات صدقه في هذا الزمن، وليس في أيديهم إلا خضْراء الدِّمَنِ، فأين تفرّون من حصنِ الأمن أيها الغافلون؟

وإن نبيّنا خاتم الأنبياء، لا نبيّ بعده، إلا الذي ينوَّر بنوره، ويكون ظهوره ظِلَّ ظهوره. فالوحي لنا حقٌّ ومِلْكٌ بعد الاتّباع، وهو ضالّةُ فطرتنا وجدناه من هذا النبيّ المطاع، فأُعطينا مجّانًا من غير الاشتراء. والمؤمن الكامل هو الذي رُزق من هذه النعمة على سبيل الموهبة، والذي لم يُرزَق منه شيئًا يُخاف عليه سوء الخاتمة.

هذه ملّتنا، نرى كلّ آنٍ ثمارها، ونشاهد أنوارها. وأما دين النصارى فليس إلا كدارٍ يخوّف الناسَ دُجاها، ويعمي العيونَ دُخاها، وهل لها آية لنراها؟ ووالله لو لم يكن دين الإسلام لتعسّرتْ معرفة ربّ العالمين، فما ظهرتْ خبيئة المعارف إلا بهذا الدين. وإنه كشجرة تؤتي أُكُلها كلّ حين، ويدعو الآكلين الذين هم من العاقلين. وأمّا دين عيسى فما هو إلا كشجرة اجْتثّتْ من الأرض، وأزالت الصراصر قرارها، ثم اللصوص ما أبقَوا آثارها. وليس في دينهم إلا قصص منقولة، ومن المشاهدات معزولة. ومن المعلوم أن القصص المجرّدة لا تهب اليقين، وليس فيها قوّة تجذب إلى ربّ العالمين. وإنّما الجذب في الآيات المشهودة، والكرامات الموجودة، وبها تتبدّل القلوب، وتزكّى النفوس وتزول العيوب، فهي مختصّ بالإسلام، واتّباع نبيّنا خير الأنام، وإنا على هذا من الشاهدين، بل من أهلها ومن المجرّبين، ونتمّ بها الحجّة على المنكرين. وأيّ شيءٍ الدينُ الذي كان كدارٍ عفَتْ آثارها، أو كروضةٍ أُجيحت أشجارها؟ ولا يرضى العاقل بدينٍ كان كدارٍ خربتْ، أو كعصا انكسرتْ، أو كامْرأة عقَرتْ، أو كعين عميتْ‎.

فالحمد لله كلّ الحمد، أن الإسلام دين حيٌّ يُحيي الأموات، ويُخضّر المَوات، ويُنضّر الحياة. وإني أعجب، والله، كلَّ العجب من قومٍ يقولون إنا من فِرق الإسلام، ثم ينكرون فيوض هذا الدين وفيوض نبيّنا خير الأنام، ومكالمة الله العلام. ما لهم لا يهبّون من رقْدتهم، ولا يفتحون عيون فطنتهم؟ فأستعيذ بالله من مثل حالهم وأعجب لهم ولأقوالهم! وقد قُمت فيهم مأمورًا من الله فلا يؤمنون، وأدعو إلى الله فلا يأتون، ويمرّون كأنهم ما سمعوا وهم يسمعون. أما بلغتْهم قصص قوم كانوا يكذّبون رسلهم ولا ينتهون؟ أم لهم براءة في القرآن فهم بها يتمسّكون؟

وإني، والله، من الرحمن، يكلّمني ربّي ويوحي إليّ بالفضل والإحسان. وإني نشدتُه حتى وجدتُه، وطلبتُه حتى أصبتُه. وإني أُعطيتُ حياةً بعد الممات، ووجدت الحقّ بعد ترك الفانيات. وإنّ ربّنا لا يضيع قومًا طالبين، ولا يترك في الشبهات من طلب اليقين. وإنكم مكرتم كلّ المكر، ولو لا فضل الله ورحمته لكنت من الهالكين. وخاطبني ربي وقال: إنك بأعيننا، فأوفى وعده في كل موطنٍ وعند كلّ كيدٍ من الكائدين. ونصرني وآواني إليه، وكرَّ كلُّ واحدٍ منكم عليّ، فلم يتمكّن بشر مني فرجعوا خائبين.

وقطعتم ما أمر الله به أن يوصل، وأشعتم بين الناس أن هؤلاء ليسوا من المسلمين، وتمنّيتم أن نكون من المخذولين، فقلّب الله عليكم أمانيكم، ونشر ذكْرنا في العالمين. أهذا جزاء المفترين؟

(الإستفتاء، ضميمة حقيقة الوحي)

Share via
تابعونا على الفايس بوك