نكبة الخروج عن تعاليم المسيح الناصري عليه السلام

نكبة الخروج عن تعاليم المسيح الناصري عليه السلام

محمد منير إدلبي

باحث إسلامي

احذروا .. الدجال يجتاح العالم (10)

تحت عنوان “الاختراق.. ثغرة في جدار المسيحية” يحقّق الأستاذ سعيد أيوب في كتابه: (المسيح الدجال قراءة سياسية في أصول الديانات الكبرى) في أصول المسيحية الحديثة فيكشف النقاب عن حقائق تاريخية موثّقة تفيد أن شاؤل (القديس بولس) مضطهِد ومعذّب المسيحيين الأوائل الذي يعدّ الآن أبا المسيحية الحديثة قد أحدث ثغرةً في جدار المسيحية بتوجيه يهودي مدروس فيقول: عندما يكون الأذى المكشوف غير مضمون النتائج، يتّبع اليهود الطرق الخفية ذات النتائج المؤكّدة، وهـذه الطرق هي سراديب الأعمال السـرّية. ويعلّق الأسـتاذ أيوب في الهامش على الأعمال السرّية لليهود فيقول: إنّ الأعمال السرّية لليهود لهـا وجـوه متعـدّدة ومنها الذي يعمـل تحـت سـتار الجمعيـّات الخـيرية. ومنها الذي يعمـل على تحديد نسـل المسلمـين خاصـّة. ومن الجمعيات السريّة التي تعمل على تحقيق أهداف اليهود الروتاري واللايونز وشهود يهوه.. وغيرها[2].ويتابع فيقول بأنّ أعرق الجماعات السريّة التي صنعها اليهود لتسيير ولَوي الأحداث في اتجاه الدجال هي الماسونية.

وعندما سُئل اليهودي راكتشت عن الماسونية قال:

“الماسونيون الأحرار هم الذين يبنون المملكة اليهودية العالمية[3]”.

وقال دوزي:

“الماسونية جمهور كبير من مذاهب مختلفة يعملون لغاية واحدة هي إعادة الهيكل الذي هو رمز دولة إسرائيل. ولكن لا يعلم هذه الغاية إلاّ قليل”[4].

إذن هناك القلّة التي تعرف وتلوي -في اتجاهها ولخدمة مصالحها وأهدافها- الكثرةَ التي لا تعرف. ومـن الحقائق التي صنعتها القلّة التي تعرف وسيطرت من خلالها على الكثرة التي لا تعرف، هي خطة حرف المسيحية وتحريفها بمكر يهودي محكم أَخرجَ المسيحية من مسيحية المسيح إلى مسيحية بولس (شاؤول) أكـبر مضطهدي ومعذبي أصحاب وأتباع المسيح من المؤمنين الأوائل!

وهكذا تغلغل بولس -الذي لم ير المسيح- في بعض عقول القوم بإنجيل زعم أنه قد تسلّمه من المسيح الذي نفى عنه كونه إنسانًا، وتلك كانت نكبة الخروج على المسيح فقد جعله بولس إلهًا، في حين أنّ المسيح قد أكّد على أنّه عبد لله الذي هو وحده إلهه كما هو إله أتباعه المؤمنين فقال عن ربّه: “..وَإلَهِي وَإلَهُكُم” (يوحنا 20:17)

وكما رأينا فقد كان المسيح يؤكّد طوال عمره على حقيقة أنّ الرب إله واحد لا إله إلاّ هو، حيث نقرأ في الإنجيل ما يلي:

“فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَنًا، سَأَلَهُ: أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟ فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ… فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: جَيِّدًا يَا مُعَلِّمُ. بِالْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ اللهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.” (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ 12: 28-32)

وهذا ما أكّده القرآن الكريم عن المسيح الناصري  حيث يقول لربّه :

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ (المائدة:  118)

وهذا يذكّرنا بقول المسيح في الإنجيل عن ربه:

إلهي وإلهكـم” – (إنجيل يوحنا 20: 17). وهذا يعني أنه لم يكـن يتحـدّث عن نفسه إلاّ باعتباره إنسانًا نبيًا من عند الله الذي هو إلهه، كما هو إله العباد. وهذه هي الحقيقة الإيمانية التي كان يؤمن بها أتباع المسيح من المؤمنين الأوائل، فهم لم يكونوا يعتقدون به إلاّ كإنسان نبيّ مقتدر في القول الحقّ المبين أمام الله والناس، حيث نقرأ في  إنجيل لوقا الإصحاح: 24 العدد 19 – 21 ما يلي:

“هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ؟ فَقَالَ لَهُمَا: وَمَا هِيَ؟ فَقَالاَ: الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي كَانَ إِنْسَانًا نَبِيًّا مُقْتَدِرًا فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ” (إِنْجِيلُ لُوقَا 24: 18-19) Good Bible News

لهذا يعدّ الخروج بالمسيحية عن توحيد الله إلى تأليه المسيح خيانة لمسيحية المسيح وخروجًا عنها. ويبدو أنّ الكاردينال دانيلوا قد تفهّم الخط البولُسي عندما قال:

“.. إنّ المسيحيين المخلصين يعتبرون بولس خائنًا، وتصفه وثائق مسيحية بالعدوّ، وتتهمه بالتواطؤ التكتيكي.” عن (حقيقة التبشير) أحمد عبد الوهاب ، ص: 59

ويقول مايكل هارث في كتابه المئة الأوائل:

“…. وإنّ عددًا من الباحثين يرون أنّ مؤسس الديانة المسيحية هو بولس وليس المسيح. وليس من المنطق في شيء أن يكون المسيح مسؤولاً عمّا أضـافته الكنيسة أو رجالها إلى الدين المسيحي، إذ أن كثيرًا ممّا أضافوه يتنافـى مع تعاليـم المسـيح نفسـه”.  عن مجلّـة “أكتوبـر” العـدد: 104- 106

ويقول موريس بوكاي:

“.. إنّ بولس كان أكثر وجوه المسيحية موضعًا للنقاش. وإذا كان قد اعتبر خائنًا لفكر المسيح، فذلك لأنه قد كوّن مسيحية على حساب هؤلاء الذين جمعهم المسيح حوله لنشر تعاليمه. ولم يكن بولس قد عرف المسيح في حياته” (دراسات في الكتب المقدّسة) بوريس بوكاي، ص: 101

وهذا هو أيضًا رأي تلاميذ المسيح الذين لم يقبلوا بولس ولم يثقوا به، حيث نقرأ في سفر أعمال الرسل:

“وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ بِالتَّلاَمِيذِ، وَكَانَ الْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ” (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 9: 26)

*المسيح يؤكّد على الالتزام بالناموس وبولس يعتبره لعنة!

رأينا كيف أكَّد المسيح  لأتباعه بأنه لم يأت لينقض الناموس والأنبياء بل جاء ليكمل ويُتمّ، فقال:

“لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 5: 17-18)

ولذلك فقد فهم المؤمنون من المسيحيين الأوائل بأنّ الإيمان وحده لا يُبرر الإنسان بل لا بدّ من الأعمال الصالحة ليتبرّر بها، ونقرأ مصداقًا لهذا الإيمان المسيحي الحق في رسالة يعقوب أخي يسوع المسيح حيث يقول:

“تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَبِالإِيمَانِ وَحْدَهُ”. (رِسَالَةُ يَعْقُوبَ 2 : 24) (الإنجيل كتاب الحياة ص 323)

وكذلك يقول في رسالته إلى المؤمنين الأوائل:

“مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟”. (رِسَالَةُ يَعْقُوبَ 2: 14)ويؤكّد متابعًا فيقول: “هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ”. (رِسَالَةُ يَعْقُوبَ 2: 17)

ويطرح يعقوب في رسالته جدلاً منطقيًا يدحض فكرة التبرّر بالإيمان وحده من غير عمل فيقول:

“لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ» أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي.” (رِسَالَةُ يَعْقُوبَ 2: 18)

ثم يقول في موضع آخر من رسالته:

“وَلكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ؟” (رِسَالَةُ يَعْقُوبَ 2: 20)، أي لا قيمة له ولا نجاة فيه.

كان هذا هو إيمان المسيحيين الأوائل الذين نهلوا مباشرة من المعين الصافي لتعليم المسيح الناصري . ومن المعلوم في التاريخ الإنساني أنّ البشرية جميعًا وعلى اختلاف مذاهبها تحترم الأنبياء وشريعتهم وتعاليمهم السامية وتعتبر أنهم كانوا مصلحين اجتماعيين جاؤوا بالخير والعدل والرحمة لأقوامهم، وبالإضافة إلى هذا التقدير فإنّ المؤمنين جميعًا يرون شرع الله وناموسه الذي جاء به الأنبياء خيرًا عظيمًا ونعمة كبيرة للبشرية، ولم يحدث في التاريخ أبدًا أن شجب الفكر الإنساني شريعة الأنبياء وتعاليمهم السامية التي يشهد التاريخ أنها لم تأت إلاّ بالخير والعدل والسلام، ولكن بالرغم من هذه الحقيقة المؤكّدة فقد طلع بولس على الناس بتعليم جديد لم يخالف به الفكر والمنطق والتاريخ البشري فحسب، بل خالف أوّل ما خالف المسيحَ نفسه والكتابَ المقدّس وناموس موسى والأنبياء، ذلك الناموس الذي أعلن المسيحُ  أنه لم يأت لينقضه بل ليُكمله، وذلك بدعوة الناس إلى العمل عليه حق العمل، كما أعلن  أنّه لن يزول من ناموس الله وشرعه حرف أو نقطة إلى أن يزول الكون.. حتى يكون الكلّ[5].

فبماذا طلع بولس على الناس؟!

من المتناقضات التي يصعب قبولها في تعاليم بولس هو تناقضه مع نفسه في مسألة موقفه من الشريعة، حيث نقرأ في رسالته إلى روما بيانًا يتوافق مع إيمان المسيح والمؤمنين الأوائل رغم أنه هو ذاته قد أقام عقيدته على نقيض ذلك البيان، يقول:

“لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُون”. (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ 2: 13)

والغريب أنه بالرغم من تعليمه هذا يعود فيناقض نفسه ويخالف المسيح والناموس والأنبياء فيقول:

“وَلكِنْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَتَبَرَّرُ بِالنَّامُوسِ عِنْدَ اللهِ فَظَاهِرٌ، لأَنَّ «الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا». (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ 3: 11)- إنجيل الحياة ص 259

كما يقول:

“لأَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ النَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ”. (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ 3: 10) -أي أمام الله-

ويبرّر بولس هذا التعليمَ المصِرّ على نشر عقيدة تخالف ما جاء به المسيح ، فيقول:

“الْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا” (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ 3: 13)

ثم ينقض أيّ برّ بشريعة الله وناموسه قائلاً:

“إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ” (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ 2: 21)

* دفاع عن السيّد المسيح

ولا بدّ هنا من التريّث قليلاً لنتفكّر في (التقدير!) الذي أشهره بولس للمسيح ، عندما قال:

“المسيح…. صار لعنة لأجلنا!”

جاء في معجم محيط المحيط للمعلّم بطرس البستاني في معنى (اللعنة) ما يلي:

“لعنه يلعنه لعنًا: طرده وأبعده من الخير وأخزاه وسبّه.. وذلك لعين وملعون.. وقال في التعريفات: اللعن من الله هو إبعاد العبد بسخطه، ومن الإنسان الدعاء بسخطه. لَعَنَه: عذّبه. وتلاعنوا: تماجنوا. واللعنة اسم من اللعن والعذاب، وشرعًا إبعاد الله للعبد من رحمته في الدنيا بانقطاع التوفيق، وفي العُقبى بالابتلاء بالعقوبة. هذا في حق الكفار. وأما في حقّ المؤمنين فإسقاطهم من درجة الأبرار الصالحين. واللعين أيضًا من يلعنه كلّ واحد، والممسوخ والمشؤوم والمـُسبّب.. واللعين أيضًا المخزى والمهلَك والشيطان لأنه أُبعد من رحمة الله وهي صفة غالبة عليه”. (محيط المحيد للمعلم بطرس البستاني).

وبهذا فإنّ اتّهام بولس للسيّد المسيح  بأنه قد صار لعنة لأجل أتباعه، لا يمكن أن يكون (تقديرًا) أو (إيمانًا) ولا بأيّ حال من الأحوال. وكيف يمكن لهذه التّهمة الباطلة أن تكون تقديرًا لشخص السيد المسيح  في حين لو أنّه قد صار لعنة حقًا لكان قد اتّصف بصفات الملعون التي تُشير إليها هذه الصفة -كما وجدنا في المعنى اللغوي في معجم محيط المحيط للمعلم بُطرس البساتاني آنفًا- والتي لا يمكن قبولها بحق المسيح بأيّ شكل من الأشكال ولا لأيّ عذر من الأعذار وهي: أن الله سبحانه وتعالى قد طرد المسيح  وأبعده من الخير وأخزاه وسبّه!

– وأنه قد أبعده بسخطه!

– وأنه قد عذَّبه!

– وأنه قد أبعده من رحمته وتوفيقه في الدنيا!

– وأنه قد ابتلاه في العقوبة في الآخرة!

– وأنه قد أسقطه من درجة الأبرار الصالحين!

– وأنه قد صار ملعونًا من كلّ واحد من الناس!

– وأنه قد صار ممسوخًا ومشؤومًا ومسبوبًا!

– وأنه قد صار مَخزيًّا ومُهلكًا وشيطانًا!

فكيف لمؤمن بالسيّد المسيح ورسالته العظيمة أن يتّهمه، أو يقبل اتّهامه بهذه الأضاليل والأباطيل البشعة التي لا تليق إلاّ بالشيطان وحده!

وإذا بيّن الإنجيل بأن السيّد المسيح نفسه قد كان يدعو الشيطان بالملعون، والعالم كلّه يعرف أنّ الملعون صفة الشيطان وحده، أَفَلَيسَ من العجيب الغريب أن يُطلِق بولس هذه الصفة على السيّد المسيح أيضًا؟ وليس ذلك فحسب، بل أن يجعل منها  عقيدة مُقدّسة يتبعها مئات الملايين من البشر!

أهي مأساة العقل أم بؤس المنطق!

إنني أدعو جميع إخوتي وأحبّائي المسيحيين إلى التفكّر والعمل على إنقاذ شـرف السـيّد المسـيح  من هذه التّهم الشنيعة التي يسوق إليها الاعتقاد بأنه قد صار لعنة لأجل كائن من كان!

ويحاول بولس أن يُفلسف رفضَه للالتزام بالناموس الذي أكّد عليه المسيح، فيقول:

“لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ”. (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ 2: 21)[6]

وفي (الإنجيـل كتاب الحيـاة، ترجمة تفسـيرية) -نشر دار الثقافة المصرية – ط  1982 القاهرة  نقرأ قول بولس:

“إذ لو كان البرّ بالشريعة -أي بالناموس- لكان موت المسيح عملاً لا داعي له” رسالته إلى غلاطية: 2 – 21.

وهكذا فقد ألحَّ بولس على إبطال الناموس الذي أكّد المسيح على ترسيخه ببيان قويّ شديد.

والعجيب أن الناس قد أخذوا بمسيحية بولس وتركوا مسيحية المسيح ذاته!

* المسيح يؤكّد على حصر دعوته في بني إسرائيل فقط وعدم الخروج بها إلى الأمم، وبولس يخرج بدعوة المسيح من بيت إسرائيل إلى الأمم!

حين (اعتنق) بولس المسيحية، رأى أنّ الحواريين كانوا مضطهدين من اليهود ووجد أنّ النجاح في مهمة التبشير بين اليهود أمر صعب جدًّا ففكّر بإطلاق تلك المهمة في أمم أخرى.. وبذلك فإنه بالإضافة إلى تحويله لمفهوم شريعة الله في كتاب موسى والأنبياء من نعمة إلى لعنة، فقد خرج بالمسيحية من التوحيد إلى التثليث، وخرج بها أيضًا من دائرة التبشير -التي حصرها المسيح  باليهود- إلى غير اليهود ومضى بها إلى الأمم، في حين نقرأ تحديد المسيح لرسالته ببيان حصري واضح مؤكّد فيقول في متى (15: 24):

“لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 15: 24)[7]

وعندما ألحّت عليه المـرأة الكنعانية (غير اليهـودية) قال لها بصريـح العبارة:

“لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب” (إِنْجِيلُ مَتَّى 15: 26)

وأكّد المسيح على تحذير أتباعه الأوائل بأنّ دعوته لا تخصّ الأمم من غير اليهود، وأنّ عليهم أن يلتزموا بدعوة اليهود فقط وألاّ يخرجوا إلى طريقِ ومدنِ الأمم من غير اليهود لتبشيرهم، فقال يمنعهم:

“إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 10: 5-6)

ولهذا كان المسيحيون الأوائل الذين نهلوا عن قرب من معين المسيح الصافي يحصرون دعوتهم باليهود من بيت إسرائيل كما علّمهم المسيح، ونقرأ شاهدًا على ذلك إذ يقول:

“أَمَّا الَّذِينَ تَشَتَّتُوا مِنْ جَرَّاءِ الضِّيقِ الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ اسْتِفَانُوسَ فَاجْتَازُوا إِلَى فِينِيقِيَةَ وَقُبْرُسَ وَأَنْطَاكِيَةَ، وَهُمْ لاَ يُكَلِّمُونَ أَحَدًا بِالْكَلِمَةِ إِلاَّ الْيَهُودَ فَقَطْ” (أَعْمَالُ الرُّسُلِ 11: 19)

لماذا لم يُبشّروا إلاّ اليهود فقط؟ ماذا كان المانع غير تعليم المسيح؟

ولكنّ بولس خرج بالمسيحية إلى طريق الأمم مخالفًا بذلك تعليم المسيح الذي يزعم هو (بولس) أنه رسوله وأنّه يدعو إليه.. وخرج أتباع بولس إلى طريق الأمـم يبشرّون، وفيما هم ماضون على طريق الأمـم كانوا يقرؤون أمر المسيح :

“إلى طريق الأمم لا تمضوا.. “!

ولكنّهم كانوا يمضون ويُبشّرون رغمًا عن تعاليم السيّد المسيح وأمره!

* المسيح نزّه الله ربّه عن الشرك وعلّم أتباعه التوحيد، وبولس حرّف دعوة عيسى الإلهية وأحدث فيها الشرك والتثليث!

إنّ الكتاب المقدّس -الذي أكّد المسيح على ضرورة الالتزام به حتى يكون الكلّ- جاء بشريعة موسى التوحيدية نفسها وأمر أتباعه بالتوحيد، لذا فإنّ من الطبيعيّ جدًّا أن تكون دعوة المسيح توحيدية لا شرك فيها على الإطلاق مصداقًا لتأكيده:

“ما جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء….”

فلو أمر بالتثليث لكان قد نقض بذلك الناموس والأنبياء بكلّ تأكيد ولعُدّ زعمه ذلك كذبًا والعياذ بالله! ولكنّ الحقيقة التي مازال الإنجيل يؤكّدها في جميع نسخه وطبعاته أنّ المسيح لم يعلّم إلاّ التوحيد كما بيّنا وكما سنُضيف من بيانٍ توثيقي في هذا المقام. وإنّه -وإن كان ليس قصدنا التوسّع والشمول في هذا البحث من هذا الكتاب- ولكن لابدّ من أن نعرض للقارئ الكريم بعضًا من الوثائق الإنجيلية الهامّة التي يقرؤها ويقدّسـها الإخوة المسيحيون في العالم كلّه باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من كتابهم المقدّس (الإنجيل).

وكما بيّنا آنفًا فإننا نجد في إنجيل متّى تعليم المسيح لأتباعه المؤمنين ألاّ يعبدوا إلاّ الله وحده، فيقول:

“لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 4: 10)

ونقرأ في إنجيل مرقس التعليم التوحيدي العظيم الذي فهمه أتباع المسيح من تعليم المسيح الذي يؤكّد أن لا إله إلاّ الله، فنقرأ:

“بِالْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ اللهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ” (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ 12: 32)

وذلك في معرض حديثه عن الوصية الأولى العظمى، كما يلي:

“فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَنًا، سَأَلَهُ:«أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟» فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى… فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: «جَيِّدًا يَا مُعَلِّمُ. بِالْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ اللهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.” (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ 12: 28-32)

ويؤكّد المسيح على حقيقةٍ هي: أنّ الله هو إله الناس جميعًا وهو في الوقت نفسه بمثابة الأب لخلقه جميعًا. فهو تعالى إلهه وحده وبمثابة الأب له أيضًا، فيقول:

“أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ” (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 20: 17)

وينزّه المسيحُ اللهَ ربّه في الإنجيل بأنّه هو وحده الكامل المنزّه عن كلّ عيب ونقص فيقول لواحد من أتباعه:

“لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ.” (إِنْجِيلُ لُوقَا 18: 19)

وهكذا نجد المسيح يُنزّه الله الواحد من أن يُقارَن بأحد كائنًا من كان ولو كان هو (المسيح) ذاته، الذي هو نفسه رفض أن يدعوه أحد “صالحًا”، فقال: “لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالحًا”، علّل رفضه بقوله، لأنه “لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إلاَّ وَاحِدٌ، وَهُوَ اللهُ”.

وكذلك أكّد المسيح أنّه لا يملك من العلم إلاّ ما علّمه الله ربّه لأنه ليس في الحقيقة إلاّ رسولاً من عند الله فيقول:

“تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي” (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 7: 16)

وهكذا فقد أكّد المسيح على أنّ الله الأحد هو ربّه وإلهه كما هو ربّ الناس وإلههم، وبيّن أنّه ليس من الله إلاّ بمثابة رسوله المبعوث بتعليم منه إلى خراف بيت إسرائيل الضالّة.

ولكنّ شاؤل (بولس) -ولكي يستهوي الوثنيين من اليونانيين وغيرهم من الأمم- أحدث لهم في المسيحية عقيدة مشابهة لعقائدهم الوثنية المشركة، فاخترع لهم التثليث، ودعاهم إلى عقيدة أنّ الله يتألف من أجزاء (أقانيم) ثلاثة هي كلٌّ واحدٌ وهي: الله الأب، والله الابن، والله الروح القدس، فخرج بذلك من مسيحية المسيح التوحيدية إلى مسيحيته هو التثليثية. وهنا أيضًا أخذ أتباعُه مسيحيتَهم منه ونبذوا مسيحية المسيح وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون!

ومن المعلوم أنّ أعداء بولس قد لحقوا به حتى دمشق ولكن تـمّ إخفـاؤه وتهريبه عبر النافـذة التي تُدعى اليوم نافذة بولس في كنيسـةٍ عند باب دمشق الشرقي[8].

ولقد سبق المسيحُ سيّدَنا محمّدًا بإعلان النبوءة المتعلّقة بظهور ما يُسمى بالمسيح الدجّال -أي محرِّف المسيحية عن مسارها الصحيح، والدّاعي إلى ما يناقض دعوة المسيح والأنبياء- فحذّر أتباعه من دعوة المسيح الدّجال التي يعرفها المسيحيون جميعًا ويعدّونها مناقِضةً لدعوة المسيح الناصري حتى أنهم يسمّونه باللغة الإنكليزية (آنتي كرايست Anti-christ) أي عدوّ المسيح والمناقض له.

وهكذا انتشرتْ في العالم مسيحيةٌ ليست في حقيقتها من المسيح في شيء، بل وهدمتْ المسيحية الحقّة، وكان في ذلك بروز المسيح الدّجال!

[1] كاتب من سورية[2] – “المسيح الدجّال قراءة سياسية في أصول الأديان” لمؤلفه الأستاذ سعيد أيوب، طبعة دار الاعتصام – ص: 37.

[3] – “المخططات التلمودية” أنور الجندي، ص: 147.

[4] – “عن كتاب” المسيح الدجال قراءة سياسية في أصول الأديان. سعيد أيوب، ص: 37.

[5] – أي حتى يُنزل الله الشريعة الكاملة وهي القرآن الكريم الذي نسخ ماقبله وكان هو الكُّل.

[6] – الكتاب المقدّس -العهد الجديد- طبعة دار المشرق، بيروت لبنان.

[7] – يؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله تعالى عن المسيح : إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (الزخرف:60)، أي أنّ الله قد أمر المسيح بأن يحدّد رسالته ببني إسرائيل فقط وليس بغيرهم، لذا فقد حدّد المسيح رسالته ببني إسرائيل وأمر أتباعه بذلك.

[8] – روى نعيم بن حماد عن كعب الأحبار أنّ الدجّال يتوجّه فينزل عند باب دمشق الشرقي، أي ابتداء قبل خروجه، ثم يُلتمس فلا يُقدر عليه، راجع عقد الدرر في أخبار المنتظر، بحث الدجّال .

Share via
تابعونا على الفايس بوك