ما بالكم لا تتعظون

ما بالكم لا تتعظون

التحرير

وقف الخطيب – وهو أستاذ لمادة الحديث في جامعة الأزهر. ويشغل منصبا رئيسيا في الحزب السياسي الحاكم، وأخذ يلقي خطبة.. في صوت متهدج، ثم يرعد ويزبد، ويصيح بانفعال.. ويتلو الأحاديث النبوية التي تدمغ أهل العنف بالإجرام، وتفند مزاعمهم في التكفير والاعتداء على الشخصيات العامة، وتبين من يتذرعون بالخلاف العقائدي لسفك الدماء ونهب الممتلكات وانتهاك الحرمات.

أكد الشيخ أنه لا يجوز لأحد أن يرمي بالكفر من يقول “لا إله إلا الله”. وبيّن أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام، وأن الاعتداء عليهم جريمة من الكبائر.

وفي المساء ذهب مندوب التلفاز لمقابلة المفتي الكبير.. وسأله عن حكم الدين فيما ارتكبه بعض الفتيان من عدوان على روائي كبير.. رمته الجماعات الدينية بالكفر، بسبب كتابات قديمة له.. رأوا فيها خروجا على الإسلام في مفهومهم. وأوضح المفتي أن ما فعلوه خطأ شنيع، وإثم كبير، ومخالفة لتعاليم الإسلام التي لا تجيز تكفير من يقول “لا إله إلا الله”، وطفق يتلو الآيات القرآنية الكريمة، ويروي الأحاديث النبوية التي تؤكد حرمة الحياة الإنسانية وتضع تنفيذ القانون في يد ولي الأمر. ولا شك أن ما قاله أستاذ الحديث، وما ردده مفتي الديار حق كل الحق. والعجيب أن الآيات التي استشهدوا بها موجودة بين دفتي المصحف منذ قرون طويلة، وتُقرأ كل يوم في آلاف المناسبات، وأقوال المصطفى على صفحات كتب التراث يقرأها الشيوخ ويحفظونها ويدرسونها.. ولكننا لم نسمعهم يقولونها بهذه القوة وبهذا الحماس إلا في هذه الأيام. إن معاني هذه الآيات والأحاديث لا تقفز إلى أذهان هؤلاء المشائخ إلا في ظروف خاصة؛ عندما أمرهم أصحاب السلطان بمواجهة جرائم العنف ضد نظام الدولة نفسه. وفي غير هذه الظروف يعمى أو يتعامى عنها المشائخ ، ويحبذون ارتكاب جرائم العنف ضد مخالفيهم في الرأي ، بل ويفتون بما يفتي به سدنة الإرهاب في بلاد الإسلام.

من أين أتى هؤلاء الصبية بأفكار العنف هذه؟ إنها هناك موجودة في كتب التراث.. التي جمعت الرطب واليابس، والحلو والمر، والحقيقة والخرافة. وطالما أفتى بهذه الأفكار شيوخ المسلمين ممن فقدوا نور العلم وقست منهم القلوب، وغلب عليهم الهوى، وخدموا أهل السياسة والسلطان، وسعوا خلف المال والجاه.

إن هذا الذي يجري في بلاد المسلمين شرقا وغربا. يبدد أمنهم وسلامهم، ويضيع جهودهم وأموالهم، ويشوه سمعتهم بين بلاد العالم.. إنما هو نتاج أخطائهم وعاقبة جهالتهم، وحصيلة خيانتهم. لقد بدأ انحطاط الأمة الإسلامية ومسيرتها نحو الذلة والمسكنة منذ أن استن حكامها تطويع الدين لخدمة سياستهم الدنيوية القائمة على المـُلك العضوض الجَبري. ووجدوا من محترفي الدين من ماتت ضمائرهم، وحرموا نور التقوى.. فأفتوا لهم بما يرضيهم، وجعلوا الباطل حقا، والحق كُفرا. ولم يزل هذا دأب رجال السياسة ورجال الدين حتى وصلت بلاد الإسلام إلى الدرك الأسفل بين دول العالم. وعندما أراد الله لهذه الأمة، أمة أعظم الرسل وخاتم الأنبياء، أن تقوم من رقدتها وتنبعث من قبرها.. أرسل إليها مسيحه الموعود ومهديه المعهود. بحسب ما أنبا به نبي الإسلام منذ 14 قرنا..

ولكن الملأ -فرعون وسحرته- لم يألوا جهدا في تكفير إمام الوقت وجماعته، ووصل بهم الأمر إلى أن سنّوا القوانين التي سنها أصحاب الأخدود.. لحرمان المسلمين الأحمديين من حقوقهم الدنيوية والدينية. وأباحوا قتلهم، وحرق ديارهم، ونهب ممتلكاتهم، وسجنهم وتغريمهم حتى إذا قالوا “لا إله إلا الله”، وجعلوا حمل المصحف جريمة، وإلقاء السلام جريمة، والصلاة والعبادة جريمة.

ولطالما نادى الأحمديون. أن يا معشر المسلمين، إن هذا الذي يحدث إفساد في الأرض وإضرار بالدين والأخلاق. ومع ذلك لم يكتف الحكام والساسة بأن أطلقوا العنان للرعاع ومشائخ آخر الزمان ليفسدوا في الأرض ويعيثوا فيها كالجراد والفئران، بل زوّدوهم بحماية الشرطة والقانون. وما أكثر ما صرخ الأحمديون: أن يا أمة المسلمين، إن هذا سلاح ذو حدين، تسلطونهم اليوم على الأحمديين.. وغدا ينقلبون عليكم.

وها هي النار تحرق من كانوا يلعبون بها. لقد اعتاد الجهلة من الدهماء وأشباه العلماء أن يفتوا بالتكفير، ثم يقوموا بالتخريب والتدمير. وانتقلت الأفكار من قطر إلى قطر، ومن مجتمع إلى مجتمع.. وأصبح الوباء الإرهابي يفتك بالأرواح والأموال، ويزعزع الاستقرار ويشوه سمعته بين البلاد.

أين كان هؤلاء العلماء؟ وأين كان هؤلاء الساسة؟ العاقل من اتعظ بغيره، والأحمق من اتعظ بنفسه. فما بالكم بمن لا يتعظ بغيره ولا بنفسه؟ إن هذا المرض في دمائكم منذ قرون طويلة، وظهرت آثاره الفتاكة في هذا القرن.. ولم يكن في هذه الأمة عالمـًا أمينا ولا حاكما شريفا يتدارك الموقف ويطفئ النار قبل أن تستشري.

والآن يقفون على المنابر ليشجبوا العنف وأهله.. ويتلون الآيات والأحاديث التي طالما قرعت أسماعهم وصموا آذانهم عنها، وقرأوها وغطوا عيونهم منها. لماذا سكتّم من قبل.. والساكت عن الحق شيطان أخرس؟!

الآن.. بعد أن أصبح العنف عقيدة معظم الشباب؟ ومع ذلك فإنكم تدافعون عن حكامكم وساستكم بوصفهم مسلمين.. وليس لكونهم بشر لحياتهم حرمة.. وكأن قتل غير المسلم، أو تدمير منشئات غير المسلمين مباح في الإسلام؟ إن دفاعكم يكشف عن أن الإرهاب يجري في دمائكم مجرى الدم.. رغم أن أجسادكم واهنة وقواكم ضائعة.. ولولا ذلك لملأتم الأرض شرا وفسادا.

لماذا لا تعلنون في العالم حقائق الإسلام، وتوضحون أن عقيدة المرء هي ما يعلنها بنفسه عن نفسه، وأنه لا يملك أحد -مهما كبرت عمامته- أن يكفّر أحدًا. وأن الكافر لا يحارب إلا بسلاحه.. السيف بالسيف، والقلم بالقلم. وأن التعامل مع المسلم أو الكافر بالغدر والخيانة حرام. وتؤكدون لمن يتبعونكم من العامة أن المسلم أمن وأمان للعالم كله.. وأن دماء المسلمين ودماء غير المسلمين، وأموال المسلمين وأموال الكافرين، وأعراض المسلمين وأعراض الملحدين.. كلها حرام لا يجوز الاعتداء عليها.

إن صيحة النبي يوم الحج الأكبر تنادي: أيها الناس، إن أرواحكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام. لم يقل أيها المسلمون، ولا أيها المؤمنون، ولا أيها المشائخ ورجال الدين.. بل أيها الناس.. كل الناس.. يا ناس!

راقبوا الله تعالى واتقوه في كل الأحوال.. عساه أن يوفقكم للخروج من مأزقكم هذا. ولا منجى لكم إلا في حِمى المسيح الموعود والمهدي المعهود.. الإمام الذي أقامه الله لإحيائكم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك