الإمام المهدي يستقبل بروفسور ريج (2)

الإمام المهدي يستقبل بروفسور ريج (2)

نقله إلى العربية السيدة مها دبوس عن مجلة Review of Religions من الملفوظات ج 10 ص 353 ترجمة أمة الهادي أحمد

هذا هو الجزء الثاني من اللقاء الذي تم خلال الأسبوعين الأخيرين من حياة الإمام المهدي والمسيح الموعود ، مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية، سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني في مدينة لاهور بالهند (باكستان حاليًا) بينه وبين البروفسور ريج يومي 12 و18 مايو 1908.

بروفسور ريج: هناك فكرة معروفة وشائعة بين المسيحيين هي أن العالم قد ضل طريقه ثم بعد ذلك استعاده الله من الشيطان فهل هذا صحيح؟

سيدنا غلام أحمد: نحن لا نقتنع بمثل هذه المناقشات النافية للعقل. هذه فكرة سخيفة ويجب أن يسأل المسيحيون عنها.

بروفسور ريج: طبقًا للمعتقدات المسيحية يبدو أن آدم قد هبط من منزلة عالية إلى منزلة منخفضة، في حين أن الإنسان يرتقي من منزلة منخفضة إلى منزلة أعلى منها.

سيدنا غلام أحمد: هذه ليست عقيدتنا.

بروفسور ريج: أنا أؤمن أن العالم الآخر عبارة عن فرن يمر به الإنسان من حالة إلى أخرى. وعندي اهتمام بالروحانيات، وأحب أن أعرف كيف ستكون الحياة في الآخرة، وما هو نوع الحياة التي سنجدها هناك.

سيدنا الإمام المهدي: بالتأكيد ستأخذ الحياة شكلاً جديدًا بعد أن تنتهي هنا، ولكن ليس لدينا الآن وقت لشرح هذا بالتفصيل. الذين بذروا بذورًا طيبة في هذه الحياة سيبدأ بالنسبة لهم نظام مبني على الطهارة، وبالنسبة لمن بذروا بذورًا سيئة ستبدأ حياة من العذاب والشقاء. إن الحياة الجديدة تحتفظ بنوع من العلاقة مع الحياة في هذه الدنيا. والصلة بينهما لا تنقطع تمامًا. ومثالاً لذلك لدينا عالم الأحلام، فأثناء يقظتنا يكون لدينا نوع واحد من الحياة ولكن النوم يأتي بتحول هائل. بعض التفاصيل عن الحياة الآخرة معروفة، ولكن لا يمكن أن نقدمها هنا لأنها تحتاج قدرًا كبيرًا من الوقت. إنها مسألة لا يمكن تغطيتها في دقائق.

وهنا سألت سيدة مرافقة للبروفسور سؤالين:

(1): هل من الممكن أن نتحدث مع الناس الذين ماتوا ورحلوا من هذا العالم، أو أن ننشئ نوعًا من الاتصال بهم مباشرة أو عن طريق وسيط، كي نتمكن من معرفة الطبيعة الحقيقية لحالتهم؟

سيدنا الإمام المهدي: هذا ممكن، ويمكن عن طريق الرؤيا أن يقابل الإنسان أرواحًا أخرى. ولكن تحقيق مثل هذه الحالة يحتاج قدرًا هائلاً من المحاولة والمثابرة والكد باجتهاد. وقد حاولت هذا وجربته بنفسي، وقابلت الأرواح وتحدثت معها في مناسبات كثيرة. وبوسع الإنسان أن يكتشف تفاصيل كثيرة مفيدة متعلقة بأمور معينة، ويكتسب أيضًا بعض المعلومات عن الأدوية، إلخ. وقد تحدثت بنفسي مع روح عيسى وقابلت الرسول محمدًا وبعض صحابته، وعندي تجربة جيدة في هذه الأمور. ولكن الصعوبة هنا أنه إذا لم يبذل الإنسان طاقة صارمة شديدة وبانتظام تام، فإنه في هذه الحالة لا يمكنه الوصول إليها. ونظرًا لأن هذه القدرة ليست موجودة في أغلب الناس، فإن مثل هذه الأمور تظل في عالم القصص والخرافات وتنقصها الحقيقة. إن قلب الإنسان مركز لعجائب عظيمة ومدهشة، ولكن الحصول على ماء نظيف صاف من الأرض يحتاج إلى مجهود كبير من حفر الأرض والتخلص من القاذورات ثم تنقية الماء، كذلك فإن الحصول على المعلومات المتعلقة بعجائب القلب تحتاج إلى قدر هائل من المجهود والمثابرة. الواقع أن حقيقة هذه الأمور مقبولة بالتأكيد، وأشهد بنفسي على هذا، وعندي تجارب في هذه الأمور.

(2): لقد تلقيت كتابات من منظمة من هذا النوع، والغرض الأساسي من زياراتي هنا كان لمعرفة حقيقة ما في هذه الكتابات منكم. فهل يمكن أن تعطيني بعض وقتك الثمين لهذا الغرض؟

سيدنا المهدي: هذه الأيام صحتي ليست بحالة جيدة. وأصبحت غير قادر على القيام بالعمل الكثير، ولكن إذا سمحت صحتي يمكن أن يتحقق هذا إن شاء الله تعالى. (ولكن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود كان قد بلغ أجله المقدر وتوفي بعد أسبوع يوم 26 مايو 1908)

ثم عاد البروفسور ريج لمقابلة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود يوم 18 مايو 1908، وجرى بينهما هذا الحوار:

بروفسور ريج: مكتوب في الكتاب المقدس أن آدم، أو دعنا نقول الإنسان الأول ولد في فيسون جيحون، وأنها كانت بلدة، فإذا كانت هذه هي الحقيقة، فهل سكان المناطق المختلفة من العالم مثل أمريكا وأستراليا، إلخ. من نسل آدم هذا نفسه؟

سيدنا الإمام المهدي: إننا لا نقبل هذا، ونحن لا نتبع التوراة عندما تقول إن العالم بدأ منذ ستة أو سبعة آلاف سنة بمولد هذا الآدم. ويقال أيضًا أنه لم يكن هناك شيء قبل آدم، وكأن الله تعالى كان في حالة تعطيل مؤقت. وأيضًا لا نقبل بأن الجنس البشري بأكمله والمنتشر حاليًا في أنحاء العالم المختلفة من نسل هذا الآدم الأخير. وعلى عكس ذلك فإننا نؤمن أن الجنس البشري كان موجودًا قبل آدم كما هو مذكور في القرآن الكريم:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة: 31).

إن كلمة “خليفة” استخدمت بمعنى الوريث. وواضح من هذا أنه كان هناك بعض المخلوقات قبل آدم. فلا نستطيع إذن أن نجزم إذا كان سكان أمريكا وأستراليا إلخ من نسل هذا الآدم أو من آدم آخر.

لقد روى حضرة محيي الدين بن عربي قصة ترتبط بسؤالك إذ كتب أنه عندما ذهب إلى الحج في مكة المكرمة قابل رجلاً ظن أنه آدم، وعندما سأله إذا كان هو آدم قال الرجل: أي آدم تعني فهناك آلاف من الأوادم.

بروفسور ريج: ما هو اعتقادك بالنسبة لله، هل هو محدود أم موجود في كل مكان؟ وهل له شخصية أو مشاعر؟

سيدنا مرزا غلام أحمد: إنا لا نعتبر الله تعالى محدودًا، ولا يمكن أن يحدد. إننا نعرف عن الله أنه على الأرض كما أنه في السماء. وأن له نوعين من العلاقات: الأولى هي العلاقة العامة التي يرتبط بها بكل مخلوقاته، والأخرى علاقة خاصة يرتبط بها مع أناس معنيين هم الذين طهروا أنفسهم وتقدموا في حبه. وفي هذه المرحلة يصبح الله قريبًا جدًا من هؤلاء الناس حتى يبدو وكأنه يتحدث من داخلهم. إنها صفة إلهية عجيبة، فهو قريب بالرغم من كونه بعيدًا، وبالرغم من كونه قريبًا فإنه بعيد، إنه شديد القرب ولكننا لا نستطيع القول بأن قربه كقرب جسم من جسم آخر. إنه أعلى من كل شيء، ولكن لا نستطيع القول بأن هناك شيء تحته. وهو ظاهر مرئي أكثر من أي كائن آخر، ولكنه مع ذلك باطن فلا شيء أعمق منه. وتزداد معرفة الإنسان به تعالى بقدر درجته من التقوى والنقاء.

وأغلب الظن أن ما يقصده بروفسور ريج بكلمة “مشاعر” هو سؤال: لماذا قد حمّل الله الإنسان بالشريعة، ولماذا سجن الإنسان داخل حدود الحرام والحلال؟ ويجب أن نعرف أن قداسة الله تعالى لا حدود لها، وبسبب قدسيته فإنه لا يحب الدنس. وعلاوة على ذلك، فلأنه الرحيم والرحمن فهو لا يحب أن يتبع البشر الطريق الذي يؤدي بهم إلى الهلاك. إن هذه هي “مشاعر” الله التي يسير على أساسها نظام الدين، بغض النظر عن الاسم الذي يمكن أن تطلقه عليها.

بروفسور ريج: هل لله هيئة؟

سيدنا المسيح الموعود: إذا كان الله تعالى غير محدود فكيف يمكن أن يقال أن له هيئة؟!

البروفسور ريج: إذا كان الله هو الحب والعدل والجمال، فلماذا إذن نشاهد في تصميم العالم بعض الأشياء التي جعلت طعمة للآخرين؟ إذا كانت صفاته هي الحب والعدل والجمال والرحمة فلماذا إذن منح بعض المخلوقات مثل هذه القدرات، وأعطاهم هذه الطبائع التي تجعلهم يلتهمون المخلوقات الأخرى، في حين أن كلا الطرفين متساو في كونه مخلوقًا؟

سيدنا المسيح الموعود: عندما نستخدم كلمة الحب بالنسبة لله تعالى يجب اعتبار أنها ليست بنفس المعنى المستخدم بالنسبة للبشر. فإن فعل ذلك خطأ جسيم. إن كلمة الحب كما تنطبق على البشر، وبالأسلوب المفهوم في العلاقات البشرية لا يمكن بأي حال تطبيقها على الله تعالى، ولا يمكن أن يكون هذا المعنى صحيح بالنسبة لله. إن البشر لديهم القدرة على الحب والغضب، ولكن معنى هذه المفاهيم التي تخطر على البال عندما نتحدث عنها في علاقتها بالبشر لا يمكن أن ينطبق على الله تعالى، هذا خطأ.

إن طبيعة الإنسان قد صممت بحيث أنه إذا أحب أحدًا فإنه يحزن عند الانفصال عنه. إن الأم تحب طفلها وإذا انفصل عنها كم سيكون انزعاجها وكم ستشعر بالحزن والألم. وبالمثل عندما يبدي الإنسان غضبه على أحد، فإنه في البداية يشعر في نفسه بالصدمة والألم من ذلك، وكأنه يعاقب نفسه مع الإنسان الذي هو غاضب منه. إن الغضب نوع من الألم يؤثر أولاً في نفس الغاضب ثم ينشأ نوع من المرارة، ويختفي السلام والراحة من داخل الإنسان. ولكن الله تعالى قدوس وأعلى من هذه المشاعر، إذن يمكن من هذا أن نصل إلى نتيجة واضحة وهي أن المعاني أو المفاهيم البشرية التي تستخدم في العلاقات البشرية لا يمكن انطباقها على الله، ولا يمكن أن يتحدث عن الله تعالى بنفس الأسلوب. هذا هو السبب في أنني لا أفضل استخدام مثل هذه الكلمات. إن هذه الكلمات قد وضعها الناس الذين يعتقدون أن الوجود الإلهي مشابه للوجود البشري. إن الله تعالى كائن قدوس طاهر، ومن يعمل طبقًا لما يرضيه فإنه يقوي علاقته معه باستمرار. ومع ذلك يمكننا أن نستخدم كلمات مثل الحب والغضب بالنسبة لله، ولكن ذلك فقط على سبيل التشبيه الجزئي.

فتذكَّر إذن أن كل هذا الذي ذكرت جزء من نظام العالم الذي وضع له الله بحكمته البالغة قوانينه الحالية، والكل يعمل تحت هذه القوانين. وبالتالي فإن مثل هذه الكلمات ليست مناسبة في حق الله تعالى. إن كلمة الحب تحتوي على عنصري الألم والحزن. وحتى إذا اعتبرنا -طبقًا للحالة البشرية- أن الله هو الحب وأيضًا له صفة الغضب، فإننا سنضطر إلى قبول أن الله أيضًا يشعر بنوع من الألم والحزن. ولكن تذكر أن مثل هذه الكلمات الناقصة لا يمكن أن نصف الله بها.

بروفسور ريج: فهمت هذا، ولكن أود أن أعرف لماذا خلق الله الأشياء بحيث أن الحقير يخدم الأرفع مكانة أو يصبح غذاءه أو يذل ويحتقر أمامه؟

سيدنا المسيح الموعود: لقد ذكرنا الآن أن صفات الله تعالى بالنسبة للحب والرحمة والغضب لا يمكن أن تفهم وكأنها صفات بشرية. إنه خطأ جسيم أن نفكر في الله بمفهوم الحالة البشرية. إن هناك نظامًا شاسعًا في خلق الله. وفي هذا النظام لا يستطيع الإنسان أن يصل إلى خارج حدوده المعينة، وليس من اللائق أن يخترع أحد سؤال عن كل شيء، ويتدخل في الأمور الدقيقة والعويصة في خلق الله. إن هذه الدنيا مرحلة وجيزة. وبعدها قدَّر الله أن يكون هناك عالم شاسع، وعد الله فيه بحالة سعادة حقيقية أبدية. وكل معاناة في هذه الدنيا سوف تجازى كما تستحق في العالم الآخر. ومهما كانت العيوب التي يتعرض لها المخلوق في هذه الدنيا فسوف تصبح خيرًا في العالم الآخر.

وبالنسبة للألم والحزن والمعاناة والمصاعب والمحن فإنها تقع على الحقير والعظيم على حد سواء. ووجود مثل هذه القوى كان ضروريًا من أجل المحافظة على النظام الحالي للدنيا. وإذا نظرنا نظرة عريضة فليس هناك من هو بدون ألم. كل المخلوقات تنال نصيبها طبقًا لمرتبة تطورها. ولكن البعض يتعرض لها بطريقة معينة والبعض الآخر بشكل مختلف. فإذا كان الصقر يأكل العصافير والطيور الأخرى، فإن الأسد والفهد والذئب يمكنهم وهم بالفعل يأكلون الأطفال من البشر. وكذلك يمكن للثعابين والعقارب إلخ. أن تسبب المشاكل للبشر. أي أن هذا النظام مستمر هكذا، وليس هناك من لا يمسه منه شيء. ولتعويض هذا، فقد خلق الله عالمـًا آخر، وهذا هو السبب في أنه تعالى سمي في القرآن “مالك يوم الدين”.

قد يكون الإنسان في حالة سعادة ولكن من المحتمل أيضًا أن تكون الطيور والحيوانات في حالة أسعد. إن هذه الدنيا هي عالم الاختبار، ومن أجل تخفيفها أوجد الله تعالى عالمـًا آخر. لقد وعد الله بالسعادة في العالم الآخر كتعويض للمعاناة في هذه الدنيا. فإذا استمر أحد في المناقشة بعد ذلك: لماذا تجري الأمور هكذا وليس هكذا، فإن الإجابة تكون: إن الله هو الحاكم والمالك، وقد فعل كما شاء وليس هناك مجال لنقد أعماله. ومن المؤكد أنه ليس من حق أحد أن يفعل ذلك.

والنقطة الثانية التي تحتاج بعض التفكير هي أنه لـمَّـا كانت معاناة البشر أكبر من معاناة الحيوانات .. فإن جزاء البشر سيكون أعظم. إن معاناة البشر على نوعين: إحداهما المعاناة بسبب اتباع قانون السلوك الأخلاقي والآخر هو المعاناة العامة. وفي النوع الثاني نجد أن نصيب البشر والحيوانات متساو. إذا كانت بعض الحيوانات تموت على يد البشر، فبعض الناس أيضًا يموت بسبب الحيوانات. إن البشر والحيوانات يشتركون في أشكال أخرى من المعاناة العامة مثل المرض إلخ. ولكن الحيوانات ليس لها نصيب في النوع الأول من المعاناة، أي المعاناة بسبب اتباع قانون السلوك الأخلاقية. إن قواعد هذا القانون كأنها سكين موضوعة على رقبة البشر.. في حين أن الحيوانات حرة من مثل هذه القيود. إن قوانين السلوك الأخلاقية هي بمثابة الموت الذي يفرضه الإنسان على نفسه. وبالتالي فإن الحكم العادل بالنسبة لهذه الأمور يشير إلى حقيقة أن المعاناة البشرية أكبر بكثير من معاناة الحيوانات.

والنقطة الثالثة التي ينبغي تذكرها هي أن الأحاسيس البشرية قوية جدا. إن الحساسية والقدرة على الشعور بمشاعر الآخرين أعظم بكثير في البشر. إن الحيوانات والنباتات تمتلك حواسا مشابهة. ولكن بدرجة أقل. وهذا هو السبب في أن الحيوانات لم تمنح قدرا كبيرا من الذكاء. إن حاسة الفهم تنشأ عن طريق الذكاء. ولأن ذكاء الحيوانات وفهمها من درجة منخفضة لذلك فإنها تظل في حالة منخفضة نسبيا من الإدراك والوعي. إن القدرة على الشعور والإحساس موجودة بشكل أوضح في البشر. ففي الحيوانات توجد مثل هذه القدرات ولكن بدرجة بسيطة جدا.. حتى أنها تكاد تكون غير موجودة وبالتالي فإن درجة إحساس الحيوانات بمعاناتها منخفضة كثيرا. بل ومن المحتمل أنها أحيانا لا تشعر بالمعاناة على الإطلاق. والآن.. يجدر بنا أن نتفكر فيمن هو يتحمل العبء الأكبر من المعاناة في هذه الدنيا، هل هم البشر أم الحيوانات؟ الواضح الجلي هو أن البشر هم الذين عليهم أن يتحملوا نصيبا أكبر نسبيا من المصاعب والمعاناة الدنيوية.

بروفسير ريج: فهمت ما تم شرحه. وأود الآن أن أعرف إذا كنت تؤمن بأن الحيوانات أيضا ستجازى في العالم الآخر.

سيدنا الإمام المهدي: نعم، أنا أؤمن بهذا ويكون بحسب مستوى تطورها. إن كل المخلوقات ستكافأ على المعاناة الدنيوية التي تحملتها. وستجازى طبقا لهذا.

البروفسير ريج: إذن النتيجة الضرورية لهذا هي أن الحيوانات التي تقتلها ينبغي ألا تعتبر ميته ولكن ينظر إليها باعتبارها حية.

سيدنا الإمام المهدي: نعم. هذا ضروري. إنها لم تفنَ ، بل تظل أرواحها حية. وفي الحقيقة أتها لم تمت بل هي حية.

البروفسير ريج: عند أي مرحلة من التطور تُخلق الروح؟

سيدنا الإمام المهدي: إن الروح شيء حي، يخلقها الله تعالى من مواد مادية موجودة، وكما شرحت في كتابي حديثا (جشمة معرفة).. فإن الروح البشرية موجودة بشكل لطيف جدا وكامن في الحيوان المنوي، وتتطور تدريجيا معه في داخل الرحم، حتى حوالي نهاية الشهر الرابع وبداية الشهر الخامس.. عندها تتخذ شكلا أكثر وضوحا وتطورا.. كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ (المؤمنون: 15)

غير صحيح ما يقول الأريا الهندوس أن الروح -مثل الله تعالى- لها وجود مستقل وأبدي. هذا الاعتقاد يخلق نوعا من الشك بحيث لا يبقى الله إلها، إن الروح ظاهرة دقيقة جدا تأتي إلى الوجود مع مولد الإنسان ثم تتطور معه. خذ فاكهة التين البري مثلا.. قبل نضجها تجد فيها بعض الديدان الحية الغير مكتملة. ولكن ما أم تنضج الثمرة حتى تشاهدها وهي تتحرك وتتجول ثم تتكون لها أجنحة وتطير. وهناك أنواع كثيرة من أشجار الفاكهة الأخرى التي تعطينا أمثلة مرئية مشابهة.

وبالإختصار.. هناك أدلة تؤيد ما قلت. والحقائق الثابتة لا يمكن إنكارها. وفي الواقع أن مثل هذه الفاكهة تحتوي في داخل بذورها المادة التي تأتي إلى الوجود مع مولد الثمرة، ثم تتطور معها.

البروفسير ريج: إن اعتقاد الروحيين هو أن الحياة تنزل من القمر، والذكاء من المريخ، وأن القمر خلق من الأرض. في البداية كانت الأرض لينة جدا، وانفصل جزء من الأرض ودار بسرعة ليصبح القمر. والحياة بدأت في الواقع من الأرض ثم انتقلت إلى القمر. ومنه تنزل إلى البشر. ماهو اعتقادك بالنسبة لهذا؟

سيدنا الإمام المهدي: إننا نؤمن أن الشمس والقمر والكواكب لهم بعض التأثيرات التي يمكن أن تقيد الإنسان. وحتى الجنين يتأثر بهم وهو في داخل رحم الأم. وهذه حقيقة لا تناقض الشريعة، ولذلك فنحن لا نعترض على الإيمان بها. إن تأثير القمر على نمو النباتات واضح بجلاء. إن ضوء القمر يساعد الفواكه على أن تزداد حلاوة وحجما. وفي بعض الأوقات كان الناس يسمعون صوت طقطقة آتيا من الرمان الذي استفاد من ضوء القمر. وفوق هذا.. فنحن غير مستعدين لقبول ما اشتهر ويقال في مجال لم تثبت صحته. إنه مذكور بوضوح في القرآن الكريم أن الشمس والقمر وكل الكواكب قد خلقت لخدمة الإنسان. وهي مفيدة ونافعة كثيرا للبشر. وبالتالي ليس لدينا أي صعوبة في الإيمان بفوائدها تماما مثلما نؤمن بالطبيعة النافعة للنباتات. ومن ناحية أخرى، إذا ثبت أيضا أن الذكاء مرتبط بالمريخ، فإننا مستعدين لقبول هذا أيضا.

عند سماع هذا قال البروفيسير: كنتُ أظن أن العلم والدين متعارضان بشدة كما يعتقد العلماء عامة.. ولكنك قد أزلت هذا التعارض تماما.

وأجاب المسيح الموعود: هذه هي طبيعة مهمتي بالضبط، وهذا هو ما نحاول إثباته.. أن ليس هناك تعارض بين العلم والدين، وعلى عكس ذلك.. فإن الدين متجانس مع العلم، ولكن مهما تطور العلم فإنه لا يمكن أبدا أن ينفي تعاليم القرآن الكريم ومبادىء الإسلام.

البروفسير ريج: ماذا نسمي ما هو موجود في الذباب والأنواع الأخرى من الحيوانات المنخفضة الرتبة؟

سيدنا الإمام المهدي: إن الروح أو النفس لها ثلاثة أنواع: النفس النباتية، والنفس الحيوانية، والنفس البشرية. ومن بين هذه فإن النفس البشرية فقط هي الوريثة للحياة الحقيقية والكمال التام. إن النفس النباتية والحيوانية أيضا تحتوي على نوع من الحياة، ولكن لا يمكن أن تسمو إلى نفس الدرجة. ولا يمكن أن تدعي المساواة مع النفس البشرية في بلوغها الكمال الأعظم. قد تكون هناك بعض نقاط التشابه، ولكننا لا نريد أن ندخل في هذه المناقشة الآن. من الممكن أن تكون النفس النباتية والحيوانية مشابهتين في بعض الصفات للنفس البشرية. ولكن.. كما أن هناك الفرق الظاهري المرئي بينهما وبين البشر فهناك أيضا فرق روحاني. وبالنسبة لنقاط التشابه. فإن من المعتقد أن بعض النباتات أيضا تبدي نوعا من الإدراك. فمثلا.. شجرة الخيزران التي تزرع تحت سقف ستنصرف بعيدا عن هذا السقف عندما تنمو وتقترب بمسافة شبر من السقف ، وستبدأ في النمو في اتجاه آخر. وهناك نبات آخر. معروف باسم المستحية تنمكش وراقه إذا لمسه أحد. وهذه الأنواع من النباتات مسجلة في كتب علم النبات، وهي أيضا معروفة بالتجربة. ولسنا بحاجة إلى التنقيب العميق في تفاصيلها من أجل مناقشتنا.

البروفسير ريج: في يوم ما ذهبت إلى الكنيسة. وكان هناك قسيس يلقي خطبة قال فيها أن الإنسان كائن وضيع ودودة قذرة. وأنه يهبط إلى أدنى وأدنى كل يوم. وليس في قدرته التقدم. وأنه من أجل خلاص الإنسان ولإنقاذه من الخطيئة.. قدم الله الكفارة عن طريق ابنه الوحيد. ولكني أعرف أن الإنسان يمكنه أن يتقدم في الخير. إذا كان ابني يفعل شيئا غير مقبول بسبب نقص علمه، فإنه بعد فترة سوف يكتسب إدراكا أكثر ويتقدم في المعرفة.. وسوف يفهم لماذا كان هذا العمل ذاته عملا سيئا. وبالتالي سوف يتجنب مثل هذه الأعمال وسيقوم بأعمال الخير. ما رأيك في هذا؟

سيدنا الإمام المهدي: إن الإنسان خيِّر، ويستطيع أن يفعل الخير، وقد منح القدرة على التقدم والتطور، ونجاته عن طريق التقدم والمضي في طريق الخير.

البروفسير ريج: إن هؤلاء الناس في الكنيسة يقولون أنه مهما فعل الإنسان من خير فإنه سيظل فاسدا إلا إذا آمن بالكفارة عن طريق المسيح. فماذا تقول عن ذلك؟

سيدنا الإمام المهدي: إن الإنسان يحتاج إلى العمل والجهد.. ولا يحتاج كفارة. إن النظام الروحاني يشبه النظام المادي. خذ مثال الفلاح من داخل النظام المادي: إنه يبذل المجهود الكبير، فيجتهد في حرث الأرض وبذر البذور. ثم بعد ذلك في ري الحقول.. فهل هو بحاجة إلى كفارة؟ لا ، إنه بالأحرى يحتاج إلى قدر كبير من المجهود والعمل. إننا لا نقبل القول بأنه ليس ثمة طريق للنجاة بدون الكفارة. بل إن الكفارة تعتبر عاتقا في طريق التقدم البشري. وهي حجر عثرة.

البروفسير ريج:  ما معنى الطهارة؟

سيدنا الإمام المهدي: نحن نقصد بالطهارة أن لا تسيطر على الإنسان تلك المشاعر الأنانية التي تبعده عن الله تعالى. بأن تجعله منهمكا في رغباته الذاتية. وهي تعنى أيضا أن يعمل الإنسان طبقا لما يرضي الله.. حتى يصل إلى الدرجة التي لا يبقى فيها أي عمل له أو أي قول له خارجا عن حدود رضاء الله تعالى. إن الله قدوس طاهر. وهو يحب أن يعمل الإنسان ويتطور طبقا لصفاته العليا. إنه الكريم ويود أن يكون الإنسان كريما. إن صفات الله مرئية في مخلوقاته وفي قوانين الطبيعة. إننا نرى أن العالم موجود منذ وقت طويل جدا.. وأن الله كان دائما يسد الاحتياجات البشرية العديدة والضروريات مثل الماء والغذاء والملابس والضياء إلخ. إن صفاته المتعلقة بالرحمة والكرم مع أسمائه الحسنى الأخرى.. كانت دائما تساعد البشر. وسبب ذلك أن الله يود أن تعكس الطبيعة صفاته الكريمة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك