نقمة هي أمْ ابتلاء؟

نقمة هي أمْ ابتلاء؟

التحرير

في محاورة جرت مؤخرا مع أحد الطلاب المسلمين الأفارقة يدرس الطب في المملكة المتحدة.. وافق الطالب تماما على أن حال المسلمين بلغ الحضيض من السوء داخليا وخارجيا. أقرَّ بأن العالم الإسلامي قد طحنه الانحطاط الخلقي والاجتماعي والاقتصادي.. وأنهم لا يتنسمون نسيم الحرية في بلادهم، وأن الشعوب لا تملك من أمرها شيئا أمام قادتها الطغاة المسعورين.. الذين يستخدمون جيوشا من الدجالين والمضللين المختصين في الإعلام والشؤون الدينية، ماهرين في شغل الرأي العام بأمور محسوبة.. تجعل الحقائق دائما محجوبة عن عيونهم.. فجعلتهم كثور معلق في الساقية معصوب العينين، يتحرك ويحسب نفسه ماضيا في الطريق قُدما .. مع أن المسكين يدور ويدور في مكانه حتى تستنزف قواه ولا يفكر إلا في ساعة توقُف يسترد فيها أنفاسه، وشيء من العلف يقتات به ويسد رمقه.

وفي نفس الوقت يذهب هؤلاء القادة المنتفخون أمامنا.. ليقفوا أمام سادتهم وأربابهم كقطع الشطرنج الضئيلة العاجزة.. يتلقون تعليماتهم السياسية، وتوجيهاتهم الاقتصادية. لا يُحسنون سوى التوقيع على المطلوب.. ثم يقضون وقتهم في تضخيم وتعظيم جهودهم القميئة هذه وتبريرها أمام شعوبهم.

إنهم جماعة من الممثلين المحترفين، يقومون بأدوار مكتوبة مرسومة محسوبة، والمخرج الكبير يرقبهم عن كثب.. ويحدد لهم إطار الحركة واتجاهها. منهم من يعرف حقيقة وضعه، ومنهم من يحسب نفسه في  عالم الواقع.

ها هو العالَم الإسلامي المسكين يقف في آخر الصف بين الأمم.. يتخبط في ظلمات القهر المعنوي والمادي.. لا يجد مهربا ولا منفذا يخرجه من هذه الهاوية السحيقة. وإذا اشتدت عليه لسعات النار قام مسعورا متهيّجا يدمر نفسه ويهدم بيته ويقتل أهله.. فتزداد المصيدة إطباقا على أنفاسه.. فيضطر إلى الانطلاق اليائس نحو العنف المهلك أو الاستسلام المبير.

يعترف الشاب بكل ذلك ويقول في أسىً: إن هذه المحنة الشديدة إبتلاء من الله تعالى.. وإن كان الابتلاء قد طال كثيرا!

قلت: ابتلاء؟ تعالى الله عن أن يكون ابتلاؤه هكذا. إذا كان هذا هو الابتلاء فما هو الغضب والسخط؟ إن الموت الذي يُنهي العمر أهون من هذا العذاب الذي يعيش فيه الناس حياة الأنعام الجائعة الخائفة المضطربة.

إن الابتلاء عملية تربوية ربانية، يختبر بها عباده الصالحين لتتبين قوة إيمانهم ويقينهم، وتصحح مسارهم، وتمنحهم مزيدا من القوة.. فيخرجون منها أطهر نفسا وأصلب عودا وأصدق عزما.. وهكذا تكون نتيجتها تقدما وازدهارا وصحة وفلاحا. وهذا صحيح على المستوى الفردي وعلى مستوى الأمة.

أما أن تتعثر الأمة من هوان إلى ذلة، ومن فقر إلى مرض، ومن تأخر إلى انحطاط، ومن جهل إلى تخلف.. حتى فقد العامة إحساسهم بطعم الحياة مهما كان مريرا، ولم يعودوا يبالون إلا بلحظتهم الراهنة. وتزداد المشاكل العامة والخاصة داخليا وخارجيا، وتتراكم المصائب حتى سدت أفق الأمال في مستقبل معقول.. فلا يمكن أبدا أن يكون هذا ابتلاء من الله تعالى.

كيف يكون ابتلاء الله للأمة سنة بعد سنة، وقرنا بعد قرن.. وهي تهبط السلم، بل تهوي كل يوم إلى قرار سحيق. إن هذا هو صراط المغضوب عليهم ودرب الضالين.. إن هذا هو السخط والنقمة على من انحرفوا عن الصراط المستقيم.. صراط الذين أنعمت عليهم بعد أن كان أسلافهم خير أمة أخرجت للناس.

ويبقى هكذا زمنا طويلا دون أي بادرة للتحسن.. هل تعلمت أن مثل هذا يكون مرضا بسيطا سرعان ما يشفى منه المريض بدون مقدمات؟ لا يا بني، إنه مرض الموت!

إن الله -تعالى- لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ولن يغير الله سنته لدهاء الساسة، وجشع الحكام، وجهالة رجال الدين، وقلة حيلة العامة. إذا لم يفيقوا من سباتهم بصدق وإخلاص.. فلا مهرب لهم من خسران الدنيا والآخرة. ولسوف يتحقق وعد الله تعالى لنبيه الكريم، وليُظهِرنّ دينه على الدين كله.. ولو كره الكافرون والمشركون وأذنابهم، ولسوف يستبدل قوما غيرهم ولن يكونوا أمثالهم.

إن الفرصة لا تزال سانحة للأفراد والجماعات. لقد نزل المسيح المحمدي.. وجاء الإمام المهدي. لقد أتت الساعة.. ساعة بعث الإسلام، هلموا لتلتفوا حول خليفة الله المهدي ومسيحه الموعود.. ليحرركم ويحصنكم إلى الطور.. إلى جبل الإسلام الحقيقي الشامخ.. ويجعل منكم أمة تستحق عطف الله ونظرة رأفة ورفق منه جل جلاله.. ويذيب الدجال الاستعماري الاستغلالي الجبار، ويهلكه بأنفاسه ودعواتكم. لقد هلك نصفه في هذا العقد من الزمان أمام أعينكم. لقد هلك مأجوج.. لقد هلك الدجال الملحد المادي الشيوعي. ذاب بلا سيف؛ واقتربت ساعة النصف الدجالي الصليبي المادي المنحل.. هلموا ليحقق الله لكم وعده.. وترتفع راية التوحيد والإسلام الخالص.

الهدية المناسبة للمصطفى في يوم مولده

جرت عادة الناس أن يحتفلوا بميلاد أحبابهم وأصدقائهم، فيبتهجون ويمرحون، ويقدمون الهدايا والتحف.. إظهارا لمحبتهم ومودتهم. واعتدنا -نحن المسلمين- أن نحتفل بمولد النبي المصطفى كل عام. ونقول إن مولده الكريم من أعظم النعم الإلهية والبركات السماوية علينا وعلى العالم كله. وللأسف، فإن الغالبية العظمى من المسلمين لا يُحسنون الاحتفال بهذه المناسبة الكريمة، ويعبرون عن محبتهم للرسول الأكرم بمظاهر لا تليق بمقامه السامي.

فمنهم من يحتفل بتناول أطعمة وأشربة وحلوى.. سرعان ما تتلاشى.. ولا يدور بخلدهم شيء عن صاحب الذكرى العظيم. ومنهم من يجتمعون في الجوامع والقاعات.. فيستمعون إلى مشاهير القراء وهم يتبارون في تنغيم القرآن واستعراض قدراتهم الصوتية وطول النفس في الغناء، أو ينشدون ويتنافسون في التطريب والترجيع.

ومنهم من يحضرون الاحتفالات التي ينظمها ويشهدها أولو الأمر.. حيث يقدمون الليالي المحمدية.. وما هي إلا مناسبات يرتزق منها المطربون والمطربات، والراقصون والراقصات، وأهل الفن واللهو والمجون، إنهم يحتفلون ليستمتعوا ويلهوا.. وصاحب الحفل بريء مما يعملون.

إذا كان المسلمون يحبون نبيهم المصطفى حبا صادقا.. فبوسع كل منهم أن يُعبر عن حبه تعبيرا جميلا نافعا.. يتفق مع رسالة صاحب الذكرى والمهمة الجليلة التي بُعث لتحقيقها. بوسع كل مسلم.. من القادة أو العامة.. أن يًسعد النبي بهدية جميلة.. طالما أحبها وجاهد من أجلها. إنها هدية التوحيد.. توحيد الله تعالى الخالص من الشرك، وتوحيد الأمة على إمام واحد.

إذا كنتم تحبون رسول الله فأقيموا ملّته، وأحيوا سنته، وأطيعوا كلمته.

إذا كنتم تحبون المصطفى فأحبوا أحبّته، وأتموا مهمته، وانصروا أمته.

إذا كنتم تحبون محمدًا المـُجتبى فبايعوا خليفته، وارفعوا رايته، وحققوا غايته.

اللهم انصر من نصر دين محمد واجعلنا منهم!

واخذل اللهم من خَذَل دين محمد ولا تجعلنا منهم!

اللهم صلّ على محمد وآل محمد وسلم وبارك.. إنك حميد مجيد.

المحرر

Share via
تابعونا على الفايس بوك