من تاريخ المشكلة الفلسطينية

من تاريخ المشكلة الفلسطينية

لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الأبصار

من تاريخ المشكلة الفلسطينية

 

من أشد المظالم التي ارتكبت في هذا القرن. جريمة انتزاع أرض فلسطين من أصحابها الحقيقيين. الفلسطينيين وقد قامت القوى الغربية -تحقيقا لأهداف لها توقعتها- بالنصيب الأكبر من تسليم هذه الأرض لقمةً سائغة إلى اليهود.

وقد نشرت هذه المقالة في مجلة الأديان review of religions (إحدى منشورات الجماعة الإسلامية الأحمدية) عام 1955. في متابعتها لتاريخ هذه المظلمة ولتكتشف هول التجاوزات التي ارتكبت ضد هؤلاء القوم الأبرياء، ومن المحزن أن هذه المعاملة الجائرة لم تزل سارية حتى اليوم. مصحوبة بجهاز إعلامي جبار. يعرض ضحايا هذا الصراع -وهم الفلسطينيون- على أنهم الجناة والعكس بالعكس.

وحتى الآن.. لا يطالب العرب المساكين بالاستقلال وإنما يلتمسون مجرد الحكم الذاتي في بقعة صغيرة من أرض كان ما يخصهم فيها أكبر من ذلك بكثير، ننشرها اليوم بمناسبة مع ما يشهده العالم من اتفاقيات يجري التفاوض حولها بين الجانبين… عسى أن يفيق بعض الغافلين أو يتنبه بعض المضللين أو يستحيي بعض المضلَّلين.   “التحرير”

فلسطين أرض مباركة، تحفل بالأماكن المقدسة عند المسلمين واليهود. وقبل الاحتلال البريطاني لهذا القطر عاش فيه الجميع معا لزمن طويل في أمان وسكينة نوعا ما، وبعد إقرار الوصاية البريطانية عليه أصبح هذا القطر مسرحا لنزاع عنيف ومستمر بين الشعبين. والسبب في هذا الوضع المؤسف راجع إلى الوعود المزدوجة التي بذلتها الحكومة البريطانية لكل من العرب واليهود.

كانت تركيا في المحور المعادي للحلفاء في الحرب العالمية الأولى وقامت بغزو منطقتين ذواتي أهمية استراتيجية هما مصر وقناة السويس ووجدت الحكومة البريطانية أن اكتساب العرب إلى صفها ضرورة حيوية لها ولقد نجحوا في هذه الخطة الماكرة باحتواء الشريف حسين المكي الذي كان يتزعم معظم القبائل العربية في ذلك الوقت. ليقود الثورة ضد تركيا. وفي مقابل ذلك قدمت الحكومة البريطانية في 24/10/1915 على لسان السير هنري مكماهون المندوب السامي البريطاني في مصر هذا الوعد: سوف تساند الحكومة البريطانية استقلال البلاد العربية عن تركيا.

وطبقا لهذا الاتفاق وضع تخطيط الحدود للدول العربية بما فيها فلسطين. وكانت فلسطين بلا شك إحدى الأقطار العربية لأن 93% من أهلها كانوا عربا، وبإيعاز من هذا الأمل المشرق في الحصول على الاستقلال وبوعد جدي من الحكومة البريطانية، وعدٍ وضعوا فيه إيمانهم التام.. حارب العرب ببسالة مع الجانب البريطاني بما عهد فيهم من همة وجرأة وقدموا للبريطان عونهم المادي ضد الأتراك. لقد حافظ العرب على وعدهم وهي حقيقة اعترف بها المسؤولون وعلى رأسهم رئيس وزراء بريطانية في زمن الحرب العظمى- مستر لويد جورج الذي صرح في 19/9/ 1919: لقد أوفى العرب بعهودهم لبريطانيا العظمى ولسوف تفي بريطانيا العظمى بعهودها لهم.

ومع استمرار الحرب كان البريطان  في حاجة إلى المال وكان الصهاينة الذين تنطوي رؤوسهم على طموح قوي لاحتلال فلسطين مستعدين لتقديم العون المالي الذي يحتاجونه ومن ثم تمت صفقة بارعة: دفع الصهاينة المال للبريطان و دفع البريطان بدورهم وعدا بمساعدة الصهاينة في تحقيق حلمهم القديم بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، وهكذا صدر إعلان بلفور الشنيع في 2/11/ 1917: تنظر حكومة جلالة الملك بعين الاستحسان إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ولسوف تبذل أقصى مساعيها لتيسير التوصل لهذا الهدف، ومن المفهوم البين أنه لن يفعل ما يمكن أن يجحف بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية التي تعيش في فلسطين أو بالحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي قطر.

وهكذا خلقت الحكومة البريطانية موقفا مربكا يتيح للعرب واليهود أن تحتلوا فلسطين في نفس الوقت أو نقول: باعت الحكومة البريطانية حصانا واحدا لشخصين مع أن الحصان لا يخصها.

هذا في الواقع جلب الخراب على العرب، لقد شعروا أن الحلفاء خانوهم وباعوهم لليهود وتحطم حلمهم عن الحرية ووجدوا أنهم بدلا من أن يتحرروا من نير الأتراك وضعوا تحت سيطرة اليهود، وتبع وعد بلفور هجرة يهودية مستمرة إلى فلسطين لا تقاوم. وكانت النتيجة أنه في خلال 17 عاما (1920-1937) زاد تيار هجرة اليهود من 50,000 إلى 400,000 هذا شكل 2/1 المجموع الكلي للسكان وكان من الواضح تماما للعرب أنهم -آخر المطاف- سوف يلقى بهم خارج وطنهم.

كان دفاع العرب عن حقوقهم -بأنهم أخذوا الوعد أولا- دفاعا لا يدحض، ولقد اعترفت بريطانيا يقينا وضمنت استقلال عرب فلسطين في 24/10/1915 من خلال ميثاق حسين-مكماهون ومن ثم لم يكن لها بعد ذلك حق في أن تتعامل مع اليهود بما يتناقض مع الاتفاق القائم مع الفلسطينيين تناقضا تجاوز كل الحدود. يقول أحد الكتاب الإنجليز: كل تصرفات البريطان التالية: إنشاء وطن قومي، وعد بلفور، وتدخلهم في عملية الوصاية، كل ذلك باطل وغير مشروع (tablet 17 /7/1937).

وتحسَب الجهات الموالية لليهود أنه ينبغي السماح لهم بالهجرة إلى فلسطين ويؤسسوا فيها وطنهم القومي لأنها كانت بلد أسلافهم القدامى في فترة من الماضي البعيد وبهذا الصدد نقول أن فلسطين كانت وطنا للعرب خلال القرون الأربعة عشر الماضية.

ووجهة نظرهم هذه تماثل قولنا أن للهنود الحمر حقا في طرد الأمريكان الحاليين من الولايات المتحدة أو الهيمنة عليهم. ولنتذكر أن النزاع الحالي ليس بين العرب ويهود فلسطين وإنما بين العرب واليهود الأجانب القادمين من مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا.

وكثيرا ما يقدمون الإنجازات الصناعية والاقتصادية لليهود في فلسطين كحجة يدافعون بها عن هذه الهجرة التي ليس لها ما يبررها مطلقا إلى هذه الأرض البائسة وينسى أنصار هذه النظرية أن هذا التقدم حققه اليهود على حساب العرب. ثم أن قصة انتفاع العرب بإنجازات اليهود محض اختلاق وخيال.

كتب ألبرت فيتون albert Viton في the nation يوم 3/6/ 1937 يقول:

يضع اتحاد العمال اليهودي حَجْبَ العمل عن العرب واحدا من أهدافه الرئيسية، منذ وقت قريب سألت أحد زعماء الهستدروت البارزين – كانت صورة كارل ماركس معلقه في مكتبه ( أي أنه كان شيوعيا ينادي بالصراع الطبقي إلى جانب العمال بصرف النظر عن الدين كما كانوا يزعمون) كيف تتواءم هذه السياسة مع الصراع الطبقي؟ فصاح مجيبا: الصراع هو من أجل العامل اليهودي الخالص بل أخبر بن غوريون الكونجرس الفلسطيني اليهودي: كما أنه لا يتوقع من اليهودي أن يستخدم العرب

ثم يكتب الدكتور هارولد هيكي Harold Hickey في عدد ديسمبر من مجلة العالم الكاثوليكي catholic world:

“القاعدة الثابتة في كافة المستعمرات والمستوطنات اليهودية أن تستخدم اليد العاملة اليهودية فقط وكمثال لذلك: أبلغني مصدر مسئول عن مزرعة باعها عربي سوري كان يستخدم مائتي عامل من بني جنسه لخدمة الأرض فلما حصلت المصالح اليهودية على المزرعة طرد المزارعون العرب من عملهم”.

ومن الحقائق التي تسترعى النظر والجديرة بالذكر – كما يشير الدكتور هيكي- أن جميع اللجان البريطانية قد اعترفت بعدالة قضية العرب ولكن نتائجهم وتوصياتهم بهذا الصدد لقيت التجاهل مرارا وتكرارا. كل ذلك يفسر عنف الصدام العربي اليهودي وسفك الدماء المتكرر على أرض فلسطين منذ بداية الانتداب البريطاني.

ولحل هذه المشكلة المتشابكة شكلت الحكومة البريطانية اللجنة الملكية برئاسة اللورد بيل lord peel وتطلَّع العالم للحل الذي تقدمه هذه اللجنة في  7/7/1937 وبحسب المشروع المقترح في التقرير تقسم فلسطين إلى ثلاثة أقسام:

دولة عربية ودولة يهودية، ومنطقة تحت الوصاية الدائمة لبريطانيا وقد عارض العرب واليهود بشدة توصيات اللجنة الملكية وكان كلا الفريقين المعنيين عنيدين في رفض خطة التقسيم كما أنها لقيت نقدا قاسيا في العالم كله. إن الحل المقترح لم يحل المشكلة بل على العكس إنه زاد الموقف سوءا فاليهود غير راضين عن التقسيم لأن الدولة التي خصصت لهم كانت من وجهة نظرهم صغيرة جدا ولا تحقق حلمهم ولم يكن العرب راغبين في التنازل عن شبر واحد من أرض وطنهم، واعتبروا مشروع خلق دولة إسرائيلية في فلسطين يهاجر إليها اليهود الأجانب بحرية تامة عملا عدوانيا على أرضهم.

وزاد شعور العرب بالغبن أن ما خصص لليهود كان أغنى وأخصب الأراضي في البلد وما خصص للعرب كان أشد المناطق جدبا وصخرا، ولقد أبدى أحد الكتاب الإنجليز الذي عاصر تلك الأحداث هذه الملاحظات التي تلقي الضوء عليها:

“لا أجد نقطة أتفق فيها مع وجهة نظر اللجنة التي يبدو أنها انحازت إلى مصلحة اليهود على حساب العرب، لو فحصنا الخرائط المرفقة مع التقرير لتبين أن أعظم وأغنى الأراضي المنزرعة والقابلة للزراعة قد خصصت لليهود”. ومن نتائج هذا الإجحاف أن يعتقد العرب دائما -مهما كانت التعويضات المالية التي تدفع لهم- بأن اليهود قد سلبوهم أغلى وأثمن جزء من تراثهم وسوف يعطي المهيجون السياسيون أحسن الشعارات لإثارة وتجديد العداوة الضارة بتوقعات السلام.

ومن نتائجه أيضا أنه ما لا يقل عن ربع مليون عربي -يسكنون الآن في القطاع المخصص لليهود- سوف ينقلون إلى أماكن أخرى من فلسطين وعن هذا يقول التقرير: وهناك سابقة توضيحية في تبادل السكان بين اليونان والأتراك عقب الحرب اليونانية التركية عام 1922 حيث تم نقل 1,300,000 يوناني و 400,000 تركي من أراضي أعدائهم السابقين إلى بلد كل فريق منهما.

ويمضي التقرير قائلا: ومن سوء حظ أهدافنا أن القياس مع الفارق في نقطة أساسية واحدة: فإن في شمال اليونان تتوفر أرض إضافية قابلة للزراعة يمكن إعدادها سريعا لاستيطان اليونان المهجرين من تركيا في حين أن الحال ليس هكذا في فلسطين الآن.

ولكن القياس منقطع أيضا في نقاط أخرى أساسية، ففي المقام الأول ليس في القضية تبادل سكان فإن 4/1 سكان فلسطين من العرب سوف يخرجون من أراضيهم في حين أن من ينقلون من اليهود 1250 فردا فقط. وإذا كان الترك واليونان قد نقلوا إلى أوطانهم من أراض غريبة فإن العربي يطرد من بيته الذي ابتناه في أرض موطنه.

وتعرض صحيفة المانشستر جارديانManchester Guardian  قضية العرب يوم 16/7/1937 فتقول: يعلن العرب أن ما خلُصَت إليه اللجنة عن إنهاء الوصاية يدعم حجة المفتي الأكبر، ومن ثم ينبغي قبول دعوته لاستقلال العرب الوطني مع منح حقوق الأقلية لليهود. وتأييدا لذلك يستشهدون بعرض ملائم قدمته اللجنة عن معاملة العرب مع اليهود في الماضي ويعلنون أنه ليس ثمة عداوة تستعصي على التسوية بين الفريقين، وأن منح العرب الاستقلال سوف يتبعه فورا التعاون مع كل اليهود في فلسطين.

ويشتبه في أن المصالح الإمبريالية للسيطرة على البحر المتوسط هي المحرك وراء التقسيم الحالي الذي يعلن العرب أنه يتهدد المصالح الاقتصادية لسوريا والعراق بالخطر. ويعلنون أنه إذا حصل العرب على استقلالهم الوطني فإنهم -بكل سرور- سوف يقدمون الضمان للمصالح الإمبريالية في ظل معاهدة”.

  فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (المرسلات: 6-8).

انعقدت الجلسة السنوية التاسعة والعشرون للجماعة الإسلامية الأحمدية بالمملكة المتحدة في الفترة من يوم الجمعة 29/7 إلى 31/ 7/ 94 في ساحة إسلام أباد تلفورد. صري.

حضر الجلسة أكثر من 10,000 يمثلون 70 قطرا من العالم قام على خدمتهم -ليلا ونهارا- أكثر من 900 من أبناء الجماعة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك