فكر في قولي يا مَن عاداني، وحرك قدَمَك لله الواحد، ودَعْ التذكُرَ للمَعاهِد

فكر في قولي يا مَن عاداني، وحرك قدَمَك لله الواحد، ودَعْ التذكُرَ للمَعاهِد

حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

المسيح الموعود والإمام المهدي (عليه السلام)

فكِّر في قولي يا مَن عاداني، وحرِّك قدَمَك لله الواحد، ودَعْ التَّذَكُرَ للمَعاهِد 1

أيها العزيز، أقصُّ عليك قصتي إن استمعت، وحبَّذَا أنتَ لو اتَّبَعت. قد سمِعتَ كلامَ الذينَ بادروا إلى تكفيري، فَأُوضِّحُ لك الآن مَعَاذيري.. وإنْ شِئتَ فَكُنْ عَذِيري2.. أو مِنَ اللائِمين. إنّي امْرُؤٌ مِنَ المسلمين، أُؤمِنُ بالله وكُتبِه ورسُله وخيرِ خَلْقِهِ خاتمِ النبيين. لستُ مِنَ اللذينَ يَجْترِئون على خِلافِ المأثور من خَيْرِ الكائِنات، بل مِنَ اللذين يخافون ربَّهم ويُطهِّرون الخطِرات3. بيْدَ أنّي أُعطِيتُ مقاماتِ الرجال. وعلَّمَني ربّي فَهدَاني إلى أحسنِ المقال.. وجَعَلني مَهديَّ الوقتِ ومن المجدِّدين. فما فَهِمَ المكفِّرون كلامي، وكفَّروني قبلَ التدبُّرِ في مَرامي.

فقلتُ: واللهِ، لستُ بِكافرٍ ويعلمُ ربّي إسلامي. فما تركوا قولَ التكفير، بل أصرُّوا على ما فعلوا وظلموا في التقدير والتحرير4. وقالوا كافرٌ كذّاب، ونتربَّصُ عليه العذاب، واللهُ علِمَ أنّهم مِنَ الكاذبين المفترين، أو الجاهلين المستعجلين. أَفتريتُ على الله بعدما أفنيتُ عمري في مساعي الدين.. حتى جاوزتُ الخمسين، وحمَاني مُقلةُ5 ربّي من سُبل الشياطين؟ وما كانت مُنْيَتي في مُدّة عمري إلا حمايةَ دينِ خيرِ الأنام، وإعلاءِ كلمة الإسلام.. وكفى بالله شهيدًا وهو خير الشاهدين.

يا ربِّ، يا ربَّ الضُعفاء والمضطرين، ألستُ منك؟ فَقُل، وأنّك خيرُ القائلين، كَثُرَ اللَّعنُ والتكفير، ونُسِبتُ إلى التزوير، وسمعتَ كُلَّهُ ورأيتَ يا قدير. فافتح بيننا بالحقِّ وأنت خيرُ الفاتحين، ونجِّني من علماء السُّوء وأقوالهم وكِبْرِهم ودلالهم.. ونجِّني من قومٍ ظالمين. وأنزِلْ نصرًا من السماء، وأدْرِك عبدكَ عند البلاء، – ونزِّل رِجْسكَ على الكافرين.

وصِرتُ كَأذِلَّةٍ6 مطرودَ القوم، ومَوْرِد اللَّوم، فانصرنا كما نصرتَ رسولكَ بِبَدرٍ في ذلك اليوم.. واحفظنا يا خيرَ الحافطين. إنَّك الربُّ الرحيم، كتبتَ على نفسِك الرحمة.. فاجعل لّنا حظًّا منها وأَرِ النُّصرةَ، وارحمنا وتُب علينا وأنت أرحم الراحمين. ربِّ نجِّني مما يقصدون، واحفظني مما يُريدون، وأدخلني في المنصورين.

ربِّ فرِّجْ كَربِي، وأَحسِن مُنْقَلَبي7، وأَظفِرني بِقُصوى طلبي، وأَرِني أيامَ طَرَبي، وكُنْ لي يا ربي.. يا عالِمَ هَمِّي وإرَبي، وصَافِني وعَافِني يا إلهَ المستضعفين. كذَّبني كلُّ أخِ التُّرَّهات8، وكفَّرني كلُّ أسيرِ الجَهَالات، وما بقيَ لي إلا أن أنْتَجِعَ9 حضرتك، وأطلبَ عونكَ ونُصرَتك.. يا قاضيَ الحاجات، لعلّك تردُّ نهاري بعد أنْ صَفَتْ10 شمسي للغروب، وضجِرَ القلبُ من الكروب.

وواللهِ ما تَأوُّهي لفَوْتِ أيام السرور، ولا لِلتنعُّمِ والحبور.. بل للإسلام الذي صالَ عليه الأعداء، وَأَفَلتْ شُموسُهُ وطالت الليلةُ الليْلاء، وظهرت المداجاةُ11 في فِرَق الإسلام، والتفرقةُ في أُمّة خيرِ الأنام. وأمّا الكفار وأحزاب اللئِام.. فقد انتظموا في سلك الالتِئام12.

والحسرةُ الثانية أنَّ فينا العلماء والفُقهاء والأدباء، ولكنهم فَسَدوا كلُّهم وأحاطت عليهم البلاء.. إلا ما شاء الله. ربِّ فارحم وتقبَّل مِنّا دُعاءنا وإليكَ الشكوى والإلْتِجَاء. يقولون: إنّا نحنُ أعلامُ الدِّين، وعمائِدُ الشّرعِ المتين.. ولكنّي ما أرى فيهم أحدًا كَذي مَقُولٍ جَرِيّ13، خادمُ دينِ نبيِّنا كَمُحِبٍّ وليّ.. بل سقطوا في الشَّهواتِ والأهواء. والدَّعاوي والرِّياء، وما أجدُ أكثرهم إلا فاسِقين. وكنتُ اَخالُ في رِيقِ زماني14.. أنّهم أو أكثرهم من أعواني، ولكنّهم وَلُّوا دُبُرَهم عند الابتلاء، وكان هذا قَدَرًا مُقدَّرًا من حضرةِ الكبرياء. فالآن أُفْرِدتُ15 كإفرادِ الذي يبيتُ في البيداء. أو كالذي يقعدُ في أهلِ الوَبَر16 وسُكان الصحراء. والآن قلَّت حِيلتي، وضَعُفَتْ قوّتي، وظهرَ هوَانِي على قومي وعَشيرتي.. ولا حولَ ولا قوّة إلا بك يا ربَّ العالَمين.

إليكَ أَنَبْتُ، وعليكَ توكّلتُ، وبِكَ رضيتُ. ربِّ فاستُرْ عوْراتِي، وآَمِن رَوْعَاتي، ولا تَذَرْني فردًا وأنتَ خيرُ الوَارِثين. بِيَدِكَ البذلُ والعطاء، والعزُّ والعلاء، وإذا أتَيتَ فلا يأتي البلاء، وإذا نزلت فلا ينزل الضَّرَّاء. وأشهدُ أنْ لا إله إلّا أنتَ، ولا رَافِعَ إلّا أنتَ، ولا دَافِعَ إلّا أنتَ، عليك توكلت، وبحضرتك سقطت، وأنت كهف المتوكلين. أَحسِنْ إليَّ يا مُحسِني.. ولا أعلمُ غيرك من المحسنين.

وصلِّ وسلِّم على رسولكِ ونبيّك محمدٍ.. وعظِّم شأنَهُ، وأرِ الخلقَ برهانه، إنّا جِئناكَ لِدِينِهِ باكين.. تعلمُ ما في قلوبنا، وتنظرُ ما في صدورنا.. وإنّا معك طَوْعًا، وما ندَّخِرُ عنك صدقًا وروعًا، وما كنّا أن نهتديَ لولا أن هديتَنَا، وما وَجَدنا إلا ما أعطيتنا؛ فلا حَمْدَ إلا لك، ويرجع إليكَ كلُّ حمدِ الحامدين. إنّك ربٌّ رحيم، ومَلِكٌ كريم.. فمن جاءكَ ووالاك وأحبّك وصافاك فلا تجعله من الخائِبين. فبُشرى لعبادٍ أنتَ ربهم.. وقومٍ أنت مولاهم، سبَقتْ رحمتُكَ غضبَكَ، ولا تُضيعُ عِبادكَ المخلصين. فالحمدُ لك أولاً وآخِرًا وفي كلِّ حين.

(الخزائن الروحانية، جلد 8 ص 183 – من تصنيفات الإمام المهدي والمسيح الموعود، نور الحق)

1) المعاهد: محاضر الناس

2) عذيري: عاذري، نصيري.

3) الخطرات: الخطرة ما يقع في القلب

4) التقرير والتحرير: القول والكتابة

5) مقلة: العين

6) كأذلّة: طردني القوم كأنّي ذليل

7) منقلبي: رجوعي

8) التُّرَّهات: الأقوال الباطلة. الخالية من النفع.

9) انتجع: قصده يطلب معروفه

10) أصغَت: مَالت

11) المداجاة: المساترة بالعدواة وعدم إبدائِها.

12) سلك الالتِئام: حبل الاجتماع والاتفاق.

13) ذي مقول جري: قولٍ شجاع، وكيل، ضامن

14) ريقِ زماني: أوله.

15) أُفردت: نُحِّيتُ وصرت فردًا.

16) أهل الوبر: أهل البادية

Share via
تابعونا على الفايس بوك