النبي صلى الله عليه و سلم و القرآن و رمضان

النبي صلى الله عليه و سلم و القرآن و رمضان

تميم أبو دقة

كاتب وشاعر
  • القرآن مرآة قلب النبي
  • القرآن يعرفنا بالنبي الذي هو مرآة لصفات الله تعالى ومظهراً لعرشه

__

لعل فهم العلاقة بين النبي والقرآن الكريم هو المحور الأساس الذي توزّعت حوله مدارس الفكر الإسلامي وتباينت. وبقدر ما فرّقت هذه المدارس بين النبي والقرآن بقدر ما ابتعدت عن جادة الصواب. والحقيقة أن القرآن هو مرآة قلب النبي التي تعكس صورة أبدية له يستطيع المؤمنون أن يحظوا بتأملها إلى قيام الساعة. وقد جاء الإمام المهدي والمسيح الموعود مؤكدا على التوحد بين النبي والقرآن الكريم، وكان هذا الأمر علامة فارقة في فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية، ومفتاحا عظيما لحل كثير من المعضلات، وللحكم فيما اختلفت فيه الفرق.

فلم يكن نزول القرآن الكريم على النبي إلا بعد أن أعده الله تعالى إعدادا كاملا، وصنعه على عينه، وجعله جبلا راسخا يستطيع أن يتحمل نزول هذا الوحي الذي لو نزل على جبل لأصبح خاشعا متصدعا من خشية الله. وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحقيقة في قوله:

لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الحشر 22)

كذلك كان الله تعالى قد صنع فطرته من زجاجة فائقة اللمعان والشفافية، وأودعها زيتا نقيا يكاد يضيء بنور الوحي ولو لم ينـزل عليه، كما قال تعالى:

يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (النور 36)

وقد اختصرت السيدة عائشة رضي الله عنها هذا التوحد بين النبي والقرآن بقولها: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ (مسند أحمد، كتاب باقي مسند الأنصار). والخُلُقُ هو الصورة الداخلية للخَلْق، بينما يطلق الخَلْق على الصورة الخارجية.

فإن الله تعالى قد أعدّ قلب النبي وجعله عرشا لصفاته تعالى بكلماته، ثم استوى عليه وأنزل كلامه في صورة القرآن الكريم. فالله تعالى قد أنزل القرآن الكريم كي نتعرف على شخصية النبي ونفهمها ونتمثلها ونقتدي بها، والتي هي في حقيقتها مرآه لصفات الله تعالى ومظهرا لعرشه.

وهكذا فليس الأمر- كما يحاول بعض المفكرين المسلمين أن يصوروه- أن القرآن كتاب عظيم نزل على إنسان بسيط أمّيٍّ، ويحاولون إثبات صدق القرآن بالتأكيد على أن ما يحتويه القرآن ليس مما هو في قدرة النبي واستطاعته أو مما يقع في مدارك فهمه! وهكذا يثبُت عندهم أن القرآن من عند الله دون أدنى شك.  وفي الواقع، يقع هؤلاء في مغالطة عظيمة، كما أنهم يسيئون الأدب من النبي ؛ ومن أساء الأدب من النبي تباعد من رضا الله تعالى، وقطع صلته بينبوع العلم النبوي المتدفق الذي أول متطلباته الأدب الجمّ مع المقام العظيم للنبي . ومن الطبيعي أن ترى أمثال هؤلاء سرعان ما يتخبطون بفكرهم ثم يهوون في وادٍ من الجهالة سحيق.

وفي الواقع، فإن قولهم هذا نابع من عدم فهمهم للعلاقة بين خلْق الله وكلمته، كما أنهم لا يدركون حقيقة الوحي وطبيعة العلاقة بين الوحي ومَنْ يتنـزل عليه. فلله تعالى الخلْق والأمر؛ وخلْق الإنسان وتكوينه وتركيبه الجسدي والنفسي هو فعل الله، بينما الوحي هو كلمة الله التي هي من أمره الذي يتشكل من خلاله الخلْق ويخرج إلى حيز الوجود. ويستحيل أن يكون هنالك تناقض أو تباين بين كلمات الله وخلقه، إذ إن الخلْق لا يخرج إلى النور ولا يتشكل بصورة ما إلا بكلمة الله التي تطابقه. كذلك فإن الله تعالى قد أعدّ قلب النبي وجعله عرشا لصفاته تعالى بكلماته، ثم استوى عليه وأنزل كلامه في صورة القرآن الكريم. فالله تعالى قد أنزل القرآن الكريم كي نتعرف على شخصية النبي ونفهمها ونتمثلها ونقتدي بها، والتي هي في حقيقتها مرآه لصفات الله تعالى ومظهرا لعرشه. ولو لم ينـزل القرآن لبقيت هذه الشخصية العظيمة كنـزا مخفيا، ولأصبح من المتعذر على الناس السلوك في طريق الوصول إلى الله الذي لم يكن لأحد أن يشقه سوى النبي .

ولا شك أن كثيرا من هؤلاء إنما قالوا بقولهم هذا ظنا منهم أنهم بذلك يُظهرون معجزة القرآن الكريم وأحقية أنه من الله تعالى. ولكن هذا القول إن أدى إلى الاعتراف بأن القرآن هو من عند الله، إلا أنه في الحقيقة يسد طريق الاستفاضة من فيوض القرآن الكريم، ولا يولد في نفس الإنسان حماسة وحبا واحتراما وتقديرا للنبي ، مما يحرم الإنسان من فيوضه وقوته القدسية.

كذلك فإن هذا القول يفتح المجال للاعتراض على القرآن الكريم والتشكيك فيه. فلو أن القرآن العظيم قد نزل دون مناسبة مع خلْق النبي وخلُقه إذن لكان من المقبول اعتراض الكافرين بقولهم:

  وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (الزخرف 32)!!

فقد زعموا أن نزول القرآن على شخص بسيط ليس من الحكمة في شيء. إذ إن ذلك سيحرم الناس من الاستفادة من القرآن؛ لأن الشخص الذي نزل عليه بسيط قد لا يستطيع القيام بواجباته بسبب ضعفه وبساطته، أو قد لا يعرف قدْر ما نزل عليه – حاشا لله!

والحقيقة أن النبي لم يكن بسيطا كما لم يكن محروما من العلم أو من أي شيء آخر. بل إن الله تعالى من أجله قد تكفل بقومه قبل بعثته وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف وكان ذلك قبل بعثته بمئات السنين. وقد أراد أن يعلمه بنفسه ويتكفل أموره بربوبيته الخالصة دون أن يكون لأحد فضل في تعليمه أو تربيته لتكون تلك آية عظيمة تدل على صدقه وتُظهر صفة ربوبية الله تعالى بأكمل صورها. وهذا الأمر لا يقلل من معجزة القرآن الكريم، بل يقدم منه نسختيْن؛ نسخة مقروءة متلوة، ونسخة متجسدة في ذلك النبي العظيم .

ولو لم ينـزل القرآن لبقيت هذه الشخصية العظيمة كنـزا مخفيا، ولأصبح من المتعذر على الناس السلوك في طريق الوصول إلى الله الذي لم يكن لأحد أن يشقه سوى النبي .

وفي رمضان بدأ نزول هذا القرآن، واشتعل الزيت النقي بنار الوحي السماوي، وبدأ بإنارة العالم حتى أصبح سراجا وهاجا وشمسا في كبد السماء. وقد نزل القرآن في رمضان وقتا وموضوعا؛ أي بالإضافة إلى أن بدء نزول القرآن كان في رمضان كذلك فإن موضوع القرآن ومغزاه يتمثل في شهر رمضان، وكأن القرآن قد نزل في ذكره وفي تبيان أهميته. وكان ذلك لأن في هذا الشهر قد تصاعدت حرارة قلب النبي كالرمض توقا إلى لقاء الله، كما تولد فيه حرارة وحماس لعمل مزيد من الصالحات لنيل مزيد من القرب الإلهي؛ فكان الرمضُ رمضيْن، وسمِّي الشهر رمضان!

وهكذا فإن المطلوب من المؤمن في هذا الشهر الكريم أن يتمثل صفات النبي وخلقه الكريم الذي يجده بأكمل صورة في القرآن الكريم، كما ينبغي أن يخلق في نفسه حرارة شوق وتوق إلى الله تعالى وحرارة رغبة لعمل الصالحات التي قدم النبي نموذجا كاملا لها في حياته. فإن سعى المؤمن إلى ذلك نال شيئا من فيض النبي ونال نصيبا من الوحي بقدر ما اقترب من خُلُق النبي . فأي فضل ورحمة وبركة جعلها الله تعالى لنا ببعثة هذا النبي ! جعلنا الله ممن يقدر النبي حق قدره، وممن يقتدون به ويتأسون بأسوته دوما، وممن ينالون فيوضا عظيمة من بركاته ومن قوته القدسية. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك