حقيقة معجزات السيد المسيح عليه السلام الخلق و الإبراء و الإحياء

حقيقة معجزات السيد المسيح عليه السلام الخلق و الإبراء و الإحياء

تميم أبو دقة

كاتب وشاعر
  • العلامات الروحية للمسيح: شفاء الأمراض الروحية
  • العلامات المادية: التطور المادي للشعوب المسيحية ونهوضها
  • تكريم المسيح وتبيان مكانته الصحيحة بمجيء النبي والمسيح الموعود

__

أولا: العلامـات الروحيـة

{وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران 38){إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (المائدة 109)

الآيات السابقة تبين أن المسيح كان يؤثر في متبعيه نظرا لاختلاف حالاتهم. فمنهم من كان ذا طبيعية طينية قابلة للتشكل ومهيأة لاستقبال التعاليم الإلهية؛ ومنهم من كان مصابا بالأمراض الروحانية؛ ومنهم من كان ميتا روحانيا تماما.

 1. خلق الطير من الطين (الخلافة الروحانية الحقيقية):

عندما ذكر الله تعالى قصة استخلاف آدم كان قد بيّن مرارا أنه كان ذا طبيعة طينية. وهكذا فقد أنشأ القرآن الكريم علاقة بين الاستخلاف وبين الطبيعة الطينية الملائمة للخلافة. وقد كان من بين أتباع المسيح من كان ذا طبيعة طينية قابلة للتشكل ومستعدة لتقوم بمقام الاستخـلاف الروحـاني، وكانوا من الذين لا زالوا على الدين الذي ورثوه من أنبياء بني إسرائيل. فكونهم من طين يعني أن طبيعتهم تشبه طبيعة آدم ، كما أن مهمتهم ستـكون استـخلاف المسيح . وهذا ما تحقق في تلاميذه المقربين المخلصين. فقد استمروا يحملون رسالته وينشرونها من بعده، ولم تتلاشَ آثارهم إلا بعد أكثر من ثلاثمائة عام عندما انتصرت المسيحية المحرفة البولسية على المسيحية الحقيقة. وهكذا فإن آية خلق الطير من الطين هي عـلامة على صـدق نبوة المسـيح لأنه نبي نشأت بعده خـلافة، وهذا لا يكون إلا للـنبي الصـادق.

الخـلق والإبـراء والإحياء هي آيات المسيـح وعلامات صدقـه.

  1. إبراء الأكمه والأبرص (شفاء المرضى الروحانيين):

الأكمه هو من ولد أعمى، أو من اعتراه عمىً عارض. كما أن الكَمَه يعني سلب العقل وركوب الرأس والعناد كما تذكر المعاجم العربية. والأبرص هو من ظهرت عليه بقع بيضاء فشوهته، وأكثر ما يطلق على الأفعى المرقطة بالبياض. ولا شك أن الكمه والبرص كانا أهم عيوب بني إسرائيل. فمنهم من كان أكمهَ أي معاندا راكبا رأسه، ومنهم من كان أعمى بمعنى أنه لا يرى المنكر والباطل أو يتعامى عنه، وقد أخبر الله تعالى عن هذا المرض الروحاني فيهم بقوله تعالى: كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون (المائدة 80)، أما المقصود بالبرص فيهم فهو أن الذنوب كانت ظاهرة بارزة عليهم كما كانت طبائعهم كالأفاعي؛ لذلك نجد المسيح قد وصفهم بهذا الوصف في الإنجيل بشكل متكرر كقوله: “أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي!” (إِنْجِيلُ مَتَّى 23 : 33). وبالتدقيق نجد أن تعاليم المسيح كانت مركزة على هذه الجوانب بشكل أساسي وكبير.

3- إحـياء المـوتى (إحياء الموتى الروحانيين):

الموتى هم موتى القلوب البعيدون تماما عن الروحانية والدين. فالمسيح عليه السلام كان يؤثر فيهم ويخلق فيهم روحا يتعرفون بها على الله تعالى ويبعثون من جديد.

وهكذا نلاحظ أن القرآن الكريم قد تسلسل في هذه الآيات مراعيا التدرج في الحالة الروحانية من الأعلى إلى الأسفل.

أما لماذا ذكر الله تعالى هذه الجوانب بشكل تفصيلي، ولم يذكرها مثلا بحق النبي ، مع أنها ضمن آيات النبي أيضا، فهذا لأن ما ذُكر سابقا كان مناسبا للحالة الخاصة ببني إسرائيل. فالآية الأولى والثانية؛ وهما الخلق من الطين وإبراء الأكمه والأبرص، يختصان بأمة كانت لديهم تعاليم سماوية سابقة. فكان منهم من هو مستعد للارتقاء ببعثة المسيح ، ومنهم من كان مغرقا في أمراض روحانية وقد تيسر له الشفاء منها عن طريقه . أما النبي فقد جاء في أمة ميتة روحانيا فأحياهم، ولم يكن عندهم بدايةً أيُّ أثر يذكر من تعاليم سابقة. ولكن تعاليمه تصلح لكل هذه الحالات. فعندما أصبح حال الأمة الإسلامية كبني إسرائيل؛ أي عندما كان منهم من يتحلون بطبيعة طينية وفيهم آثار من تعاليمه ، وأصبح منهم الكُمْه والبُرص العمـيان المعاندون المجاهرون بالمعاصي، وأصبح منهم موتى القلوب تماما، فقد جاء المسيح الموعود والإمام المهدي وقام بإنشاء الخلافة من جديد في ذوي الطبائع الطينية، كما طهّر الأمة من الأمراض الروحانية، وأحيا موتى القلوب من المسلمين الذين كانوا بعيدين تماما عن الدين والروحانية. وهكذا فإن بعثة المسيح الموعود في الأمة الإسلامية وقيامه بمهام مشابهة للمسيح عيسى بن مريم ونجاحه فيها هي علامة متجددة أيضا على صدق المسيح وتأكيدا على رفعه ومكانته السامية.

وقد جعل لهما الله تعالى جانبيـن؛ مباشرًا في حياته ومستمرًا بعـده،

ثـانيا: العلامـات الماديـة

أراد الله تعالى أن يُظهر صدق المسيح عيسى بن مريم من خلال علامات ظاهرة مادية تبقى وتستمر. فمع أن التحريف قد طمس رسالة المسيح إلى حد كبير، إلا أن الله تعالى قد شاء أن يُظهر آيات صدقه في المنسوبين إليه ظاهريا وإن كانوا بعيدين عن رسالته الحقيقية. وهذا لأن اليهود قد أرادوا أن يقضوا على دعوته تماما ويجعلوه مجرد شخصية عابرة لكذاب لقي جزاءه في التاريخ اليهودي. فأراد الله تعالى أن تنشأ أمة عظيمة على اسم المسيح، وتكون هذه الأمة غالبة على اليهود دوما. وهذه العلامات هي:

  1. خلق الطير من الطين (الاستخلاف المادي):

فقد أراد الله تعالى أن تستمر خلافة المسيح رغم تشوه تعاليمه وانحرافها. فنرى أن الكنيسة الكاثوليكية يتسلسل فيها الخلفاء من البابوات حتى بطرس، وهي مستمرة إلى اليوم. كما أن هناك بابوات آخرين في فرق مسيحية متسلسون حتى تلاميذ المسيح. ولكن هؤلاء ليسوا بخلفاء حقيقين للمسيح ، فكأنهم مجرد أشكال وصور للطيور الروحانية ولكنهم ليس منفوخا فيهم الروح الحقيقية. ولا يكون خليفة حقيقيا إلا من نفخ الله تعالى فيه من روحه. حيث أشار القرآن الكريم إلا أن  الملائكة لم يؤمروا بالسجود لآدم إلا بعد أن نفخ الله تعالى فيه من روحه: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (الحجر 30) . وقوله تعالى “بإذني” أو “بإذن الله” تشير إلى أن هناك من يصبحون بالفعل طيورا؛ وهم الخلفاء الحقيقيون الروحانيون الذين كانوا بعد المسيح بفترة وجيزة، ومنهم من لا يكون حقيقيًا، بل مجرد هيئة لا روح فيها وهم بابوات الكنيسة المسيحية البولسية بمختلف فرقها.

  1. إبراء الأكمه والأبرص (التقدم الطبي الهائل):

إن التقدم الطبي الهائل الذي وصلته الأمم المسيحية في علاج الأمراض العارضة والمستعصية والوراثية هو إشارة إلى آية إبراء الأكمه والأبرص. فالكمه كما ذكرنا سابقا يعني العمى العارض أو الذي يكون منذ الولادة، كما قد يشير إلى الأمراض النفسية والعصبية والعقلية أيضا عند اعتبار المعنى المعنوي للكَمَه. كما أن البرص هنا هو إشارة إلى الأمراض المختلفة التي تظهر على الإنسان. ويمكن اعتبار إحياء الموتى أيضا داخلاً في هذا التقدم العلمي، حيث يتم إنقاذ المرضى المشرفين على الموت.

  1. إحياء الموتى (نهضة الشعوب المسيحية):

إن النهضة التي شـهدتها الشـعوب المسيـحية، والتي كانت ميتة غارقـة في الجهـل والظلمات، فأصبحت أمما رائدة مزدهـرة، هي مظهر عظيـم لآية أحياء الموتى.

وأنه مرفوع فوق مستوى الشبهات التي أثارها اليهود ضده.

إن اليهود الذين كانوا ينظرون إلى المسيح وهو معلق على الصليب كانوا يظنون أن هذا المعلّق قد انتهى إلى الأبد وزال ذكره منذ ذلك اليوم. وكانوا يرون أن هذا اليوم هو يوم سعدهم الذي تخلصوا فيه من كذّاب جاء لينذرهم بزوال ملكوت الله ونبوته من بين أيديهم، وظنوا  أن  الغلبة ستبقى لهم. ولكن الله تعالى الذي ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة أبى إلا أن يظهر صدقه بآيات عظيمة تستمر إلى الأبد. إن هؤلاء اليهود الذين ظنوا أنهم قد قتلوه وأذلوه وأهانوه وجعلوه معلونًا لم يخطر ببالهم أن هذا الشخص سيُرفع لدرجة يغالي فيها البعض ويؤلهونه ويؤمن بذلك عدد كبير من الناس. وهكذا فقد أفشل الله خطتهم ورفع المسيح بتأييده له في الدنيا في الآخرة، وبترك علامات مادية ظاهرية مشهودة، ثم أرسل النبي الذي أكّد على صدقه وطهارته وبيّن مكانته كعبد ونبي مكرم لله تعالى. ثم أرسل الله تعالى خادما للنبي شبيها بالمسيح وسميّا له لتأكيد التكريم وتبيان المكانة الصحيحة للمسيح التي لا إفراط فيها ولا تفريط؛ والتي  هي مكانة الخضوع والتبعية لخاتم النبيين العظيم . فما أكرمها من مكانة!

Share via
تابعونا على الفايس بوك