سيرة المهدي - الجزء 2 الحلقة 9
  • زيارة الشاب حافظ نور محمد لحضرة المسيح في1884م
  • رؤيا ابتلائية عن شيخ مهر علي والاستغفار له
  • مزاح المسيح مع الحافظ نبي بخش
  • مواقف الخادمة مهرو مع حضرته

__

347- بسم الله الرحمن الرحيم. أخبرني الحافظ نور محمد من سكان قرية «فيض الله جك» في رسالة له وقال: كنت شابًّا إذ تشرفت بلقاء المسيح الموعود ، وتفصيله كالآتي: أصيب الحافظ حامد علي -من سكان منطقة «تهـ غلام نبي» المجاورة لقريتنا- بإسهال شديد واشتد المرض، فجاء إلى قاديان للعلاج ثم أخذ يسكن فيها، وقد علمتُ منه أن حضرته (أي المسيح الموعود) من كبار الصالحين ويتلقى الوحي أيضا. وهذا الحديث يرجع إلى زمن وصل فيه القطار إلى «بتهانكوت». فلما سمعت قول الحافظ حامد علي تشوقت لملاقاة حضرته فاستأذنت والدي فأذِن لي بكل سرور قائلا: إن مرزا صاحب رجل صالح ويمكنك الذهاب إليه بكل سرور، فجئت إلى حضرته، وفي تلك الأيام كان قد وضع أساسًا للمسجد المبارك ولم يكن قد بدأ عمران المسجد. لقد أمرني حضرته بقراءة القرآن لكوني حافظًا له عن ظهر الغيب، وسُرّ كثيرًا بسماعه مني، فمكثت لديه يومين تقريبًا ثم رجعت. قال لي حضرته: لا ضمان للحياة لذلك ينبغي أن يستعجل المرء في اللقاء. وبعد ذلك بدأت أزوره بعد كل أسبوع أو عشرة أيام. ولقد لاحظت في تلك الأيام أن حضرته كان يُكثر من ترديد كلمات: سبحان الله وسبحان الله وبحمده.

وقد قال لي حضرته ذات مرة: القناعة مجلبة للفرح والسرور للإنسان.

لم يكن مع حضرته في ذلك الزمن إلا خادمان أو ثلاثة. وبعد ذلك أخذ يفد إليه الرجلان أو الأربعة أحيانًا. وفي تلك الأيام كان يرافقني إلى قاديان أحد أصدقائي الحافظ نبي بخش الذي كان عمره آنذاك ما بين 10 إلى 12 عاما. وعند الليل كان حضرته يسألنا: أين تريدان أن تناما؟ وكنا نقول له: نريد أن ننام بالقرب منك، وكنا نريد أننا سنفيق معه للتهجد عندما يستيقظ هو، ولكنه كان يصلي التهجد ونظل نائمين. كان يشعل السراج عند الاستيقاظ للتهجد، وكان يطفئه عندما كان يستلقي بعد التهجد، وأحيانًا عندما كنا نراه يطفئ السراج نخجل لعدم استيقاظنا. كان حضرته يخرج للتنـزه بعد العصر في تلك الأيام، وكان يسير إلى مسافة ميلين أو ثلاثة، وأحيانًا كان يصلي المغرب خارجًا ويتخذني إمام الصلاة ويصبح هو المقتدي. سألني يومًا: إلى أية ناحية نسير للنـزهة؟ قلت: إلى نهر منطقة «تتليه»، فتبسم حضرته وقال: سأل أحدٌ جائعًا: كم يساوي 1+1؟ فأجاب: رغيفين اثنين. وهذا ما يعنيه ميان نور محمد أيضا حيث يريد أن يخرج من هناك إلى قريته.

أقول: إن الحافظ نور محمد أحمدي قديم ومخلص، تقع قريته «فيض الله تشك» في الناحية الشمالية الغربية لقاديان على بعد 4 أو 5 أميال، أما منطقة «تتليه» المذكوره في الرواية فتبعد عن قاديان حوالي ميلين وتقع في الطريق المؤدية إلى «فيض الله تشك». يبدو أن زمن قدوم في الحافظ نور محمد الأول إلى قاديان كان 1884 تقريبًا. والله أعلم.

348- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني الحافظ نور محمد وقال: لقد أقام المسيح الموعود في بيت شيخ مهر علي زعيم هوشياربور عندما سافر إليها وتمت هناك مناظرته مع «مرليدهر». كان شيخ مهر علي يتعامل مع حضرته بكل أدب واحترام. في تلك الأيام نفسها رأى حضرته في الرؤيا أن حريقًا نشب في بيت شيخ مهر علي وتعرض فرشه للنار، فأخذ حضرته الماء وأطفأ به الحريق. وفسّرها حضرته بأن شيخ مهر علي سيتعرض لبلاء ما. فلما رجع حضرته إلى قاديان أطلع شيخ مهر علي بواسطة رسالة أنه رأى مثل هذه الرؤيا، وأوصاه بأن يكثر من التوبة والاستغفار.

وبعد ذلك رفعت ضد شيخ مهر علي قضية جنائية خطيرة اتُّهِم فيها بأنه المسئول عن الاشتباكات الحاصلة في هوشيار بور بين المسلمين والهندوس، فأعتُقِل بهذه الجريرة. وكلما حضرنا عند حضرته في تلك الأيام أمرنا بالدعاء لشيخ مهر علي، وأوصانا أنه إذا رأى أحد منا رؤيا فليخبره، ثم كان يسأل صباحًا إذا كان أحد رأى رؤيا أم لا؟ وكان يقول بأن النبي كان يسأل صحابته على هذا النحو.

وقد ذهبنا إليه ذات مرة فأوصانا بالدعاء له قبل النوم. قال الحافظ نبي بخش: هذا (أي العبد المتواضع نور محمد) كثيرًا ما يقرأ الأوراد والوظائف. قلت: لا أقرأ أي ورد أو وظيفة، إنما أقرأ القرآن، فتبسم حضرته وقال: مثلك كمثل الذي تكلم عن أحد أنه يتناول طعامًا فاخرًا، فردّ عليه هذا الشخص: لا أتناول طعامًا فاخرًا، إنما آكل «بلاؤ»، ثم قال: أية وظيفة أو وردٍ يكون أفـــضل من القرآن؟! بل هـــــــو الوظيفة الفـــــضلى والورد الأعــــلى.

349- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني الحافظ نور محمد وقال: ذهبت والحافظ نبي بخش ذات مرة للقاء حضرته، فقال حضرته بعد صلاة العشاء مبتسمًا للحافظ نبي بخش: «أين ستنام يا ميان نبي بخش؟ فإن ميان نور محمد يتدرب على النوم في اللحد (القبر)».

وكان السبب وراء قوله عليه السلام هذا أنه كان بجنب المكان الذي كنت مستلقيًا فيه، وفيه عود قصبة بطول قامة الرجل، وذلك لأن المعتاد في مجتمعنا أنه يُقاس طول الميت بعود القصبة ويحفر لحدَ القبر وفق هذا القياس. فقد قال حضرته مزاحًا عندما وقع نظره على عود القصبة.

أقول: كان المسيح الموعود يتحلى بطبع يحب المزاح، فكان حضرته يتكلم أحيانًا مع صحابته على سبيل المزاح أيضا. والحقيقة أن المزاح المقيد ضمن حد الاعتدال علامة البشاشة القلبية والنشاط وقد ورد في الحديث أن النبي أيضا كان يمازح أصحابه، فقد ورد في رواية أن النبي جلس ذات يوم يأكل تمرًا مع الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وبعض الصحابة الآخرين، وهنا خطر بباله أن يمازح عليًّا فكلما أكل تمرة وضع نواتها أمام علي ، وبعد ذلك قال فجأة: انظروا من أكل التمر أكثر من الجميع؟ لأنه قد كثر النَّوى أمام علي من جراء وضع النبي النَّوى أمامه كما وضع بعض الصحابة أيضا نواهم أمام علي . فلما انتبه علي إلى ذلك خجل أولاً لأنه قد ثبت أنه بَطين، ولكنه كان في عزّ شبابه وكان يملك ذكاءً متقّدًا فقد ردّ من فوره قائلا: الحقيقة أنني أكلت التمر فحسب لأجل ذلك تجدون نواه أمامي، أما الآخرون فقد أكلوا التمورَ بنواها فلا تُرى أمامهم أي نواة. فلما سمع النبي ذلك ضحك كثيرا.

كذلك سألتْ النبي عجوز: يا رسول الله! ادع الله لي أن يدخلني الجنة، قال: إنّ الجنةَ لا يدخلها عجوزٌ. فقلقتْ قلقًا شديدًا، فعاجل بردّه الشافي لها أن الله تعالى سيجعل العجائز شبابًا عند إدخالهم الجنة.

باختصار، فإن المزاح الجائز والمناسب لا ينافي مقام النبوة بل هو دليل على ظرافة الطبع وطيب المعشر.

وأخبرني الدكتور مير محمد إسماعيل أن المسيح الموعود كان يتحلى بطبع ظريف يحب المزاح، وأحيانًا كان يبدأ بالمزاح في كلامه.

350- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: كانت هناك خادمة قروية تعمل في بيتنا في حياة المسيح الموعود واسمها «مهرو». لم تكن تفهم وتتذكر الكلمات التي تُستخدم في المجتمع المتحضر نسبيًا. ففي إحدى المرات قال لها حضرته أن تحضر عود تنظيف الأسنان، فذهبت وأحضرت حجرًا صلبًا يستعمل لسحق الأدوية، فضحك حضرته كثيرًا وقال لوالدتنا: طلبت منها عود تنظيف الأسنان ولكن انظري بماذا جاءت.

وذات مرة طرق الباب ميان غلام محمد الكاتب من أمرتسر، فلما فتحت هذه المرأة الباب قال لها: قولي لحضرته بأن الكاتب (أي الناسخ) على الباب. فذهبت إلى حضرته وقالت له: سيدي، القاتل على الباب يناديك. ضحك حضرته جدًّا عند سماع ذلك.

Share via
تابعونا على الفايس بوك