سبل نيل رضى الله تعالى
التاريخ: 2010-09-03

سبل نيل رضى الله تعالى

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • العشرة الأواخر من رمضان واستجابة الدعاء
  • السعي الدؤوب
  • معرفة الله بمقياس العقل لا يؤدي إلى رؤية الله ولا يهدى إلى سبله عز وجل
  • أسوة النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم
  • التصبغ بصبغة الله
  • التفاني وتقديم التضحيات

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت: 70).

نعيش في هذه الأيام العشرَ الأواخر من رمضان، ولهذا الشهر – كما يعرف كل مسلم – علاقة خاصة باستجابة الدعاء، ولهذه العشرة أهمية خاصة للارتقاء إلى قمة استجابة الدعاء، وفيها ليلة القدر التي تكلمتُ عنها بالتفصيل في الخطبة الماضية. واليوم أيضا يومٌ مبارك في نظر الله أي يوم الجمعة الذي يأتي بجميع بركاته كلَ يومٍ سابع في الأسبوع وفيه ساعة معينة لاستجابة الدعاء أيضا. فكل هذه البركات تتوفر في هذه الأيام، وتلفت انتباهنا إلى منن الله تعالى على عباده، وهذا الانتباه يجب ألا يكون مؤقتا بل يجب أن تداوموا بصبر على الاهتمام بهذا الأمر المذكور في هذه الآية التي تلوتها عليكم آنفا وهو بذل المساعي للبحث عن الله . وإذا نجحتْ هذه الجهود فهي تُكسب الإنسان قربَ الله وتُحدث فيه انقلابا. وكيف تنجح هذه المساعي التي بها يهدينا الله سبلَه؟ إن من البديهي أنه لا بد من مراعاة الأمور التي يحبها الله وتُقربنا إليه. فمن منة الله – كما قلت سابقا – أنه يخلق الأجواء الخاصة للتقدم إليه . وفي هذه الأيام يهيئ لنا شهرُ رمضان الفرصة السانحة لبذل هذه الجهود والمساعي للتقرب إلى الله. فصيام رمضان وأنواعُ العبادة فيه تشكل مجاهدة تقود الإنسان إلى الله إذا قام بها مدركا لبها. ففي هذه الأجواء الروحانية ينبغي أن نبذل الجهود للفوز لمرضاة الله بصفة متميزة.

إن لقرب الله تعالى درجات متفاوتة ينالها الإنسان بجذب الفضل الإلهي نتيجة السعي الدؤوب… فالإيمان بالغيب والإيمان الكامل بقدرات الله وقواه وصفاته الحسنة يدفع الإنسان إلى بذل هذا السعي الدؤوب. أما إذا حاول الإنسان معرفة الله بمقياس العقل فلن يتمكن من رؤية الله ولن يهديه الله سبلَه.

والآن سأتكلم انطلاقا من مقتبسات من كلام المسيح الموعود عن الأمور التي يجب اتخاذُها في هذا المجال والتي باتخاذها والاهتمامِ بها نستطيع التقرب إلى الله، ونُعدّ من أولئك الذين وصَفهم الله بالمحسنين وبشَّرهم بأنه مع المحسنين. أي مع الذين يعملون الصالحات والذين يداومون على الحسنات ويبحثون عن سُبُلي. وسنرى تفصيل ذلك -كما قلت- في ضوء كلام سيدنا المسيح الموعود ، حيث نُعدُّ ضمن زمرة أولئك الذين يصاحِبهم الله دوما بعد أن يفوزوا برضا الله. ولقد فسر سيدنا المسيح الموعود هذا الموضوع في ضوء بعض آيات القرآن الكريم. لكنني الآن كما قلت سأتكلم من منطلق هذه الآية بالذات حيث فسرها في مواضع مختلفة.

إن قدرات كل إنسان ومواهبه تختلف عن غيره، كما أن اتجاهات التفكير تتباين من إنسان إلى آخر، أما القدرات والمواهب فقد حدد الله قدرات كل إنسان ومواهبه حسب مستواه وهي تختلف عن غيره، غير أننا أُمِرنا أن نبحث عن الله حسبما رُزقنا من مواهب. وإذا فعلنا ذلك فسوف يهدينا سبله، غير أنه إذا حال التفكير الإنساني دون توظيف هذه القدرات بأكملها للبحث عن الله وبدأت النفس تتحرى عن أعذار مختلفة لعدم الوصول إليه، وسمّى الجهد البسيط مجاهدة فلا يمكن له بذلك الفوزُ بالله . يقول سيدنا المسيح الموعود في موضع: “أنّى للمتكاسل واللامبالي أن يستفيد من فيوض الله تعالى مثلما يستفيد الشخص الذي يبحث عنه بكامل العقل وكامل القوة وكامل الإخلاص.” فإن الذين يبحثون عن الله بإخلاص هم الذين يفوزون به حصرا. أو نستطيع القول إن لقرب الله تعالى درجات متفاوتة ينالها الإنسان بجذب الفضل الإلهي نتيجة السعي الدؤوب. فللفوز بقرب الله ثمة حاجة ماسة لبذل المساعي الحثيثة باتباع الأساليب التي علَّمنا إياها، فالإيمان بالغيب والإيمان الكامل بقدرات الله وقواه وصفاته الحسنة يدفع الإنسان إلى بذل هذا السعي الدؤوب. أما إذا حاول الإنسان معرفة الله بمقياس العقل فلن يتمكن من رؤية الله ولن يهديه الله سبلَه. يجب أن تصدر من الإنسان أولا بادرة السعي للفوز بقرب الله والبحث عن سبله. لم يترك الإنسان يتخبط في الظلام من أجل البحث عن سبله، بل قدّم لنا – ليس في هذا العصر فحسب بل بدءا من زمن النبي إلى يوم القيامة – أسوة النبي والقرآنَ الكريم لنبحث فيه عن سبل الله.

وقبل ذلك أيضا ظَلّ الله يهدي الإنسان سبله من خلال بعثة الأنبياء على مرّ التاريخ ثم قدم البراهين على وجوده بإراءة الآيات والعجائب على أيدي أولئك الأنبياء، لكي نتعرف إلى سبل الله من خلال هذه الأشياء. لقد وضح سيدنا المسيح الموعود هذه المسألة حيث يقول: “يقول الله :

  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا

فهذا وعْد منه، ومن ناحية أخرى علَّمنا دعاء

  اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

فينبغي على الإنسان أن يضع هذه الآية في الحسبان فيدعو في الصلاة بإلحاح ويرجو أن يكون من الذين حازوا الرقيَّ والبصيرة، لئلا يموت في هذا العالم أعمى وعديم البصيرة”.

يجب أن تصدر من الإنسان أولا بادرة السعي للفوز بقرب الله والبحث عن سبله. لم يترك الإنسان يتخبط في الظلام من أجل البحث عن سبله، بل قدّم لنا – ليس في هذا العصر فحسب بل بدءا من زمن النبي إلى يوم القيامة – أسوة النبي والقرآنَ الكريم لنبحث فيه عن سبل الله.

فإذا تدبرتم هذا الدعاء الذي ترددونه في كل ركعة من كل صلاة أثناء قراءة الفاتحة، ودعوتم الله بمنتهى الألم والحرقة أن يهديكم الصراط المستقيم فسيهديكم ويريكم سبله، وكما قلت إن أنبياء الله ورسله يأتون بآيات وخوارق ليلفتوا انتباه الناس إلى بذل المساعي للبحث عن سبله لنيل قربه. ومن الواضح الجلي أن عاقلا عندما يُقدم على عمل ما نتيجة لفْت أحدٍ انتباهَه وينتفع به فهو بالطبع ينشئ علاقة إخلاص مع من لفت انتباهه إلى ذلك العمل ويجب أن ينشئ، إذ من مقتضى العقل أن ينتفع به أكثر. فلا بد من استيعاب هذه النكتة، ومن استوعبها نجح. وكما قلت إن أنبياء الله ورسله يوجّهون إلى سبله فهم أجدر الناس بأن ينشئ الإنسان العاقل أواصر الإخلاص والوفاء معهم بالتمسك بهم. وفي هذا الزمن يجب الالتفات إلى الإمام المهدي والمسيح الموعود أيضا الذي كان سيُبعث تحقيقا لنبوءة النبي لينشئ علاقة المرء بربه. والدعاء أيضا موجود أمام المسلمين وهم يرددونه، فكم بالحري أن يجربوا البحث عن سبل الله بإنشاء العلاقة به بدلا من التمادي في رفضه دون تفكر وتأن.

أما المصلح الموعود فقد كتب في موضع: “لقد قلت لغير المسلمين أيضا مرارا أن يقرأوا دعاء

  اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

الذي عُلِّمناه. وإذا كانوا لا يستطيعون ترديد هذه الكلمات العربية فبإمكانهم أن يدعوا الله ليهديهم الصراط المستقيم بأسلوبهم وإذا فعلوا ذلك بإخلاص فسوف يهديكم”. وكتب حضرته مردفا: “لقد أخبرَني الكثيرون منهم أن بهذا الدعاء تبين لهم صدق الإسلام، ثم إذا لم يعتنق بعض غير المسلمين الإسلامَ خوفا أو نظرا لمصالحهم فهذا أمر آخر، غير أنه من المؤكد أن الصدق يتجلى عليهم”. أما المسلمون فيجب أن يجربوا هذه الوصفة خصيصا كي يكسبوا رضوان الله ويكشفوا سبلا جديدة للوصول إلى الله بدلا من أن يشتروا سخطه ولومه. يتحتم علينا نحن الأحمديين أيضا الذين آمنّا بإمام الزمان ألا نكتفي بالبيعة فقط بل ينبغي أن نواظب على السعي بحثا  عن الله تعالى ونيل قربه. واهتموا بذلك خاصة في هذه الأيام القليلة المتبقية من رمضان.

يقول سيدنا المسيح الموعود : “يقول الله تعالى:

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا (الإسراء: 26)،

 فإذا كنا أوابين له واستغفرناه خاضعين فسوف يفي بوعده وسيُرينا سبلا واضحة أكثر فأكثر تؤدي إليه إنجازا لوعده ويرفع الدرجات أكثر. فكما أن الله وعَد الذين يجاهدون فيه أنه سيهديهم سبله، فإن سنة الله مثل ذلك تظهر في حق مَن يبتعد عن الله حيث يسقطون في الظلمات باستمرار كما قال الله في القرآن الكريم

  فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (الصف: 6)”

وفي تفسير هذه الآية يقول سيدنا المسيح الموعود : “نلاحظ في حياتنا الدنيوية بجلاء أنه كما تترتب على كل فعل لنا نتيجة لازمة، وهي فعلُ الله كذلك السنة الإلهية نفسها في أمور الدين، كما بيَّن الله بوضوح في هذين المثالين:

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا و فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ

أي إن الذين سعوا حق السعي للبحث عن الله يترتب على فعلهم فعلُنا وهو أننا نهديهم سبلَنا، أما الذين اتخذوا الزيغ ولم يريدوا السير في الطريق القويم فيترتب عليه فعلُنا وهو أننا نُزيغ قلوبهم ونجعلها معوجَّة، فمن شقاوة الإنسان أنه يبتعد عن الله.”

قبل بضعة أيام جاء لزيارتي صديق لنا من غير الأحمديين من باكستان فسألني في أثناء اللقاء: ما سبب ما يحدث في باكستان ومتى وكيف سوف تنصلح الأمور؟ فقلت له يجب أن نضع في الحسبان أمرين فقط، أولهما أن الله يقول جاهِدوا فيَّ وتعالوا إليّ واسعوا جاهدين -وذكرت له هذه الآية- ولا تدّخروا جهدا في البحث عن سبل رضاي فأنا سأريكم السبل. فأَخبِرني أنت، هل ترى هذه الحالة سائدة هناك؟ قال: كلا بل إن الوضع على العكس تماما. قلت له: إذا كانت الموازين مقلوبة رأسا على عقب ففي هذه الحالة يصدر الله تعالى أيضا حكمًا آخر. فلا بد أن نصوِّب اتجاهات أفكارنا من حيث القوم أيضا. وإذا كان أهل باكستان يريدون تقدُّم البلاد فينبغي عليهم أن ينتبهوا إلى هذا الأمر بصدق النوايا. إن وسائل الإعلام الباكستانية تصرخ بأعلى صوتها، سواء في باكستان أو في الخارج أيضا، وتُبَثُّ أشياء كثيرة حول ما يحدث في باكستان، ولكني لا أريد أن أخوض في تفاصيلها هنا. ولكن لا يقوم أحد بمحاولة جادة لدرء الظلم والوحشية المنتشرة في كل حدب وصوب في باكستان، ندعو الله تعالى أن يرحم هؤلاء القوم.

يقول سيدنا المسيح الموعود في ذكر معاملة الله مع سليمي الفطرة: “تطرأ على قلب الإنسان حالات من عدة أنواع، وفي نهاية المطاف يزيل الله تعالى ضعف ذوي الطبائع السليمة، ويهبهم الطهارة والقوة على البر. فيكرهون كلَّ ما يكرهه الله. (أي حين يهب الله تعالى ذلك الإنسان قوةً على الطهارة والبر، يبارك في مساعيه البسيطة التي يقوم بها فيفتح عليه الأبواب كلها) ويحب جميع السبل التي يحبها الله، وينال قوة لا ضعف بعدها، ويُعطَى حماسا لا كسل بعده، ويوهب تقوى لا معصية بعدها. ويرضى به الرب الكريم لدرجة لا يصدر منه خطأ بعد ذلك. ولكن هذه النعمة توهب بعد مدة من الزمن. ففي بداية الأمر يتعثّر الإنسان كثيرا بنقاط ضعفه هو، ويسقط إلى الأسفل غير أن القوة العليا تجذبه حين تجده صادقا. (أي هناك سعي دؤوب، إذ يسقط الإنسان مرة ثم يأتي إلى عتبات الله، ثم تجذبه الدنيا فيبتعد عن الله، ثم يتنحى عن الدنيا ويعود إلى الله، ويبقى هذا السعي جاريا باستمرار. وحين يرى الله أن عبده مستمر في السعي بجهد دؤوب عندها تجذبه القوة العليا أي قوة الله) فإلى هذا الأمر يشير الله جلّ شأنه في قوله:

  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت:70)

فهذه مجاهدة طويلة وسعي دؤوب قد شرحه في اللغة العربية فقال: “أي نثبِّتهم على التقوى والإيمان ونهدينّهم سبل المحبة والعرفان، وسنيسِّرهم لفعل الخيرات وترك المعاصي.”  (المكاتيب الأحمدية، ج5 رقم 2 ص 47 المكتوب الموجّه إلى الخليفة الأول )

فهذا السعي الدؤوب ينتج عن الدوام في التقوى والإيمان، ويحرز الإنسان الثبات والصمود عليهما ويهتدي إلى سبل حب الله ومعرفته، ويتوجه إلى فعل الخيرات وترك المعاصي وينصره الله على ذلك دائما كما وعد .

ثم يقول في موضع آخر شارحا الآية نفسها: “إن الأمر كله يعتمد على المجاهدة، يقول الله تعالى:

  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا

وبدون المجاهدة لا يتم شيء. مخدوعون هم الذين يقولون إن الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله جعل من السارق وليًّا في لمح البصر. إن هذه الأمور هي التي أهلكت الناس، إذ يزعمون أنه يمكن للإنسان أن يصير وليا نتيجة أن يكتب أحد تميمة له مثلا. (لقد راج بين المسلمين على نطاق واسع أنهم يزورون المقابر ويطلبون أصحابها ليسدّوا حاجاتهم، ويطلبون التمائم من المرشدين المزعومين، ويطلبون منهم الدعاء لحل مصاعبهم، ويزعمون أن آثامهم تُغتفر بهذه الطريقة وإن لم يصلُّوا قط). يتابع حضرته ويقول:  والذين يتسرعون في المعاملة مع الله يهلكون. كل شيء في الدنيا يحرز التقدم تدريجا، وكذلك الحال بالنسبة إلى البر والحسنة. فلا يتم شيء دون المجاهدة التي يجب أن تكون حسب تعليم الله، وليس أن يخترعها المرء من عند نفسه مثل النساك المزعومين. هذه هي المهمة التي بعثني الله من أجلها لأِّوضح للدنيا كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى الله. فمن سنة الله ألا يُحرم الجميع من الهداية وألا تكون في متناول الجميعُ.” (جريدة “الحكم” ج4 رقم 16 العدد: ا أيار 1900 ص 6)

هناك أناس يعقدون مجالس الذكر، وتصلني الشكاوي بعض الأحيان أن بعضا من الأحمديين أيضا يركّزون على ذلك كثيرا، وإن كانوا قلة قليلة في بعض الأماكن فقط. يقول المسيح الموعود بأن كل عمل تقومون به بعيدا عن السنة لا يمكن أن ينيلكم قرب الله تعالى. ومَن ظن أن مجرد التفوه باسم الله مِرَارًا أو عقد مجالس طويلة لبعض الأذكار المزعومة يُغني عن العبادة والصلوات والواجبات الأخرى فهو مخطئ. فيقول :

“إن الذين يحبون ألا يتجشموا مشقة ولا يقوموا بمجاهدة فإن أفكارهم عبثية ولاغية. لقد قال الله تعالى في القرآن الكريم بصراحة تامة:

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا .

 يتبين من ذلك أن المجاهدة ضرورية لفتح أبواب معرفة الله تعالى. ولكن يجب أن تكون المجاهدة حسبما علّمها الله . وفي أسوة النبي كفاية في هذا الشأن. إن كثيرا من الناس ينبذون أسوة النبي وراء ظهورهم ويذهبون إلى المرشدين المزعومين راجين أن يحوِّلوهم إلى شيء يُذكر في لمح البصر. هذه فكرة واهية، إن الذين لا يلتزمون بأوامر الشريعة ويقومون بإدعاءات فارغة مثلها يرتكبون ذنبا خطيرا، ويريدون أن يتفوقوا على الله ورسوله مرتبةً. إن الهداية في يد الله، غير أن هؤلاء الناس يدّعون أنهم يهدون مع كونهم حفنة من التراب”. (جريدة “الحكم” ج9 رقم 24 العدد: 10 تموز 1905 ص 9)

إن هؤلاء المرشدين والنساك الزائفين يزعمون أنهم قادرون على الهداية من دون الله، إذ يكتبون للناس تمائم أو ما شابه ذلك ويقولون لهم: قد حلَّت جميع مشاكلكم ولن تتعرضوا لشيء من هذا القبيل بعد الآن وستثبُتون على الحسنات. ثم يقول :

“إنه لَوَعْدُ اللهِ الصادقُ أن الذين يتحرون سبل الله بصدق القلب وحسن النية يفتح الله عليهم سبل الهداية والمعرفة، كما يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا والمراد من جَاهَدُوا فِينَا هم الذين يبحثون عن مرضاة الله بمحض الإخلاص وحسن النية جاعلين الله نصب أعينهم. أما إذا كان أحد يقصد الاختبار فقط عن طريق الاستهزاء والسخرية فيبقى هذا الشقي محروما. فلو استمررتم في الدعاء والسعي بصدق القلب بحسب هذا الأصل المقدس لوجدتم الله غفورا رحيما، أما إذا كان أحد غير مكترثٍ فليعلم أنه غني.” (جريدة “الحكم” ج8  العدد: 31 أيار 1904 ص 2)

ففي كل مقتبس من كلام المسيح الموعود هناك بعض الأمور الإضافية لذا قرأت عليكم المقتبسات المختلفة. وكما ذكرت من قبل أن الهداية في يد الله، فهي تأتي من الله تعالى دائما. وإذا كان أحد يشك في أمر شخص يدّعي كونه من الله تعالى ولا يطمئن للآيات التي تظهر تأييدا له فعليه أن يطلب الهداية من الله تعالى لمعرفة حقيقته. ولكن لو جعل أحدٌ المدّعيَ عرضة للسخرية والاستهزاء فإنه يحرم من الهداية طبعا، ثم لا يقتصر الأمر على حرمانه من الهداية فقط بل يقع مثل هذا الشخص تحت بطش الله تعالى أيضا. يقول المسيح الموعود في مكان: “يريد الله أن يتصبغ كل إنسان بصبغة معرفته، لأنه خلق الإنسان ليتصبغ بصبغته. فيقول تعالى في القرآن الكريم:

  صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (البقرة: 139)

إذن، فيجب على الجميع أن يحاولوا الاصطباغ بصبغة الله، وبذلك تُكشَف أمامه سبل نيل قرب الله تعالى ويوفَّق لعبورها. المراد من صبغة الله أن يسعى الإنسان ليخلق في نفسه صبغة صفاته . وما دام الله تعالى قد أمر الإنسان بذلك فهذا يعني أنه قد أودع فطرة الإنسان قدرةً على الاصطباغ بصبغة الله تعالى. كذلك قال النبي أيضا أن الله تعالى قد خلق الإنسان على صورته. والمراد من الصورة أن آدم يتحلى بصفاته ، والمراد من آدم هنا هو الإنسان بشكل عام، أي كل الناس. فإن لله تعالى عدة صفاتٍ منها: “الستار”، فعلى الإنسان أيضا أن يتحلى بهذه الصفة قدر الإمكان ويستر الآخرين. ثم من صفاته : “الشكور”، فعلى الإنسان أيضا أن يكون شكورا. عندما تُستعمَل هذه الكلمةُ في حق الله تعطي معنى آخر لأن الله يملك القوة والقدرة كلها. فعندما يشكر العبد لله تعالى فإنه يشكره على ذلك أي يقدِّره وشُكرَه. وكذلك هناك صفة أخرى لله تعالى، أي “رب العالمين” وهي واسعة النطاق جدا. فعلى الإنسان أيضا أن يسعى جاهدا ليكون ربًّا في دائرة عمله واضعا هذه الصفة الإلهية في الحسبان. فمثلا الآباء يربّون الأولاد، فهم أيضا أربابٌ في دائرة عملهم، أي لهم أيضا دائرة العمل والصلاحيات لكونهم أربابا. كذلك هناك صفات أخرى كثيرة لله تعالى، فلو حاول الإنسان التحلي بها لأعانه الله على ذلك. فكما يقول المسيح الموعود في مكان آخر بأنه حين يقوم الإنسان بالمحاولة في هذا الصدد يبارك الله في مساعيه. ويقول أيضا بأنه لو بحثتم عن الله بإخلاص القلب لوجدتموه. أي إذا حاولتم لذلك مخلصين له الدين وبصدق النية ستصلون إليه. والمراد من هذه المحاولة أن تحاولوا الاصطباغ بصبغة الله. إن الله رحيم ورحمان، ورحمته محيطة بكل شيء. ولكن الذين يعيثون الفساد الظلمَ والوحشية باسم الله مع انتمائهم المزعوم إلى الله أنّى لهم أن يهتدوا إلى سبل الله؟

طالعوا سيرة حياة الصحابة، هل نالوا تلك المدارج العليا بمجرد صلواتهم العادية؟ كلا، لم يبالوا بحياتهم لنيل رضى الله تعالى فاستشهدوا في سبيله كالشياه والأغنام ثم بعد كل هذه التضحيات نالوا تلك الرتبة السامية.

اليوم أيضا وصلنا خبر محزن من باكستان جاء فيه أن الإرهابيين قد هاجموا اليوم – يوم الجمعة – مسجدنا في مدينة “مَرْدَان” الباكستانية، ولكن فشلت خطتُهم لأن الحراس قاموا باحتواء الموقف في الوقت المناسب، فلم يستطع الإرهابيون أن يدخلوا المسجد غير أنهم ألقوا قنابل يدوية. وفي هذا الأثناء جُرح أحد الإرهابيين، ففجَّر نفسه في الحال، مما أدى إلى هدْمِ بوابة المسجد وبعض جدرانها. كان أعضاء مجلس خدام الأحمدية يحرسون المسجد فجُرح بعضهم واستُشهد أحدُهم في الهجوم، إنا لله وإنا إليه راجعون.

ندعو الله تعالى أن يرفع درجات الشهيد ويمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل.

على أية حال، لاذ بقية المهاجمين بالفرار عند تدارك الحراس الوضعَ. فما أريد قوله باختصار هو: أيُّ نوع من المسلمين هؤلاء القوم الذين يفعلون كل ذلك باسم الإسلام وباسم الله، ثم يزعمون أننا نتحلى بصفات الله؟ فهؤلاء الذين يهاجمون باسم الله على الذين يعبدون ربهم لا يمكن أن يسمَّوا من أهل الله على الإطلاق وبشكل من الأشكال. وقد رأينا أنه قد هوجمت تظاهرة خرج بها الشيعة قبل بضعة أيام وقد أُزهقت في الهجوم أرواح بريئة دونما مبرر كما جُرح كثيرون آخرون. فهؤلاء أناس قد أزاغ الله قلوبَهم لدرجة لم يعد لعودتهم من سبيل على ما يبدو. ومسؤولية هذه الجرائم تقع على مناصريهم أيضا بالإضافة إلى الذين في أيديهم السلطة والحكومة ولكنهم لا يحركون ساكنا ولا يبطشون بهم.

ندعو الله تعالى أن ينجي البلد من هؤلاء الظالمين، بل ينجي منهم العالم كله لأنهم منتشرون في العالم كله.

ضرب المسيح الموعود مثلا للسعي والمجاهدة للوصول إلى الله فقال: “قال الله من يجاهد فينا يصل إلينا في نهاية المطاف. كما أن البذرة دون بذل المجهود والريِّ تبقى عديمة البركة بل تفنى أيضا، كذلك لو لم تذكَّروا أنتم هذا العهد كلَّ يوم، ولم تَدْعوا الله تعالى لينصركم، فلن ينـزل فضله. وحدوث التغيُّر بدون نصرة الله محال”. (جريدة الحكم بتاريخ 10 إلى 17 نوفمبر 1904 ص 6).

لا بد للبذرة التي تصبح شجرة مثمرة أن تفني وجودها، لذلك إذا كنتم تريدون أن تصبحوا شجرة مثمرة وتنالوا رضوان الله تعالى فلا بد من التفاني فيه، وإذا فعلتم ذلك فستنالون رضى الله تعالى كما ستتحلى ذرياتكم بروح الالتزام بالدين. فيجب ألا تكون هذه الجهود والمساعي مؤقتة بل هي عبارة عن جهد متواصل ويجب على المؤمن أن يداوم على القيام به. فلا بد من التفاني في سبيل الله على شاكلة البذرة التي تصبح شجرة مثمرة، ولا يتأتى ذلك إلا إذا وضعتم نصب أعينكم عهدكم التي قطعتموه مع إمام الزمان ومع الله تعالى. ولا تستطيعون أن تحرزوا أي نجاح ما لم تضعوا أمامكم قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ”. (تفسير المسيح الموعود تفسير آية: والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )

ثم قال حضرته موضحًا الأمر نفسه:

“هذا الأمر بحسب تعليم القرآن الكريم يبدو لنا على هذا النحو أن الله تعالى يذكر في القرآن الكريم صفات كرمه ورحمته ولطفه وأفضاله ويظهر كونه رحمان من ناحية، ومن ناحية أخرى يقول:

وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (النجم 40).

وبقوله:

  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا

يشترط فيضه بالسعي والمجاهدة. إن عمل الصحابة أسوة حسنة ونموذج أمثل لنا في هذا الخصوص. طالعوا سيرة حياة الصحابة، هل نالوا تلك المدارج العليا بمجرد صلواتهم العادية؟ كلا، لم يبالوا بحياتهم لنيل رضى الله تعالى فاستشهدوا في سبيله كالشياه والأغنام ثم بعد كل هذه التضحيات نالوا تلك الرتبة السامية. لقد رأينا كثيرا من الناس يريدون أن ينالوا تلك الدرجات العليا بمجرد نفخة واحدة ويصلوا إلى عرش الله تعالى.

من يمكن أن يكون أفضل من النبي ؟ فهو أفضل البشر وأفضل الرسل والأنبياء، فإن لم يحدث هذا التغيّر بنفخة واحدة فمن يسعه إذن أن يفعل ذلك؟ انظروا كم من مجاهدات قام بها في غار حراء، ولا نعرف إلى أي مدى ظلّ يتضرع ويبتهل، وكم من تضحيات ورياضات روحية شاقة قام بها من أجل تزكية النفس حتى نزلت عليه فيوض الله تعالى. والحق أنه ما لم يورد  الإنسان على نفسه حالة من الفناء والموت لا يلقى اهتمامًا منه . ولكن عندما يرى الله تعالى أن الإنسان بذل قصارى جهده حتى إنه أورد الموت على نفسه فيتجلى له ويكرمه ويرفعه بإراءته قدرته .” (تفسير المسيح الموعود تفسير آية والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )

ثم يقول حضرته:

“لا يخيب أبدا المجاهد في الله، وهذا وعده الحقّ أن الَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا أي من تحرّى السبل الموصلة إلى الله تعالى بلغ مرامه في نهاية المطاف. إذا كنا نشفق على حالة الطلاب ومشقّتهم عندما يواصلون الليل بالنهار من أجل النجاح في الامتحانات الدنيوية فهل يضيع الله – الذي لا حدود لرحمته ولا لفضله – من يقصده ويسعى للوصول إليه؟ كلا، ثم كلا، إن الله لا يضيع مسعى الساعين.” (تفسير المسيح الموعود تفسير آية: والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )

ثم يقول حضرته وهو يبين الفرق من الناحية العلمية بين الحالة الإيمانية العادية للإنسان وبين نيله قرب الله تعالى.

“إن تأييد روح القدس التي يحظى بها المؤمن إنما يناله فضلا من الله تعالى، ولا يُعطى إلا لمن يؤمن بصدق القلب بالنبي وبالقرآن الكريم. لا يوهب هذا التأييد بمجاهدة ما، إنما يوهب بمجرد الإيمان شريطة أن يكون الإنسان صادقًا في إيمانه ومستقيما في خطواته وصابرا وقت الامتحان. ولكن الهداية اللدنّية المذكورة في هذه الآية

  والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا

لا تُنال إلا بالمجاهدة. من يبدأ بالمجاهدة يكون مثل الأعمى في بدايتها (أي هناك مجال واسع للتقدم في هذا المجال) وهناك مسافة شاسعة بينه وبين أن يكون بصيرا، إلا أن تأييد روح القدس يجعله يحسن الظن ويهبه قوةً ليرغب في المجاهدة (أي من يجاهد في الله يوهب قوة خاصة ليمضي قدما في هذه الدروب). ويوهب الإنسان بعد المجاهدة روحًا أخرى أقوى من الأولى إلا أن هذا لا يعني أن هناك روحين اثنتين بل الروح واحدة والفرق بينهما هو فرق مراتب القوة (أي أن الروح الأولى أقل درجة من الأخرى، فعندما ينال العبد درجة أعلى من الأولى ينال قوة ومعرفة إلهية أكثر من ذي قبل، فيهتدي إلى سبل جديدة للوصول إلى الله تعالى) كما أنه ليس هناك إلهان اثنان بل هو الله واحد، إلا أن هذا الإله نفسه لا يُري للآخرين عجائب قدرته الخارقة للعادة كما يُري لهؤلاء المذكورين تجلياته الخاصة ويكون ناصرًا ومربّيًا لهم.” (تفسير المسيح الموعود تفسير آية: والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )

ثم يقول حضرته:

“من تاب إلى الله تاب الله عليه أيضا بشرط أن يبذل قصارى جهده ولا يقصّر من ناحيته، فعندما تبلغ مساعيه ذروته يرى نور الله تعالى. وإلى هذا تشير الآية الكريمة وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا أي أن يبذل العبد سعيه الواجب عليه بحيث إذا كان الوصول إلى الماء يحتاج إلى حفر الأرض عشرين قدمًا فلا يفقد عزيمته بحفر قدمين فحسب، بل مفتاح النجاح في كل أمر من الأمور أن لا يفقد أحدكم عزيمته، وهناك وعد من الله تعالى مع هذه الأمة أنه إذا التزم أحد بالدعاء وسعى لتزكية النفس فستتحقق له كل الوعود المذكورة في القرآن الكريم، ولكن من يخالف هذا الأصل فلا بد أن يبقى محرومًا، لأن الله تعالى غيور، لا شك أنه عيّن سبلاً مؤدية إليه إلا أنه جعل أبوابها ضيقة، فلا يصل إليه إلا من يتكبد المشاق في سبيله. يتحمل الناس الآلام من أجل الدنيا وبعضهم يموتون بسببها ولكنهم لا يتحملون شوكة يشاكونها في سبيل الله. فكيف تظهر آثار الرحمة من الله ما لم تظهر من العبد آثار الصدق والصبر والوفاء له؟” (تفسير المسيح الموعود تفسير آية: والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ).

فهذا هو الأمر الذي يجب الانتباه إليه، وعلى المؤمن بذل السعي المتواصل للوصول إلى الهدف المذكور. يقول حضرته:

“إن ما يميز الإسلام عن الأديان الأخرى هو أن الإسلام يقدم المعرفة الحقيقية التي تقضي على حياة الإنسان الملوّثة بالذنوب، وتوهب له حياة جديدة تكون حياة أهل الجنة. وهنا ينشأ السؤال: إذا كان هذا هو ما يمتاز به الإسلام فلماذا لا يتمتع كل شخص بهذا الأمر؟ وجوابه: من سنة الله تعالى أن لا يُنال هذا الأمر إلا بالمجاهدة والتوبة والتبتل التام، فيقول الله تعالى:

  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ،

 أي لن يجد هذا السبيل إلا الذين يقومون بالمجاهدة في سبيلنا. فكيف يفتح هذا الباب لمن يعرضون عنه ولا يعملون بأوامره ووصاياه.” (تفسير المسيح الموعود تفسير آية: والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )

ثم يقول حضرته: “ثم قام هؤلاء (أي الصحابة) بالمجاهدات بتأييد روح القدس لكي يغلبوا الشيطان فاختاروا لإرضاء الله تعالى تلك المجاهدات التي لا يمكن للإنسان أن يتصور أشق منها. ما قَدَروا أنفسَهم في سبيل الله تعالى قَدْر الغبار والتراب، وهكذا حَظُوا في نهاية المطاف القبولَ في حضرة الله تعالى فبرّأ قلوبهم كلية من الذنب وملأها حبًّا بالبرّ والخير، كما يقول تعالى: والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا . ولقد نال الصحابة بسبب هذه المجاهدة في سبيل الله تعالى تلك المكانة العظيمة المذكورة في الحديث. عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله قال: سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى إليّ: يا محمد، إن أصحابك عندي بمنـزلة النجوم في السماء بعضها أكثر إنارة من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى. (كنـز العمال رقم الحديث 917)، وورد عن عمر أيضا أن رسول الله قال: أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ. (كشف الخفا للعجلوني رقم الحديث 381). فهذه هي المكانة السامية التي منّ بها الله تعالى على الصحابة بسبب مجاهداتهم المتواصلة وسعيهم الدؤوب من أجل تزكية نفوسهم.

“والحق أنه ما لم يورد  الإنسان على نفسه حالة من الفناء والموت لا يلقى اهتمامًا منه . ولكن عندما يرى الله تعالى أن الإنسان بذل قصارى جهده حتى إنه أورد الموت على نفسه فيتجلى له ويكرمه ويرفعه بإراءته قدرته .”  (من تفسير المسيح الموعود )

نصحنا المسيح الموعود وقال:

“الغرض الحقيقي من هذه البيعة أن ينجذب المبايع إلى حب الله تعالى وينفر من الذنوب وتحل الحسنات محلها. فمن لا يضع هذا الغرض نصب عينيه ولا يسعى حق السعي ولا يجاهد لإحداث تغيير في نفسه بعد البيعة ولا يدعو كما هو حقه، فإنه يسيء إساءة كبيرة إلى هذا العهد الذي قطعه مع الله تعالى فيرتكب إثمًا عظيمًا ويستوجب العقاب. فلا تظنوا أن هذا العهد يكفي لكم ولا حاجة إلى بذل الجهد والمساعي. هناك مثل معروف: من جدّ وجد، ومن طرق الباب يُفتح له، والقرآن الكريم أيضا قال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا أي من يسعون إلى الوصول إلينا ويجاهدون فينا نفتح لهم سبلنا ونوفقهم للسلوك في الصراط المستقيم. ولكن أنى لمن لا يقوم بالسعي والمجاهدة أن يهتدي إلى هذا السبيل؟ هذا هو السر في الوصول إلى الله ولنيل النجاح والنجاة الحقيقيَين. على الإنسان ألا يتأخر في المجاهدة في سبيل الله تعالى ولا يُظهر أي تعب أو ضعف في هذا المجال.” (تفسير المسيح الموعود تفسير آية: والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )

وفقنا الله جميعا لاستيعاب هذه الروح للمجاهدة وجعل مساعينا دافعة لنا للمضي قدمًا فيها وفي الوفاء بالعهد مع المسيح الموعود وفي نيل رضى الله تعالى، وألا نبدي أي نوع من الضعف في عهودنا ولا في مساعينا فنواجه الندم أمام الله تعالى. ندعو الله تعالى أن يوفقنا للوفاء بعهودنا وللتقرب إليه، وللأدعية الكثيرة في هذه الأيام المتبقية من رمضان، وأن يكون الله تعالى لنا جُنّة ويهيئ الأسباب للبطش بأعدائنا، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك