جرِي الله في حلل الأنبياء
التاريخ: 2010-10-15

جرِي الله في حلل الأنبياء

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • سأبلغ دعوتك إلى أقصى أطراف الأرضين
  • مهمة المسيح الموعود عليه السلام
  • العلماء أصبحوا سبباً لنشر الظلام واضلال الناس لابتعادهم عن الدين
  • المسيح الموعود عليه السلام: جريُّ الله في حلل الأنبياء

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

وَالْمُرْسلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا*عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ * فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * (المرسلات 2-11)

تحتوي هذه الآيات على نبأ بانتشار الإسلام في عهد النبي ثم في عهد صحابته، وقد تحقق بجلاء تام وبذلك تحققت النبوءات بانتشار الإسلام كوضح النهار، كما أنها تحتوي على أنباء بعثة الخادم الصادق للنبي وتشير إلى عهده أيضا. فلقد كان مقدّرًا من الله تعالى أن يظهر المسيح الموعود والإمام المهدي عند تلاشي التقوى، فيبدأ بتجديد الإسلام وغلبته مرة ثانية، وسيقوم بمهمة نشر التعاليم الإسلامية في العالم كله حتى تعود عظمة الإسلام الغابرة. فإن هذه الآيات تثبت صدق المسيح الموعود وتشير إلى ازدهار الجماعة التي أسسها.

فمهمة المسيح الموعود بصفته حَكما عدْلا أن يفسّر الفارقات فرقا تفسيرا صحيحا.

نرى تحقق بعض النبوءات الواردة في هذه الآيات في عصرنا هذا كما رأينا تحقق بعضها فيما سبق وسنرى تحقق بعضها الأخرى في المستقبل، بإذن الله تعالى. إنه لكلام ذلك الإله الذي هو رب السماوات والأرض، والذي هو أصدق الصادقين. إن إلهنا لهو ذلك الإله القادر والقوي المتين الذي أرانا – بقدرته العظيمة – تحقُّقَ بعض الانقلابات المقدرة في عصر المسيح الموعود وسيرينا بعضها في المستقبل أيضا، الأمر الذي يقتضي منا أن نصبح جزءًا من مسيرة هذه الانقلابات وبالتالي نسعى جاهدين لنأخذ حظًّا من هذه النعم التي قدرها الله تعالى في هذا العصر. فلا بد لنا أن نحدث إنقلابا في أنفسنا أيضا من أجل أن نكون جزءًا لقدر الله هذا، وهو ما سيجعلنا جزءا من الهدف الذي بُعث المسيح الموعود لأجله فنحظى بتلك الإنعامات التي أناط الله نزولها بالمسيح الموعود .

فإن المراد من قول الله تعالى:

وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا

 في هذا السياق هي تلك الآيات التي أراها الله تعالى على صدق المسيح الموعود ولا زال يريها بواسطة الملائكة، وقد بدأ عصر ظهور هذه التأييدات مع بداية عصر المسيح الموعود ، وإن هذه الدعوة التي هي عبارة عن نشر البر والحسنة والطهارة والأخلاق العليا والتقى وإرساء دعائمها قد انتشرت بواسطة صحابة المسيح الموعود في ظل التأييدات الإلهية والآيات السماوية. ولما أعلن المسيح الموعود عن دعواه قوبل بالرفض، بل مرت هذه الدعوة بعصر المعارضة الشديدة. رغم أن المعارضين اعترضوا طريق هذه الدعوة بمكائدهم المعارِضة، إلا أن الله تعالى – من خلال إظهاره الآيات الباهرة على صدق المسيح الموعود ، ومن خلال أدلة حضرته وبراهينه التي هي عبارة عن آيات من الله تعالى، ومن خلال تبليغ أتباعه – قد وفق الطبائع السعيدة للانضمام إلى جماعة المسيح الموعود رويدًا رويدًا، حتى وصل عدد أفراد الجماعة في حياته إلى مئات الألوف. فكلما أرسل الله تعالى رسله بدأ نشر رسالتهم رويدًا رويدًا ثم تتضاعف سرعة انتشارها أضعافا مضاعفة. وتكون في البداية وسائل نشر الرسالة قليلة محدودة ثم يزيد الله تعالى في هذه الوسائل بسرعة فائقة لينجز ما قد قدّره، فتتكاثر الآيات؛ كما نراه في زمن المسيح الموعود أن الأمور التي كان الله تعالى يخبر المسيح الموعود عنها إلهامًا أو عن طريق رؤى صادقة قد ازدادت وتكاثرت رويدا رويدا مع مرور الوقت، وقد شهد على ذلك الأحباب والأغيار على حد سواء. على سبيل المثال قد قدم المسيح الموعود الطاعونَ آيةً على صدقه في بداية عهده، وكانت هذه الآية آنئذٍ قد ظهرت في بعض المناطق المحدودة، ولكن توسع نطاقها رويدًا رويدًا حتى أحاط بالهند كلها. ولكن كما قال حضرته   أن بعض الأمور ستحقق بعد ذهابي من هذا العالم، أي ستحدث للجماعة بعد وفاتي بعض الأحداث المؤيدة لها التي وعد الله تعالى بتحققها في عهد القدرة الثانية أي في عصر الخلافة. ونلاحظ أن الله تعالى قد هيأ لنا في عصرنا هذا الوسائل والذرائع المناسبة لتحقيق الأمور التي قال عنها المسيح الموعود أنها ستتحق في المستقبل. فهذه هي سنة الله تعالى أنه ينجز بعض الأمور في حياة الأنبياء، والأخرى بعد وفاتهم، إلا أن تلك الوعود التي يعطيها الله تعالى أنبياءه لا بد أن تتحقق. فلقد قال الله تعالى للنبي

  فَإِمَّ ا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (الزخرف 42).

فإذا أخبر الله تعالى بشيء عن معارضي نبي من الأنبياء فلا بد أن تتحقق تلك الوعود إن لم يرتدعوا عن أفاعيلهم. فإنْ قدَّر الله تعالى لهم العقاب، أو أراد أن ينتقم منهم فلا بد أن يحدث ذلك سواء كان في حياة النبي أو بعد وفاته. كذلك لا بد أن تتحقق في حياته أو بعد وفاته الأنباء المتعلقة بالفتح والنصر التي أخبر الله بها نبيه أو أجرى على لسانه بعض الكلمات المحتوية على النبوءات. فلما تنبّأ النبي عن سراقة وأخبره بلبسه سوارَي كسرى فقد تنبأ في الحقيقة عن خضوع دولة الفرس للإسلام. خلاصة القول، تنتشر الحسنة رويدًا رويدًا في البداية بحسب ما قدر الله تعالى، ثم كلما اتسع نطاقها هيأ قدر الله تعالى له ظروفًا وأوضاعًا أفضل وأسرع، فكلما تيسرت مثل هذه الوسائل ازدادت مهمة نشر الحسنة سرعةً.

اعلموا أنه لا حدود لقدرات الله تعالى؛ فإذا أراد أنجز في عصر النبي جميع الوعود التي أعطاها له وحقق له جميع الانتصارات، إلا أنه يريد أن ينال المتأخرين أيضا حظًّا من هذه الانتصارات والإنعامات. فإن سرعة الوسائل الحديثة تنبّهنا إلى أن نستخدمها استخدامًا صحيحًا، ونسخّرها ونقتفي آثار الصحابة فنصبح ناصرين لإمام الزمان فنشترك في إنجاز مهمته. إن الوسائل السريعة الحديثة تشير إلى أن نعتبرها إنعامًا من الله تعالى علينا ونستخدمها من أجل نشر الدين.

لقد قال الله تعالى:

وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا

 أي أقدِّم شهادةً هؤلاء الناس الذين ينشرون الرسالة نشرًا رائعًا. إنها تلك الرسالة التي بعث بها الله تعالى النبيَّ ، إنها عبارة عن ذلك الدين الكامل والمكمل الذي سيبقى إلى يوم القيامة. ولقد بعث الله تعالى المسيح الموعود لإحياء هذا الدين وتجديده في هذا العصر، وهيأ لنا في هذا العصر نفسه وسائل حديثة لنشر هذا الدين وهذه الرسالة. ما كان صحابة النبي يملكون هذه الوسائل الحديثة، مع ذلك فإنهم أدوا حق التبليغ على أحسن وجهٍ، أما نحن فكل هذه الوسائل الحديثة السريعة متاحة لنا، وكان مقدّرًا أن تُكتشف هذه الاختراعات في عصر المسيح الموعود كما تنبأ الله تعالى مسبقًا وتشير إليه الآية القرآنية التالية:

وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (التكوير 11)،

فأولا إن عصر المسيح الموعود هذا لهو عصر نشر الكتب والمنشورات، ولأجل ذلك فقد ترك المسيح الموعود لنا بحرًا زاخرًا من الخزائن الروحانية التي صدرت في عهده، كما لعب الصحابة دورهم وأدوا واجبهم في نشرها. لقد علِمْنا من خلال اطلاعنا على بعض أحداث الصحابة أن بعض الصحابة أعطى كتاب المسيح الموعود لبعص الناس فقرأه فأثّر في قلبه فانضم إلى الجماعة، وهكذا ظل الناس يدخلون الأحمدية رويدًا رويدًا. ولقد أنجز الصحابة هذه المهمة بروح الفداء.. على شاكلة صحابة النبي في صدر الإسلام، وبالتالي فإن هؤلاء الصحابة قد فازوا برضى الله تعالى فقدمّهم الله تعالى شهادةً وأقسمَ بهم. ولقد لعب صحابة المسيح الموعود دورًا مماثلا لصحابة النبي وبالتالي فقد نالوا –هم الآخرون – قرب الله تعالى. لقد هيأ الله تعالى اليوم وسائل أكثر وأسرع لنشر الكتب وللردّ على المعارضين. لقد كان وصول الكتب إلى بقاع العالم المختلفة بحاجة إلى وقت طويل في السابق، ولكن الآن تُذاع رسالة من هنا وتنتشر إلى أكناف الأرض في لمح البصر، ويُنشر كتاب ههنا ويُطبع في اللحظة التالية من أي مكان آخر من العالم. وهكذا فإن القرآن الكريم وكتب المسيح الموعود والكتب الإسلامية الأخرى كلها تتخطى منازل جديدة من خلال انتشارها عبر شبكة الإنترنت والتلفاز وغيرها من وسائل الإعلام التي قد زادتْ سرعةَ الانشار اليوم بحيث لم يكن للإنسان أن يتصورها قبل بضعة عقود من الزمان. فلقد أتاح الله تعالى لنا هذه الفرص العظيمة لنستخدمها في تبليغ الإسلام والدفاع عنه، وهذا فضل من الله تعالى أنه قد خلق هذه المخترعات الحديثة لأجلنا حتى نسخرها في مجال التبليغ، فيجب أن نستخدمها استخدامًا صحيحًا وألا نسيء استخدامها أو نستعملها لتبديد الوقت في الأمور اللاغية. وإذا أصبحنا أعضاء هذه الجماعة التي توصل رسالة المسيح المحمدي إلى العالم فيمكن أن نصبح نحن أيضا جزءا من هذا الفريق، وننضم إلى الناس الذين أقسم الله بهم. هذا ما قلت لأعضاء أسرة الفضائية الإسلامية الأحمدية في احتفالهم مؤخرا أن كل عامل في الفضائية حيثما كان في أي بقعة من العالم وفي أي زاوية من العالم فهو يعمل لتبليغ رسالة سيدنا المسيح الموعود إلى أطراف الأرضين، والحقيقة أن الله هو نفسه سينجز هذه المهمة كما وعده قائلا:

“سأبلّغ دعوتك إلى أقصى أطراف الأرضين.”

ومن أجل ذلك قد خلق الوسائل أيضا، فهذا ما قدّره الله، وتشهد على ذلك كل هذه المبتكرات الحديثة، لكننا إذا ساهمنا في إنجاز هذه المهمة بنيّة الفوز بقرب الله فعلينا أن ننظر إلى أنفسنا ونتساءل هل نحن نصير جزءا من هذه المهمة أم لا. وعندئذ سنؤدي حقها كما ينبغي، وعندما سيفحص هؤلاء المتطوعون أعمالهم على هذا النحو فسيتولد عندهم الإدراك بمكانتهم الحقيقية، وإذا تحقق لهم الإدراك بمكانتهم فسوف ينشأ لديهم الالتفات إلى أداء ما فرض الله عليهم من الحقوق والواجبات، فلن يكفي مجرد المساعدة التقنية أو الوقوف وراء الكاميرا أو تسجيل البرامج أو إحراز بعض الأعمال الأخرى بل سوف ينشأ لديكم الانتباهُ إلى عبادة الله أيضا لتأدية حقوقه، وتلتفتون إلى الله ليُثمر كل عمل لكم بثمار طيبة، ومن ثم تلتفتون إلى الاقتفاء بآثار الصحابة آخذين في عين الاعتبار مدلول آية وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ، أعني سوف ترفعون مستويات العبادة إضافة إلى السعي العملي إلى نصرة مسيح الله، وتسعون لنشر هذه الرسالة في العالم، وهذه المهمة ليست منوطة بطاقم “ايم تي ايه” فقط، أو لا تنحصر هذه المساعي في الفِرق التي تُشكَّل للرد على الأسئلة في بعض مواقع الانترنت، بل يجب أن يساهم في ذلك كلُ فرد من أبناء الجماعة ويجب أن تسعوا لنيل هذا الهدف مثل الصحابة كما أدَّوا حقَّهم، وإذا كنا قد ضيَّعنا الوقت إلى الآن أو لم نلتفت إلى ذلك أو لم يتولد لدينا الإحساس بذلك فثمة حاجة ماسة لخلْق هذا الإحساس في نفوسنا لأن العالم يتقدم إلى هذا بسرعة هائلة. صحيح أن الحجة قد تمّت، ومع ذلك ينبغي أن نسعى لنؤدي دورنا قدر ما نستطيع. وإذا اجتهد كل مسلم أحمدي ليؤدي دوره فسنرى في القريب العاجل انقلابا، إن شاء الله.

ثم يقول الله :

فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا

أي يقدم الله شهادة أولئك الذين يميزون الحق من الباطل، فبتبليغنا رسالةَ الإسلام واستعمالِنا الوسائلَ في سبيل ذلك يتحقق امتيازُ الحق من الباطل. فكل أحمدي يساهم في مهمة نشر الإسلام في شكل من الأشكال هو عضو في الفارقات فرقا . فبواسطة الانترنت وتوزيع المؤلفات والنشرات أو العاملين في ام تي ايه – الذين هم يشكلون جزءا من هذا النظام الذي يؤدي مهمة نشر الصحف والكتب في العالم، وينشرون الحسنات، يتم الفَرْق بين الحق والباطل. اليوم بواسطة هذه المبتكرات تشتهر الألعاب والملاهي أيضا كما ذكرتُ في الماضي، لكن في الطرف الآخر هناك حزب الله وحزب غلمان المسيح المحمدي الذي يسعى لنشر رسالة الله في العالم كله. وصحيح أن القنوات الأخرى أيضا تسعى لنشر التعاليم الإسلامية لكنها لوقت محدد من ناحية ومن ناحية أخرى يقدمون التفاسير والبدَع التي تشوه روح التعليم الإسلامي أحيانا، وذلك لرفضهم حَكَم هذا العصر وعدْله المبعوث من الله، فقد قال بعضهم في مثل هذه البرامج الإسلامية إن حجاب المرأة ليس ضروريا لأن حكم غطاء المرأة رأسها غير وارد في القرآن الكريم وإنما أمر القرآن الكريم النساء بضرب الخُمر على جيوبهن فقط. مع أن هذا الحكم ورد بصراحة، ثم يقولون إن الحكم كان خاصا بأزواج النبي فقط، رغم أن الحكم الوارد في الآية نفسها يشمل المؤمنات أيضا. على كل حال يقدمون هذه التبريرات الخاطئة ثم يُحدثون البدعات، ويخلقون الأعذار لإلغاء الأحكام الإسلامية، وهكذا يشوهون روح أحكام الله وتعليم الإسلام. فالتعليم الحقيقي للإسلام هو الذي ينتشر بمساعي المحب المخلص للنبي الذي هو الحَكم والعدْل لهذا العصر، وهذا التعليم هو الذي يميز الحق من الباطل والصحيحَ من الخطأ والأمورَ الدينية الخالصةَ من المحدثات والبدع، فمهمة المسيح الموعود بصفته حَكما عدْلا أن يفسّر الفارقات فرقا تفسيرا صحيحا. فنحن بحاجة إلى أن نخرج من المحيط الدنيوي السائد في العالم في الوقت الراهن ونتخذ هذا المحيط الحقيقي الذي قدمه سيدنا المسيح الموعود لأتباعه ونتمسك به، وإلا لا يوجد بيننا وبين الآخرين أيُ فارق، ولن يتجلى الفرقُ بيننا إلا إذا حدثتْ في نفوسنا تغييراتٌ بالإضافة إلى برامجنا ونشاطنا التبشيري، وفحصْنا نفوسنا، وسعينا للعمل شخصيا بالتعليم الذي فهمناه ونسعى لنشره في العالم، وقدمنا نماذج عملية له.

فالعالم ليس بحاجة إلى شيء إلا إلى الوجْه الجميل للإسلام الذي قدّمه المسيح الموعود للعالم، وأثبت أنه يمتاز عن الآخرين حُسنا وجمالا وهو الوجه الحقيقي للإسلام الذي قدمه سيدنا رسول الله ونحن أيضا نحتاج إلى هذه الصورة الرائعة للإسلام.

وفي خصوص نشر الدعوة أريد أن أقول إن الجماعة هنا في المملكة المتحدة عملت ببرنامج توزيع النشرات التبشيرية، كما عملت به بعض البلدان الأخرى أيضا، وقد ظهرت لها نتائج إيجابية رائعة جدا في العالم، حيث قُدم في هذه النشرة تعريفٌ موجَز بالجماعة الإسلامية الأحمدية، وقُدم تعليم المسيح الموعود في الحب والسلام بإيجاز، فلهذه النشرات تأثير إيجابي في العالم، وقد نُفِّذ هذا البرنامج في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، وكان الأحمديون مترددين أنه قد لا ينجح البرنامج غير أنهم حين باشروا العمل بتوزيع هذه النشرات تلقّاها الناس بسرور ورحّبوا بها، وأعربوا أنهم شاهدوا وسمعوا هذه الرسالة للإسلام أول مرة، وهكذا قد ساهم في هذا البرنامج كُتّاب الأعمدة في الجرائد، وقالوا إن هذه الرسالة التي تنشرونها يجب أن نشارككم في نشرها نحن أيضا، فقد ساهم في ذلك عددٌ من كبار كُتاب الأعمدة في الجرائد القومية المشهورة التي تطبع بمئات الألوف، والناس هناك يقرأون هذه الجرائد. ومعلوم أن النشرات قد وُزّعت بألوف فقط غير أن رسالة الجماعة قد وصلتْ عبر هذه الجرائد إلى الملايين من الناس، فهذه الوسيلة ناجحةٌ جدا، غير أن البعض كما قلت رفضوا أيضا، لكن حين وضَّح لهم الأحمديون أن رسالتنا ليست كما تظنون وإنما هي رسالة الحب والسلام والتآخي، قبلوها.

فهذا هو الفرق بين رسالتنا ورسالة الآخرين، حيث علَّمَنا إمامُ الزمان أساليب نشر الدعوة. بل قد كتب إلي أحد الأحمديين أنه قدم النشرة لسيدة فنظرتْ إليه بغضب شديد وقالت، أتخبرونني عن ما فعلتم في 11 سبتمبر، ألستم من الذين نفذوا عملية 11 سبتمبر؟ فقال لها: كلا لسْنا منهم وإن رسالتنا تختلف عنهم تماما، فتسلَّمتْ وأثنتْ عليها بعد القراءة. فهذه الرسالة ميزت الحسنةَ من السيئة، فحيثما بلغت الرسالة الحقيقية للأحمدية أي رسالة الإسلام الحقيقية فقد وضَّحت الحسنةَ والسيئة وتميَّز التعليم الحقيقي للإسلام من التعليم المشوّه، فتعرَّف العالم إلى التعليم الحقيقي للإسلام. وبسبب ذلك تشجَّع الشباب الأحمديون حيث كان خدام الأحمدية قد أبدَوا بعض التردد في اجتماعهم السنوي تجاه هذا البرنامج، لكنهم عندما رسموا الخطة وباشروا العمل بها ورحب بها الصحفيون وكتبوا في أعمدتهم نشأتْ في قلوب هؤلاء الخدام ثقةٌ، وتشجع الشباب وبدأوا ينفذونها وفق برنامج مدروس منظَّم، فهكذا زال ما كان لديهم من شعور قليل بالدونية، لأن الشباب حتى الأحمديين الذين ليست لديهم معلومات كافيةٌ عن تعاليم الإسلام عندما يسمعون من الأعداء مفاهيم خاطئة باسم الإسلام يتولد لديهم نوعٌ من الشعور بالدونية. على كل حال عندما سمعوا الثناء من الأغيار نشأت لديهم ثقةٌ، فهذه بداية ستؤدي إلى منافذ أخرى، فلا أقول إن مهمتنا قد انتهت إذ سوف نرفع خطوة تالية، ونفكر في الرسالة التالية التي يجب أن نقدمها لهم، وهكذا يستمر هذا العمل. والذين وصلتْهم هذه الرسالة الأولى يجب أن نفكر في الرسالة التالية التي نقدمها لهم.

أحد الإخوة اقترح علي أن توزع هذه النشرات في كندا أيضا، وإذا أُرسلتْ رسائل نصية بالجوّال من الهند فيرجى أن يكون لها تأثير أقوى. لكن هنا ينشأ تساؤل: أيُّ فريق سيتولى هذه المهمة وهو جالس في الهند؟ وإلى أيٍّ من البلاد ستُرسل هذه الرسائل وكيف سيتمّ العثور على أرقام الهواتف وحتى لو تمكنوا من الحصول على الأرقام من الدلائل الهاتفية سيواجهون بعض العوائق القانونية التي من الصعب اجتيازُها، فمثلا إذا كان أحدهم لا يريد أن ترسَل إليه هذه الرسالة فممنوع قانونا أن نرسل إليه هذه الرسالة. وإن كان قد قدم هذا الاقتراح بنية حسنة مع ذلك لن تكون هذه الطريقة ناجحة ومؤثرة مثلما يؤثّر تسليمُ الرسالة باليد، لأنكم حين تسلِّمون الرسالة لإنسان شخصيا ففيه جُهد شخصي أيضا وتنشأ العلاقة الذاتية، لأن الذي تقدِّمون إليه هذه الرسالة حين ينظر إليكم وإلى حُليتكم، وإلى أسلوبكم للحديث فيقدِّر بهذه الملامح الظاهرية شخصيةَ المقدِّم، فحين يتعرف الإنسان إلى أحد شخصيا تنشأ العلاقات أكثر فتظهر وسائلُ نشر الدعوة. فتوزيع النشرات والكتب مفيد، أما إرسال الرسالة النصية فلا يؤدي إلى نتائج متوخاة لأنكم إذا كتبتم عنوان مركز الجماعة فلا يرجى أن يزور أحدهم مركز الجماعة إثر تلقي هذه الرسالة النصية. فإرسال مثل هذه الرسائل تصلح للإعلانات والدعايات للشركات، لكنه لا يفيد في رأيي لتبليغ رسالة الإسلام وتوزيع المطبوعات، لأن ذلك يتطلب إنشاء علاقة شخصية وجهد شخصي، فلا تستطيعون التقدم في أعمال نشر الدعوة ما لم تقوّوا الاتصالات والعلاقات. وإذا كنتم تواجهون العراقيل والعوائق بموجب القانون في باكستان وبعض البلاد الإسلامية الأخرى فعليكم أن تسعوا لتعريف الجماعة على نطاق واسع جدا في البلاد الأخرى التي تتوفر فيها الحرية الدينية. فلا ينبغي الاكتفاء بطباعة هذه النشرات في الألوف أو مئات الألوف في كل بلد، بل يجب التقدم والتوسع في هذا العمل، يجب أن تصل نشرةُ تعريف الجماعة هذه كل عام إلى مئات الألوف، والذين وصلتْهم يجب أن تصل إليهم رسالةٌ تالية، وهذا العمل يتطلب أن يشارك فيه نظام الجماعة بأسره بنشاط ملحوظ. وكما قلت قد نشرت الجرائد أخبار هذه النشرات ليس في الولايات المتحدة فقط بل في البلاد الأخرى أيضا فوصلتْ رسالة الأحمدية إلى الملايين عبر هذه الجرائد، ووصلت إليهم رسالة سيدنا المسيح الموعود . فثمة حاجة ماسة لأن تستمر هذه الحملة بنشاط أكبر.

فالإنذار أيضا من مهمات الأنبياء، ويقول الله تعالى أنه يجب على أتباع الأنبياء أن يواصلوا مهمتهم، لهذا فإن إنذار العالم وتنبيهه إلى الإنذار الإلهي يكون ضروريا أحيانا.

يقول الله :

فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا

 أي من واجب الأتباع الصادقين للنبي أن يُلقوا على مسامع الناس الرسالة الإلهية وينضموا إلى زمرة المنذِرين، فبعد وصول الرسالة الأولى لا بد من إرسال رسالة تالية لأن ذلك من أعمال أتباع النبي الصادقين، لكي تجتنب الدنيا من السلوك على طرق سيئة تسلكها حاليا. وهذه هي مهمة الجماعات الربانية أن تنقذ الدنيا من السقوط في حفرة النار، فيجب على الجميع أن يتابعوا هذه المهمة دائما. لقد قال تعالى إن لهذه الدعوة جزءين:

عُذْرًا أو نُذْرًا

 أي لإتمام الحجة وللإنذار، وإن لم يؤمنوا فيمكن أن ينـزل بهم بطش الله تعالى. يقول المسيح الموعود عن هذه الآية والتي سبقتها:

“إن آيات النبي تفرّق بين المؤمن والكافر، وعندها سيعرف الناس أين الحق؟ هل في طاعة الإمام أو في معارضته. وهذه المعرفة ستفيد البعض كحجة عليهم كما قال تعالى: عذرا أيْ أنهم سيقرّون حين يوشكون على الموت أنهم كانوا مخطئين، وتفيد البعض الآخرين كإنذار كما قال تعالى: نذرا فيتوبون ويمتنعون عن السيئات.

فإن صدق النبي يترسخ في قلوب بعض الناس ولكن التعصب والتعنت والأنانية تحول دون قبوله. البعض يحاسَبون عند الله ويُسألون لماذا لم تؤمنوا، والبعض سيوفَّقون للتوبة، كما جرت العادة. ولكن إذا ترك الله حبل البعض على غاربه فلا يتوبون ولا يتوقفون عن سلوكياتهم فتكون عاقبتهم وخيمة كما قال الله تعالى في عدة أماكن في القرآن الكريم. فقال مشيرا إلى ذلك: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ أي لو لم تؤمنوا لكان هذا الخبر بمنـزلة إنذار لكم. والمعلوم أن الله تعالى يُظهر عواقب الإنذار في هذه الدنيا ويُنذر بالعقوبة في الآخرة أيضا. ولقد وُعد النبي وجماعته بأن الغلبة والانتصار النهائي سيكون في نصيبهم حتما. ففي الآية:

إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ

رسالتان، الأولى: للمعارضين بأنكم ستكونون تحت بطش الله تعالى بصورة العذاب، إما في هذه الدنيا أو في الآخرة. أما بالنسبة إلى وعد الغلبة والانتصار مع النبي وجماعته فقد قال عنه إنه سوف يتحقق حتما. فيقول تعالى للمنكرين بأنكم حين تقولون عند المثول أمام الله تعالى إننا لم نعرف فنرجوك أن تعيدنا إلى الدنيا مرة فسنؤمن برسولك حتما، يقول الله لهم: كلا، لا يمكن لأحد أن يعود إلى الدنيا بعد أن يموت مرة. فليس لكم إلا الإنذار الذي وُجِّه إليكم مرة.”

إذن، فهذا مقام خوف كبير للذين يهبُّون للمعارضة دون تفكير رصين. يقول الله تعالى عن هذا الزمن:

فإذا النجوم طُمست

 أي سيصبح العلماء المزعومون محرومين من العلم نهائيا، وبسبب إنكارهم إمامَ الزمان يحرمون أتباعَهم أيضا من النور. المراد من طُمست أن المحرومين بأنفسهم من النور، فكيف يرشدون الآخرين إلى النور؟ فمن لا نور له أصلا كيف يرشد غيره؟ فنراهم عاكفين على الدنيا فقط، وليس لهم شغل إلا كيل السباب والشتائم للمسيح الموعود .

في هذه الأيام أيضا، منذ يومين بالتحديد، قد عقد خصوم الجماعة مؤتمر ختم النبوة المزعوم في ربوة يشترك فيه المشايخ الكبار، بمن فيهم أمير “جماعة إسلامية” وغيره. وتقول التقارير الواردة إلى الآن أنهم لا يقومون بشيء إلا كيل الشتائم والسباب البذيئة، إذ ليس عندهم شيء سوى الشتائم والسباب أصلا. فالمراد من طمس النجوم في اللغة العربية هو أن العلماء المزعومين في ذلك الوقت سيجهلون الدين نهائيا. وقد ورد في المعاجم أنه كلما حلّت بهم الآفات قالوا: طمست النجوم.

فمعناه هنا أن العلماء أصبحوا سببا لنشر الظلام بدلا من ينشروا النور لكونهم بعيدين عن الدين، فأضلوا الناس. ولم ينتبهوا إلى الإنذار الذي جاء من الله تعالى – نتيجة عملهم هذا – بواسطة عبد من عباده . عندها يعمل قدر الله تعالى عمله، فتنـزل آفات طبيعية ويغيب في حُلكة الليل نور النجوم الذي كان يأتي بقدر ضئيل مسبقا.

ثم يقول الله تعالى في ذكر هذا الزمن:

إذا السماء فُرجت

 أي حين تحدث الصدوع في السماء. إن لهذا الأمر علاقةً بدنيا العلوم الحديثة من ناحية، إذ تُكتشَف الأكوان الواسعة الجديدة، ويتم العثور على كواكب جديدة بين فينة وفينة. ففي هذه الأيام هناك ضجة حول الثقوب في طبقات الأوزون، الأمر الذي يؤدي إلى تغير في المناخ. أما من حيث العالم الروحاني ففيه نبأ عن بعثة المسيح الموعود لأن الله تعالى يقول: عندما تُطمَس النجوم أي يفسد العلماء ففي هذا الحالة من انتشار الظلام في كل حدب وصوب يرسل الله تعالى ضوءا بواسطة مبعوثه. وبعد نيل هذا النور بواسطة هذا المبعوث الإلهي تتأسس الجماعة، وتبدأ سلسلة نزول الإلهامات والرؤى الصادقة من الله تعالى على النبي وعلى بعض من أتباعه أيضا. يقول الله تعالى: لا تظنوا أنه عندما تتأسس الجماعة الروحانية بعد بعثة مبعوثنا سيحُول المشايخ دونها. بل قال بأنه حين تبدأ هذه السلسلة لن يسع المشايخ أن يحولوا دونها. بل الحق أن بقاءهم منوط بإيمانهم بهذه السلسلة الروحانية. يقول الله تعالى ما أهمية هؤلاء المشايخ وأشياعهم، بل الحق أنه لو وقفت الجبال – أي الذين يعتبرون أنفسهم أقوياء مثل الجبال – والحكومات أيضا ضد هذا المبعوث السماوي وأحباء الله لمزِّقت تمزيقا. فقال تعالى:

وإذا الجبال نسفت

  أي ستُقلع الجبال من أصولها. فلا يظنّنّ أحد أن أصوله متأصلةٌ وعميقةٌ في الشعب أو تساندني حكومة بلد عربي فلاني وهم حماة الإسلام، أو أنا مدعوم من قبل حكومة غربية فلانية. فكلما هبّ أحد مقابل مبعوث الله وجماعته لن تنفعه حماية الشعب ولا أموالُهم ولا نصرتهم، ولن تنفعه قبيلته. إنهم يزعمون أن جذورهم ثابتة ومتأصلة، ولكن الحق أنه سوف تذروهم الرياح مع أولئك الذين يعتمدون على حمايتهم ونصرتهم. إنها نبوءة من الله، وقد رأينا بفضل الله تعالى نسف مثل هذه الجبال دائما على مدى تاريخ الجماعة.

والآية الأخيرة التي اقتبستها من هذه السورة يقول الله تعالى فيها:

إذا الرسل أُقِّتت

هذه نبوءة عن بعثة المسيح الموعود والإمام المهدي . أي سيُبعث شخص واحد ممثلا عن جميع الأنبياء، وقد أنبأ بمجيئه الأنبياءُ السابقون كلهم في عصورهم. ولقد تحققت هذه النبوءة في شخص المسيح الموعود . لقد أوحى الله تعالى إليه قائلا:

 “جري الله في حلل الأنبياء.”

يقول المسيح الموعود في هذا الصدد: معنى هذا الوحي الإلهي هو أنني أُعطِيتُ نصيبا من أحداث حدثت في عصور جميع الأنبياء الذين جاؤوا من زمن آدم إلى الزمن الأخير سواء أكانوا أنبياء إسرائيليين أو غيرهم، كذلك أُعطيت نصيبا من صفاتهم أيضا. ولم يمض نبي لم أُعطَ نصيبا من أحداث حدثت في زمنه. بل إن طابع كل نبي منقوش في فطرتي. هذا ما أطلعني الله عليه. وفي ذلك إشارة أيضا إلى أن معظم الناس في هذا الزمن يشبهون أعداء الأنبياء (عليهم السلام) الذين كانوا عطاشى لدمائهم وتجاوزوا في العداوة والعناد كل الحدود فأُهلكوا بأنواع من العذاب، فيمكن أن تنـزل عليهم أيضا عقوبات مثلهم لأن هذا الإنذار قائم الآن أيضا إن لم يتوبوا، إذ هناك تشابه بينهم وبين الذين خلوا.

فمعناه هنا أن العلماء أصبحوا سببا لنشر الظلام بدلا من ينشروا النور لكونهم بعيدين عن الدين، فأضلوا الناس.

باختصار، إن في هذا الوحي الإلهي إشارة إلى أن هذا الزمن جامع لكمالات الأخيار وكمالات الأشرار أيضا. وإن لم يرحم الله فإن الأشرار في هذا الزمن يستحقون جميع أنواع العذاب التي سبقت. فقد هلكت أمةٌ من الأمم السابقة بالطاعون، وهلكت أمة أخرى بالصاعقة، وغيرها بالزلزال، وأهلك أمةً أخرى بطوفان الماء أو الرياح العاتية. وهلكت بعض الأمم بالخسف، كذلك يجب أن يخشى الناس في هذا الزمن من تلك الأنواع من العذاب إن لم يصلحوا أنفسهم لأن هذه الأوجه كلها موجودة في الناس المعاصرين. إن حِلم الله وحده قد أمهلهم إلى الآن. إن العبارة: جري الله في حلل الأنبياء لجديرة بتوضيح أكثر. فيقول الله تعالى أنه كما عامل الأنبياء السابقين بأنواع التأييدات والنصرة فقد عاملني أيضا بمثلها، وستستمر تلك المعاملة. فإن هذه السلسلة لم تنته بل مستمرة.

وبما أن الزمن يعيد نفسه فيأتي في الدنيا أمثال هؤلاء الناس باستمرار سواء أكانوا صالحين أم طالحين، لذلك فقد أراد الله في هذا العصر أن تُظهر – في شخص واحد وهو أنا – نماذج جميع الأنبياء الأطهار والصادقين المقدسين الذين خلوا. كذلك فقد ظهرت في هذا الزمن نماذج الطالحين أيضا، سواء أكانوا من قبيل الفراعنة أو اليهود الذي علقوا المسيح على الصليب، أو أمثال أبي جهل، فكل هذه الأمثلة موجودة في العصر الراهن. (كما أشار الله تعالى إلى هذا الأمر في ذكر يأجوج ومأجوج)

يقول المسيح الموعود مشيرا إلى هذا الأمر: “استيقظوا أيها النائمون، وقوموا أيها الغافلون فإن وقت الانقلاب العظيم قد حان، والوقت وقت البكاء لا وقت الرقاد، ووقتُ التضرع والابتهال لا وقت السخرية والاستهزاء والتكفير. ادعوا الله تعالى أن يهبكم عيونا تنظرون بها إلى الظلمة جيدا وتتمكنوا من رؤية النور الذي أعدَّتْه الرحمة الإلهية للقضاء على هذه الظلمة. استيقظوا في الهزيع الأخير من الليل واسألوا الله الهدى باكين ولا تدْعوا عبثا للقضاء على هذه الجماعة الحقة الصادقة، ولا تسعوا لتدميرها. إن الله تعالى لا يتبع ما تخططونه غفلة وجهلا، بل سيكشف عليكم سخف قلوبكم وأذهانكم، وسيكون معينا ونصيرا لعبده، ولن يقطع الشجرة التي غرسها بيده. هل منكم من يقطع شجرة يتوقع أنها ستثمر؟ فكيف يقطع ذلك الحكيم البصير وأرحم الراحمين تلك الشجرة التي ينتظر أن تثمر في الأيام المباركة. ما دمتم لا تفعلون ذلك وأنتم بشر فأنّى لعالِمِ الغيب الذي ينظر ما في كُنْهِ الصدور أن يفعل ذلك؟ فاعلموا يقينا أنكم بمحاربتكم إياه تُطلقون السيوف على جوارحكم أنتم. فلا تلقوا بأيديكم في النار بغير حق، وأنتم تعلمون، لكي لا تحرق النار أيديكم.

تأكَّدوا أنه إذا كان ذلك فعل إنسان لاستطاع الكثيرون أن يقضوا عليه. هل تعرفون مفتريا خلا قال افتراء على الله بأن الله يكلّمني ثم سلم إلى كل هذه المدة. الأسف كل الأسف على أنكم لا تفكرون شيئا ولا تذكرون آيات الله التي يقول الله تعالى فيها عن النبي :

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (الحاقة 45-47)

هل من أحد أحب إلى الله من النبي حتى يسلم إلى الآن بعد هذا الافتراء العظيم بل ينال حظا وفيرا من نعم الله أيضا؟

فيا أيها الإخوة ارتدعوا عن أهوائكم النفسانية، ولا تتجاوزوا الحدود في التعنت في أمور تخص علم الله وحده. اقطعوا سلسلة العادات والتقاليد وتقدموا في سبل التقوى كأناس جددٍ حتى تُرحموا ويعفو الله عن ذنوبكم. فاخشَوا، وامتنِعوا، أليس منكم رجل رشيد؟ فإن لم تنتهوا فسوف يأتي الله بنصرة من عنده وينصر عبده ويمزّق أعداءه ولا تضرونه شيئا.” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية المجلد 5)

ندعو الله تعالى أن يهب العالَم عقلا ليفهوا هذه الرسالة، ويوفِّقنا أيضا لنشر هذه الدعوة في أرجاء العالم، وللسعي لإنقاذ العالم قدر استطاعتنا، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك