إملأ استئمارة الفلاح والنجاة
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (153)

التفسير:

يقول تعالى (فاذكروني أذكركم). والذكر أنواع وألوان. العاجز وقليل الحيلة إذا ذكر شيئا فإن ذكره تمنّ ورغبة فقط. فمثلا، هناك رجل فقير له قريب عزيز عليه في الغربة، فهو يذكره، ولكنه لا يستطيع أن يدعوه ليراه.. إما لقلّة ماله أو لبعض العوائق الأخرى، فذِكْرُه قريبا له في الغربة لا يعني إلا الرغبة والتمني للقائه. أو هناك طفل رضيع في سريره يذكر أمه فيبكي، فذكره لا يتعدى بكاءه ورغبته في أن تأتي أمة وتحتضنه.

ثم هناك شخص على شيء من المقدرة، وإذا ذَكَر هذا أحدا أو أمرا..بَذَلَ بعض الجهد للحصول على ما يذكره. كمثل طفل اشتد عُوده ويستطيع المشي. إذا تذكر أمّه وأراد لقاءها فإنه لا يكتفي بالتمني بل يحاول عمليا لقاءها ويمشي إليها.

ثم هناك ملك يذكر أحدا من رعاياه.. فإن ذِكره لا يقتصر على الرغبة فقط، بل ذِكره قوة فعالة تجذب الآخرين إليه، ويتحقق ذِكره عمليا.

إذن فذِكر الأدنى مَن هو أعلى منه يعني أنه يتمنى أن يدعوه هذا الأعلى ويستحضره.. وما هذا إلا توسل وتمنٍّ. وإذا ذكر الأعلى من هو أدنى منه فذِكره يعني أنه يريد إحضاره، لأن في ذِكره قوة. ومثال ذلك ما ورد في القرآن عن أهل الجنة (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم ما تَدَّعون) (فصلت:32). فهذه الرغبة والاشتهاء من جانب أهل الجنة تكشف عن القوة.. لأنهم بمجرد أن يشتهوا شيئا يهيئه الله لهم فورا.

وفي الدنيا أيضا إذا ذكر الملك أحدا فلا مناص له إلا أن يُهرَع إلى الملك على الفور تاركا كل مشاغله، لِعلمه أنه لو تأخر عنه لتعرّض للعقاب. ففي ذِكر الملك هذا قوة وجاذبية عظيمة، لأن من يدعوه ينجذب إليه فورا. فإذا كان ذِكر ملِكٍ يحمل معنى آخر فلا بد أن يكون لذِكر الله أحدا معنى آخر. فقوله تعالى (اذكروني) يعني عليكم أن ترغبوا في لقائي، وتبذلوا أقصى جهدكم للحصول على قربي، فإذا وصل ذِكركم إياي درجة الكمال (أذكركم).. سوف تنجذبون إلي وتأتوني، وتنفتح أمامكم أبواب قُربي، وأضمكم إلى زمرة المقربين إليَّ، وذلك لأنه ما دام ذِكر ملك عادي لأحد رعاياه لا يعني أنه يجلس ويردد اسمه، فلا يكون ذِكر الله تعالى أحدَ عباده مجرد ذِكر اسمه، لا بد أن يكون له معنى آخر. وفي اللغة العربية يقولون: أمير المؤمنين يذكُرك، ولا يعنون بذلك أنه جلس يذكر اسمه ويردده، وإنما يعنون أنه يريدك أن تحضر إليه.

ولنتذكر أن ذِكرَ العبد ربَّه يكون على ثلاثة أشكال: الأول –ذِكره ربه عند رؤية شيء حسن أو سيئ. فمثلا عندما يكون هناك دافع لارتكاب الإثم يقول: أستغفر الله.. وعندما تصيبه مصيبة يقول: إنا لله؛ وعندما يجد ما يسره يقول: الحمد لله.

والثاني –أن يذكر ربه عندما يسمع بما وقع لغيره، مثلا، إذا سمع عن مصيبة حلّت بأحدٍ دعا لهذا المصاب، وشكر الله تعالى أن عافاه من هذه المصائب.

والثالث – أن يتحدث عن الله تعالى، فيذكر في المجالس رحمته وكرمه عز وجل، ويردد ما يثيره المعترضون والأعداء من اعتراضات وحجج، ويبذل جهده لتوطيد عظمة الله تعالى، ويذكر نعم الله مرارا لُتنقَش صفات الله في قلب الإنسان، وثانيا لكيلا تنمحي هذه النقوش من قلبه بل تزداد، وثالثا لكيْ تتجلى هذه الصفات ونقوشها في كل عمل وقول له.

ثم من معاني الذكر العزة والصيت. فيعني قوله تعالى (أذكركم): لو أن المسلمين ذكروني وعملوا بأوامري فلسوف أحقق لهم العزة وحسن السمعة في الدنيا، وأُشرفهم بقرب لا يزول في الآخرة.

وقوله تعالى (وشكروا لي)..لا تطمئنوا إلى مجرد الذكر، بل من واجبكم ألا تنفكوا تشكرونني لما أنعمت به عليكم من نعم، بحيث يتجلى شكركم في أعمالكم وعباداتكم.

قوله تعالى (ولا تكفرون).. لا تكونوا ناكرين لما صنعناه معكم من جميل سابق. جاء في الحديث أن الرسول قال ذات مرة (أُريت النار، فإذا أكثر أهلها النساءُ يكفرن. قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط) (البخاري، الإيمان).

وكفران النعمة يعني عدم استخدامها في محلها. مثلا – أعطانا الله الآذان لسماع كلامه، ولكن الناس يستخدمونها لسماع ما هو إثم وشر؛ وأعطانا العيون لنـزداد بها علما ومعرفة، ولكن الإنسان يتطلع بها إلى ما عند فلان من مال، ويرى بها ما لا يجوز له رؤيته؛ وأعطانا اللسان لنتحدث به في الخير ونذكر به الله، ولكن الناس يستخدمونه للسيئات كالسباب والنميمة والغيبة والكذب..وهكذا يكفرون بنعم الله. فيقول الله تعالى: عليكم أن تقدّروا نِعَمي حق قدرها. وتنظروا إليها نظرة تعظيم، وتتعهدوا بحسن استخدامها ولن تنتهكوا حرمتها بسوء الاستخدام.

ثم من معاني الذكر العزة والصيت. فيعني قوله تعالى (أذكركم): لو أن المسلمين ذكروني وعملوا بأوامري فلسوف أحقق لهم العزة وحسن السمعة في الدنيا، وأُشرفهم بقرب لا يزول في الآخرة.

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(154)

شرح الكلمات:

الصبر– أصل الصبر هو الكف والإمساك، ولكنه يُستخدم في معان أخرى منها: ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله (الأقرب). لكن إذا كانت الشكوى دعاء لله تعالى كي يزيل ما حلَّ من مصيبة فهذا ليس منافيا للصبر؛ فقد ورد: (إذا دعا اللهَ العبدُ في كشف الضر عنه لا يقدح في صبره (الأقرب).

وقيل الصبر صفة سامية في الإنسان، ولها أسماء مختلفة. فهو في المحاربة شجاعة، وفي إمساك النفس عن الفضول –أي عن طلب ما يفضل عن قوام المعيشة –فقناعة وعفة نفس (الأقرب). ولما كان المعنى الأصلي للصبر هو الامتناع والكف، لذلك قال علماء اللغة: الصبر صبران: صبر على ما تهوى، وصبر على ما تكره (الأقرب).

الحقيقة أن الصبر على ثلاثة أنواع كما يبدو من القرآن والحديث:

أولا: اجتناب الجزع والفزع؛ قال تعالى (واصبر على ما أصابك)(لقمان: 18)

ثانيا: التمسك بالخير والتشبث به، قال تعالى (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا) (الإنسان: 25)، فكل ما أمر الله به مما يسهل به قربُه –إذا تمسّك به الإنسان ولم يتزلزل عنه فهذا هو الصبر.

ثالثا: اجتناب السيئة؛ قال الله تعالى (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم) (الحجرات: 6).. أي لو أنهم امتنعوا عن إثم استدعائك وانتظروا حتى تحضر إليهم بنفسك لكان خيرا لهم، ولكنهم لو أصلحوا أنفسهم الآن أيضا لوجدوا الله غفورا رحيما.

أما آيتنا الحالية فينطبق عليها المعاني الثلاثة لعدم وجود قرينة، والمراد أن لإنجاز أي عمل طريقين: أحدهما مادي والآخر روحاني، وإذا استخدم الإنسان الطريقين نجح وأفلح، فعليكم باستخدام الاثنين. والطريق المادي هو: أولا، اصبروا بهمة وثبات على كل ما تلاقونه في سبيل الله من صعاب وشدائد؛ وثانيا –عليكم باستخدام كل الوسائل والأسباب لإنجاز العمل؛ وتجنبوا الأمور التي تحول دون إنجاز المهمة. وأما الطريق الثاني وهو الروحاني فهو: ادعوا وانهمكوا في العبادة.

الصلاة – المعنى الأصلي للصلاة هو عبادة الله، ولذلك أُطلقت على الصلاة الإسلامية؛ الدعاء؛ الدين؛ الرحمة؛ الاستغفار؛ حسن الثناء؛ السلام على النبي (الأقرب).

ولمزيد من الشرح يُرجى الرجوع إلى الآية رقم 4 من سورة البقرة، من الجزء الأول من هذا التفسير، في فوله تعالى (والذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون).

التفسير:

يتبين من هذه الآية أيضا أن المراد من قوله تعالى (ومن حيث خرجت)هو الخروج للمواقع الحربية المتعلقة بفتح مكة.. لأن الصبر والصلاة يلجأ إليها الإنسان عند الشدائد، فعند ذكر الشدائد التي عانى منها المسلمون على يد اليهود أيضا قال الله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة) (البقرة: 46)، والآن عند ذكر مكة بيّن أنكم سوف تتعرضون للشدائد ولا شك ويُقتل أقاربكم، ولكن لا تَدَعوا الجبن والخوَر يتسرب إليكم، بل عليكم بالهمة والثبات والجد لمواجهة هذه الشدائد وتقديم التضحيات، وعليكم بالاستعانة عليها بالصبر والصلاة.

في هذه الآية بين الله مسألة عظيمة الشأن..ذلك أنه تعالى يمنع المسلمين من البكاء والإحساس بالألم عند الشدائد، ولذلك يقول سوف تتعرضون للشدائد، وسوف تشعرون بوطأتها وألمها، ولكني أدلُّكم على علاجها: اصبروا وادعوا..ورد في الحديث أن طفلا لإحدى بنات النبي أوشك على الموت (ففاضت عينا النبي فقال له الصحابي سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة وضعها الله في قلوب من شاء من عباده. ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء)(البخاري، كتاب المرضى). فلم يمنع من أحاسيس الألم، ولكنه منع أن ينهار الإنسان فيترك العمل جزعا وفزعا. ولذلك قال الله تعالى إن الشدائد آتية، والسيوف ستشهر، والأعناق ستضرب.. فاصبروا وتثبتوا وانهمكوا في عملكم بهمة وثبات. لا نقول لكم: إياكم وإحساس الألم والغم، فهذه عاطفة طبيعية لا يمكن كفّها، وإنما نقول: شاركوا في هذه التضحيات بهمة وثبات، ولا تتزعزع أقدامكم.

ولكنه نبّه أن هذه تدابير وأسباب مادية، وواجبكم الحقيقي أن تعتمدوا على الله، وتستعينوا بالدعوات إليه، وما لم تتوكلوا على الله كلية ولم تتعودوا على التوسل إليه لن تنالوا الفتح والنصر. انظروا إلى الطفل الصغير إذا خُوِّف أسرع إلى أمه على الفور مهما كانت أمه ضعيفة وعديمة الحيلة.. ويعتقد في أحضانها أنه أصبح في مأمن. كذلك المؤمن يهاجمه عدو فإن ملجأه الوحيد هو وجود الله تعالى.

الصلاة شيء روحاني، وعلاقته بالله تعالى، والصبر شيء مادي وعلاقته بالتدابير الإنسانية. عند الصبر تظهر علاقة حبنا لله تعالى مجبرين، أما في صورة الصلاة فتظهر علاقة عشقنا بالله طائعين. إن المصائب والشدائد لا نخلقها بأنفسنا وإنما يجلبها علينا العدو، ونتحملها ولا نترك الله تعالى، ولكننا مجبرون على ذلك، أما الصلاة والدعاء فهي عبادة نقوم بها عن طواعية، لا إكراه عليها وإنما نصلي برغبتنا. إذن بالصبر نبدي محبتنا لله تعالى مجبرين، أمّا بالصلاة فنعبر عن حبنا وعشقنا لله طائعين. وعندما يجتمع الاثنان..الصلاة والصبر..يكتمل الحب، فتجري ينابيع فيض الله من الرحمة والبركة.

وعلى ضوء معاني الصبر المذكور أعلاه. فالآية تعني أولا: أيها المؤمنون. إذا حلت بكم المصائب فلا تحزنوا ولا تضيقوا بها ولا تشتكوا منها؛ وثانيا “أيها المؤمنون، حاولوا تجنب الأمور التي تحول بينكم وبين قُرب الله تعالى؛ وثالثا: أيها المؤمنون، لا تتكاسلوا عن العمل بكل ما تؤمرون به ليقربكم إلى الله، بل اعملوا به بهمة وثبات، فهذه الأمور الثلاثة تساعد على نيل المدراج العليا من الروحانية، فيجب أن تضعوها في اعتباركم دائما، ولو فعلتم ذلك لنجحتم في إنجاز ما أنتم بصدده، وتنالون هدفكم.

ونظرا إلى ما ذكر من معاني الصلاة.. فالآية تعني أولا: أيها المؤمنون، استعينوا بالله عن طريق الصلاة؛ ثانيا: أيها المؤمنون، استعينوا بالله بالدعاء والابتهال إليه تعالى؛ ثالثا: أيها المؤمنون، استعينوا بالله بالتمسك والثبات على دينه؛ رابعا: أيها المؤمنون، استعينوا بالله بالاستغفار من ذنوبكم؛ خامسا: أيها المؤمنون، استعينوا بالله بالصلاة والتسليم على رسوله. وكأن كل هذه طرق ينال بها الإنسان نصرة الله وعونه.

في سورة الفاتحة، أُمرنا أن نقول (إياك نعبد وإياك نستعين)، وفي هذه الآية دلنا على طريقة نحصل بها على نصرته وعونه. يقول:

1.لو تعرضتم للمصائب والمصاعب في سبيل دين الله، واضطررتم لتقديم التضحيات، فلا تخافوا ولا تقلقوا.

2.واجتنِبوا الأمور التي ينهاكم الله عنها.

3.لا تتوقفوا عن تقديم التضحيات لأنها ضرورية للحصول على قرب الله تعالى..فداوِموا عليها وتثبّتوا

4.وادعوا الله أن يقبل تضحياتكم ويجعل لها نتائج وثمرات جيدة، ويمنحكم الفتح والظفر.

5.ارحموا الفقراء حتى يرحمكم الله ويرضى عنكم لما هيأتم من راحة لخلقه.

6.اطلبوا المغفرة على تقصيراتكم.

7.ادْعوا وصلّوا على الأنبياء لأنكم عن طريقهم وفِّقتم للوصول إلى الله

  1. تثبتوا على دين الله بهمة واستقامة.

9.داوِموا على العبادة بكل همة ونشاط.

كل هذه الأمور بيّنها الله تعالى كي ينال الإنسان الفلاح والنجاح. فمن أراد أن ينصره الله فلا بد له من العمل بها. لا يكفي ولا يعني شيئا تَفَوُّهُ الإنسان: يا إلهي، يا رب انصرني …بل لا بد للحصول على نصرة الله من العمل بهذه السبل. فالذين يدفعهم الخوف إلى اليأس، ثم يرجون الله تعالى أن ينزل ملائكته من السماء لنصرتهم لن يُنصروا ولن يفلحوا. والذين يتخذون أوامر الله وأحكامه ظِهْريّا ويُعرضون عنها، ثم يرجون الله تعالى أن يبعث ملائكته لمعونتهم لن ينالوا ذلك أبدا. والذين يترددون في تقديم التضحيات ويقصّرون في تأدية المسئوليات الملقاة عليهم من الله تعالى لن يفلحوا. والذين لا يدعون الله ولا يتضرعون إليه بالبكاء والخشوع ثم يتوقعون منه تأييدا معجزا لن يفلحوا. والذين لا يبدون غيرة في أمور الدين ولا يسهمون في سبيل رقيّه وازدهاره لن يفلحوا أمام الأعداء. والذين لا يشفقون على الفقراء والمساكين، ولا يمدون أيديهم لإزالة مشاكلهم لن يفلحوا ولن ينالوا تأييد الله عند المشاكل. والذين لا يصلّون على رسل الله تعالى ولا يدعون لهم، ولا يكِنّون في أنفسهم مشاعر الشكر تجاه صنائعهم لن يفلحوا في الحصول على معونة الله تعالى. والذين لا يقفون أعمارهم لخدمة الدين والعبادة لن يفلحوا في نيل المدارج العالية من قرب الله. ثم إن الذين يقومون بكل هذه الأمور، ولكنهم لا يشعرون في أنفسهم أنهم لم يقوموا بأي إنجاز أو عمل يُذكر، وإنما يصيبهم الكِبْر لما قاموا به..فلن يفلحوا أيضا في نيل عون الله تعالى.

الناس يقولون بأفواههم (إياك نعبد وإياك نستعين)،ولكنهم لا يعرفون ماذا يتطلب منهم قولهم هذا. إنهم عندما يذهبون إلى مكتب البريد لإرسال حوالة مالية إلى أحد..يأخذون معهم الورقة الرسمية “الاستمارة ” الخاصة بذلك، لأنهم يعرفون أن النقود لن تُرسَل ما لم تصحبها الاستمارة وما لم تُمْلأ بياناتها صحيحة. وإذا أرادوا إرسال رسالة وضعوا عليها الطابع البريدي بحسب القيمة المحددة. لِعِلْمِهِم أن الرسالة لن تصل إلى جهتها إلا بذلك. وعندما يريدون الالتحاق بمدرسة يملئون بيانات الاستمارة التي تصدرها الجهة التعليمية. وكذلك عند التقدم لامتحان في الجامعة.. إذا أخطأ الطالب في أحد البيانات اضطرب قلبه خشية رفض الطلب. ولكن فيما يتعلق بالله تعالى فلا يملئون استمارة ولا يوفون بأي شرط، ومع ذلك يقولون: يا رب، أرسِلْ لنا ملائكتك لنصرتنا. إنهم لا يعرفون أنه في الأمور الإلهية أيضا لا بد من ملأ استمارة، وما لم تُملأ الاستمارة مع التوقيع لن يحالفهم نصر الله وتأييده. تلك الاستمارة هي استمارة (الصبر والصلاة)..وما لم يوقعوا عليها فلا نصيب لهم من نصر الله وعونه.

وفي قوله تعالى (إن الله مع الصابرين)..اكتفى بذكر الصابرين ولم يذكر المصلين، ذلك لأن كلمة (الصابر)تعني المواظبة والمداومة على عمله، والصبر هنا لا يعني الجَلَد فقط بل يشمل الصلاة أيضا. ولا يعني قوله تعالى (إن الله مع الصابرين) أنه مع الذين يُبدون جلدا وتحمُّلا فحسب، وإنما يعني أن الله مع أولئك الذين يبدون مداومة وثباتا على الصبر والصلاة أيضا. لأن الدعاء المقبول إنما هو ما داوم عليه صاحبه. فالمعنى أنكم إذا تمسكتم بالصبر والصلاة بهمة ومداومة تفلحون.

هُنا نصح الله أولئك الذين يتحملون المشاق لفترة ثم يتعجلون ويقولون: لماذا لم يقبل الله دعاءنا. لقد تعبنا من الدعاء وسئمنا من النداء، فما الفائدة من هذا الدعاء الذي لا يسمع؟ وبعضهم يقعون في العثار حتى إنهم يرفضون وجود الله سبحانه. يقول الله تعالى (إن الله مع الصابرين).. إنما ينال نصر الله من يداومون ويثبتون في تحمل المشاق، ويأخذون بأسباب الصبر والصلاة بهمة وثبات ودوام.

Share via
تابعونا على الفايس بوك