الطاعون.. آية من الله فهل أنتم مؤمنون؟

الطاعون.. آية من الله فهل أنتم مؤمنون؟

مصطفى ثابت

السيرة المطهرة (27)

تحت سلسلة السيرة المطهرة يتناول الكاتب سيرة حضرة ميرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود مبرزا الوقائع والأحداث الهامة من حياة حضرته المطهرة.

“ذكرنا في العدد السابق كيف وقع الطاعون كآية من السماء لعقاب المكذبين والمخالفين، ولكي يتبين لعامة الناس تأييد الله تعالى لعبده الإمام المهدي وذكرنا كيف طلب سيدنا أحمد إعفاءه هو وأتباعه من التطعيم بالمصل الواقي من الطاعون حتى يتأكد للناس أنه تحت الحفاظة الربانية، وكيف أن ذلك الطلب الغريب أثار ضده الكثير من المعارضة، مما دفع أحد رجالات مصر المشهورين أن يكتبوا في هذا الموضوع، فكان أن رد عليه سيدنا في الفصل الأول من كتابه العظيم: “منن الرحمن”، ونستطرد فيما يلي تقديم ما جاء في هذا الكتاب القيم”. (العناوين الجانبية المائلة من إضافة الكاتب للتوضوح)

بعد ذلك قدم سيدنا أحمد وصفا لمهمته ودعوته التي أعلنها للناس فقال:

“اعلمْ أنّ موضوع أمرنا هذا هو الدعوى الذي عرَضتُ على الناسِ، وقلت إنّي أنا المسيح الموعود والإمام المنتظر المعهود، حكّمني الله لرَفع اختلاف الأُمّة، وعَلَّمني من لدنه لأدعو الناس على البصيرة. فما كان جوابهم إلا السبّ والشَّتْم والفحشاءُ، والتكفير والتكذيب والإيذاء. وقد سَبُّوني بكل سبٍّ فما رددتُ عليهم جوابهم، وما عبَأتُ بمقالهم وخطابِهم، ولم يزل أمرُ شتمهم يزداد، ويشتعل الفساد، ورأوا آياتٍ فكذّبوها، وآنسُوا علاماتٍ فأنكَروهَا، وصالوا عليّ بمطاعنَ مفتـرَياتٍ، ومعائبَ منحوتاتٍ، وأَغرَوا زَمَعَ الناس عليّ للتوهين، ودعوا النصارى لتأييدهم وغيرهم من أعداء الدّين، وأَفتَى علماؤهم لتكفيرنا، وتوالى الإشاعاتُ لتعييرنا، وقطَع العُلَقَ كلُّ مَن آخَى، ومُطِرْنا حتى صارت الأرض سُوّاخَى، وضحِك علينا سفهاؤهم من غير علم وما اتّقوا خَلاّقهم، وكاد أن يشقّ ضحكهم أشداقَهم. ورقّصهم العلماء كقرّاد يُرقِّص قرده، ويضحِّك مَن عنده، فتبِعهم الحُمْقى كالـمُحرّج ومشوا خلفهم كالأعرج خلف الأعرج. وما احتفل محفل، وما انتفض مجلس إلا باللّعن عليّ وعلى المبايعين، وتفسيقِ الصالحين. وما اطّلعنا على حلقة منهم إلا وجدناهم صخّابين ولاعنين. وإنا مع أتباعنا القلائل أوذينا من أفواجهم كل الإيذاء، وربما وَقَفْنا بين أنياب الموت مِن مكر تلك العلماء، وسِقْنا بهتانًا وظلمًا إلى الحكّام، وأغرى المكفّرون علينا طوائف زمعِ الناس واللئام، ومكروا كل مكر لاستيصالنا ولإطفاءِ أنوار صدق مقالنا، وصُبّت علينا المصائب، وعادانا الحاضر والغائب، فما تزعزعنا وما اضطربنا، وانتظرنا النصر من القدير الذي إليه أَنَبْنا. وفسّقوني وجهّلوني بالكذب والافتراء، وبالغوا في السّبّ إلى الانتهاء، وإني لأجبتهم بقولٍ حقٍّ لولا صيانة النفس من الفحشاء. وسعَوا كل السعي لأُبْتَلى ببليّة ويغيَّر عليّ نعمةٌ نلتُها من الرحمن، فخُذِلوا في كل موطنٍ ونكصوا على أعقابهم من الخذلان. وكلما ألقوا علي شبكةَ خديعةٍ مخـترعةٍ، فرَّجها ربي عني بفضل من لدنه ورحمةٍ، وكان آخر أمرهم أنهم جُعلوا أسفل السافلين، وانتصفنا مِن كل خصم مهين، مِن غير أن نرافع إلى قضاة أو نتقدم إلى الحاكمين. وأرادوا ذلّتنا، فأصبنا رفعةً وذكرًا حسنًا، وأرادوا موتنا وأشاعوا فيه خبرا، فبشّرَنا ربنا بثمانين سنة من العمر أو هو أكثر عددا، وأعطانا حزبًا ووُلْدًا وسكنا، وجعَل لنا سهولةً في كلِّ أمرٍ، ونجّانا مِن كل غَمْر. وكنت فيهم كأني أتخطَّى الحيَواتِ أو أمشي بين سباع الفلوات، فمشى ربي كخفيرٍ أمامي، ولازمني في تلك الـموامي. فكيف أشكر ربي الذي نجاني من الآفات، على كُلولي هذا حسرات”. (المرجع السابق ص236-239)

وأوضح حضرته أن الله لا يؤيد الكاذبين فقال:

“يا أسفا عليهم.. إنهم لا يفكرون أن الكاذبين لا يؤيَّدون من الحضرة، ولا يتكلمون بكلام البر والحكمة، ولا يُرزَقون من أسرار المعرفة. وهل تعلم كاذبًا شهدتْ له السماواتُ والأرض بالآيات البَيّنة، واضمحلّت به قوة الشيطان وتخافَتَ صوتُه من السطوة الحقانية، وطفِق يريد الغَيبوبة كحيّةٍ تأوي إلى جُحْرِها عند رَمْيِ الصخرة؟ ثم مع ذلك تدعو ظلمةُ الزمان إمامًا من الرحمن، وقد انقضى من رأس المائة قريبًا من خُمْسها، ودنت الملة لضعفها من رمسها وداست الغفلة قلوب الناس وصار أكثرهم كالكلاب، وتوجّهوا إلى الأموال والعقار والأنشاب، ونسوا حظّهم من ذوق العبادات، وأقبلوا على الدنيا وزينتها وما بقي الدين عندهم إلا كالحكايات. ومن تأمّلَ في تشتُّت أهوائهم، وتفرُّق آرائهم، علِم بالجزم أنهم قومٌ أُغلِقَتْ عليهم أبواب المعرفة، وانقطع صفاء التعلق بالحضرة، إلا قليل من الذين يدعون الله أن يرفع حُجب الغفلة. ولكن كثيرا منهم نبذوا حقيقة التوحيد من أيديهم وما بقي الإيمان إلا على الألسنة. يسُبّون عبدًا جاءهم في وقته ويحسبون أنهم يُحسنون، وختم الله على قلوبهم فهم لا يفهمون. يظنون أنهم على الحق وما هم على الحق، وإنْ هم إلا يخرصون. تجدهم كأُناس رقود، والمتمايلين على الجحود. خُدعوا عن الحقائق بالرسوم، وشُغلوا عن اليقين بالموهوم. إنهم مروا بنا معترضين قبل إيفاء الموضع حقَّه، ورأوا بَدْرَنا ثم أرادوا شقَّه. وإني جئتهم عند الضرورة الحقة، وفساد الأمة، فكانت أدلة صدقي موجودة في أنفسهم ما رأوها من الغباوة، ثم من الشقوة أنهم ما فكروا في رأس المائة البدرية، التي تختص بالمسيح الموعود عند أهل البصيرة، واتفقت عليها شهادات أهل الكشف والأحاديث الصحيحة، وإشارات النصوص القرآنية”. (المرجع السابق ص239-241)

وذكر أن الوباء الذي حل بالناس هو لتنبيه الظالمين فقال:

“ولما أصروا على الإنكار أقبلتُ على المنكرين، وقلت: عندي شهادات من الله، فهل أنتم من المتقبلين؟ فجحدوا بها واستيقنتْها أنفسهم. فيا أسفا على القوم الظالمين! هنالك تمنّيت لو كان وباء يُنبه المعتدين، وأُوحيَ إليّ أن الطاعون نازل وقد دعَتْه أعمال الفاسقين. فوالله ما مضى إلا قليل من الزمان حتى عاث الطاعون في هذه البلدان. فعزوه إلى سوء أعمالي، وقالوا: إنا تَطيَّرْنا بك، وضحكوا على أقوالي، وقالوا: إنا من المحفوظين. لا يمسنا هذا اللظى، ولا يموت أحدٌ من علمائنا بالطاعون، فإنا نحن الصالحون وأهل التقى. وأما أنت فستُطعَن وتموت فإنك كَيذُبانٌ. فقلت: كذبتم، بل لنا من الطاعون أمان، ولا تخوّفوني من هذه النيران، فإن النار غلامنا بل غلام الغلمان”. (المرجع السابق ص241-242)

كذلك فقد بين حضرته أن الطاعون لا يهلك إلا الأعداء فقال:

“فما لبثوا إلا قليلا حتى زاروا الـمنون، ومات بعض أجلّ علمائهم من الطاعون، وكنتُ أخبرت بهذا قبل موت ذلك المطعون، فإن شئت فانظر أبياتا من قصيدتي الإعجازية، التي كتبناها في هذه الصفحة على الحاشيةv، وما نظمت تلك القصيدة إلا لهذا الحزب الذي خذلهم الله بتلك الآية، وما خاطبت إلا إياهم إتماما للحجة، بل سميّتُ بعضهم في تلك القصيدة، لئلا يكون أمري غُمّةً على أهل البصيرة والنصفة. فوالله ما مضى شهر كامل على هذه الأنباء المشاعة، حتى أخذ الطاعون كبيرهم الذي أغرى عليّ أشرار البلدة. وكانوا آذوني مِن كل نهج وبالغوا في الإهانة، وأشاعوا أوراقا مملوّة من السب والفحشاء والبهتان والفِرْية، ومع ذلك طلب مني ألدُّهم قبل هذه الواقعة آيةً كنت وعدتها للفئة المنكرة، وأشاع ذلك في جريدة هندية يسمى بالفيسة، وما طلب مني تلك الآية إلا بالسخرية. فأراه الله ما طلب، وكان غافلا من الأقدار السماوية. كذلك يتجالد الله قوما يعادون أهل الحضرة، وإن في ذلك لعبرة لأهل السعادة. وما كان لبشر أن يفر من الله، فمن حارب أولياءه فقد ألقى نفسه إلى التهلكة. ومن تاب بعد ذلك فيتوب الله عليهم، فإنه كريم واسع الرحمة. وإن لم يكفّوا ألسنتهم ولم يمتنعوا ولم يزدجروا، ويعودوا ويسبّوا ويعتدوا، فيعود الله إليهم ببلية هي أكبر من السابقة. وإنه يُنـزل البلايا بالتوالي، ولا يبالي، فتوبوا إليه يا ذوي الفطنة. وما يفعل الله بعذابكم إن تركتم سبل الفحش والمعصية، والله غفور رحيم.” (المرجع السابق ص242-244)

ويستطرد سيدنا أحمد بشرح ما ظهر بعد ذلك من الآيات والمعجزات والتأييدات فيقول:

“ثم بعد هذا عَمَّ الطاعون طوائفَ هذه البلاد، ووقع الناس صرعى كالجراد، وافترسهم هذا المرض كالأسد الغضبان، أو كذئب عائث في قطيع الضان. وكم من دارٍ خربت وصال الفناء على أهلها، والأرض زُلزلت وصبّت الآفة على وعرها وسهلها. وما ترك هذا الداء مقاما بل جاب الأقطار، وتقصَّى الديار، ووطئ البدو والحضر، وأدرك كل من حضر، وما غادر أهلَ حُللٍ ولا أطمارٍ، ودخل كل دارٍ، إلا الذي عُصم من رب غفار. وكذلك حضر أفواج منهم مأدبة الطاعون، ورجعوا بمائدة من المنون، وجاؤوا كأضياف دار هذا الوباء، فقدّمت إليهم كأس الفناء”. (المرجع السابق ص244-245)

ثم يشرح حضرته أن الطاعون هو دابة الأرض فيقول: “فالحاصل أن الطاعون قد لازم هذه الديار ملازمة الغريم، أو الكلب لأصحاب الرقيم. وما أظنّ أن يُعدَم قبل سنين، وقد قيل: عمر هذه الآفة إلى سبعين. وإنها هي النار التي جاء ذكرها في قول خاتم النبيين، وفي القرآن المجيد من رب العالمين، وإنها خرجت من المشرق كما رُوي عن خير المرسلين، وستحيط بكل معمورة من الأرضين، وكذلك جاء في كتب الأولين، فانتظر حتى يأتيك اليقين. فلا تسأل عن أمرها فإنه عسير، وغضبُ الرب كبير، وفي كل طرف صراخ وزفير، وليس هو مرض بل سعير. وتلك هي دابّة الأرض التي تكلّم الناسَ فهم يجرحون، واشتد تكليمها فيُغتال الناس ويُقعَصون بما كانوا بآيات الله لا يؤمنون، كما قال الله :

وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَومِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا (الإسراء: 59)،

فكذلك تشاهدون. وذلك بأن الناس كانوا لا يتقون، وكانوا يشيعون الفسق في أرض الله ولا يخافون، ويزدادون إثما وفحشاء ولا ينتهون. وإذا قيل: اسمعوا ما أنـزل الله لكم فكانوا على أعقابهم ينكُصون. فأخذهم الله بعقابه هذا لعلهم يرجعون. وترى قلوب أكثر الناس تمايلت على الدنيا فهم عليها عاكفون، وتموجت جذبات نفوسهم وانفجرت منها عيون. وإذا قيل لهم: لا تعصوا أمر ربكم وأطيعوا مع الذين أطاعونِ، وقد أرداكم الطاعون، قالوا: ما أنت إلا دجال، ولم يحيطوا بأمري علما ولم يصبروا كالذين يتفكرون. وقد رأوا آياتِ السماء وآيات الأرض ثم لا يتقون، بل هم قوم يجترئون. وقد بلغ الزمان إلى منتهاه وتبين أكثر ما كانوا ينتظرون، ثم لا ينظرون”. (المرجع السابق ص245-246)

ثم يتساءل عما إذا كانت هذه الآيات التي يُظهرها الله تعالى هي من علامات الدجالين والكذابين فيقول: “أهذه عَلَمُ الدجاجلة؟ فأرُوني كمثلها إن كنتم تصدقون، أم كنتم أشقياء في كتاب الله فما جعل الله نصيبكم إلا الدجالين. ما لكم كيف تحكمون؟ بل ظهر وعد الله في وقته صدقًا وحقًّا، فبؤسًا للذين لا يقبَلون. قوم لُدٌّ يؤثرون الظلماتِ على النور وهم يعلمون، وكأين من آية رأوها بأعينهم ثم ينكرون. ألم يروا أن الأرض ملئت ظلما وزورا وأن العدا من كل حدب ينسِلون؟

وقال بعضهم: ما رأينا من آية. يا سبحان الله! ما هذه الأكاذيب وتركُ خوف الحسيب؟ وإن فصل القضايا يكون بالشواهد أو الألايا، فأراهم ربي شواهد من الأرض والسماوات، فعمُوا وصمُّوا وما خافوا يوم المكافاة.

ثم أُقسِم بالله الذي خلق الموت والحياة إني لصدوق وما افتريت على الله وما اتّبعتُ الشبهاتِ، وإني أنا المسيح الموعود والإمام المنتظر المعهود، وأُوحيَ إليّ من الله كالأنوار الساطعة، فأذكّر الناس أيامَ الله بالبصيرة. وبُشّرتُ أن وقت البرد قد مضى، وزمان الزهر والثمار أتى، وكاد أن تنجاب الثلوج وتخرج المروج، وحان أن يُنبَذ الذين انتبذوا الحق ظِهْريّا، وملأوا فيما دوّنوه أمرًا فَرِيّا، وكان مَرْجُوًّا منهم أن ينبّهوا هممهم، ويوجّهوا إلى التعاون كلَمهم، ويساعدوا بما يصل إليه إمكانهم، ويقوم به بيانهم. فخالفونا لا بِسِرِّ القلب بل بجهر اللسان، وحدّوا أَلْسُنَهم إلى حد كان في الإمكان، كأنهم سباع أو حيوات، وكأن ألسنهم رماح أو مرهَفات”. (المرجع السابق ص246-248)

ثم يؤكد حضرته أن الله تعالى لا يؤيد الدجالين فيقول: “وما كان جوابهم إلا أن يقولوا إنه دجال من الدجالين، وما تذكروا مَن درَج من المفترين. أَوُضِع لهم قبول في الأرض أو أرى الله لهم من الآي الموعودة للعالمين؟ ومن أراق كأس الكرى، ونصنصَ ركاب السرى، ونظر إلى زمن مضى، فلا يخفى عليه مآل المتقولين. أتعلمون رجلا ورَد حمى الحضرة كالسارقين، ودخَل حرمَ الله كاللصوص الخائنين، ثم كانت عاقبة أمره كالصادقين؟ أتحسبون الافتراء كأرضٍ دَمِثٍ دمَّثها كثير من الخُطا، واهتدت إليها أبابيل من القطا؟ كلا.. بل هو سمٌّ زُعافٌ مَن أكَله فقُعص من غير مكثٍ وفنَى. وكيف يستوي رجل خاف مقام ربه فعُلّم من لدنه وأُعطيَ آيات كبرى، ونورا وصلاحا ونُهى، وأُرسلَ إلى خلق الله ليهديهم إلى سبل الهدى.. ورجل آخر يمشي كلصوص في الليل ومال عن الحق كل الميل، وسرَّى إيجاسَ خوفِ الله واستشعارَه، وتسربَلَ لباسَ الافتراء وشعارَه، وقصّر همَّه على الدنيا التي يجتنيها ولا يقصد الآخرة ولا يجتليها؟ كلا.. لا يستويان، وللصادقين قد كتب الفرقان.. وعدٌ من الله الرحمن في كتابه القرآن. فلا حاجة لأعدائي إلى أن يُشرِعوا رماحهم، أو يتقلدوا سلاحهم، أو يكفّروا أو يفسّقوا، فإن هذه كلها من قبيل الفحشاء، وإن الموت منقضٌّ على كل رأس من السماء، فلم لا يختارون سبيل الأتقياء؟ وما في أيديهم إلا الظن، وقد أهلكَ اليهودَ ظنونُهم من قبل هؤلاء، فكفروا بعيسى ابن مريم وخاتم الأنبياء”. (المرجع السابق 248-250)

ثم يشرح أن للصادق والكاذب علامات فيقول: “أتنكرونني بمثل هذه الروايات؟ كلا.. بل تعرفون الصادق والكاذب بالعلامات، وكل شجر يُعرَف بالثمرات. أرأيت سارقا وافى بابَ الإمارة، وسرَق مالا بأعين النظّارة، ثم ما أُخذ بعد هذه الغارة؟ فكيف لا يؤخذ من يغيّر دين الله ويقوّض مبانيه، ويحرف بحسب هواه معانيه، ليبرَأ المسلمون من الحقّ، ويلحقوا بمن يناويه ويَطمِر كالبَقّ؟ أتظنّ هذا الأمر من الممكنات؟ كلا.. بل هو من المحالات. ولو كان الله لا يغضب على المفتـرين لضاع الدين، ولم يبق دليل على صدق الصادقين، وارتفع الأمان واشتبه أمر الدين. ولله غيرةٌ كالبحار الزاخرة، والجبال الشامخة، أمواجها ملتطمة، وأفواجها مزدحمة، فيسلّ سيفه على المتقولين، لئلا يتكدر بهم عينُ المرسلين في أعين الجاهلين.

وكل ذلك كتبتُ في الكتب، فردّ العدا ردّ الغضب، فأغلقتُ دونهم الأبواب، وما كلّمتُ أحدا إلا الذي أناب. وكانت أنفاسي متصاعدة لهجوم الحزن، وعبراتي متحدرة تحدُّر القطرات من المزن”. (المرجع السابق ص250-251)

ويبيّن أنه تلقى وعدا من الله تعالى بأن يحفظه من الطاعون فيقول: “ثم تَسعَّرَ الطاعون ولا كأوائل الزمان، وكان يأكل قرى وأمصارا كالنيران. هنالك أُوحي إليّ مرة أخرى، وقيل: إن الأمان للذي سكن دارك ولازَمَ التقوى. وأما ألفاظ الوحي فهو قوله تعالى: “إني أحافظ كلَّ مَن في الدار إلا الذين عَلَوا من استكبار”، وقال: “إني مع الرسول أقوم، وألوم مَن يلوم، أُفطِر وأصوم”، وقال: “لولا الإكرام لهلَك المقام”. وكان هذا في أيام إذ الصخور من الطاعون تتواقع، وبلاياها إلى الخلق تتتابع. وبشّرني ربي بأن هذه العصمة آية لك من الآيات، ليجعل فرقانا بينك وبين أهل المعاداة”. (المرجع السابق ص251)

وبين أن الحكومة هي التي أصدرت أمر التطعيم فقال: “ثم بعد ذلك الوحي الذي نـزل من الله الكريم، صدر من الحكومة حكمُ التطعيم لهذا الإقليم. فما كان لي أن أعرض عن حكم الرحمن، بل كنت أنتظر آية عند هذا التُّكلان، ليزداد جماعتي إيمانا وليكمل العرفان. وطعَنني على ذلك كلُّ من كان يعبد صنم الأسباب، وقالوا: إن في التطعيم خيرا فكيف تـترك طريق الخير والصواب؟ فأشعت في كتابي “السفينة” أن الطعن لا يَرِدُ عليّ إلا بعد المقابلة، وأما قبلها فليس هو من شأن أهل العقل والفطنة. فلو ثبت في آخر الأمر أن العافية كلها في التطعيم، فلست من الله العزيز الحكيم. وكان هذا الإعلان أمرا حفظه الصبيان، وعرفه النسوان، وذُكر في الأندية، وورد مجالس الأعزة، وارتفع به الأصوات في الشوارع والأزقّة، حتى وصل الخبر إلى الحكومة. فتعجّبَ كل من سمع مِن توكلنا في هذه النيران المشتعلة. فبعضهم ألحقوني بالمجانين، وبعضهم حسبوني كَخَرِفٍ فارغ من العقل والدين. فسمعنا قول المعترضين، وتوكلنا على الله المعين، وقلت: لا تعيّروني قبل الامتحان، وانتظِروا إلى آخر الأوان.

وسعى الحكومةُ كل السعي لترفع من الخلق هذه العقوبة، وليلفّف المجانيق المنصوبة، ويقوّض الخيام المضروبة. وما كان هذا إلا نار من السماء، فكلما أرادوا إطفاءها زادت نيران الوباء، وأحاطت بالأقطار والأنحاء. وأنعم الله علينا بالعصمة من هذه النار، وعصم كل مؤمن تقيّ كان في الدار. وما اختتم الأمر إلى ذلك، بل ظهرت مضرة التطعيم بالمقابلة، وزجَّينا الأيام بالخير والعافية.” (المرجع السابق ص251-253)

*  منقول من صفحة 58 و 63 من كتابي “الإعجاز الأحمدي”:

إذا ما غضبنا غاضبَ الله صائلا

على معتد يؤذي وبالسوء يجـهَرُ

.

ويأتي زمـان كاسـرٌ كلَّ ظالم

وهل يُـهلكنَّ اليومَ إلا المدمّـرُ

.

وإني لشرُّ الناس إن لم يكن لهم

جـزاء إهانـتهم صغارٌ يصـغّرُ

.

قضى الله أن الطعن بالطعن بيننا

فـذلك طاعـون أتاهم ليُبصروا

Share via
تابعونا على الفايس بوك