السيرة المطهرة (27)
تحت سلسلة السيرة المطهرة يتناول الكاتب سيرة حضرة ميرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود مبرزا الوقائع والأحداث الهامة من حياة حضرته المطهرة.
بعد ذلك قدم سيدنا أحمد وصفا لمهمته ودعوته التي أعلنها للناس فقال:
وأوضح حضرته أن الله لا يؤيد الكاذبين فقال:
وذكر أن الوباء الذي حل بالناس هو لتنبيه الظالمين فقال:
كذلك فقد بين حضرته أن الطاعون لا يهلك إلا الأعداء فقال:
ويستطرد سيدنا أحمد بشرح ما ظهر بعد ذلك من الآيات والمعجزات والتأييدات فيقول:
ثم يشرح حضرته أن الطاعون هو دابة الأرض فيقول: “فالحاصل أن الطاعون قد لازم هذه الديار ملازمة الغريم، أو الكلب لأصحاب الرقيم. وما أظنّ أن يُعدَم قبل سنين، وقد قيل: عمر هذه الآفة إلى سبعين. وإنها هي النار التي جاء ذكرها في قول خاتم النبيين، وفي القرآن المجيد من رب العالمين، وإنها خرجت من المشرق كما رُوي عن خير المرسلين، وستحيط بكل معمورة من الأرضين، وكذلك جاء في كتب الأولين، فانتظر حتى يأتيك اليقين. فلا تسأل عن أمرها فإنه عسير، وغضبُ الرب كبير، وفي كل طرف صراخ وزفير، وليس هو مرض بل سعير. وتلك هي دابّة الأرض التي تكلّم الناسَ فهم يجرحون، واشتد تكليمها فيُغتال الناس ويُقعَصون بما كانوا بآيات الله لا يؤمنون، كما قال الله :
فكذلك تشاهدون. وذلك بأن الناس كانوا لا يتقون، وكانوا يشيعون الفسق في أرض الله ولا يخافون، ويزدادون إثما وفحشاء ولا ينتهون. وإذا قيل: اسمعوا ما أنـزل الله لكم فكانوا على أعقابهم ينكُصون. فأخذهم الله بعقابه هذا لعلهم يرجعون. وترى قلوب أكثر الناس تمايلت على الدنيا فهم عليها عاكفون، وتموجت جذبات نفوسهم وانفجرت منها عيون. وإذا قيل لهم: لا تعصوا أمر ربكم وأطيعوا مع الذين أطاعونِ، وقد أرداكم الطاعون، قالوا: ما أنت إلا دجال، ولم يحيطوا بأمري علما ولم يصبروا كالذين يتفكرون. وقد رأوا آياتِ السماء وآيات الأرض ثم لا يتقون، بل هم قوم يجترئون. وقد بلغ الزمان إلى منتهاه وتبين أكثر ما كانوا ينتظرون، ثم لا ينظرون”. (المرجع السابق ص245-246)
ثم يتساءل عما إذا كانت هذه الآيات التي يُظهرها الله تعالى هي من علامات الدجالين والكذابين فيقول: “أهذه عَلَمُ الدجاجلة؟ فأرُوني كمثلها إن كنتم تصدقون، أم كنتم أشقياء في كتاب الله فما جعل الله نصيبكم إلا الدجالين. ما لكم كيف تحكمون؟ بل ظهر وعد الله في وقته صدقًا وحقًّا، فبؤسًا للذين لا يقبَلون. قوم لُدٌّ يؤثرون الظلماتِ على النور وهم يعلمون، وكأين من آية رأوها بأعينهم ثم ينكرون. ألم يروا أن الأرض ملئت ظلما وزورا وأن العدا من كل حدب ينسِلون؟
وقال بعضهم: ما رأينا من آية. يا سبحان الله! ما هذه الأكاذيب وتركُ خوف الحسيب؟ وإن فصل القضايا يكون بالشواهد أو الألايا، فأراهم ربي شواهد من الأرض والسماوات، فعمُوا وصمُّوا وما خافوا يوم المكافاة.
ثم أُقسِم بالله الذي خلق الموت والحياة إني لصدوق وما افتريت على الله وما اتّبعتُ الشبهاتِ، وإني أنا المسيح الموعود والإمام المنتظر المعهود، وأُوحيَ إليّ من الله كالأنوار الساطعة، فأذكّر الناس أيامَ الله بالبصيرة. وبُشّرتُ أن وقت البرد قد مضى، وزمان الزهر والثمار أتى، وكاد أن تنجاب الثلوج وتخرج المروج، وحان أن يُنبَذ الذين انتبذوا الحق ظِهْريّا، وملأوا فيما دوّنوه أمرًا فَرِيّا، وكان مَرْجُوًّا منهم أن ينبّهوا هممهم، ويوجّهوا إلى التعاون كلَمهم، ويساعدوا بما يصل إليه إمكانهم، ويقوم به بيانهم. فخالفونا لا بِسِرِّ القلب بل بجهر اللسان، وحدّوا أَلْسُنَهم إلى حد كان في الإمكان، كأنهم سباع أو حيوات، وكأن ألسنهم رماح أو مرهَفات”. (المرجع السابق ص246-248)
ثم يؤكد حضرته أن الله تعالى لا يؤيد الدجالين فيقول: “وما كان جوابهم إلا أن يقولوا إنه دجال من الدجالين، وما تذكروا مَن درَج من المفترين. أَوُضِع لهم قبول في الأرض أو أرى الله لهم من الآي الموعودة للعالمين؟ ومن أراق كأس الكرى، ونصنصَ ركاب السرى، ونظر إلى زمن مضى، فلا يخفى عليه مآل المتقولين. أتعلمون رجلا ورَد حمى الحضرة كالسارقين، ودخَل حرمَ الله كاللصوص الخائنين، ثم كانت عاقبة أمره كالصادقين؟ أتحسبون الافتراء كأرضٍ دَمِثٍ دمَّثها كثير من الخُطا، واهتدت إليها أبابيل من القطا؟ كلا.. بل هو سمٌّ زُعافٌ مَن أكَله فقُعص من غير مكثٍ وفنَى. وكيف يستوي رجل خاف مقام ربه فعُلّم من لدنه وأُعطيَ آيات كبرى، ونورا وصلاحا ونُهى، وأُرسلَ إلى خلق الله ليهديهم إلى سبل الهدى.. ورجل آخر يمشي كلصوص في الليل ومال عن الحق كل الميل، وسرَّى إيجاسَ خوفِ الله واستشعارَه، وتسربَلَ لباسَ الافتراء وشعارَه، وقصّر همَّه على الدنيا التي يجتنيها ولا يقصد الآخرة ولا يجتليها؟ كلا.. لا يستويان، وللصادقين قد كتب الفرقان.. وعدٌ من الله الرحمن في كتابه القرآن. فلا حاجة لأعدائي إلى أن يُشرِعوا رماحهم، أو يتقلدوا سلاحهم، أو يكفّروا أو يفسّقوا، فإن هذه كلها من قبيل الفحشاء، وإن الموت منقضٌّ على كل رأس من السماء، فلم لا يختارون سبيل الأتقياء؟ وما في أيديهم إلا الظن، وقد أهلكَ اليهودَ ظنونُهم من قبل هؤلاء، فكفروا بعيسى ابن مريم وخاتم الأنبياء”. (المرجع السابق 248-250)
ثم يشرح أن للصادق والكاذب علامات فيقول: “أتنكرونني بمثل هذه الروايات؟ كلا.. بل تعرفون الصادق والكاذب بالعلامات، وكل شجر يُعرَف بالثمرات. أرأيت سارقا وافى بابَ الإمارة، وسرَق مالا بأعين النظّارة، ثم ما أُخذ بعد هذه الغارة؟ فكيف لا يؤخذ من يغيّر دين الله ويقوّض مبانيه، ويحرف بحسب هواه معانيه، ليبرَأ المسلمون من الحقّ، ويلحقوا بمن يناويه ويَطمِر كالبَقّ؟ أتظنّ هذا الأمر من الممكنات؟ كلا.. بل هو من المحالات. ولو كان الله لا يغضب على المفتـرين لضاع الدين، ولم يبق دليل على صدق الصادقين، وارتفع الأمان واشتبه أمر الدين. ولله غيرةٌ كالبحار الزاخرة، والجبال الشامخة، أمواجها ملتطمة، وأفواجها مزدحمة، فيسلّ سيفه على المتقولين، لئلا يتكدر بهم عينُ المرسلين في أعين الجاهلين.
وكل ذلك كتبتُ في الكتب، فردّ العدا ردّ الغضب، فأغلقتُ دونهم الأبواب، وما كلّمتُ أحدا إلا الذي أناب. وكانت أنفاسي متصاعدة لهجوم الحزن، وعبراتي متحدرة تحدُّر القطرات من المزن”. (المرجع السابق ص250-251)
ويبيّن أنه تلقى وعدا من الله تعالى بأن يحفظه من الطاعون فيقول: “ثم تَسعَّرَ الطاعون ولا كأوائل الزمان، وكان يأكل قرى وأمصارا كالنيران. هنالك أُوحي إليّ مرة أخرى، وقيل: إن الأمان للذي سكن دارك ولازَمَ التقوى. وأما ألفاظ الوحي فهو قوله تعالى: “إني أحافظ كلَّ مَن في الدار إلا الذين عَلَوا من استكبار”، وقال: “إني مع الرسول أقوم، وألوم مَن يلوم، أُفطِر وأصوم”، وقال: “لولا الإكرام لهلَك المقام”. وكان هذا في أيام إذ الصخور من الطاعون تتواقع، وبلاياها إلى الخلق تتتابع. وبشّرني ربي بأن هذه العصمة آية لك من الآيات، ليجعل فرقانا بينك وبين أهل المعاداة”. (المرجع السابق ص251)
وبين أن الحكومة هي التي أصدرت أمر التطعيم فقال: “ثم بعد ذلك الوحي الذي نـزل من الله الكريم، صدر من الحكومة حكمُ التطعيم لهذا الإقليم. فما كان لي أن أعرض عن حكم الرحمن، بل كنت أنتظر آية عند هذا التُّكلان، ليزداد جماعتي إيمانا وليكمل العرفان. وطعَنني على ذلك كلُّ من كان يعبد صنم الأسباب، وقالوا: إن في التطعيم خيرا فكيف تـترك طريق الخير والصواب؟ فأشعت في كتابي “السفينة” أن الطعن لا يَرِدُ عليّ إلا بعد المقابلة، وأما قبلها فليس هو من شأن أهل العقل والفطنة. فلو ثبت في آخر الأمر أن العافية كلها في التطعيم، فلست من الله العزيز الحكيم. وكان هذا الإعلان أمرا حفظه الصبيان، وعرفه النسوان، وذُكر في الأندية، وورد مجالس الأعزة، وارتفع به الأصوات في الشوارع والأزقّة، حتى وصل الخبر إلى الحكومة. فتعجّبَ كل من سمع مِن توكلنا في هذه النيران المشتعلة. فبعضهم ألحقوني بالمجانين، وبعضهم حسبوني كَخَرِفٍ فارغ من العقل والدين. فسمعنا قول المعترضين، وتوكلنا على الله المعين، وقلت: لا تعيّروني قبل الامتحان، وانتظِروا إلى آخر الأوان.
وسعى الحكومةُ كل السعي لترفع من الخلق هذه العقوبة، وليلفّف المجانيق المنصوبة، ويقوّض الخيام المضروبة. وما كان هذا إلا نار من السماء، فكلما أرادوا إطفاءها زادت نيران الوباء، وأحاطت بالأقطار والأنحاء. وأنعم الله علينا بالعصمة من هذه النار، وعصم كل مؤمن تقيّ كان في الدار. وما اختتم الأمر إلى ذلك، بل ظهرت مضرة التطعيم بالمقابلة، وزجَّينا الأيام بالخير والعافية.” (المرجع السابق ص251-253)
* منقول من صفحة 58 و 63 من كتابي “الإعجاز الأحمدي”:
إذا ما غضبنا غاضبَ الله صائلا
على معتد يؤذي وبالسوء يجـهَرُ
.
ويأتي زمـان كاسـرٌ كلَّ ظالم
وهل يُـهلكنَّ اليومَ إلا المدمّـرُ
.
وإني لشرُّ الناس إن لم يكن لهم
جـزاء إهانـتهم صغارٌ يصـغّرُ
.
قضى الله أن الطعن بالطعن بيننا
فـذلك طاعـون أتاهم ليُبصروا