آخر ما وصى به رمضان

آخر ما وصى به رمضان

التحرير

ها قد رحل رمضان في هذا العام وهو يحمل جملة من الجراح والآلام بما كسبته أيدي الأنام ومن ينتسبون إلى الإسلام، مضى بعدما وجد الأمة في حال يرثى لها فهل سمعتم آخر كلمات قالها، فهل من مستمع؟ هل من مستمع لهذا الزائر الكريم وهو يصرخ ملء السماء ويقول: لا … ما لهذا حللت … وما لهذا جُعلت… وما هؤلاء بقومي… ولا هذه بأمتي.

هل منكم من رآه وهو يبكي بكاءً مريرًا تهتز له السماوات والأرض، يبكي غربته بين قومه وأهله الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه… هل سمعتموه في حرقة يقول: “أضعتموني يا تعساء واستبدلتموني بشرٍّ مني وأنا الخير كله.. أُنزل فيَّ القرآن فاتخذتم القرآن مهجورًا، فكيف ألقاكم والقرآن ليس بين ظهرانيكم؟! وجعلني الله هدىً لكم فضللتم وأردتموني موسمًا للضلال!!، وجعلني الله بينات من الهدى والفرقان وجعلتموني ظلمات بعضها فوق بعض، جعلني للصيام وجعلتموني للامتناع عن الشراب والطعام وغرقتم في كل ما أُحلَّ لكم وحُرّم ، جاعت البطون وشبعت الآذان والعيون، وجعلني للقيام فجعلتموني للمنام، وجعلني للجهاد فجعلتموني للإخلاد إلى الأرض ورضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الدنيا في الآخرة إلا قليل. فبئس الدار ما اخترتم وبئس القرار ما قررتم، يا لَسوء عاقبتكم ويا لشقائكم، لا لم تعرفوني، لا وألف لا…. لستم أنتم بأهلي، سقى الله أيام الحبيب المصطفى فعندما كنت أحل كان قلبه الذي اتسع لله يحتضنني. فيا لضيعتي بعدك يا رسول الله وبعد أصحابك وقرون الخير بعدك، ويا لغربتي بين خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، اتبعوا خطوات الشيطان فضلوا فهم ومن ظنوا نبي الله عيسى إلهًا في ميلاده المزعوم وبرأس السنة وقدومه يحتفلون، فلا تعرف المسلم من غير المسلم ومن برمضان أو بالميلاد أو برأس السنة قد احتفل فتَجْزِم، بعضهم أولياء بعض، أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه. فتعسًا لهم، والله ولي الذين آمنوا وهم لا مولى لهم، ذلك بأنهم اتخذوا الهوى إلهًا والشيطان جاهًا، وغفلوا أن هذا الميعاد ربما جاء ليذكّر العباد ليعودوا لربهم، ويدركوا ما عليه غيرهم من الضلال، ويحمدوا الحميد على ما منحهم من الأفضال، فيا ويح قوم عن فضائل الله وعني غفلوا، وأتاهم النور المبين فعموا وصموا، وفرحوا بما آتاهم الله وبما لديهم من الجهالة وظنوا أنهم قد علموا، وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، وجعلوا أصابعهم في آذانهم فلا يستطيعون سمعًا، أتتهم الآيات الواضحات، فاتبعوا الآراء والشبهات، وانغمسوا في الشهوات، وهزموا ولا يهزم من اتبع الصراط، وفرقوا دينهم وكانوا شيعًا يكفّرون بعضهم بعضًا، ويلعنون بعضهم بعضًا، ألا في الفتنة سُقطوا، ولم يعتصموا بحب الله وسقطوا، واتخذوا بيت العنكبوت ودونهم العروة الوثقى، وذلوا والمؤمنون هم الأعلون، وذاقوا عذاب الهون بما كانوا يكسبون فما لهم أفلا يتذكرون؟! فما لهم عن التذكرة معرضين؟ كأن لهم آذانًا من طين، وقلوبًا للخوف والحرص والجهل والجنون، بل هم عن السمع لمعزولون. فوالله إني أخاف عليهم عذاب يوم عظيم، الله وحده به عليم، عجبي لحلم الله عليهم ولظلمتهم وكفرهم بأنعمه، أليس منهم رجل رشيد يعرف الحق ولا يحيد، ويقول: “يا قوم اتبعوا داعي الحق إذ جاءكم وعزروه وآزروه وانصروه لعلكم ترحمون، كنتم خير أمة أخرجت للناس فما بالكم تتراجعون، تمر السنون وأنتم في غيّكم سادرون، فاتقوا الله لعلكم تفلحون، قد جاءكم رسول من أنفسكم ولكنكم للحق كارهون، يأمركم بالصلاة والزكاة وينصح لكم، ويهديكم بإذن الله ويصلح بالكم، ويؤمن بما أنزل على محمد وهو الحق من ربكم، فآمنوا بالله وبرسوله وبالنور الذي أنزل على رسوله لعلكم تفلحون”. لكنهم لا يسمعون ولا يعقلون وإن تأتيهم كل آية كانوا عنها معرضين، ويأمرون بالمنكر ويتبعون الدجال بكل رضى وراحة بال، وينسون سوء العاقبة والمآل، ويأكلون التراث أكلاً لـمًّا، ويحبون المال حبًا جمًا، ويجمعون ويوعون، ويمنعون الماعون، ويقولون ما لا يفعلون، وبما آتَوْا يفرحون، وبما لم يفعلوا يحبون أن يحمدوا، وبالباطل يشهدون، وبالحق يجحدون، وبنعمة الله هم يكفرون، فأين أنا منهم، وأين هم مني، وهل هؤلاء قومي؟

فإنّ السعادة في الله هو رب العالمين، بيده مقاليد السماوات والأرض ويعلم ما تبدون وما كنتم تعملون، هو الذي يعلم ما يسعدكم وما يضركم وما ينفعكم، فلا تكونوا من الخائبين، اسألوه من فضله فهو خير الرازقين

وأشدُّ ما لاقيت منهم أنهم يقترفون الفواحش باسمي، فترى محطات تلفازهم تزخر ببرامج أصلها في قاع الجحيم وطلعها كأنه رؤوس الشياطين، ويقولون هذا ما أعددنا لرمضان، من فحشٍ وطبلٍ وزمرٍ ورقص القيان، أراد الله أن تصفَّد فيَّ الشياطين فأطلقوها، وتركوها تسرح على شاشات التلفاز وتمرح، وبالفحش والإثم والمنكر تصدح، ثم ذهبوا ليسهروا الليالي يشربون ويأكلون ويدخنون، لا تعرف السيد منهم من حرمه المصون، كلهم في زيهم يتشابهون، وتسمع ضحكاتهم وتعجب من أي شيء يضحكون، ألا إنهم كالأنعام يأكلون ويتمتعون، بل هم أضلُّ سبيلاً لو كانوا يعلمون، فارتقبوا إني معكم من المرتقبين، فإن عذاب الله لآتٍ إن لم تكونوا من التائبين، يومئذٍ لا تنصرون، ولا يؤذن لكم فتعتذرون، فتوبوا إلى الله جميعًا إني لكم منه نذيرٌ مبين، واستغفروه لعلكم ترحمون، فأنا موسم المغفرة فتعالوا إلي تائبين، علّي أعود إلى ربي ببعض منكم فينقلبوا إلى أهلهم رابحين، واذكروا الله فيّ فأنا من المسرعين، وهيئوا صدوركم لاستقبال الملائكة واطردوا الشياطين، فإنّ السعادة في الله هو رب العالمين، بيده مقاليد السماوات والأرض ويعلم ما تبدون وما كنتم تعملون، هو الذي يعلم ما يسعدكم وما يضركم وما ينفعكم، فلا تكونوا من الخائبين، اسألوه من فضله فهو خير الرازقين، شرع لكم من الدين ما وصى به آدم ونوحًا ومن خلفهم من النبيين، وأنزل لكم كتابًا فيه ذكركم وفيه خيركم لعلكم تتفكرون، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه والله سميعٌ عليم،  وأنا شهر القرآن فتزودوا مني فإني أُنزلت من رب رحيم، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم وضلوا عن سواء السبيل. وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، ولا تنخدعوا بجنة الدجال فما هي إلا الجحيم، وما تظنونه نارًا بالبعد عنه إن هو إلا روْحٌ وريحان وجنة نعيم، واستقيموا فستسقون ماءً غدقًا، ومن أعرض عن ذكر الله فإن له معيشة ضنكى، وهو في الدنيا والآخرة أعمى، عسى أن أعود لأرى الأرض تُنقَص من أطرافها، وتشرق الأرض بنور ربها فانضموا لزمرة التائبين العابدين، هداكم الله أجمعين”.

هذا بعض مما ودعكم به رمضان، ولا يستمعه إلا الذي كانت له آذان، عسى أن تكونوا قد استمعتم له، ورُحمتم به، وجعل الله عيدكم مباركًا، وهداكم وإيانا إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك