في شارع الصحافة

في شارع الصحافة

إن السعي لتقديم الخدمات الصحفية للقاريء العربي هو الهم الشاغل لمجلتكم “التقوى”. وهذا هو الدافع الذي يدفع أسرة التحرير اليوم لإضافة باب جديد تحت عنوان “في شارع الصحافة”. في شارع الصحافة سيلتقي القارىء الكريم مع الأحداث الساخنة التي تتناولها الصحافة العربية من زوايا مختلفة، وبذلك يكون على تواصل فكري مستمر مع جميع تلك القضايا وتكون هي مثار الجدل والنقاش. إن “التقوى” هي الامتداد الفكري لكل مسلم يعيش بيننا على اتساع الخارطة، ومن هنا تأتي أهمية هذا الباب الجديد، ونحن دائما بانتظار آرائكم وانتقاداتكم لكل جديد نحمله كي نتمكن من تطوير خدماتنا الإعلامية.

نشرت جريدة الحياة في عددها الصادر بتاريخ ٣ ديسمبر ١٩٩٧ (عدد ١٢٦٩٦طبعة الخليج) ما يلي: اللاجئون الألبان في إيطاليا يرفضون العودة إلى بلادهم “الموت في إيطاليا أفضل من الحياة في ألبانيا”

روما : من موسى الخميس

اقدم مئات من اللاجئين الألبان في المخيمات الإيطالية على إضراب عن الطعام احتجاجًا على قرار الحكومة ترحيل أكثر من خمسة آلاف لاجئ ألباني دخلوا إلى البلاد بطرق غير قانونية منذ آذار ( مارس ) الماضي.

وأجبر الآباء أولادهم على الامتناع عن تناول وجبات الطعام التي تقدم لهم، مطالبين بالبقاء. كما أشهر بعض من اللاجئين قنابل مولوتوف حارقة مهددين بإحراق أنفسهم داخل المخيمات في حال إجبارهم على العودة إلى بلادهم، وعصبوا رؤوسهم بيافطات بيضاء كتب عليها “الموت في إيطاليا أفضل من الحياة في ألبانيا”.

وادعى عدد من اللاجئين أنهم يعملون في السلك العسكري واجهزة الأمن والشرطة، وأن عودتهم إلى البلاد من جديد ليست مستحبة لأن بعضهم سيواجه عقوبة الإعدام.

وأضر رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي مساء أول من أمس، على موقف حكومته الرامي إلى ترحيل الألبان الخمسة آلاف هؤلاء، مؤكدا أن قرار الإعادة يتضمن إيضاح كل التفاصيل وكذلك الحقوق المترتبة على الدولة الإيطالية. وقررت روما منح كل عائد مبلغ ثلاثة آلاف لير إيطالي (نحو ٢٠٠ دولار) لمساعدتهم على ترتيب أوضاعهم في ألبانيا.

ونشرت جريدة الأهرام بتاريخ ٢٤ نوفمبر ١٩٩٧ مايلي:

أوراق مهاجر 

اختار المهاجر، ورجل الأعمال المصري محمود عمارة أن يسمي كتابه “أمريكا للبيع” وقد هاجر الرجل في البداية إلى فرنسا، ثم هاجر بعدها إلى أمريكا، ثم عاد بعد أن دار الزمن دورته إلى مصر ليستثمر فيها.

وهكذا غادر مصر مهاجرا مفلسا ليس في جيبه شيء، وعاد إليها رجل أعمال يحلم بالعمل والرخاء. وهم يقولون: من الممكن أن تنتزع مواطنا من وطنه، ولكن من المستحيل أن تنتزع الوطن منه. وينطبق هذا الكلام على المصريين أكثر مما ينطبق على غيرهم. إنهم يبتعدون عن أوطانهم في المكان ولكنهم يظلون على اتصال به في الزمان، فيعيشون مشكلات وطنهم ويحملون همومه وتراودهم أحلام تقدمه كما لو كانوا مواطنين مازالوا يعيشون على أرضه.

وينتقي محمود عمارة كلمات لشاعر يوناني -أغلب الظن أنه كازانتزاكيس- يقول فيها “يوم فكرت في الرحيل إلى بلاد أخرى … إلى بحار أخرى … إلى مدينة أجمل من مدينتي، ومن كل جمال عرفته في الماضي، عندما فعلت ذلك أخطأت، فلا أرض جديدة هنالك يا صديقي ولا بحر جديد.

إن المدينة ستتبعك، وفي الشوارع نفسها سوف تهيم إلى الأبد، ويضيع شبابك، وفي البيت نفسه سوف تشيخ وتموت. ألا ترى أنك يوم دمرت حياتك في الوطن الاول فقد دمرت في الوقت نفسه قيمة حياتك في كل مكان آخر على الأرض”.

هذه الأبيات للشاعر اليوناني تنصح المهاجر ألا يهاجر، وعلى الرغم من ذلك ينتقيها مهاجر غامر بالهجرة فعلا ولم يستمع لنصيحة الشاعر، ولعل هذا يشير إلى الصراع الداخلي الذي نشأ في ذهن المهاجر وهو يأخذ هذا القرار المصيري ويخلع نفسه من الوطن، ويمضي بعيدا عنه، وإن كان في النهاية سيدور دورته ويعود إليه.

يكشف الكتاب كيف تصير عين المهاجر ناقدة وانتقائية في الوقت نفسه، كل حاضر يذكرك بغائب، وكل رفاهية في الغربة تذكرك بكل فقر في الوطن. تغار من الشوارع النظيفة والفترينات المرفهة والقطط والكلاب والأطفال السعداء، تغار من الروح الديمقراطية، ومناخ الحرية الذي يحيط بك في كل مكان. في الغربة تتحول كل حرية إلى غصة، كأنه لا مذاق لطعم الحرية خارج دائرة الوطن، لماذا يغامر الناس بالهجرة؟!

سئل جحا: ما الذي رماك على المر؟

قال: ما هو أشد مرارة منه.

أحمد بهجت

Share via
تابعونا على الفايس بوك