إني معك يا مسرور

إني معك يا مسرور

التحرير

لا شك أن أول ما يتبادر إلى ذهن كل متدبر أن أهم ما أراده الله تعالى بعد خلق السماوات والأرض هو أن يجعل خليفة في الأرض يبث من خلاله روح التوحيد ويُرِيَ الناس مناسكهم ويصلح بالهم ويلم شملهم، وبالتالي يكون عليهم شهيدا يعكس عليهم التجليات الإلهية من ناحية ومن ناحية أخرى يشهد أمام الحضرة الإلهية على استيعابهم لأوامره . ومن هذا المنطلق نفهم أن الخلافة هي البوابة الوحيدة حيث يتلاقى الله تعالى مع البشر، وعن طريقها تنـزل الأوامر الإلهية والتعاليم السماوية والعلوم الدينية لأهل الأرض. وقد اقتضت رحمة الله عز وجل أن لا تدع مكانا أو زمانا يخلو من خليفة تلبي بعثته متطلبات الزمان والمكان إلى أن جاء الوقت الذي أراد الله تعالى أن يرسخ فيه الخلافة الكاملة ببعثة خليفته الكامل، خاتم النبيين وسيد الخلق أجمعين سيدنا ومولانا محمد .

فالخلافة الربانية في صورة النبي تكون بطريق مباشر حيث يختار الله تعالى فيها الخليفة دون أن يشترك في ذلك أحد من الناس، وبما أنه يختار الخليفة مباشرة لذا فإنه يُنسَب إليه سبحانه، فيُقال عن النبي إنه خليفة الله. وبالتالي فإن كل نبي ورسول هو في واقع الأمر خليفة لسلطة الله.

ولا يخفى على أي متدبر أن هنالك قسمًا ثانيا من الخلافة الربانية وهي تلك التي يختار الله تعالى فيها الخليفة بطريق غير مباشر. ويُطلق على هذه الخلافة في الإسلام اسم “الخلافة الراشدة”، وهي الخلافة التي تلي بعثة النبي فيُقال عن هذا الخليفة أنه خليفة النبي.

وقد وصف سيدنا محمد هذه الخلافة بأنها خلافة على منهاج النبوة. وقد برزت هذه الخلافة بعد التحاقه بالرفيق الأعلى. فهي قيادة لجماعة المسلمين التي تأسست على الإيمان بما جاء به . وكان هذا ثمرة إخلاص المؤمنين الذين التفوا حول إمامهم وأطاعوه فكافأهم الله بمزيد من الأمن والأمان والتمكين.

وقد بدأت الفتنة تتسلل في عهد الخليفة الثالث حضرة عثمان بن عفان حتى انتهت بمأساة استشهاده. ثم انتُخب حضرة علي بن أبي طالب خليفة رابعًا وكانت بذور الاختلاف حول مقام الخلافة إلى ذلك الحين قد وجدت تُربة خصبة فنمت سريعًا. فواجه حضرته عصيانا وتمردا مِمَن كانوا يخالفونه الرأي. إلى جانب ذلك فإن الطمع في السلطان والانصراف عن الوجهة الحقيقية التي وُجدت الخلافة من أجلها صار سببًا في ضياعها من المسلمين، وأصبح مسمى الخليفة رديفا لمسمّى “الملك” عند الأمم الأخرى من غير المسلمين، وأصبح مفرغا من مضمونه الديني الذي قام على أساسه.

وقد أكرم الله تعالى الأمة الإسلامية في زمننا هذا ببعثة الإمام المهدي والمسيح الموعود كمُمثل للسلطة الروحية لسيدنا محمد المصطفى ليجمع الأمة على الإيمان مرة أخرى. فلم يكن قائدا سياسيا أو زعيم فرقة إسلامية، بل هو الإمام المهدي الذي لا بد من الإيمان به. فعادت الخلافة الراشدة في الأرض مرة أخرى من بعده كما بشر بذلك سيدنا محمد المصطفى . وقد قضى أربعة من خلفائه الأبرار نحبهم ثم تواصلت الخلافة الراشدة في الجماعة الإسلامية الأحمدية بعد وفاة الخليفة الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله) وبذلك افتُتحت صفحة جديدة في تاريخ الإسلام حيث، ولأول مرة في تاريخ الدين الحنيف، تابع المؤمنون في جميع أنحاء العالم بكل جد واهتمام وقائع انتخاب الخليفة الخامس وذلك من خلال البث المباشر عبر الفضائية الإسلامية الأحمدية من مسجد “الفضل” بلندن حيث عُقد مجلس انتخاب الخليفة. وهكذا سطع نور عالمية الخلافة الراشدة المشتق من عالمية القرآن الكريم وعالمية نبي الإسلام . فلأول مرة يُنتخب خليفة راشد خامس ولأول مرة تشاهد الدنيا قاطبة وقائع انتخابه في نفس الوقت. وكأن الله عز وجل يُعلن عن  فتح صفحة جديدة في تاريخ الخلافة الراشدة. وما أن انتُخب حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله) تيقن أبناء الجماعة أن انتخابه لم يكن وليد الصدفة بل على العكس كان مقررًا في غيب الله تعالى منذ أمد طويل وذلك بناء على ما فهموه من الوحي الذي كان قد تلقاه سيدنا أحمد باللغة العربية “إني معك يا مسرور”، وقد توضح الأمر لديهم أكثر بعد أن وصلهم أن سيدنا أحمد لما ترجم نص هذا الوحي إلى اللغة الأردية ترجم كلمة مسرور كاسم عَلَم مما يدل على أن هذا النبأ يتعلق بشخص اسمه “مسرور” وسيظهر الله له مؤازرته ومساعدته. ومَن يستطيع أن يُنكر أن الخليفة هو أولى بنصرة الله ومؤازرته!!

وقد مضى إلى الآن سنتان منذ أن ألبس الله حضرة مرزا مسرور أحمد رداء الخلافة، والتقارير الزاخرة بالإنجازات والأحداث والوقائع تحمل صدى النصر والمؤازرة. فقد وضع حضرته بفضل الله وعونه خلال هذه المدة أحجار الأساس للعديد من المساجد في دول مختلفة، وقام بزيارات تفقدية لأبناء الجماعة في كندا ودول أوروبية مختلفة ودول إفريقية حيث ولأول مرة وطأت قدما خليفة دولة بوركينا فاسو. ولا يفوتنا ذكر حساسية خطب الجمعة التي يُلقيها حضرته حيث إنها تلمس الواقع الذي يعيشه المسلم اليوم إلى جانب ترأسه للمؤتمرات السنوية التي تعقدها الجماعة في دول مختلفة. والحديث في هذا المضمار طويل ويصعب تغطيته في هذه السطور. إلا أن من احتك بحضرته وعاشره واطلع على أحواله ونشاطاته يكون قد عاين حنكته القيادية والإدارية وشاهد السرعة والإتقان في أداء المهام على المستوى الإداري والنظامي في صلب الجماعة.

ولعله من المفيد أن يعرف القارئ الكريم أمرين مهمين من حياة حضرته المطهرة، أولها أن حضرته خدم الجماعة في غانا لمدة ثماني سنوات اكتسب خلالها معرفة دقيقة بأمور شتى أكسبته خبرة في الحياة لا تضاهيها شهادات جامعية. وثانيها أنه قد تم احتجازه من طرف الشرطة الباكستانية سنة 1999 لمدة أسبوع دون إثبات أي تهمة سوى أنه كان أكبر مسؤول في مركز الجماعة بربوة باكستان، وهكذا تعلم حضرته من هذه التجربة الكثير وحظي بشرف الاعتقال في سبيل الله.

إن أهم وازع يُقوي علاقة المؤمن بالخليفة هو ما يراه من العمل حسب مقتضى الوعظ والنصائح التي يسديها للجماعة. وهكذا يكون أول من يعمل بها وبالأحرى يصبح تجسدًا لها. ففي مناسبات عديدة أكد حضرته على عدم التظاهر في مراسم الزواج وفي المناسبات الأخرى والقناعة بالقليل. وبقيت هذه النصائح عالقة في أذهان أبناء الجماعة حتى آن الأوان يوم أعلن حضرته عقد قران ابنه مرزا وقاص أحمد وذكر المهر البسيط الذي دفعه إلى زوجته. وعلى الرغم من أنه كان بإمكانه إمداد ابنه بمبلغ يفوق بكثير ولكنه لم يبال بما سيقوله الناس واعتصم بحبل الحق وقدّم درسًا تطبيقيا للمواعظ والنصائح التي أسداها للجماعة. ومن حسن حظنا جميعا أن هذه الوقائع بُثت مباشرة عبر قناتنا الفضائية. وتبادر للأذهان عند رؤية هذا المشهد العظيم صدق ما وصلنا عن سيدنا محمد المصطفى وذلك أنه عندما سينـزل المسيح سيتزوج ويُولد له. فمن الطبيعي أن يتزوج الرجل ويُولد له، ولكن ما أشار إليه من أعطاه الله جوامع الكلم هو أنه سيكون للمسيح أولادًا سينالون الدرجات العُلى في خدمة الدين حيث ليس ثمة شرف أكبر من أن يكون من هو من نسله الشريف إمامًا للمؤمنين.

ومع أن الخلافة في الجماعة الإسلامية الأحمدية تشكل نعمة عظيمة تستحق الحمد والشكر العظيم لله تعالى، إلا أن هذا الأمر يرتّب على المسلمين الأحمديين مسؤوليات عظيمة لا بد لكل فرد أن يعيها. فلا بد لكل أحمدي أن يحرص على الدفاع عن الخلافة التي هي علامة عهد التقوى والصلاح للأمة بأسرها، وهي المؤسسة التي تصون وحدة الأمة وتعمل على توجيه طاقاتها وقدراتها إلى سبيل تحقيق غايات الدين ومقاصده. فالخلافة الراشدة هي نعمة قد منَّ الله بها علينا، فيجب أن نؤدي حقها بالطاعة المطلقة والاحترام لهذا المقام العظيم. ويجب أن نعمل لكي تكون الصبغة الغالبة على الجماعة هي الإيمان والعمل الصالح لكي تبقى الخلافة في أوْجِها بين ظهرانينا وذلك بالالتفاف حول الخليفة، والعمل بكل قوة وإصرار على الطاعة، وترك كل ما يمكن أن يؤدي إلى الفُرقة والخلاف والعصيان.

نسأل الله أن يوفقنا للاضطلاع بهذه المسؤوليات الجسيمة، وأن يديم الخلافة فينا في أكمل صورها وأتمها، وأن يؤيد خليفته بنصره العزيز وأن يجعل الفتح على يديه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك