عنوان القرن القادم

عنوان القرن القادم

التحرير

القرن القادم فتح ذراعيه للقادمين إلى سجلات التاريخ.. كل منا يحمل إنجازات وإحباطات عديدة.. وكل منا يتساءل أيضًا ما الجديد الذي يمكن أن أعبر به بوابة القرن المقبل. لو تمعّنا في الخارطة العالمية لوجدنا الأوروبيين يحاولون دخول القرن القادم كمجموعة دول نجحت في تحقيق الوحدة على أساس اقتصادي رغم تباين الثقافات والأصول، وتحاول هذه الوحدة أن تقدم نفسها كنموذج للوحدة المثمرة التي لربما تنذر بقوة كبيرة قادمة. وإذا انتقلنا إلى الولايات المتحدة لوجدناها تريد دخول القرن الجديد وهي تتزعم العالم، كي تمارس نرجسيتها في لعب دور الإله على هذه الأرض ولربما الكواكب الأخرى، فهي تدخل مدججة بأسلحتها وسطوتها وإنذاراتها لتكون القوة الآمرة الناهية في القرن القادم. وأما اليابان فتريد أن تلعب دور القوة الاقتصادية التي يرهَب جانبها، في حين تصر الصين على سياستها الاشتراكية التي لربما تحلم أن تملأ من خلالها مقعد الاتحاد السوفييتي الفارغ منذ سقوطه المشهود. وأما نحن العرب فندخل القرن القادم ونحن مشتتون يأكلنا التفرق، بين خاسر لاتفاقاته السلمية وبين متسول على أعتاب الدول الكبرى، وآخر تتنازعه الخلافات الداخلية المدمرة.

ويبقى السؤال الهام.. أين الإسلام في القرن القادم؟… أين سيكون موقعه؟ وأي مظاهر ستحملها ملامحه التي دأب أهله على تشويهها وتقديمها بصورة منفرة، حتى باتت فتوى الخميني العجيبة بحق اللعين سلمان رشدي تطارد كل مسلم!! وقصص خبايا قصور أمراء النفط سيف مسلط على رقاب المسلمين!! وأصبحنا نُحَمِّل بنادق وخناجر المتطرفين ونحن لا ندري؟! الفرد المسلم معذور إن هو فقد الأمل في دخول القرن القادم مرفوع الرأس، لأن ما يراه أمامه هو شتات أمة تحاول جمع أجزائها المبعثرة فلا تفلح.

ولكن هل هذه هي نهاية الحكاية الحزينة؟.. هل سندع التاريخ يسجل فصولاً أخرى مخيبة في القرن القادم؟..

الجواب بالطبع لا.. لا لأننا ندرك أن رب العالمين لن يترك أمته الإسلامية لتقبع في آخر الصفوف.. بل إن ربوبيته قد زرعت منذ الأزل نواة الإصلاح التي تملك آلية العمل في كل الظروف. فقط الأب قاسي القلب هو الذي يترك أسرته تتشتت وتتفرق وحاشا لله أن يكون قاسي القلب لأنه الرحمن الرحيم الذي توجه عنايتُه التي تطال حتى غيرَ المسلم دون انتظار لأجر أو مقابل.

إن نواة الإصلاح تلك هي سلسلة المبعوثين الذين ينتخبهم رب العالمين ليبعثوا الحياة في جسد الأمة الميت حتى تستحق الأمة الوعد الذي تحدث عنه القرآن الكريم بأن الأرض يرثها عبادي الصالحون، أي أن العباد الذين يخلصون لأولئك المنتخبين سيثمر إخلاصهم عن أحقيتهم بوراثة الأرض، ولن ينالوا مرادهم إلا إذا ثابروا على إخلاصهم لمسيرة الإصلاح.

لقد دأب سبحانه كل حين على انتخاب رجل صالح ليوقظ في الناس وعيهم الإسلامي الذي فقدوه.. وليعيد لهم صلتهم مع خالقهم، تلك الصلة التي تزرع اليقين في قلب الإنسان فيعود وكأنه البحر الهادئ لا تحركه عواصف الأهواء الأرضية ولا حتى صولات الشيطان النارية.

قبل أكثر من مئة عام انتخب رب العالمين رجلاً قدم بالفعل للمسلمين وللإنسانية جمعاء السبيل الصحيح لصنع لباس إسلامي أصيل يقدمهم للعالم كغزاة للقلوب يعملون على راحة الإنسانية ورخائها.

واليوم ستدخل جماعة هذا المنتخب القرن القادم ويتبعها الملايين وهدفها لا يخرج عن نطاق ذلك الهدف…

لباس إسلامي.. يكشف عن جوهر أصيل، ويدعو الناس إلى نهضة إسلامية ثانية تعيد للأذهان النهضة الإسلامية الأولى. ولا نرى في الأفق رجلاً ادعى ما أعلنه حضرة ميرزا غلام أحمد ( ) بأنه المسيح الموعود والمهدي المعهود، ولا نسمع عن جماعة أخرى تقوم بما تقوم به الجماعة الإسلامية الأحمدية من جهود جبارة لإنعاش الجسد الإسلامي المتراخي، وهذا ما يصعب من مهمتنا لأننا بذلك نصبح المسئولين  المباشرين عن أي ضعف أو تخاذل.

قراءنا الأفاضل، نودع اليوم سنة بما فيها من تحقيقات عظيمة وأفراح… آلام ومآسي.. لنستقبل أخرى بغموضها وأسرارها. فلا نملك إلا أن نتفائل ونتمسك بآمالنا وأحلامنا التي نتمنى أن يكتب لها الله التحقيق. فإنجازات اليوم ما هي إلا نتيجة أحلام الأمس. ومَا كان لها أن تتحقق لولا العناية الإلهية والعزيمة التي لا تعرف الوهن والكَلَّ خصُوصًا إذا كان أساسها الصدق والإخلاص، الذي وإن اختلف من شخص إلى آخر قوةً أو ضعفًا ، يبقى هو الأساس الصلب الذي يرتكز عليه كل عمل صالح. وبحكم عُضويتنا في المجتمع والتحامنا به لا بد أن نؤثر ونتأثر بمن حولنا. ولا يسعني في هذه المناسبة إلا أن أشارككم تلك النصيحة العظيمة التي احتوت عليها إحدى آيات سورة الفتح التي أرسلت قاعدة متينة لكل مسلم يريد أن ينتمي لجماعة محمد ..

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ،

فالمعية هنا ليست المصاحبة المحددة بزمان ومكان، بل هي معية باقية وسارية المفعول إلى يوم يبعثون إذ أن زمن أشرف المرسلين سيدنا محمد المصطفى إلى يوم البعث العظيم.. فلنكن أشداء على الكفار وذلك بالتشبه بمن أُعطي مكارم الأخلاق وبمن أدبه ربه فأحسن تأديبه، وعدم التأثر بطبائعهم الجاهلية وميولاتهم الشيطانية، وعلى عكس ذلك فلنكن من المؤثرين ببث الخير في محيطنا وفي أنحاء المعمورة لنسهم في تدعيم أسس المستقبل ونشارك في تحقيق ما أراده الله للإنسانية جمعاء وذلك بإظهار ديننا الحنيف الإسلامي على كل الأديان. ولن يتحقق هذا إلا إذا تمسكنا بالشروط المنصوص عليها في هذه الآية الكريمة.. فإظهار الشدة على الكفار غير كاف لتحقيق تلك الثورة الروحية العالمية، ولكن يجب علينا أن نتراحم ونحل كل مشاكلنا فيما بيننا بالرحمة والرأفة.

فخلاصة القول إذا أصبح مجتمعنا الإسلامي وحدة متكاملة متماسكة لا تتأثر بسلبيات حياة المجتمعات الأخرى وعلى عكس ذلك تؤثر في كل قريب وبعيد من خلال تحلينا بأخلاق وتعاليم سيد البشرية محمد المصطفى التي أحيت الأموات الروحانيون في الجزيرة العربية وشفت عمى “القلوب التي في الصدور” فأصبح العُمي يبصرون والأموات الروحانيون بالمعارف الإلهية ينطقون.. سيكرمنا الله ويشرفنا بإتاحة الفرصة لنا للعب دور هام في سبيل تحقيق أعظم نبوة للإنسانية، وغزو تلك القلوب الطاهرة كي تصبح مهبط أنوار الله وهدايته.

ولذا فنحن في (التقوى) ومع اقتراب القرن القادم نحث كل المسلمين الأحمديين وخاصة الشباب منهم على بذل الجهود المضاعفة لتقديم تلك الصورة الإسلامية السمحة لكل أصدقائهم ومن حولهم.. إن جهودهم الحثيثة تلك ستمكن جماعتنا من دخول القرن القادم وهي الأنموذج الصحيح لمفهوم الجماعة.

وإلى المسلمين كافة نوجه النداء:

تعالوا معًا نرفض بشدة إسلامَ العنف.. إسلام الإرهاب… إسلام الخسارة.

ولنبذل الجهود ليل نهار لنزرع إسلامَ التسامح… إسلام المحبة.. إسلام الحضارة..

فهذا هو العنوان الذي نتمناه للقرن القادم…

قراءنا الكرام ما ذكرناه ليس أماني مستحيلة التحقيق ولا أحلام أمة غارقة في أوحال التخلف والتشتت بل هي حقائق تاريخية تحققت في زمن الرسول وحتمًا سيحققها الله مرة أخرى ببعثة الإمام المهدي ( ).. خادم سيدنا محمد المصطفى . فها نحن على عتبة شهر رمضان المعظم فلننتهز هذه الفرصة الذهبية ونصلح أمورنا مع الله ونفيق من ذلك السبات الطويل وندرس دعوة من قال في شأنه خير خلق الله محمد المصطفى فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثلج”.

رمضان كريم وكل عام والعالم الإسلامي بخير.

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك