مع هموم مالك الحزين

مع هموم مالك الحزين

عصر القشريات

عندما أراد صاحبي (مالك الحزين) أن يعرف عن دينه الإسلام المزيد نصحه الكثيرون بأن أقصر الطرق هو البرامج الإذاعية والتلفزيونية الدينية التي تعقد الندوات المحترمة التي يحضرها أكابر العلماء والمشائخ ويجيبون خلالها على استفسارات المستمعين والمشاهدين وصاحبي (مالك الحزين) واحد منهم..

ومما لاشك فيه أننا الآن في عصر الثقافة التلفزيونية حيث يسهل على الناس الحصول على المعلومة. ولكن يحضرني سؤال هنا ترى هل مايقدم اليوم عبر الوسائل الإعلامية هو ماينتظره كل باحث عن الحقائق الدينية؟

لقد أخبرني صديقي حقائق تصدم كل مستمع.. فبعد أن تعب من تكبيس أزرار “الريموت كونترول” وهو يتنقل من محطة إلى أخرى ويتصيد كل لقاء، عاش الصدمة بكل أبعادها فما يقدمه هؤلاء الأكابر من العلماء لا يتعدى أجوبة على أسئلة تمس القشور الخارجية للجسد الإسلامي!؟

وقد فوجئ بجدية أحد العلماء وهو يحذر أحد المستمعين الذي تساءل عن موضوع تدلي عمامة الرجل على جبينه أثناء الصلاة.. لقد أكد فضيلته بأن هذا من مبطلات الصلاة دون إبداء الأسباب في حين عارضه ضيف البرنامج الآخر الذي وجد مخرجًا تقره إحدى المذاهب بإمكانية تجاوز هذا الأمر.

وتابع صديقي يقول: ولم يحسم النقاش… ولكن خوفًا من احتداد الأمر لجأ مدير الندوة إلى تغيير الموضوع إلى سؤال آخر يتعلق بأمر خطير يبحث في قضية إمكانية أن يفطر الصائم إن هو قام بتنظيف أسنانه بمعجون الأسنان أم لا؟..

ويبدو أن ثقافة هذه الأيام هي ثقافة رجل الشارع لا ثقافة العلم. فما يحدث خلال تلك البرامج هو أن أسئلة المشاهدين تتناول القشور وبدلاً من أن يقوم العالم الضيف برَفع سوية النقاش تجده يفصل ويتوغل في تفاصيل تلك القشريات وكأن مجتمعنا قد وصل قمة الجبل ولم يعد ينقصنا سوى تنظيف بعضْ الغبار العالق.

المهم أنني حاولت أن أهدئ من روع صديقي الثائر بعد أن احتدت نبرة صوته وطابت منه أن يلجأ إلى مشاهدة المسلسلات التلفزيونية الدينية لعل أثرها يكون أكبر. ولكنه عاد بعد أيام يحدثني بلهجة أكثر من محتدة عن تلك الصورة (الفانتازية) التي تقدمها المسلسلات التلفزيونية الدينية وقال لي بالحرف الواحد: أحس أن هؤلاء الممثلين هم مخلوقات فضائية تتمايز عنا في كل شيء.. في الأزياء والحركات والتعابير وفي الكثير من خصائص لغتهم وطريقة نطقهم لها؟؟

وأخذت أتسال ترى أين الإسلام من تلك الواجهات المزخرفة التي تشبه تابلوهات تصوير الأفلام السينيمائية التي تتألف من واجهة تنفذ إلى فراغ شاحب مظلم؟؟!!..

إن المحاولات اليائسة التي تحاول تجميل جسد ناحل يشكو المرض لن تجدي ما لم نضع أيدينا على أصل العلة في هذا الجسد المريض. ولربما الحديث عن أصل العلة يكون علميًا إن نحن رجعنا إلى أمم أمثالنا عاشوا محنتنا المرّة. وقد طالبني صديقي بمثال قريب فلم أجد سوى اليهود لأتخذهم مثال على أمة تركت وراءها تعاليم الإله واتجهت نحو القشور فأصبح أكابر تلك الأمة يعقدون الندوات التلفزيونية ويقومون خلالها بحركات بهلوانية وبترديد عبارات مبهمة.. وتجد اليوم ظلالاً لهم في القدس عند حائط المبكى، أشباح تترنح نحو الأمام والخلف وهي تردد عبارات مبهمة، أشباح تنتظر مسيحًا لن يأتي لأنه أتى ولم يعرفوه!!

إن المتدبر للتاريخ سيجد التراث الروحي الغني الذي تركه سيدنا موسى وقد استعيض عنه بقشور جافة وقوالب جامدة سجن اليهود أنفسهم في زنازينها. ومن سخرية الأقدار أن نعيش نحن المسلمين الحالة المشابهة دون أن نلتفت قليلاً إلى الوراء.

وأما الضربة القاضية فقد جاءتني من صديقي مالك عندما قدم لي عددًا من مجلة فرح السعودية في (العدد 119 من السنة الحادية عشر، مايو 1998) وفيه قرأت الخبر التالي تحت عنوان: أكبر نسخة للقرآن الكريم في العالم مكونة من 650 صفحة مطلية بالذهب.

ولو قرأنا تفاصيل الخبر المثير لوجدناها على الشكل التالي: أكبر نسخة للقرآن الكريم في العالم قامت باستكمالها شركة في أبو ظبي، وتتكون النسخة القرآنية من 650 صفحة نحاسية مطلية بذهب عيار 24 قيراطًا ويبلغ حجم كل صفحة 100×140 سنتيمترا يضمها غلافًا مرصعًا بالأحجار الكريمة وسيكون الوزن الكلي لهذه النسخة عشرة أطنان، بواقع 20كيلوجرامًا للصفحة. وسيقوم نظام يعمل بالكومبيوتر على فتح الصفحات مصاحبًا بتسجيل صوتي للشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد يتلو فيه الآيات الموجودة في كل صفحة يتم فتحها. وسوف تدخل هذه النسخة موسوعة جينيس للأرقام القياسية.

قرأت الخبر وصديقي ترتسم على محيّاه ابتسامة ساخرة تقول: الآن يمكن لأمة العرب أن تفخر بأبنائها الذين سيدخلون موسوعة غينيس الذي لربما سيعتنق الإسلام تأثرًا بهذا الإنجاز الهام.

لا أدري لماذا تراءت أمامي وعلى الفور بعد قراءة هذا الخبر الأشباحُ السوداء وهي تترنح نحو الأمام والخلف.. وكذلك وجدت نفسي أتمتم الحديث الشريف الذي يتنبأ بقدوم زمان لا يبقى فيه من القرآن إلا رسمه….

قلت لـــ (مالك الحزين) صديقي العزيز: فاقد الشيء لا يعطيه. ومادمت قد عزمت على رفض التمسك بالقشور فعليك بالنفاذ إلى الجوهر إلى المقصد الأسمى الذي بُعثنا من أجله. وودعتُه على أمل أن نلتقي من جديد. فلهذا الحديث بقية إن شاء الله…

Share via
تابعونا على الفايس بوك