ظاهرة الاتصال وحبل الوصال

ظاهرة الاتصال وحبل الوصال

محمد إبراهيم عودة

بث التلفزيون الألماني (RTL) في برنامجه اليومي Explosiv ما تعريبه (مادة متفجرة) عن ظاهرة ال “Telephonitis” (الإدمان على استعمال الهاتف). يقدم هذا البرنامج مواضيع تعكس حقيقة المجتمع الألماني وتظهر ما هو خفي وراء الستار، وهو برنامج ناجح ومرغوب فيه ومستمر منذ أكثر من عشر سنين. في 14-2-1998 قام البرنامج بتقديم السيدة “هايدي”، متزوجة لها طفلة، تعاني من ظاهرة الإدمان على استعمال الهاتف. لعمري أن الكثير منا قد يشعر بنوع من المضايقة والانزعاج حينما يطول حديث زوجته، ابنه أو ابنته على التلفون حينما يتصل أصدقاءهم بهم أو يتصلون هم بهم. وليس بسبب المصاريف فقط بل لكثرة الكلام على الهاتف بدون سبب أو جدوى كي يطول الحديث إلى ذلك الحد. لا حاجة في الدخول في أسباب هذه الظاهرة وتحليل العوامل النفسية الناجمة عنها او إدانة الإغراء التكنولوجي الذي يساعد في حد ذاته على انتشار هذه الظاهرة. نرجع إلى السيدة “هايدي” التي تتصل يوميًا بمعدل خمس إلى ست ساعات. عندما تخرج للتنزه في الحديقة تراها تتكلم عبر الهاتف الجوال وعندما تعود للبيت تراها مستلقية على الكنبة أو تقوم بأداء واجباتها المنزلية وفي نفس الوقت مواظبة على المكالمات الهاتفية. ونتيجته لهذا الإدمان أصبح زوجها يضجر ليس فقط بسبب فواتير التليفون فحسب بل إن زوجته أظهرت تقصيرًا لواجباتها الزوجية وتجاه ابنتها. وصل بها الإدمان إلى درجة أنها تصيح في وجه ابنتها عندما تحتاج لشيء منها فتقول لها: “إن كنت تريدين أي شيء مني فعليك الاتصال بي هاتفيًا.” (يا عجبي!!).. وعقب الدكتور Franz Buellinger في البرنامج وهو باحث في علوم الاتصال قائلاً: نسبة من مواطني الدول المتحضرة (تزيد عن 20 بالمائة) تعاني من ظاهرة الإدمان هذه. والرجال ليسوا معصومين منها ولكن تفوق نسبة النساء الرجال بأضعاف مضاعفة.

بدون التعمق في أسباب هذا الإدمان يتضح أنه أحد الأمراض الحديثة التي بدأت في الانتشار في الدول المتحضرة (تكنولوجيا).

السيدة “ماير” طبيبة نفسانية ذات شهرة في مدينة زيورخ تعاني منذ شهور من مرض الدوخة وفقدان الحواس الجسمية. تقول: “عندما أغادر منزلي لشراء حاجات البيت تنتابني نوبات فقدان التوازن والانضباط في المشي. كما أفقد من حين لآخر في شوارع وأسواق المدينة معرفة الاتجاهات.”

بعد مراجعة الأطباء والباحثين في مجال أمراض الأعصاب اتضح أنها تعاني من حساسية من الذبذبات الإلكترونية. وقد انتشرت هذه الظاهرة في الدول المتطورة صناعيًا التي تكثر فيها أبراج ومحطات لبث الذبذبات الإلكترونية داخل المدينة وخارجها. فقد توصل الخبراء وعلماء أمراض الأعصاب أن هذه الظاهرة تساهم في تلوث البيئة وبدأت في الانتشار لكثرة محطات البث: منها الراديو والتلفزيون والأقمار الصناعية التي تبث الذبذبات الإلكترونية. وبالإضافة إلى هذه العوامل تساهم كثرة محطات توليد الكهرباء، الأسلاك والكوابل الكهربائية الممتدة عبر المدن التي تنشر حولها حقول مغنطيسية قوية، الأجهزة الإلكترونية والكهربائية: كجهاز الراديو، التلفزيون، الخلاطة طاحونة القهوة في المطبخ وجهاز الكمبيوتر. هذه التكنولوجيا وغيرها من الأجهزة جميعها تساهم في انتشار تلوث جديد للبيئة. والسيدة “ماير” تعانى من هذا النوع من المرض الحديث الناجم عن الذبذبات الإلكترونية في البيئة. السيدة “هايدى” لا تتأثر من هذه الموجات لأنها كما يظهر عندها مناعة أو مقاومة كأغلبية الناس ضد هذه النسبة العالية من الإلكترونات التي تملأ الجو. كما يوجد أشخاص باستطاعتهم وضع أصابعهم في علبة الكهرباء ولا يتأثرون من الصدمة الكهربائية وآخرين يتأثرون بحروق أو صدمات تفقدهم الوعي وتؤدي بهم إلى الهلاك أحيانًا. فبات من المعروف أن الجو والهواء الذي نتنفسه ممتلئ بالموجات والذبذبات المغناطيسية المشحونة بالإلكترونات، وهذه الموجات والذبذبات تؤثر على خلايا المخ، وهي إحدى مسببات وجع الرأس. فلو أخذنا شريحة منها تحت “المكروسكوب” الإلكتروني لتعجبنا من بنية هذه الخلية التي تشبه بتركيبها ” الأنتينة” التي تستقبل الذبذبات المغناطيسية وتتأثر بها. والصغار أكثر عرضة لها من الكبار كون أجسامهم ممتلئة بالماء أكثر. ويذكر العلماء أن نسبة تكاثر “البكتيريا” في المختبر تحت تاثير حقل مغناطيسي يشكل أضعاف مضاعفة من نسبة تكاثره في الحالات العادية. وبناء على هذا أخذت مجموعات من المصابين بمرض الحساسية هذا -وعددهم آخذ في الازدياد يوميًا- بالاتحاد والخروج من المدن للسكن في المناطق غير المتقدمة صناعيًا ونسبة تلوث البيئة فيها ضئيل، واضطر البعض إلى الهجرة من الدول المتحضرة واستوطنوا في دول العالم الثالث. ويا عجبي!! من ناحية نسمع على الساحة السياسية عن موجات الهجرة (لجوء سياسي وغيره) من دول العالم الثالث إلى ما يسمى بالعالم المتحضر. ومن ناحية أخرى نسمع عن موجات الهجرة من الدول الراقية إلى دول العالم الثالث، كمهاجرين فارين من الحضارة!! فهذا هو حال الدنيا اليوم.

فكما توجد شحنات إلكترونية إيجابية هنالك شحنات سلبية. كما يوجد قطب شمالي وجنوبي وضغط جو عالٍ وواطئ. هناك من يتصل وهناك من يعاني ويمرض. وهذا ليس مجرد كلام في كلام لأن في ظاهرة الاتصال دليل على بداية آخر الزمان كما وضحه القرآن المجيد في صورة التكوير وما تحوي تحوي الآية الحادية عشر بين طياتها حول نشر الصحف، فهو ليس نشر الكتب والجرائد فحسب بل انتشار وسائل نقل وتبادل المعلومات بواسطة ما توصل إليه علم الوقت من تطورات تكنولوجية وتقنية. فاليوم يمكن للقارئ أن يقرأ أي جريدة أو مجلة متواجدة على شبكة الإنترنت عن طريق جهاز كومبيوتر في بيته. إن كثرة انتشار الصحف الفقيرة في العطاء، ووسائل الإعلام خاصة ونتائج هذه الظاهرة آيات وآيات شاهدة على صدق نبينا العربي الكريم عن علامات آخر الزمان بظهور أمراض جديدة لم تكن معروفة من قبل.

abc@…com

أتطرق الآن لموضوع الاتصال وحبل الوصال وها هي مركبة الزمان تأخذنا عبر العصور والأيام إلى عام 1876 لنشهد معًا اختراع أول تلفون سجله التاريخ للمخترع الأمريكي من أصل بريطاني السيد “Bell. G.A” وكان يعمل كطبيب نفساني ومعلم للأطفال الصم وقام بأول اتصال تليفوني في التاريخ المسجل، وقام بهذه المكالمة المشهورة من Chicago إلى New York ويشير Alexander Graham Bell أنه عام 1793 تم بناء أول جهاز للإتصال ونقل المعلومات عن طريق اختراع ال Telegraph الذي يقوم بتوصيل ذبذبات صوتية عبارة عن رموز من مكان لآخر عبر الأسلاك للمخترع الفرنسي Claude Chappe، كما ولا ننسى الفضل إلى السيد Thomas A. Edison في تطوير جهاز التليفون ذو سماعة وميكروفون.

ونضيف هنا فقط للذكر أن أول اتصال تليفيوني تم عبر المحيط عام 1937 من London    إلى New York. لكننا نحن طلاب العلم لا نكتفي بهذا القدر من الجواب عن تاريخ الاتصال والوسائل التي استخدمت لتخدم هذه الظاهرة الضرورية في رقي الإنسان وتحضره كما يبدو. ومن هم أو ما هي الجهات المشتركة التي مازالت تشترك في الاتصال؟ وبما أن باب الاجتهاد مفتوح للجميع ولكي لا أطول على القارئ سأقوم بتوضيح بعض النقاط فقط.

نعم إن السادة Edison, Bell   وغيرهم من بعدهم قاموا في بناء وتطوير وسائل الاتصال تقنيًا إلى ما توصلنا إليه اليوم من اتصال عبر الكومبيوتر وهو أرقى أنواع الاتصال تقنيًا بعدما اكتشفت ميزة (معدن) السيليتسيوم،  وتطور علوم ال Digitaltechnik ورياضيات ال Mathematik Binair. ومع هذا وقبل سنة 1876 أيضًا كان اتصال الناس بعضهم ببعض مهمًا وضروريًا. اليهود مثلاً كانوا يستعملون البوق أو (قرن الخروف أو الماعز) للنداء إلى الصلاة، والمسحيون الجرس كوسيلة مادية للإخبار عن موعد الصلاة. أما الهنود الحمر فكانوا يوصلون الأنباء والأخبار من مسافات بعيدة إلى مقر إقامتهم مثلاً عن طريق إشعال نار وبشكل متداول ويضعون بساطًا على النار المشتعلة ويرفعونه، وأشكال الدخان التي تصعد إلى السماء يشاهدها من يهمه الأمر. فهي عبارة عن رموز متفق عليها فيما بينهم يفهمون معانيها. وعلى هذا النمط وبعد مئات السنين تم سنة 1793 في فرنسا اختراع ال Telegraphوهنا تبدلت الرموز المحتوية على معلومات من أشكال هندسية للدخان المتصاعد إلى ذبذبات إلكترونية.

ويبقى السؤال ماذا عن الاتصال في وقت ما قبل التاريخ المسجل عند بداية الخلق وفيما بعد، وما هي الجهات التي ساهمت وتساهم إلى اليوم في بناء ظاهرة الاتصال هذه. ويا ترى ما هي وسائل الاتصال التي اتبعها آنذاك الله تعالى مع الأنبياء والمرسلين، وعلى أي قواعد بنيت، وهل لهذه القواعد أثر في أسس الاتصال في عصرنا اليوم؟

أسئلة عديدة تطرح نفسها في هذا المقام، وندعو الخالق أن يوفقنا كي نلقي عليها الأضواء في المستقبل القريب إن شاء الله.

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك