ظاهرة الاتصال وحبل الوصال

ظاهرة الاتصال وحبل الوصال

محمد إبراهيم عودة

بقلم: محمد إبراهيم عودة *

وصلنا في الحلقة السابقة إلى سؤال طرحناه حول موضوع ظاهرة الاتصال في فترة ما قبل التاريخ المكتوب والمسجّل.. مَا هي الجهات المشتركة بظاهرة الاتصال؟ وما هي الوسائل التي تلعب دورًا فيه؟

لا ريب أنّ أي إنسان قبل أن يُقدِم على إنجاز عملٍ ما تراه يخطط، يفكر ويشاور نفسه وضميره. وبعد إنجازه يقف بإخلاص منتقدًا إياه. ولما يرى فيه عيبًا يسارع إلى إصلاحه أو يقوم بأدائه من جديد حتى يرضى عنه كلية. فالله سبحانه وتعالى موجود منذ الأزل وباتصال مستمر بمخلوقاته وبملائكته وهم يفعلون ما يُؤمرون للحفاظ على الكون ولتوصيل الهِداية والكتب السماوية للأنبياء. ولظاهرة الاتصال جوانب مختلفة منها:

  • اتصال الله سبحانه وتعالى بالإنسان عن طريق الوحي الإلهي وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا (هود: 38)
  • اتصال الملائكة بالإنسان لإبلاغه الهِداية والمبشرات من الله تعالى أو تعليمهم دينهم.. وقصة سيدنا جبريل أحسن دليل على ما نقول: حضر النبي مسافرًا مرتديًا ملابس بيضاء ناصعة ولكن لا يبدو عليه أي علامة من علامات السفر، وسأل النبيَّ أسئلةً عديدة حول الدين الحنيف وكان يعلِّق على كل إجابة بـــــ”صدقت، صدقت”. وبعد مغادرته المحفل أخبر رسولُ الله صحابته الكرام -رضوان الله عليهم- أنّ ذلك المسافر الذي كان يستفسرني هو جبريل، أتى ليعلِّمكم دينكم.
  • اتصال ربّ العباد بالقِوى الطبيعية يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ (هود: 45)
  • اتصال ربّ العباد بالحيوانات الطيور والأسماك… الخ. جاء في سورة النحل: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (النحل: 69)
  • اتصال القِوى الطبيعيّة بخالق الكون وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ (الرعد: 14)
  • اتصال الإنسان بخالقه عن طريق الصلاة والدعاء لطلب العون والهداية لحسن عبادته سبحانه..
  • اتصال الإنسان بأخيه الإنسان والتي يمكن القول بصددها أنّها بدأت عن طريق بعض الأصوات البدائيّة وبعض الحركات اليدويّة أو تحريك الرأس والأطراف التي تطوّرت فيما بعد وأصبحت لغةً مفهومة.. وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ، للأخذ والعطاء فيما بينهم والتعاون على البِرِّ والتقوى الذي يخلق جوّ تعاونٍ ورحمة. وينشأ عن حالات معيّنة نادرة اتصال البعض فيما بينهم عن طريق Telepathy أي بواسطة تأثير القوى العقليّة، إلى وقت بداية نشر الكتب والصحف حتى منتصف 1876 حينما اختُرِع جهاز التليفون، وبعده الراديو، التلفزيون والكومبيوتر…
  • اتصال الإنسان بالحيوان لتدريبهم، مثل الكلاب التي تقود العميان، وكلاب البوليس، الخيل، الفيلة وسائر الحيوانات في السرك، عن طريق إصدار بعض الأصوات أو الذبذبات الصوتية بواسطة الصفّارة مثلاً. كما ولا ننسى تدريب سمك الدولفين عسكريًا ليقوم بعمليات تفجيرية جاسوسيّة. وأيضًا كلب البحر الذي استغلّه الباحثون للقيام بعمليات تصويريّة في أعماق البحار التي لا يستطيع الإنسان اقتحامها بسبب ضغط الماء.
  • اتصال الحيوان بالإنسان مثل الحيوانات المنزلية التي تطلب الطعام عن طريق إصدار أصوات معيّنة أو القيام ببعض الحركات بأجسامها وأطرافها. كما تحذّر أصحابها من بعض المخاطر.

أودُّ هنا أن أذكر حادثة شخص يعاني من مرض الـــــ  Epilepsy، وهي عبارة عن نوبات لا يستطيع بعدها المصاب من السيطرة على جسمه بسبب تشنُّج في الدماغ يرمي بصاحبه على الأرض ويقوم ساعتها بتحريك أطرافه بشكل غريب مثير للدهشة والخوف عدى الشخير الذي يصدره المصاب من خلال هذه النوبات. فللشخص المصاب هذا كلبٌ يرافقه ويأتنسُ به. هذا الكلب أصبح بعد معاشرة هذا المريض لمدة معيّنة يقوم بحركات غريبة ويصدر أصواتًا مرتبكة ويرتمي على الأرض وذلك قبل أن تُصيب سيّدَه نوبةُ الصرع.

شكَّ صاحب الكلب في صحّة كلبه لذلك أخذه لبيطري كي يفحصه وظنَّ أنّه يُعاني من مرض الصرع. وبعد الفحص لم يجد البيطري المختصّ أي عاهة لدى الكلب. واستمرّ الكلب في حركاته الغريبة قبل أن يُصاب صاحِبُه بنوبة الصرع. وهكذا وُضِعَ هو وسيده معًا تحت الرقابة والدراسة العلميّة، وبعد إجراء فحوصٍ عديدة تبيّن أنّ هذا الكلب يحسُّ بتغيّر الذبذبات المغناطيسيّة التي تحصل لدماغ سيّده لذلك يُباشر بالقيام بحركاتٍ غريبة ويصدر أصواتًا غير معتادة وذلك لتحذير صاحبه حول قرب النوبة كي يأخذ حذره.

وحيَّرت ظاهرةُ اتصالِ هذا الكلب بسيده العلماءَ لذا لا زالت البحوث جاريةً لتفهُّم جميع جوانب هذا الاتصال. كما أنّ هناك نتائج إيجابيّة نتجت عن ظاهرة اتصال الإنسان بالحيوان منها عمليات الإنقاذ التي يقوم بها حوت الدولفين لأناس كانوا على حافة الغرق.كما يساهم هذا الحوت في شفاء أمراض الشلل عند الأطفال وذلك عن طريق الذبذبات المغناطيسية الموزونة التي يبثها الدولفين في بركة الماء التي يوضع فيها الطفل المصاب .

– اتصال الحيوانات المختلفة بعضها ببعض.

ونكتفي في هذا الخصوص بطرح مثال واحد أدهش قادة الجيوش المشتركة بعد الحرب العالمية الثانية حيث اتسعت دائرة شبكة التجسس العالمية بين البلدان. قام خبراء حربيون ببناء نقاط رصد في البحار كي يتخذوا إجراءات حربية ويهيئوا أنفسهم. واندهش المشتركون إذ أنهم  بدلاً من أن يستمعوا لأصوات المحركات سمعوا أصوات الحيتان التي كانت على بعد آلاف الأميال في زوايا البحار والمحيطات وهي تثبت ذبذبات صوتية جميلة فهم أنها وسيلة اتصال فيما بينهم.

– أما آخر ظاهرة اتصال سنعرضها هي ظاهرة اتصال الإنسان مع نفسه وضميره وبين الخلايا في جسمه. ويتجلى هذا الاتصال عندما يصاب الجسم بمرض أي عندما تصاب أي خلية بجرثومة معينة فإنها تصدر ذبذبات معينة تخبر بها جهاز المناعة في الجسم كي يأتي لنجدتها ويتخلص من هذه الجرثومة. لكن ما يحدث في مرض السرطان هو أن جيش الأجسام المقاومة في جسم الإنسان يمر من جنب خلايا السرطان رويدًا رويدًا في الجسم دون أن يشفى المصاب. فما هو السر في ذلك ؟ إن كل خلية في الجسم بعد أن تصاب بتغير في بنيتها تبث ذبذبات إلكترونية كحرس إنذار تنادي به على جيش الأجسام المقاومة (جهاز المناعة)، فيحضر ويقاوم ذلك الجسم الغريب ويتغلب عليه. أما الخلية التي تصاب بالسرطان لا تبث تلك الذبذبات والموجات المغناطيسية وهكذا لا يتعرف هذا الجيش المقاوم على مكان الخلية المصابة. وهكذا يبقى مرض السرطان مرضًا يعجز إلى حد اليوم علماء الطب عن إيجاد حل نهائي له.

وهكذا يتضح أن جسم الانسان والكائنات الحية لا تخلو فيما بينها من ظاهرة الاتصال المبنية على البث والاستقبال، عن طريق ذبذبات إلكترونية مكنونة في الخلايا.

فبما أن الخلية هي عبارة عن مصدر طاقة للبث والاستقبال، فما بالك بذرات الجبال والبحار والغيوم والسحاب ذوات أشكال هندسية متشابهة ومختلفة. والكون بأجرامه السماوية والقمر والشمس وعالم الحيونات والطيور والأسماك في أعماق البحار الكل باتصال مستمر ومتين. وإن كانت هذه الاتصالات غير مسموعة وملحوظة بالعين المجردة فإن هذه الكائنات والمخلوقات في اتصال مستمر مع خالقهم رب العباد ومسبب الأسباب. إن النقطة الأساسية التي أريد الوصول إليها ليست بأن الله تعالى لا يستعمل وسائل الاتصال المعروفة لدينا كالبريد الإلكتروني والفاكس وغيرها للاتصال بالنحل وبأطهر خلقه الأنبياء والأولياء الذين نحن بهم نقتدي وعلى خطاهم نسير، بل بالوحي والإلهام والرؤيا الصالحة. إن ظاهرة الاتصال هذه يتجاهلها بشكل عام علماء الأحياء والبحار والفضاء وهي في حد ذاتها أسمى وأرقى وأنزه أساليب الاتصال وأولها وأقدمها إن الاستهزاء بظاهرة الاتصال الأخيرة الذكر بدت واضحة وجلية عندما رجع رواد الفضاء السوفييت إلى الأرض مستهزئين بقولهم بأنهم قد وصلوا إلى القمر ولم يشاهدوا إلهًا ولا ملائكة. فحسب رأيهم أنه كي يصلوا إلى الله ويشاهدوه يجب عليهم صناعة مراكب فضائية جديدة تأخذهم إلى أبعاد وأقطار في السماء تُوصلهم إلى نهاية الكون. فيا للخسارة والسخافة !!. إن حضارة الانسان بكاملها لم تأت ببديل أو بشيء ينافسها، وإن استطعنا أن نجمع أساليب وطرق اتصال الكائنات ببعضها البعض لبدت الثورة التكنولوجية المتمثّلة في التليفون والكمبيوتر ووسائل الاتصال المتعددة الأخرى بعظمتها بدائية وتحتاج إلى تطوير وتحسين. ويبقى الزمان يخفي لنا في طياته جوانب الاتصال بالمخلوقات الحية في الأجرام السماوية الأخرى المعروفة اليوم باسم ال U.F.O والاتصال بهم يوما ما محتوما حسب الآية الكريمة

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (الشورى: 30)

وهكذا تتقدم البشرية إلى قمة الاتصال، إلى اليوم الذي يتجلى فيه أنوار وبروق وجه الله تعالى ذي الجلال والإكرام للإنسان. ليتعرف على خالقه ولتتم الحاجة والضرورة على الرقي في السلم الروحاني، إلى أن يأتي يوم يتذكر فيه الإنسان أنه قبل أن يخلق لم يكن شيئًا مذكورا وأنه

كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (الرحمن: 27-28)،

ليعود وتعود ظاهرة الاتصال إلى ما كانت عليه قبل الخلق بشكل أو آخر  يعلمه الله.

حاولنا لفت انتباه القارىء العزيز عبر هذه الصفحات إلى ظاهرة الاتصال التي هي في الحقيقة ليست مسألة اختراعات أجهزة تقنية فحسب بل إن الاتصال حقيقية وسر من الأسرار التي وضعها الله في الكون والخليقة قبل أن يخلق الإنسان.

 * مهندس إلكتروني مقيم بسويسرا

Share via
تابعونا على الفايس بوك