غاية السالكين.. الوصول إلى دار السلام
وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (الآية26)

شـرح الكـلمات

السلام: (قد سبق شرح معانيها تحت الآية رقم 11). والسلام أيضا من أسماء الجنة (الأقرب).

التفسـير

يكون المتوكل على الله والمطيع الكامل له في حال ثابت دائم، لأن كل شيء في الكون يبغي سلامته، وكل الناس يدعون لبقائه، لأنه مصدر نفع عظيم للعالم.

والسلام معناه الطاعة أيضًا، فمعنى الآية أن الله تعالى سوف يبوِّئ عبده هذا مقامَ الطاعة والانقياد.. أي يأخذه من حال الطاعة إلى مقام الطاعة حـيث يبقى دائـمًا مطـيعًا منقـادًا له عـز وجل.

والسلام يعني الجنة أيضا، فالمعنى أنه تعالى يجعله وارثًا لجنته.

والسلام اسمٌ من أسماء الله الحسنى، فالمعنى أنه تعالى يأخذه إلى داره.. أي يشرّفه بلقائه ووصاله عزّ وجل.

وقوله تعالى ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم يعني أن الله تعالى يحقق لعبده هذا فوزًا سريعًا، ذلك أن الصراط المستقيم يكون أقصر الطرق وأسرعها إلى الغاية المنشودة. وهذا يُسمّى موهبةً وهو مقام الأنبياء والأولياء. يدعو البعض ليأتوا إليه، ويذهب بنفسه إلى البعض الآخر، ويأخذهم إليه.

لِلَّذِينَ أَحْسـَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَـرْهَقُ وُجُوهَـهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْـحَابُ الْجـَنَّةِ هُمْ فِيـهَا خَالِدُونَ (الآية 27)

شرح الكلمات

الحُسنى: ضدُّ السوءى؛ العاقبةُ الحَسَنة؛ النظرُ إلى الله؛ الظفرُ؛ الشهادةُ (الأقرب)

يَرهَقُ: رَهِقَ الرجل رَهَقًا: سَفِهَ؛ رَكِب الشرَّ والظلم؛ غشِيَ المحارمَ؛ كذب؛ عجل. ورَهَقَ فلانًا: غَشِيَه ولحقه، يقال: رهقت الكلابُ الصيدَ؛ وقيل: دنا منه سواء أخذه أو لم يأخذه (الأقرب)

قتر: القَتَرُ: الغَبرة (الأقرب) والقترُ: الدخانُ الساطع من الشواء والعود ونحوهما (المفردات)

ذِلة: ذَلَّ البعيرُ يذلّ ذُلاًّ: ضدُّ صعب، يقال: ذَلَّتْ له القوافي: سهلت (الأقرب) ويسمّى الشخص ذليلاً لأن الناس يجدون الظلم به أمرًا سهلاً.

التفـسير

قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى يعني أن المؤمنين سوف يلقون مصيرًا حسنًا، ويحققون الفلاح أنواعاً، لأن الله تعالى سوف يَشحَذ قواهم ويبارك في سعيهم.

وقوله تعالى وزيادة ولا يرهق وجوهَهم قتٌر ولا ذِلة يعني أنه تعالى سوف يشرّفهم بوصاله، ويحفظهم من أي ذلٍّ وهوان، ولن يرتعبوا من الآخرين.. أي أنهم لن يقلِّدوهم كالعبيد المهانين الأذلين، بل سـوف يهب لهم الله من المزايا ما يجعل الناس يقتدون بهم هم.

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِن عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (الآية: 28)

شرح الكلـمات

عاصم: عصَم الشيءَ: منعه؛ حفظه (الأقرب)

قِطَعًا: جمعُ قطعة، وهي الحصة من الشيء (الأقرب)

خالدون: خلد بالمكان وإلى المكان: أقام به. (الأقرب)

التفسـير

لقد صرّح الله تعالى هنا بعدة أمور:

الأول: أنه يجزي على الحسنة جزاءً مضاعَفًا، ولكنه يعاقب على السيئة بمثلها دائمًا، ولا يزيد عليها.

الثاني: أن الذين يخالفون التعاليم الإلهية يُحرمون من الهمم العالية، ويبقون مقلِّدين لغيرهم، فاقدي الجرأة على الإقدام والقدرة على الاختراع، ويرون أن الرقي كلّه في تقليد الغير. لا يفكّرون ولا يأملون أبدًا أن بوسـعهم قيـادةَ الآخرين وجَعْلَهم تابعين لهم.

الثالث: أن مثل هذه الشعوب المنهارة المتردية لا تستطيع بنفسها الخروج من الحضيض، بل هي بحاجة إلى مساعدة خارجية، ولكن حيث إنها قد أغضبت ربها فتُحرم من المساعدة الخارجية أيضًا.

الرابع: أنّه لا بد من انكشاف السيئة وافتضاح الظالم في آخر المطاف. وقد أخبر تعالى بذلك أن العالم أيضا سيطَّلع على مساوئ هذه الشعوب، فإذا كانوا لا يرتدعون عن ارتكاب المعاصي والمظالم إرضـاءً لخالقـهم، فيـجب أن يفكروا على الأقل أنهم يعرّضون أنفسهم للفضيحة أمام الدنيا.

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (الآية: 29)

شرح الكلـمات:

مكانكم: مكانك: اسمُ فعلِ أمرٍ بمعنى اثبُتْ (معجم النحو للدقر)، فالمعنى: الزموا مكانكم واثبتوا فيه.

زيّلنا: زيّله: فرّقه. (الأقرب)

التفـسير:

إن الله تعالى يتحدث هنا عن ذلك الاجتماع العظيم الشأن الذي سيكون وسيلة لانكشاف الحقائق كلها في آخر المطاف، وإن كان إدراكها سهلاً علــى الإنسان إذا استخدم العقل الموهوب من الله تعالى.

ولنعلم أن الآية تتحدث هنا عن أولئك “الشركاء” الذين اتخذهم الناس شركاء لله سبحانه تعالى دون أي علم منهم بذلك مثل الملائكة، كرشنا، رام شندرا، عيسى والإمامين الحسن والحسين، وسيد عبد القادر الجيلاني وغيرهم عليهم السلام. فالآية تصرح أن هؤلاء الشركاء سوف يُشهدون اللهَ على جهلهم بما اقترفه الناس باسمهم من الأعمال الوثنية البغيضة، ويقولون للمشركين فكفى بالله شهيدًا بيننا وبينكم إنْ كنا عن عبادتكم لغافلين .

وقوله تعالى فزيّلنا بينهم يبين أيضًا أنه سوف يتَّضح يوم القيامة بأن هؤلاء القوم الصلحاء بريؤون تماماً مما فعله المشركون بهم وبسيرتهم، وأن الطوائف الوثنية التي اتخذتهم آلهةً كانت طوائف كاذبة في دعاويها.

ما أروَعَ المشهدَ الذي يصوِّره الله تعالى هنا. حيثُ يقول: سيأتي يوم يُحشر فيه الناس جميعًا، ثم يُقالُ للشركاء والمشركين: لا تبرحوا أماكنكم بل اثبتوا حيث أنتم واقفين. سوف يُؤمرون أولاً بالوقوف في أماكنهم، ثم يتم الفصل بينهم، ذلك ليُتيح الله لهم الفرصة لإثبات دعواهم، وَعند انكشاف الباطل الذي اقترفوه سوف يبرّئ الله ساحة أولئك الصلحاء الذين أشركوهم كآلهة مع الله وهم لا يعلمون، فيفصلهم عن المشركين، فيعلنون بفرح وسرور براءتَهم من الذين أشركوهم بالله سبحانه وتعالى.

ولو قيل: إذا كان المراد من الشركاء هنا فقط من أشركهم الناس بالله ظلمًا دون علم منهم، فلماذا لم يذكر هنا الشركاء الذين ينشرون الأفكار الوثنية؟ والجواب: إن ذكرهم مندرج في كلمة المشركين نفسها، لأنهم أيضا مشركون، وإنما ترمي الآية بهذا الأسلوب إلى إبطال دعوى معارضي الرسول بأن أنبياء الله وأولياءه السابقين كانوا مؤيدين لعقيدتهم الوثنية، فردّ الله عليهم: ما هو دليلكم على دعواكم هذه؟. هؤلاء ما كانوا مؤيدين للشرك، وإنما هو قولكم بأفواهكم الذي لا أساس له.

فَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (الآية: 30)

التفـسير:

هذه الآية هي أحد الأدلة على وفاة سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، إذ نعرف منها أن حضرته سوف يبقى إلى يوم القيامة جاهلاً بما اقترفه مُتَّبعوه من الأعمال الوثنية، إِذ يتخذونه شريكاً لله سبحانه وتعالى. فكيف يمكن للمسيح إن كان لا يزال حيًّا وسيرجع إلى الدنيا مرة أخرى وسوف يرى أعمال أتباعه النصارى – أن يقول لله: ما قلتُ لهم إلا ما أمرتَني به أَنِ اعبدوا الله ربي وربكم وكنتُ عليهم شهيدًا ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنت أنتَ الرقيبَ عليهم، وأنت على كل شيءٍ شهيد . (المائدة: 118)

Share via
تابعونا على الفايس بوك