توجّه أحد العرب من المدينة المنوّرة بسؤال إلى حضرة مرزا طاهر أحمد إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية والخليفة الرابع للمسيح الموعود في مقابلة بينهما في مسجد لندن، قال:
الجواب:- قال أمير المؤمنين ايّده الله بنصره العزيز:
“قبل الإجابة على هذا السؤال دعنا نعد إلى ما قبل أن يدَّعي أحدٌ ما بأنّه (نبيٌّ من الأمة)، ونسأل أنفسنا: هل كانت الأمة الإسلامية حقًا أمةً واحدة قبل الدعوى؟ ألم يكن القرآن الكريم هو نفسه كتاب الأمة، وأحاديث الرسول هي نفس الأحاديث، ومع ذلك انقسمت الأمة إلى اثنتين وسبعين فرقة -ذلك إن أردت أن تُسمّيه اثنتين وسبعين أمة أو إن شئت سمّيها أمة واحدة- فالخيار لك، لكن الواقع أنَّ هذه الفرق موجودة وقائمة، وأنها لم تنقسم لمجرّد الأسماء، وإنّما بسبب اختلاف المفاهيم والآراء. إنَّ لهذه الفرق -الاثنان والسبعون- وجهات نظر متعارضة حول القرآن الكريم والأحاديث النبوية بحيث لا يملك أي إنسان عاقل أن يُطلق عليهم اسم أمة واحدة.
ولندع مؤقتًا موضوع الأحمدية وما تمثّله، ولنتأمل وجهة نظر الشيعة مثلاً. إنّهم يؤمنون بالقرآن الكريم وحديث الرسول ، ولكنهم يعتقدون أنَّ الخلفاء الثلاث الأول لم يكونوا خلفاء للإسلام حقًا، وإنّما كانوا مغتصبين، وعند الشيعة لم يترك النبي بعده سوى عشرة من المسلمين الأتقياء الورعين، أما الباقون فقد كانوا جماعةً من المنافقين، وأنَّ من يُسمّيهم خلفاء راشدين هم عند الشيعة رؤساء المنافقين. هذا ما يقبله المسلمون وهذا ما يُسمّى إسلامًا واحدًا. ثم تعال نذكر فرقة (الديوبنديين)، إنّهم يعتقدون بأنَّ فرقة (البريليويين) من المشركين. ويعتقد الديوبنديون أنَّ من يؤمن بكون النبي عالمــًا لكلّ شيء، بقيا مثل الله عز وعلا… لهو مشرك من الدرجة الأولى، ولا يمكن قبوله في نطاق الإسلام هكذا. ويخبرنا أحد قادة الديوبنديين ويلحّ في القول بأنَّ كل بريلوي بعد مماته سيطرد من أمام حوض الكوثر بأشدّ ما يطرد الكلب بعيدًا. ولسوف يقول النبي للبريلويين اخسئوا تحسبون أنفسكم مسلمون ولكني أعلم أنكم لستم بالمسلمين!!
ثم إنَّ فرقة البريلويين -وهم ينتمون إلى نفس الأسرة- ويؤمنون بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ومع ذلك فهم يعتبرون فرقة الوهّابية -وهي الفرقة الغالبة بين أهل الجزيرة العربية- مع فرقة أهل الحديث من الكافرين، بل إنَّ كفرهم بلغ حدًا يستلزم تكفير من لم يكفّرهم ويوضح أحد الزعماء البارزين من فرقة البريلويين في كتابه (حسام الحرمية) قائلاً: إنَّ من يصلي خلف الديوبندي أو الوهابي أو أهل الحديث أو الشيعة أو الشكارالوي أو القادياني الخ فهو كافر، ومن يسمح لأحدهم أن يصلّي خلفه فهو كافر، ومن يتزوّج منهم أو يزوّجهم فهو كافر، بل إنَّ زواجهم من بينهم زواجٌ باطل طبقًا للشريعة الإسلامية!!
هكذا كان حال الأمة قبل مجيء المسيح الموعود (عليه السلام) وهكذا هو حتى اليوم. فلنعد الآن إلى السؤال، هل هذا هو الإسلام الواحد، هل هذه الممارسات تنتمي إلى أمةٍ واحدة؟
هل تدري ماذا حدث في باكستان بعد أن أعلنوا بأننا -نحن الأحمديون- غير مسلمين، وقرّروا حرماننا من حقّنا في أن ندَّعي بأننا مسلمين؟ هل تعلم بأنَّ هنالك معارك قائمة بين فرقتي الديوبنديين والبريلويين، وأنَّ النشرات توزَّع على نطاقٍ واسع في الباكستان، نشرات تكفير بين الفريقين وإخراج من الإسلام؟ فإذا كانت هذه أمةٌ واحدة تسبَّب المسيح الموعود في انقسامها فلا ضرر إذن قد وقع، ولماذا نعتبر الحركة الأحمدية أكثر استحقاقًا للرفض من بين الفرق الإسلامية كلها؟ والآن دعنا نتناول السؤال من ناحية المبدأ، إنَّ القرآن الكريم كتابٌ واحد، وهو بلا شكّ كتابٌ كامل، كما أنَّ أحاديث نبي الإسلام نهائية، ولا يزال القرآن الكريم وحديث النبي القول الفصل والكلمة المقبولة إيمانًا وتطبيقًا واتّباعًا إلى آخر الزمن. ومع أنَّ نبينا الكريم كان يعلم أنَّ القرآن المجيد كتابٌ كامل، وأنّه هو النبي النهائي إلى آخر الزمن. فقد تنبّأ عن مجيء الإمام المهدي يُظهره الله تعالى ويُقيمه. ولنسأل أنفسنا سؤالاً مخلصًا: ما هي الحاجة إلى هذا الإمام المهدي، ولماذا نقبل الإمام المهدي في حين أنَّ القرآن المجيد كتابٌ كامل وأحاديث الرسول مصونة، وأنَّ ما بين دفتيها حكمٌ نهائي؟ فطبقًا لما ورد عن النبي أنت بحاجة إلى الإمام المهدي، وأنت في انتظار الإمام المهدي، فما حاجتنا إليه ولماذا ننتظره، وما هو مقام هذا الإمام المهدي؟ إني واثق من أنّك لم تفكر في هذا الموضوع، ولو أنّك فكّرت فيه الآن لأصابتك الدهشة لأنّك ستكتشف أنَّ اعتقادك هو اعتقادنا تمامًا. فأنت تؤمن أن المهدي سيختاره الله تعالى ويُقيمه، ولن يتم اختياره بالانتخاب بين المسلمين. وليس هنالك مسلمٌ واحد يعتقد بانَّ اختيار الإمام المهدي لن يكون من الله تعالى، وإنّ جماهير المسلمين ستختاره من بينها. ولو ادَّعى مسلم بذلك لبادر علماءهم إلى تكفيره لأنَّ مثل هذا الادِّعاء يُخالف عقيدة الأمة كلها. فالإمام المهدي شخصٌ سيأتي -إن لم يكن قد أتى فعلاً- وسيكون من اصطفاء الله تعالى اصطفاءً مباشرًا. هو الذي يُقيمه ويبعثه. هذا من جانب تلك العقيدة، أما الجانب الآخر فهو أنَّ من يرفض الإمام المهدي عندما يأتي سيُعدُّ كافرًا. أليس هذا القول صحيحًا؟ الأمة كلها تعتقد بهذين الأمرين ما عدا فرقتين: أهل القرآن والشكرالويون.
ولست أعنيهم وإنّما أقصد الأمة كلها في مجموعها. إنهم يعتقدون بأنَّ الإمام المهدي من اصطفاء الله تعالى، وليس بالانتخاب الجماهيري. وهم يعتقدون أيضًا بأنّه سيكون إمامًا لكل الأمة ولكل العالم، ومن يُنكره أو يُعارضه فهو خارج عن ملّة الإسلام. وإذا وضعنا هذين الاعتقادين في اعتبارنا فهل بوسعك أن تسوغ لنا مثالاً لرجلٍ يتصف بهذين الصفتين ويتميّز بهاتين الميّزتين ثم لم يكن نبيًّا. لم يظهر قط على هذه الأرض رجلٌ واحد له هاتين الصفتين ولم يكن نبيًّا. الواقع أنَّ تاريخ الديانات لا يُقدِّم لنا مثالاً واحدًا لرجلٍ يختاره الله تعالى ثم لا يكون تصديقه والإيمان به أمرًا إلزاميًا. إقرأ في القرآن المجيد موضوع الإيمان الذي يجب أن تدين به. إنه يتمثّل في قولنا: “آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه”.
هذه هي العقائد الأساسية التي نؤمن بها، ومن بين هذه المبادئ الستة التي ذُكرت جاء مبدأٌ واحد يُشير إلى البشر وهو المبدأ المتعلّق بالنبيين. فالقرآن لا يُلزم الإنسان أن يؤمن بإنسان آخر إلا إذا كان من الأنبياء. فهم وحدهم من بين البشر ينبغي الإيمان بهم. وإذن نجد أنَّ تعاليم القرآن تفرض على الإنسان أن يؤمن بالأنبياء وإلا كان كافرًا. إننا ملزمون بنصّ القرآن الكريم أن نؤمن بكل نبي، ولكن هل نجد في القرآن آيةً واحدة تأمرنا بالإيمان برجلٍ واحد من غير الأنبياء. إنَّ هذا عين ما تقولون بالنسبة للإمام المهدي، وكل عبدٍ يُقيمه الله ويُكلّفه بنفسه فهو نبي. وها أنتم تؤمنون بظهور نبيٍّ تابع، في حين أنّكم تؤمنون بالإمام المهدي الذي سوف يصطفيه الله ويُقيمه ويُكلّفه بنفسه. لا شكّ أنّكم تُناقضون دعواكم بأنفسكم.
يبقى الأمر بعد ذلك مسألة أشخاص، وفيما يتعلّق بالعقيدة فإنَّ الرجل الأمين الصادق لابد أن يوافق ويعترف بأنَّ مفهوم الإمام المهدي هو تمام مفهوم النبي التابع. ومهما كان الأمر سمّيته نبيًّا تابعًا أم لا، دعوته إنسانًا أم لا، كل ذلك لا يهم إنما ما يهم هو التعريف. إنّك إن سمّيت إنسانًا كلبًا فلن يكون كلبًا وإنّما سيبقى إنسانًا، وكل من يتصف بصفتي الإمام المهدي سيبقى نبيًا مهما كان الاسم الذي ستدعوه به، آمنتم به أم رفضتموه فسيبقى نبيًا.
ثم إنكم تؤمنون بأنَّ المسيح قادمٌ مرةً أخرى فبأي صفة سوف يأتي؟ هل سيتخلّى عن نبوته ويتركها في السماء إذا نزل من هناك؟ بالطبع لا، وكل علماء المسلمين يعتقدون ويدَّعون بأنَّ من لا يؤمن بنبوة عيسى عند عودته فسيكون خارجًا عن الإسلام. هذا اعتقاد كل واحد من علماء المسلمين سواء كان من المسلمين الأحمديين أو من غيرهم من المسلمين والسبب في ذلك أنَّ الرسول أنبأ بمجيء المسيح وانّه سيأتي بوصفه نبيًا. ولقد وصفه في الحديث الذي ورد في صحيح مسلم بأنه “نبي الله” وتكرّر ذلك أربع مرات. وإذن فأنت تؤمن وفقًا لحديث الإمام مسلم بأنَّ المسيح نبي. وإذن فعليك أن تتصرَّف كرجلٍ عاقل ذي بداهة وإنصاف. إنكم تُخرجوننا من ملّة الإسلام لأننا نؤمن بنبوة المسيح الموعود، في حين أنَّ المسيح الموعود الذي تنتظرونه سيكون نبيًّا. إذا كان المسيح الموعود (عليه السلام) صادقًا فلا بدّ وأن يكون نبيًا، لأنَّ الرسول الكريم سمّاه نبيًا.
ولنفترض أنَّ المسيح الموعود قال: “إنني لستُ نبيًا”، إنّه بذلك يكون كاذبًا لأنَّ النبي سوف يسأله: “ألم تقرأ حديثي في صحيح مسلم؟ لقد أعلنتُ بنفسي أنَّ المسيح سوف يظهر في هذه الأمة بوصفه نبيًا”.. فلو ادّعى أحد أنّه المسيح وأنّه ليس نبيًا، فلا شكَّ أنه يكون كاذبًا بكل تأكيد. إنك لا تستطيع التحقّق من صدقه بطريقةٍ أخرى. ولكنكم حسب منطقكم إذا ادّعى أحدٌ ما أنه المسيح وأنه نبي فهو كذّاب أيضًا. فما نوع المسيح الذي يمكن أن يأتي لهذه الأمة؟ إنّه إن جاء مسيحًا ونبيًا كذّبتموه، لأنكم تقولون بانتهاء النبوة بأشكالها، وإن جاء مسيحًا غير نبي كذّبتموه أيضًا لأنَّ النبي أعلن كونه المسيح نبيًا. فما هو الحل إذن؟ الحل الوحيد الذي قدَّمه لنا بعض علماء الإسلام الآخرين أن يكون نبيًا تابعًا، نبيًا من الأمة فهو بوصفه نبيًا من الأمة لا يتعارض مع كون النبي الأقدس هو النبي الأخير، وهذا هو بالضبط ما نؤمن به. إننا لا نؤمن بنبوةٍ جديدة، ولكننا نؤمن بنبيٍّ تابع “نبي من الأمة” كما أخبر بذلك القرآن الكريم:
فكل من ينال ثوابًا أو فضلاً من الله تبارك وتعالى بعد بعثة النبي الكريم لا بد وأن يكون متبعًا مُطيعًا لرسول الله . فإذا ما كان متبعًا له فلن يُحرم من أي فضلٍ إلهي، لا من النبوة ولا من الصلاح ولا مما بينهما من الصدِّيقية أو الشهادة. لأنَّ المكافآت الأربعة مذكورة مع بعض بالترتيب والتوالي. أولاً النبوة ثم الصدِّيقية، ثم الشهادة وأخيرًا الصلاح، هكذا فإنَّ عقيدتنا عن النبوة تُماثل عقيدتكم تمامًا أي لا بد وأن يكون نبيًا متّبعًا.
ولنطبّق هذا على الإمام المهدي الذي تعتقدون بمجيئه. وهكذا تجدون أن عقيدتكم عن الإمام المهدي تتفق وعقيدتنا عنه أي أنه سيكون نبيًا متبعًا. ولنطبق نفس المعيار على المسيح الموعود، وهنا أيضاً ستجد أنَّ عقيدتنا عن المسيح الموعود تتفق مع عقيدتكم مائة في المائة.
وإذن فالامتناع عن وصف نبي بالنبوة لا يخلّصك من أي إثم، بل في الواقع إنّه يجعل منك شخصًا آثمًا. لأنّك إذا اعتقدت في شخص ما أنه ذو صفة معينة، ثم لا توافق على تسميته بهذه الصفة التي تعتقد بوجودها فيه. فهذا في الواقع جريمة حمقاء. ونحن لا نرتكب مثل هذه الجريمة، فنحن أمناء، وعلى صراطٍ مستقيم.
وإذن فالمسألة ببساطة هي: هل ظهر الإمام المهدي أم لا؟ وهذا سؤال واضح. أنتم تقولون عنا أننا غير مسلمين لأننا نؤمن بنبي جديد. ولو كنا كفارًا لهذا السبب، واعتقادكم هو تمامًا كاعتقادنا، فكل واحد منكم إذن كافر، ولن يبقى نبي مسلم واحد. وينبغي أن يكون هذا الأمر في عقولكم. والأمر الثاني هو أنَّ القرآن الكريم كتابٌ متكامل، وهو في الواقع غير قابل للتغيير والتبديل، ومعانيه لم يطرأ عليها تغييرٌ ما. ولقد فسّرت الآيات نفسها عدة تفسيرات متناقضة كما لو كانت تنتمي إلى كتب مختلفة فمثلاً: لعلّك سمعت عن الخلاف الذي يتعلّق بكون الرسول نورًا أم بشرًا، وقد وردت الصفتان في حقه في القرآن الكريم عن قوله تعالى وقد استند كل فريق من الفريقين المتعارضين إلى ما يثبت رأيه من قوله تعالى:
تفهم فرقة البريلويين من هذه الآية أنَّ الرسول ليس من البشر، في حين أنَّ الديوبنديين يفهمون منها أنه بشرٌ مثل كل بشر. والآية واحدة ولكنها تُفسَّر عند كل فريق بعكس الفريق الآخر بحيث يندهش المرء ولا يدري ماذا يأخذ وماذا يدع. فمثلاً يفهم الشيعة من قوله تعالى: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا (التوبة: 40)، أنَّ أبا بكر كان في حالةٍ من الشك لدرجة أنَّ النبي وجد من اللازم أن يقول له لا تحزن، وهذا -والعياذ بالله- دليلٌ على تفاهة سيدنا أبي بكر. ولكن قومًا آخرين يجدون في هذه الآية أجمل وأعظم دليل على منزلة أبي بكر . فالنبي لم يقل إنَّ الله معه فحسب، بل إنَّ الله معه ومع أبي بكر أيضًا.
وأيًا كان المعنى الذي يُرضيك فإننا لا نرضى إلا بالمعنى الثاني.
ويمضي التعارض، ومع أنَّ الكتاب واحد فإنَّ ذلك لم يمنع الخلاف في أمورٍ أساسية، كما وأنَّ الخلافات تناولت أمورًا تنفر منها طبيعتنا. فمثلاً حول الآيات القرآنية التي تمنع التبنّي. وتأمر النبي بالزواج من مطلّقة متبنّاه.
يقول المفسرون من أمثال مؤلف كتاب الاتقان والجلالين وغيرها أقوالاً يُصيبك منها الذعر الشديد لو كان في قلبك شعور بالمحبة والتقدير لنبي الإسلام ، يقولون إنَّ النبي الكريم عندما رأى السيدة زينب اشتعلت نار العشق في قلبه نحوها، وخشيَ أن يعرف الناس بهذا الشعور الطاغي، وكتمه في نفسه حياءً من الناس. ولكن الله تعالى العليم بخفايا القلوب سمح له بالزواج منها وأصرَّ على ذلك. وينسبون إلى الرسول بعض الأقوال الباطلة منها أنّه ذهب مرةً إلى بيتها عند زيد ودخل غرفتها بدون أن يطرق بابها ويستأذن، فرأى من جسدها ما لم يسعفها الوقت لستره. وما إن لمح المستور منها حتى وقع في غرامها. حاشاك يا رسول الله، فإنَّ هذا قد يحدث من أحد المفسدين أو المشائخ، ولكن لا يمكن أن يحدث من نبيّنا محمد . إنّه الذي قرأ علينا قول الله تعالى وأدَّبنا بهذا الأدب:
وهو الذي قرأ علينا قوله تعالى:
إنَّ هؤلاء المفسرين يقولون حول هذه الآيات أنَّ الإسلام ينهى المسلم عن دخول البيوت -وإن كانت بيوت الأقارب- إلا بعد التحية والاستئذان، وأنَّ هذا الفعل كان من سُنّة المصطفى ، وهم أنفسهم الذين يقولون إنه دخل بلا استئذان ورأى ما رأى وعشق ما رأى، يا للعار!! لقد كان المصطفى من الورع والطُهر بحيث لا يتسرَّب إلى قلبه الشريف أدنى ذرّة من الريب. هل نسوا أنّه هو القائل: لقد أسلم شيطاني.
ولنُلقِ الآن نظرة على المسيح الموعود، ذلك الذي قبلناه وصدّقناه، والذي تفتخرون بسبّه وتكذيبه ولنرَ كيف فسَّر الآيات السابقة، يقول إنَّ الله تعالى رأى في قلب المصطفى ما في هذا الأمر الإلهي من ثقلٍ شديد، وأنّه يُعاني من الحرج الشديد لفكرة الزواج من امرأةٍ مطلقة كانت زوجةً لابنه المتبنّى. ولكن الله تعالى أراد في نفس الوقت أن يكون التشريع الإلهي الحكيم نافذًا بشكل عملي على يد رسوله فهو الأسوة والقدوة في مثل هذه المواقف الصعبة مثل إلغاء التبنّي، وقد كشف الله تعالى عنه التضحية العظيمة والمعاناة الكبيرة التي تحمَّلها استجابةً لأمر الله تعالى فكان نِعمَ القدوة.
إنَّ أفضل الطرق لمعرفة المسيح الموعود والحكم عليه يكون بقراءة كتبه. فكلما وجدت خلافًا بين فرق المسلمين وعلماء الأمة، فعليك بالاطّلاع على قراره. ثم استخدم عقلك وفطرتك، واحكم هل قراره هو الأفضل أم لا. فلو درست المسيح الموعود وقرأت له على ضوء هذه القاعدة فيمكنك عندئذٍ أن تفهم معنى مجيئه، وتُدرك عبارة (حكمًا عدلاً). إنَّ المسيح الموعود يجلس على كرسي الحكم، وكل أحكامه صائبة. هذا هو الجمال وهذه هي الحكمة من مجيئه. إنّه لم يأتِ ليُضيف جديدًا إلى القرآن الكريم. وإنّما جاء ليُزيل كل إضافة نُسبت إلى القرآن الكريم. ولم يأتِ لينقض شيئًا من القرآن الكريم، بل جاء ليُعيد إليه ما سلبته منه التفسيرات والـتأويلات الباطلة، هذا هو معنى (الحكم العدل)، هذا هو سبب مجيئه.
وأستطيع أن أُقدِّم الكثير والكثير من الأمثلة التي تؤيّد قولي هذا. والله تعالى هو وحده الذي يفصل بيننا وبينكم منذ بداية الأحمدية، كلما أظهرتم العداوة نحوها، وبعد كل اضطهاد وامتحان تنمو الأحمدية وتزدهر ولا تتضاءل أبدًا. وكلما ازدادت عداوتكم قوةً كانت لنا بشارةً وخيرًا، فمن يخاف من الاضطهاد؟ إننا نذكر أحداث 1933-34-53-74 وبعد كل محنة تنمو الجماعة وتنتصر. بمعنى أنها تزداد عددًا بمعدّل أسرع مما قبل ويتضخم عدد الجماعة ومركزها ونفوذها. والجماعة التي بمثل هذا القدر -قدر جماعات الأنبياء- كيف يجوز لها أن تخشى الأغلبية؟.
من هي وما هي تلك الأغلبيات؟ إذا كانت الأغلبية على باطل في عين الله فما قيمتها؟ لقد رفض الله تعالى أغلبياتٍ مماثلة من قبل. وكلما جاء نبي من عند الله تعالى كذّبته الأغلبية ورفضته. خذ أي مثال وأرني ماذا كان رأي الأغلبية عنه.
ثم إنَّ الإسلام اليوم ليس أغلبية كما يظن، فإنَّ المعارضين والمكذبين لرسول الله هم الغالبية في عالمنا. فإذا كان الأمر والقرار للأغلبية في هذا الصدد، فعليكم أن تنزلوا على رأي الأغلبية وتتخلّوا عن الإسلام قبل أن تهاجموا الأحمدية!! فأغلبية العالم ضد الإسلام، بل إنَّ مفكّري الأديان والملحدين أكثر عددًا من المسلمين. وهم متحدون في عقيدتهم في حين أنَّ المسلمين فرقٌ عديدة. إنَّ فرق الإسلام تتعارض مع بعضها بدرجةٍ تجعل من يأخذ بعقيدة أحد هذه الفرق يؤمن ببطلان الفرق الأخرى بطلانًا كاملاً. ومع ذلك تسمُّون الباطل إسلامًا، ويؤسفني أنَّ الجميع يسمُّون مسلمين. وهم متحدون في أمرٍ واحد يجمع بينهم، ذلك عداوتهم للأحمدية. إنكم تجلسون معكم خلافاتكم الأساسية وتُعلنون أنّكم مسلمين، ومن يًسمّي أبا بكر رئيس المنافقين، مسلمٌ عندكم، ومن يُسمّي صحابة رسول الله مرتدين مسلمٌ عندكم، ومن يؤمن بألوهية الرسول كذلك. كل من يؤمن بكل هؤلاء مسلم عندكم، من يسجد للقبور مسلم عندكم ومن يُكفّره مسلمٌ عندكم، الجميع مسلمون.
ما أجمل هذه الديانة التي تتسع لكل شيء وإن تعارضت المذاهب وتنافرت الأُسس. إذا كان هذا هو الإسلام فهو ليس بدينٍ إذن فهو بلا ضمير ولا إنسانية، إنَّ المرء الأمين الشريف ينبغي عليه أن يكون أمينًا مع نفسه. لكم أن تُسمُّونا (غير مسلمين) ولكن كونوا أُمناء وسمُّوا الآخرين أيضًا (غير مسلمين) لأنَّ الفروق والاختلافات بينكم جميعًا أكبر و أعمق وأثقل من كل خلافاتكم معنا.