كلام الإمام لإمام الزمان عليه الصلاة والسلام

نصائح للأحباء المبايعين: (الأصل في اللغة الأردية وقد ترجمت فيما بعد إلى العربية)

أيها الأحباء الذين بايعوني، ودخلوا جماعتي، وفّقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه. إنّكم قليلون اليوم وينظر إليكم الناس بعين الازدراء والتحقير لقلّتكم، وإنّكم لهذا لفي ابتلاء اليوم – حسب سنّة الله القديمة في من خلو من قبلكم، وسيسعى الكثير من الناس لتتعثّروا، كما أنَّهم سيحرصون على إيذائكم، وإسماعكم أقاويل متنوعة شتّى، بل وسيظنُّ كل من يُؤذيكم باللسان أو باليد أنَّه يحمي الإسلام، وستأتي عليكم بعض الابتلاءات السماوية أيضًا لكي يكتمل ابتلاؤكم كل الابتلاء.

فاسمعوا اليوم -أنَّ لا سبيل إلى فتحكم ونصركم وغلبتكم- أن تستعملوا منطِقكم الجاف أو تستهزئوا بالاستهزاء، أو تسبُّوا من يسبُّونكم، لأنّكم إن سلكتم هذه المسالك فلا مفرَّ من أن تقسو قلوبكم، ولا تكون فيكم إلا الأقوال التي يُبغضها الله وينظر إليها بعين الكراهة. فلا تكون النتيجة إلا أن تجلبوا على أنفسكم لعنتين: لعنة الخلق ولعنة الخالق.

واعلموا يقينًا، أنَّ لعنة الخلق ليست بشيء إن لم تكن مقرونةً بلعنة الخالق، إن لم يرد إهلاكنا، فلا يستطيع أحدٌ أن يُهلكنا، ولكن إن يُصبح الله عدوًا لنا، فلا ملجأ لنا منه، كيف نُرضي الله؟ وكيف يكون معنا؟ لقد أجابني الله مرارًا على ذلك -بالتقوى- فيا إخواني الأعزاء، اسعوا لتكونوا أتقياء، الأقوال عبثٌ كلها بدون العمل، ولا يُقبل أي عمل بدون الإخلاص، فالتقوى أن تجتنبوا هذه النقائص كلها، وارفعوا قلوبكم إلى الله وراعوا سُبل التقوى الخفية، وأنشئوا في قلوبكم التواضع، والصفاء والإخلاص أولاً، وكونوا حكماء القلوب متواضعين، لأنَّ بذر كل خيرٍ وشر ينبت في القلب أولاً. فإن كان قلبك نقيًا من الشر، فإنَّ لسانك يكون طاهرًا من الشر، وكذلك عينك وجميع أعضائك.

كل نور أو ظلمة ينشأ في القلب أولاً، ثم يُحيط بالجسم كله شيئًا فشيئًا، فتفقّدوا قلوبكم دائمًا، وكما أنَّ ماضغ التنبل يتفقد من تنبله في فمه، ويحرص على قطع الجزء الرديء منه، وينبذه خارجًا، كذلك أنتم أيضًا تتفقدون بنفوسكم أفكار قلوبكم الخفيّة وعاداتكم الخفية، وجذباتكم وعاداتكم الخفية، ثم إذا ما وجدتم من الخيال أو الأفكار أو الملكات ما هو رديء، فسارعوا إلى قطعه ونبذه خارجًا، لئلا يتسرَّب النجس إلى قلوبكم فتُقطعوا أنتم.

ثم اسعوا واطلبوا من الله القوة والهمة، أن تتطهَّروا وتكتمل عزائم قلوبكم الطيبة، والأفكار الطيبة، والجذبات الطيبة، والأماني الطيبة بواسطة جميع أعضائكم، وجميع قواكم، لتبلغ حسناتكم حدّ الكمال، لأنّ الأمر الذي يصدر من القلب، يبقى محصورًا فيه دون تأثيرٍ ظاهر، لا يمكن أن يُوصِل إلى أي مرتبة.

تَثبَّتوا عظمة الله في قلوبكم، واجعلوا جلاله نُصب أعينكم. واعلموا أنَّ القرآن الكريم يتضمَّن خمسمائة حُكم تقريبًا، وأنّه أقام لكم مأدبةً نورانيّة حسب كل عضو، وكل قوةٍ وكل طور وكل حالةٍ وعمر، وكل مرتبة فَهْم، وكل مرتبة فطرة أو سلوك، وكل مرتبة انفراد أو اجتماع لديكم، فاقبلوا هذه المأدبة وأَقبِلوا عليها بالشكر والحمد، وكلوا كل الأطعمة التي هُيّئت لكم من لدن عليمٍ خبير، بل واستفيدوا منها جميعها، فإنّي أقول لكم حقًا، أنّه من يَردُّ حُكمًا من هذه الأحكام كلها سيُؤاخذ عليه يوم الدين.

إن كنتم تبتغون النجاة، فاختاروا دين العجائز، واحملوا نير القرآن على أعناقكم بكلّ تواضع، فإنَّ الشرير يهلك، والطاغوت يُلقى في النار، وأما من يُخضِع عنقه تواضعًا، فإنّه يُعصم من الهلاك.

لا تعبدوا الله لابتغاء رفاهية الدنيا، وترفها. فإنّ القليب قد حُفر لمثل هذا الخيال، بل اعبدوه، لأنّ العبادة هي حقُّ خالقكم عليكم، ولتكن العبادة محياكم ولتكن غايتكم من الحسنات أن يرضى عنكم ذلك المحبوب الحقيقي، لأنّ الأمر الذي هو دون هذه الغاية، فإنّه معثرة.

إنَّ الله كنزٌ عظيم فاستعدُّوا لتحمُّل المصائب من أجل الوصول إليه ونيله، وإنّه جلَّ شأنه لفوزٌ عظيم، فافدوا أنفسكم لأجل الحصول عليه.

أيها الأعزّة، لا تزدري أعينكم أحكام الله، ولا يؤثّر عليكم سمُّ الفلسفة الحاضرة بل اتبعوا أحكامه تعالى كالوالد، أقيموا الصلاة، فإّنها مفتاح السعادات كلها، وإذا قمت إلى الصلاة فلا تكن وكأنّك تقوم إلى أداء رسمٍ أو تقليد، بل كما أنّكم تتوضأون قبل الصلاة وضوءًا خارجيًا، كذلك توضّأوا وضوءًا باطنيًا أيضًا، واغسلوا أعضاءكم من خيال غير الله، ثم قوموا للصلاة بهذين الوضوءين، وادعوا كثيرًا في الصلاة، واجعلوا البكاء والتضرُّع ديدنًا لكم، لعلكم تُرحمون.

اختاروا الصدق، اختاروا الصدق، فإنّه (جلّ شأنه) ينظر إلى قلوبكم، أَفيُمكن للإنسان أن يُخادع الله أيضًا، أَيُجدي المكر أمامه؟ إنَّ الأشقى يبلّغ أفعاله الفاسقة إلى حد كأنّ الله ليس بموجود، فعندئذٍ يهلك حالاً، ولا يعبأ به الله مُطلقًا.

أيها الأعزّة.. إنّ منطق هذه الدنيا المجرّد، لشيطان، وفلسفة هذه الدنيا المجرّدة، لإبليس، تُخفّف نور الإيمان تخفيفًا كبيرًا، وتخلق العجرفة والاستهتار، وتُوصل الإنسان إلى الدهريّة والإلحاد تقريبًا، فاعصموا أنفسكم منها، واجعلوا لكم قلبًا خاشعًا متواضعًا، وكونوا مُطيعين لأحكامه، كالولد يُطيع أحكام والدته بدون أي اعتراض.

لا ريب أنَّ القرآن المجيد يتوخّى من تعاليمه أن يُوصل الإنسان إلى خاتم مراتب التقوى، فاصغوا إليها، واتبعوها، واجعلوا أنفسكم حسب تعاليمه. لا يأمركم القرآن المجيد -كالإنجيل- أن لا تنظروا بشهوة إلى النساء المحرَّمات أو الذين يمكن أن يكونوا محلَّ استيفاء الشهوة كالنساء -فحسب- بل يأمرك أن لا ترفع بصرك أبدًا بدون حاجة ماسة إلى المرأة المحرّمة لا بالشهوة ولا بدونها بل يجب عليك أن تعصم نفسك بغضّ البصر، لئلا يتطرّق أي خلل إلى طهارة قلبك، فاحفظوا هذا الحكم من مولاكم حفظًا تامًا واعصموا أنفسكم من زِنى العين، واتقوا غضب ذلك القهَّار، الذي يستطيع أن يُهلككم في لحظةٍ واحدة، وكذلك يأمركم القرآن الشريف، أن تعصم أذنك أيضًا من سماع ذكر النساء المحرّمات، وكذلك من سماع كل ذكر غير جائز أيضًا.

لا أرى حاجةً أن أنصحكم أن لا تقتلوا النفس، لأنه من ذا الذي يُقدم على قتل النفس بغير الحق غير الشرير؟ ولكني أقول لكم: لا تقتلوا الحق بالإصرار على الظلم، والاعتساف، اقبلوا الحق، ولو كان من صبي أو من خصمٍ مخالف، اتركوا منطقكم الجاف على الفور، استقيموا، واثبتوا، على الحق والصدق، واشهدوا شهادة حقه، كما يقول المولى :

اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ

لأنَّ الزور أيضًا ليس بأقل من رجس الأوثان والأصنام، الشيء الذي يصرف وجوهكم عن قبلة الحق هو الوثن والصنم في سبيلكم، أدُّوا الشهادة الحقّة، ولو كانت على آبائكم وإخوانكم أو أحبائكم وأصدقائكم، ولا تحول أي عداوة بينكم وبين العدل، اتركوا التباغض والتحاقد والتحاسد والشحناء والقسوة، وكونوا متحدين.

يأمر القرآن الشريف بأمرين عظيمين: الأول توحيد البارئ عزّ اسمه ومحبته وطاعته.

والثاني مواساة الإخوان وبني نوع الإنسان.

وإنّه قسَّم هذين الحكمين إلى ثلاث مراتب، كما أنَّ الاستعدادات أيضًا لها ثلاثة مراتب، وها هي تلك الآية الكريمة:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى

وتفسيرها من الناحية الأولى: أن تُراعوا طريق العدل في إطاعة خالقكم ولا تكونوا قاسطين وكما أنه لا يوجد أحدٌ غيره مستحقٌّ للعبادة، ولا مستحقٌّ للمحبة، ولا مستحقٌّ للتوكل لأنّه وحده ملك كل حق، لأجل خالقيته وقيُّوميته وربوبيته الخاصة، كذلك أنتم أيضاً لا تُشركوا به أحدًا في عبادته ولا في محبته، ولا في ربوبيته، فإنّكم إن أتيتم بذلك فإنّه هو العدل الذي كنتم قد أُمرتم به، ثم إذا أردتم أن تسبقوا العدل، فمرتبة الإحسان، وهي أن تكونوا معترفين بعظمة الله، متأدِّبين في عبادته، مشغوفين بمحبته، كأنّكم رأيتم عظمته وجلاله وحُسنه الثابت الغير زائل.

ثم بعدها مرتبة: إيتاء ذي القربى، وهي أن يزول التكلُّف والتصنُّع من عبادتكم، ومحبتكم، وتذكروه بعلاقةٍ قلبية، كما تذكرون آبائكم أو أشدَّ ذكرًا، وتكون محبتكم له كمثل محبة الأم لولدها أو أشد. وتفسير هذه الآية من الناحية الأخرى، أي مواساة الإخوان وبني نوع الإنسان، وأن تُعاملوا إخوانكم بالعدل، ولا تبتغوا منهم شيئًا غير حقوقكم، وتكونوا قوَّامين بالقسط والعدل، وإن أردتم أن تسبقوا هذه المرتبة، فمرتبة الإحسان، وهي أن تدفع سيئة أخيك بالحسنة، وتُصيبه بالراحة إزاء إيذائه، وتغيثه وتهديه إلى سبيل المروءة والإحسان، ثم بعدها مرتبة إيتاء ذي القربى، وهي أنّك كلما تُحسن إلى أخيك، أو تواسي بني نوعك، فلا ترجو منه بذلك أي إحسان، بل يصدر منك كل ذلك على سبيل الغريزة والفطرة بدون ابتغاء أي غاية من وراء ذلك، كما يُحسن ذو قرابةٍ إلى ذويه بحكم القرابة. وإن هذه المرتبة ليس فيها أي غايةٍ نفسانية أو مقصدٍ من وراء ذلك، بل تنمو علاقة الأخوّة الإنسانية إلى هذه الدرجة بأن تصدر منكم تلك الحسنة على سبيل الفطرة بدون أي تكلُّف، وبدون ابتغاء أي غاية أو شكر أو دعاء أو جزاء، كخاتمةٍ للكمالات والرقي الخلقي. أيها الأعزّاء: أحبّوا إخوانكم في الدين إلا من يطرده الله بعد ذلك، أو من ترونه خرج من هذه السلسلة (الجماعة) احسبوه عضوًا من أعضائكم، وأما الذي يعيش بالنفاق، ويؤذي أحدًا من إخوانه لنكث العهود، أو بجورٍ أو بجفاء، أو لا يرتدع من الوسواس والحركات التي تُخالف عهد البيعة، فإنّه خارجٌ عن هذه السلسلة لأجل فسقه، فلا تعبأوا به مطلقًا.

يجب أن تكون صورة الإسلام الكاملة مشهودةً في مرآة وجودكم، ويكون سيماكم في وجوهكم من أثر السجود، وتكون خشية الله وعظمته، ثابتةً في قلويكم، وإن رأيتم عالمــًا من الدلائل العقلية ضد القرآن والحديث فلا تقبلوها أبدًا، واعلموا يقينًا أنَّ العقل قد تعثّر.

استقيموا على التوحيد، وكونوا مُقيمي الصلاة، وقدِّموا أحكام مولاكم الحق على كل شيء وتحمَّلوا للإسلام الشدائد والمصائب كلها، ولا تموتُّنَّ إلا وأنتم مسلمون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك