دعوة إلى الدفاع عن كلمة الإسلام

دعوة إلى الدفاع عن كلمة الإسلام

دعوة إلى الدفاع عن كلمة الإسلام

لا إله إلا الله محمد رسول الله

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . (آل عمران: 65)

حقًا إنّها لدعوةٌ جادة مخلصةٌ تنطوي على أهميةٍ كبرى ومغزىً عظيم. دعوةٌ إلى أمرٍ هام مشترك خصَّ بها أولئك الذين آمنوا بجزء من الكلمة الطيبة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” التي نزلت على سيدنا خاتم النبيين محمد المصطفى . وبهذه الدعوة خاطب النبي الكريم أهل الكتاب اليهود منهم والنصارى قبل مئات السنين.

إنَّ هذه الآية تشتمل على أمرٍ في غاية الأهمية فهي تكون قاعدة متينة ونيّرة لحل مشاكل العالم واللجاج الديني الذي أوقع الناس اليوم في محنٍ شديدة وعذابٍ أليم. ومن واجب كل إنسان مستنير أن يُركّز نظره وتأمّلاته في الأقدار المشتركة التي على أساسها يمكن توثيق عُرى المحبة وإحلال السلام والوئِام بين بني الإنسان، وأن يتغاضى عن تلك الخلافات التي تُفرّق بين الناس والشعوب.

هذا هو لبُّ معنى الآية الكريمة القيّمة التي انبعثت عنها دعوة المحبة الموجودة من قبل نبينا الكريم إلى أهل الكتاب، على الرغم من أنهم أنكروه وكذَّبوه وتفاخروا في تكذيبه، وحاولوا، بكل وسيلةٍ المسَّ به وبأتباعه. لقد هجوه في أشعارهم التي أذاعوها في قبائل العرب وأشاعوا ضده الكراهية واتّهموه بالكذب والافتراء والتزوير، وقالوا إنّه ساحرٌ وعاشقٌ مذموم وشاعرٌ مجنون. لقد طعنوه بكل سيفٍ بتَّار ورموه بكل ما في جعبتهم من سهام واستخدموا كل ما خطر على بالهم من وسائل الأذى والوقيعة للنيل منه ومن أتباعه حتى بدا وكأنّه لم يبقَ بينه وبينهم أمرٌ مشترك، وغدا البون شاسعًا بين الأمتين والسبيل إلى التفاهم متعذّرًا مستحيلاً. عند ذلك الوقت قدّم النبي لأمم الأرض مثلاً أعلى في النُبل والمحبة حين دعاهم قائلاً:

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ .

فرغم ما اقترفوه في حقّه من جرائم كان لا يزال يؤمن بوجود شيءٍ مشتركٍ بينه وبينهم. لقد خاطبهم قائلاً: إنّكم تدَّعون بأنّي كاذب، لكني لا أظنُّكم تؤمنون بأنَّ ربكم كاذب، بل تزعمون بأنّكم أحباؤه. فإن كنتم صادقين في حبكم لربّكم حقًا فتعالوا نجتمع حول هذا الأمر فقط، ونُعلن للملأ بأننا لن نعبد أحدًا سوى الله وحده ولن نتخذ أحدًا سواه ربًّا بعد اليوم. هذا هو شطر الكلمة الطيبة الذي آمن به أهل الكتاب، أعني “لا إله إلا الله” أما الشطر الثاني من الكلمة أعني “محمدٌ رسول الله” فإنَّهم كفروا به ومن أجل ذلك ناصبوا النبي العداء. لكن النبي الكريم الرحيم تجاوز عن تلك العداوة وغضَّ الطرف عن ذلك الخلاف، ودعاهم إلى ما هو مشتركٌ بينه وبينهم.

عجبًا لهذا الزمان

أما أنا فإنّي أُخاطب اليوم الذين يؤمنون بشطري الكلمة الطيبة ويشهدون بأنَّ لا إله إلا الله ويُقرُّون بأنَّ محمدًا رسول الله. لكنهم ويا للأسف، نراهم اليوم يغرسون بذور الحقد والكراهية بين الناس بدل إنشاء المحبة والوئِام. إنَّ أتباع النبي الكريم هؤلاء الذين يتظاهرون بحبّهم لله وللرسول يُخالفون في الواقع شطر الكلمة الأولى كما يُخالفون شطرها الثاني رغم إعلانهم أنهم يؤمنون بالكلمة الطيبة كلها. وقد بلغ بهم هذا الحقد درجةً غدوا معها يحرقون الأحمديين بالنار ويغضبون لرؤية كلمة التوحيد في بيوت الأحمديين ومساجدهم. ومحاريبهم وعلى مآذنهم فوا عجبًا لهذا الزمان ووا أسفًا لهؤلاء المسلمين.

كلمة التوحيد كانت سببًا في قيام باكستان

إنَّ كلمة التوحيد هي الخطوة الأولى لتقرُّب العبد من ربه وخالقه، وهي المظهر لمعراج سيدنا محمد خاتم النبيين الذي تمَّ له فيه الوصال بالحضرة الإلهية. إنَّ كلمة التوحيد هي التي أنارت العالم وبدَّدت عنه الظلمات، وهي الماء الذي أحيا القلوب بعد موتها، وبها ينال الإنسان الحياة الأبدية التي لا موت بعدها. كلمة التوحيد هي التي كانت سببًا في تأسيس الباكستان، فقد اتّحد على أساسها مسلمو الهند أهل السنة منهم والشيعة والبريلويون والديوبنديون والأحمديون، اتحدوا جميعًا حول هدف واحد هو إنشاء وطنٍ مشترك من أجل حماية هذه الكلمة والحفاظ عليها، وبذلوا في سبيل ذلك أموالهم ودماءهم إلى أن تحقّق أملهم، وقامت هذه الجمهورية العظيمة لتكون موطنًا لهم جميعًا. وفي هذا الكفاح المجيد وقف الأحمديون في الصف الأول مع إخوتهم المسلمين، واستُشهد في الميدان مئات الألوف، الذين لو سالت دماؤهم إلى أنهار الباكستان لاحمرَّ لونها. ناهيك عن العديد من الأطفال الذين تيتّموا والنساء اللواتي ترمّلن. مع ذلك اعتصم الجميع بهذه الكلمة في وحدةٍ متراصة، وضحّوا بكل ما لديهم، حتى بلغوا هدفهم المنشود، ونالوا غايتهم العظمى، ألا وهي إنشاء وطن الباكستان.

أما العلماء الذين عارضوا فكرة إنشاء الباكستان حينئذٍ، وناصبوا مؤسِّسها العداء، فقد خابوا، وذهب كيدهم أدراج الرياح. والتفت الأكثرية الساحقة من المسلمين حول قائدهم الأعظم محمد علي جناح أمةً واحدة، وأقاموا دولتهم المستقلة لتصبح موطنًا لكلمة التوحيد وملجأً لهم أجمعين. لقد تحقّقت ببركة هذه الكلمة الطيبة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” معجزةٌ كبرى في شبه القارة الهندية.

زمانٌ مشؤوم

لم يكن يخطر على بال أحدٍ من أولئك الشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل الباكستان أن سيأتي على هذا الوطن العزيز زمانٌ مشؤوم وأيامٌ نحسات كهذه حين يقوم موظفو الحكومة وقضاتها وضبّاطها وشرطتها بحمل المِداد والطلاء ليمحوا به كلمة التوحيد من مساجد الأحمديين وبيوتهم، ثم يمضوا لهدم هذه المساجد ومآذنها وهم يُهلِّلون ويُكبِّرون. ليس هذا بقولٍ خرافي، بل هي حوادث وقعت فعلاً، والصيحات الرهيبة لمحو كلمة التوحيد من مساجد الأحمديين كانت تتعالى وترتفع يوميًا من مساجد الديوبنديين ونواديهم ومحافلهم، وهم بذلك يحسبون أنَّهم سيسحرون قلوب الناس ويمحون الباطل. وما أدراكم ما الباطل؟ إنّه بنظرهم كلمة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. هذه هي كلمة الباطل في زعمهم. وكل من خرج من بيته لمحو هذه الكلمة من مساجد الأحمديين هو في نظرهم يُجاهد في سبيل الله. ويعتقدون مغترّين بأن لا قوة في العالم يمكنها أن تقف في وجههم وتصدُّهم عن هذا الجهاد. إنّهم يخرجون من بيوتهم للفتك بالأحمديين ولنهب بيوتهم وعقارهم، حتى سالت دماء الأحمديين الزكية في شوارع الباكستان وطرقاتها. يخرجون ليُحولّوا القبلة من مساجد الأحمديين، وليُزيلوا كلمة التوحيد من أعلى جدران هذه المساجد، ثم يهدموا القبب والمآذن التي هي من سمات مساجد المسلمين. فوا عجبًا لهذا الزمان الذي ما كان لإنسان ليتصوّر في الماضي بأنه سيأتي زمانٌ عجيبٌ رهيبٌ كهذا.

إعلان حضرة أبي بكر

عندما أعلن أبو بكر الصدّيق الحرب على المرتدِّين الباغين على الإسلام أثناء ثورة الردّة في الجزيرة العربية وتألّب القبائل بمجموعها على المدينة المنوّرة تحدُوهم نواياهم السيئة لمحو سلطة الإسلام، في ذلك الظرف العصيب أوصى أبو بكر الصدّيق المجاهدين بأن لا يمسُّوا بسوء من صلّى صلاة المسلمين، واستقبل قبلتهم، وأدّى الزكاة لبيت المال. أما اليوم فنسمع أصواتًا ترتفع وتنادي باسم أبي بكر بقتل كل من يستقبل قبلة الإسلام من الأحمديين حتى يُحوّلوا قبلتهم وبضرب عنق كل من يُصلّي صلاة محمد من الأحمديين حتى يُصلّوا صلاةً خلاف السُنّة المطهَّرة، وبقطع يد كل من يؤدّي زكاة الإسلام من الأحمديين. إنَّ الله بقدرته سيُخرس هذه الأصوات وسيمحق كل من يُنادي بها. إنَّ الذين يفقدون صوابهم لا يدرون ما يجنون على أنفسهم، وما يكسبون لغدهم وعن مثل هؤلاء تُعبّر الآية الكريمة:

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا .

إنّه لمن المؤسف أن تسود الباكستان اليوم فوضى كهذه وتُمارس تحت كنف حكومتها ورعايتها مثل هذه الأعمال الوحشية من قبل بعض العلماء الموتورين دون أن يمنعهم أحد أو تردعهم عن هذه الجرائم الفظيعة سلطةٌ ما. ولا يوجد للأسف الشديد من يسعى ليُردَّ إليهم صوابهم، ويُفهمهم بأنَّ أعمالهم هذه ستؤدّي بهم إلى الهلاك والتبار. ولا شكَّ أنَّ كل من يسعى لمحو كلمة التوحيد سيمحو الله ذكره عن وجه الأرض لا محالة. إنَّ هؤلاء العلماء بدل أن يُفكّروا ويتدبَّروا أمرهم ويُقلعوا عن أعمالهم الشريرة هذه نراهم يتمادون في اقتراف المنكرات. وصيحاتهم لبثّ الذعر والفوضى ما زالت تعلو وتتعاظم. ألا فليعلموا أنهم بأعمالهم هذه يُخالفون تعاليم الإسلام السمحاء، ويطعنون الدين في الصميم. إنّهم يُسيئون إلى سمعة الباكستان، ولا يتردّدون ويخرجون على ساداتهم الذين يُطعمونهم ولا يستحيون.

إنَّ هؤلاء العلماء من طائفة الديوبنديين الذين حملوا شعار محو كلمة التوحيد من مساجد الأحمديين يُفاخرون في محافلهم بأنَّ الأحمديين لا حول لهم ولا قوة أمام بطشهم وسطوتهم، بل يدَّعون بأنَّ وزارة الشؤون الدينية تؤيّدهم في كل ما يقولون ويفعلون، وأنَّ وزراء الحكومة على صلة دائمة بهم، ويؤكّدون مساندتهم لهم، حتى لو كانوا في السجون وأنّهم سيُواصلون العمل في غيابهم غير عابئين بقوة الأحمديين وقدرتهم. إنّهم يُصرِّحون دون مبالاة أنَّ جميع أعضاء الحكومة معهم، وأنَّهم لا يخشون أحدًا أبدًا. وهم بتصريحاتهم هذه يُسيئون إلى حكومة الباكستان، كما ويُسيئون إلى سمعة المملكة العربية السعودية التي يُفاخرون من جهة أخرى بأنَّها تُساندهم أيضًا بالأموال الطائلة. ويقولون أنه حتى لو لم تساعدهم حكومة الباكستان فستظل الحكومة السعودية تُمدُّهم بما يحتاجون من الأموال، ولن يقدر أحد أن يُثنيها عن هذا الموقف، أو يحول دون المساعدات السعودية لهم. كما يُعلنون أنَّ وزارة الشؤون الدينية السعودية تقف كليةً إلى جانبهم، وأنَّ هيبة السعودية تُخيّم على بلاد الباكستان. وبما أنَّ الحكومة الأمريكية حليفة للملكة السعودية فيعتقدون بأنَّ حكومة الباكستان لا تقدر أن تقف في وجههم، أو تصدّهم عن تحقيق هدفهم ألا وهو محو الأحمدية ومحو كلمة التوحيد من مساجد الأحمديين وبيوتهم.

ينابيع النفط تفجّرت ببركة كلمة التوحيد

لست أعلم نوايا الحكومة السعودية الحالية وأهدافها، ولكنني لا أتصوّر ولا أعتقد بأن تكون المملكة السعودية شريكة في مؤامرة لمحو كلمة التوحيد من مساجد الأحمديين وبيوتهم، لأنَّ المملكة السعودية إنما ظهرت على مسرح العالم ببركة التوحيد. فعندما عمَّ الشرك بلاد نجد والحجاز وظهرت البدع المنافية لروح الإسلام داخل بيت الله الحرام، هبَّ جدُّ السعوديين الأكبر لتطهير الدين الحنيف من هذه البدع، وأيّد الله هذه الحركة الدينية بقيادة السيد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التي استهدفت استئصال جذور الشرك والبدع من الأراضي السعودية ومن بلاد العرب قاطبةً. لقد أعطى الله هذه المملكة العزّة والجاه، وعظم نفوذها في عالم السياسة. لقد نالت السعودية كل هذا الفضل ببركة كلمة التوحيد التي نادوا بها، “لا إله إلا الله محمد رسول الله” ولو لم يعلن جدّهم المرحوم عبد العزيز الجهاد لقمع الشرك والبدع عن بلاد العرب لحماية التوحيد لما استتبَّ له سلطانٌ على أرض نجد والحجاز حيث تتفجّر اليوم ينابيع النفط (الذهب الأسود). والحق أنَّ الله تعالى الذي يغار لكلمة التوحيد هو الذي وهب مؤسِّس المملكة السعودية هذه الأموال الوفيرة والعزّة القعساء جزاء جهاده، فكيف يمكننا أن نُسيء الظنّ في الأسرة السعودية التي ترعرعت على اسم التوحيد وإعلاء كلمة الإسلام ومحو الشرك والبدع من أرضها، وكيف يمكننا أن نتصوّر بأن تكون هذه الأسرة الكريمة طرفًا في مؤامرة خسيسة هدفها محو كلمة التوحيد من مساجد الأحمديين وبيوتهم. إننا نعلم علم اليقين أنَّ بعض العلماء الذين لا يخشون الله يفترون على السعودية.

ونقول عن خبرة ودراية أنَّ بعض علماء الباكستان خاصةً الديوبنديين منهم يعيشون على الافتراءات، كما يعيش الطفل على الرضاعة، ولا يخافون الله حين يكذبون ويفترون.

إنَّ كل من يطالع التقرير الذي أعدّه القاضي السيد منير عن اضطرابات البنجاب سنة 1954 والمعروف باسم “تقرير منير” يؤيّد أقوالنا وتنكشف له بجلاء مؤامرات أولئك العلماء الخبيثة. إنَّ القاضي السيد منير والقاضي السيد كيلاني اشتركا في وضع هذا التقرير بناء على التحقيقات الشاملة التي أجرياها في تلك الاضطرابات الدامية لم يكونا كلاهما أعضاء الجماعة الأحمدية، لكنهما بلا أدنى شك من كبار قضاة الباكستان العادلين المنصفين الذين لا يخافون في قول الحق لومة لائم. لقد أثبت القاضي منير في تقريره المذكور أنَّ هؤلاء العلماء هم أنفسهم الذين كانوا وراء تلك الاضطرابات المروِّعة، وكانوا أداة طيّعة في أيدي أعداء الباكستان، وقاموا ضد مصالح المسلمين والباكستان مقابل أموال حقيرة حصلوا عليها من أعداء البلاد غير مُبالين بعواقب أعمالهم الدنيئة. إنَّ هؤلاء العلماء هم الذين غزوا مسجد “شهيد كنج”. إنَّ عامة المسلمين في الباكستان قد نسوا للأسف ذلك الماضي، أما نحن الأحمديين فنعرف جيدًا من هم هؤلاء العلماء، ولذلك لا يمكننا أن نُقرَّ أو نصدّق بأنَّ المملكة السعودية شريكة معهم في المؤامرات الخسيسة لمحو كلمة التوحيد من مساجد الأحمديين. إنَّ هؤلاء العلماء يفترون ولا شك على الجماعة الأحمدية لدى الحكومة السعودية. وقد تكون المملكة السعودية قد أعطتهم بعض الأموال لإنفاقها في خدمة الدين دون أن تدري أنّهم يستغلونها لمحو كلمة التوحيد من مساجد الأحمديين وبيوتهم، لأنَّ المملكة العربية السعودية كما نعلم لا تتوانى في تقديم العون للمسلمين في جميع أقطار العالم، ولا تبخل في إعطاء المال لمن يحتاجونه لخدمة الإسلام، فهي تُعطي للمسلمين في اليابان وفي كوريا وفي ماليزيا وفي أندونيسيا وفي بنغلادش، وتنفق الأموال في القارة الإفريقية كذلك. وحيثما وجدت جماعة تسعى لخدمة الدين تمدُّ لها السعودية يد العون وتؤيّدها، فكيف يمكننا أن نُصدّق أنَّ هذه المملكة التي أعلنت كلمة التوحيد في بلاد العرب، ومحت آثار البدع من نجد والحجاز، تتآمر اليوم مع هؤلاء العلماء لمحو كلمة التوحيد من مساجد الأحمديين، بل وهدم تلك المساجد. إنَّ هؤلاء العلماء يُخادعون المملكة السعودية وعمّالها. وإننا لنرى من واجبنا أن ننبّه العالم أجمع أن علماء الباكستان اليوم هم آلة في أيدي الشياطين الأعداء الذين يهدفون إلى زعزعة أركان الباكستان، كما نؤكّد بأنَّ الله الغيور لن يسمح بأن يُمحى اسمه من مساجده فإنَّ المساجد لله، وسيمزِّق بقدرته العظمى كل من شارك في هذه المؤامرة كل ممزَّق.

سيظهر للناس أي دين هو الحق

إنَّ تباشير قضاء الله تلوح في آفاق الباكستان اليوم، وقد أخذت بعض الأصوات المؤيّدة للأحمديين تعلو من بعض المساجد، وبدأ بعض العلماء والمثقفين يُعلنون تأييدهم للأحمدية، بأنَّها الحق، وبأنَّ الأحمديين مسلمون مخلصون في خدمتهم للإسلام، وكل من يسعى لمحو كلمة التوحيد من مساجدهم فهو على الباطل، يخالف بذلك تعاليم الإسلام السمحاء.

ولله درُّ من قال: “سيظهر للناس أي دينٍ هو الحق أدين الهندوس أم دين محمد الذي طهّر القلوب، ووهب للإنسان الحياة الأبدية”.

لقد جاهد علماء المسلمين وحكوماتهم في الماضي لنشر التوحيد واستئصال الشرك من العالم، وأشادوا المساجد ليُذكر فيها اسم الله. واليوم نرى جهادًا معاكسًا يهدف إلى محو كلمة التوحيد. إنّه لا بدّ أن يأتي يومٌ يفيق الناس فيه من سُباتهم العميق ليميزوا بين الحق والباطل. لقد اتّهم علماء “ديوبند” العلماء البريلويين بالشرك، وبأنَّ لا علاقة لهم بالإسلام الحنيف، وقالوا أنَّهم كهنة وعبدة الأصنام وأنّهم يسجدون للقبور. أما هم أعني الديوبنديين فهم يدَّعون أنّهم حُماة الإسلام والتوحيد. فيا عجبًا لهؤلاء الموحِّدين الذين يمحون بأيديهم اليوم كلمة التوحيد. أما البريلويون فإنَّهم يُعلنون على منابرهم بأنَّه مهما يكن من خلاف فإنَّ الأحمديين يُقرُّون بكلمة التوحيد ويُضحّون بأنفسهم دفاعًا عن الإسلام. نعم إنّهم يُنكرون على الأحمديين حقَّ الشهادة في سبيل الله، ولكننا نؤكّد أن كل أحمدي يُقتل دفاعًا عن الإسلام، هو شهيدٌ بلا أدنى ريب. وعلى أي حال فالبريلويون يُحبّون الله ورسوله ويُطرونه ويُبالغون في محبتهم له. أما الديوبنديون فإنّهم من ناحية أخرى متشدِّدون في التوحيد ومتعصِّبون لعقيدتهم إلى حدِّ أنَّهم قد غفلوا في الواقع عن الله وعن الرسول، وخلت قلوبهم من محبة الله ورسوله، وأصبحت كالعشّ الخالية من الطير وفترت فيهم حرارة هذه المحبة، وخمدت نارها. فلو كان في قلوبهم بصيصٌ من نور هذه المحبة لما جسروا على محو كلمة التوحيد من مساجد الأحمديين، ولما جرؤوا على تحويل قبلة هذه المساجد وهدم قببها ومآذنها. إنَّ البريلويين وإن كانوا على خطأ إلا أنَّ حبّهم الشديد لله ولنبيّه قد غلب على عداوتهم للأحمديين، ومع أنهم خلاصة الأحمدية ولا ينظرون إلينا بعين الرضى إلا أنَّ حبّهم لله ورسوله طغى على تلك العداوة الراسخة في قلوبهم. ولقد بدأوا يُعارضون كل من يسعى لمحو كلمة التوحيد ويقولون بأنَّهم على خطأ وكاذبون.

إننا نفرح إذا نسمع الكافر ينطق بكلمة التوحيد لأنه يذكر اسم حبيبنا ويعلن وحدانية الله تعالى، وحين يشهد الكافر أو المشرك بكلمة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” تمتلئ قلوبنا غبطةً وسرورًا. وإننا لنرى المشركين في أيامنا هذه قد بدأوا ينطقون بالشهادة.

دعوة إلى الباكستانيين عامة

لقد أخذت أصوات الاحتجاج على اضطهاد الأحمدية تعلو وتزداد، حتى أصبحت تُسمع في كل ناحية من الباكستان، إلا أنَّ الحكومة متغافلة ومحجمة عن أداء واجبها، ولا تشعر بأنَّ قضاء الله واقع، كما لايشعر بقضاء الله هذا أيضًا أولئك الذين أزمعوا على محو الكلمة الطيبة مقابل دراهم معدودة، ولا يزالون يسعون لطمس ذكر محمد المصطفى حبيب الله غير خائفين من بطش الله وانتقامه فهو تعالى غيورٌ على عزّة وكرامة نبيّه وحبيبه. إنّ أيامًا عصيبة ورهيبة آتية على الباكستان، لذا فإنّي أهيب بجميع الباكستانيين على اختلاف مذاهبهم ومسالكهم، أهيب بأولئك الذين هم براء من مكائد العلماء والذين يُقدّسون ويُعظّمون كلمة التوحيد الراسخة في أعماق قلوبهم، والتي يحبونها حبًا جمًا وهي لهم زاد المعاد. إنني باسم تلك المحبة أستصرخ ضمائرهم وأُناديهم أن هُبُّوا لإنقاذ وطنكم وانهضوا لمقاومة كل من يُنادي بمحو كلمة التوحيد من بلدكم العزيز. وإنني لأُقسم لكم بالله العظيم أنّكم إن توانيتم وتخاذلتم عن هذا الواجب اليوم، فإنّ قضاء الله سيحيق بكم، ويدمّر بلادكم، ويُتبّر كل من سعى في محو كلمة التوحيد الطيبة تتبيرًا. إنَّ كلمة التوحيد كانت الوازع الأول لقيام دولة الباكستان، وهذه الكلمة الغالية العزيزة على أنفسنا جميعًا قادرة على قهر كل من أراد بها سوءًا، ويسعى لإزالتها من هذا البلد. إنّ الكلمة الطيبة التي بقوة سلطانها أُسِّس هذا الوطن هي نفسها القادرة اليوم أن تُدمّره. أدعو الله تعالى أن يحفظنا ويحمينا من هول ذلك اليوم العصيب وأن يهب لأولئك البسطاء من عامة الناس العقل والفهم وأن يفتح قلوبهم ليُدركوا مآلهم ويعرفوا عاقبتهم.

الخطبة الثانية

لقد وجّهت ندائي في خطبتي الأولى إلى أبناء الشعب الباكستاني عامة دون أن أُخاطب الأحمديين، وإنني لأعلم كما يعلم كل أحمدي أنَّ الأحمديين لن يتخلّوا عن الدفاع عن الكلمة الطيبة لمجرّد تهديد أو وعيد.

قد تُفارق أرواحهم أجسادهم، ولكن الكلمة الطيبة لن تُفارقهم، ولن يُفارقوها أبدًا، ستظل ملازمة لأرواحهم بعد الموت إلى يوم الدين. ولا يمكن انتزاعها من قلوبهم وضمائرهم، حتى لو قُطع منهم الوتين.

إنَّ قلوب الأحمديين كقلوب الأنصار، عليهم رضوان الله، لما رأوا خطر الأعداء يُحدق بالنبي صاحوا قائلين: “يا رسول الله سنُقاتل من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وعن شِمالك ولن ندع العدو يصل إليك إلا بعد أن يطأ أجسادنا”. صحيح أنَّ نبينا حبيب الله ليس موجودًا فينا بجسده الطبيعي اليوم، لكن آيته الخالدة كلمة التوحيد التي اتصل فيها اسمه الطاهر باسم الله تعالى موجودةٌ حيّة في ضمائرنا، وهي أعزُّ علينا من أرواحنا وأنفسنا وأغلى من كل ما نملك. لقد أخذت بمجامع قلوبنا، وهي اليوم معنا وفينا، وسنُدافع عنها، ونحميها بأرواحنا وبكل ما أُوتينا من قوة ما دام فينا نفسٌ تنبض بالحياة.

إننا في هذا اليوم نُعاهد نبينا الكريم محمد المصطفى خاتم النبيين معلنين: “يا نبي الله أنت أحبُّ غلينا من كل حبيب سنحمي آيتك المقدَّسة وسنُقاتل من أمامها ومن ورائها وعن يمينها وعن شمالها ولن يصل إليها العدو إلا بعد أن يطأ أجسادنا”. إنَّ هذا الميثاق هو من وحي ضمير كل مسلم أحمدي وما يدور بخلده وخاطره. ولقد أردت أن أذكره في خطبتي هذه كي لا يظنّ الأحمديون بأني تحدَّثت كثيرًا إلى المسلمين الآخرين، ولم أُعبّر عن مشاعرهم وما يختلج في نفوسهم بكلمةٍ ما. فالله قد حرم مسلمي هذا الزمن لسان الصدق الذي ينطق بالحق، وذلك لسوء أعمالهم، ولكنه وهب المسلمين الأحمديين لسان صدق وقلب يتجاوب مع الحق. إنَّ هذا العهد لصادر من قلوبهم ونابعٌ منها وأنَّ ربّ السموات والأرض ليسمعنَّ نداءهم هذا ولن يضيع لهم “رجاء” أبدًا.

فهبُّوا أيها الأحمديون وأعدّوا لبذل كل تضحية للدفاع عن كلمة التوحيد ولا أخالكم ستُحجمون أو تتخاذلون في هذه المعركة. إنَّ كلمة التوحيد من ورائكم كالجبل يحميكم وما عليكم إلا المضي قُدمًا للبذل والتضحية في هذا الميدان وليفعل عدوكم ما شاء، فإنَّه لن يلقى أحمديين جبناء متردّدين في الدفاع عن كلمة التوحيد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك