المسيح في القرآن

المسيح في القرآن

نذير أحمد

إنَّ مسألة وفاة المسيح عيسى بن مريم مسألةٌ أساسية بيننا معشر الجماعة الأحمدية وبين من لا يؤمنون بالمسيح الموعود من المسلمين. نحن نعتقد بأنَّه تُوفّي كما توفي الأنبياء الآخرون، وقد صرَّح الله في القرآن المجيد بوفاته أكثر مما صرَّح بوفاة الآخرين من الأنبياء، لأنَّ الله تعالى كان يعلم أنَّ عددًا لا يُستهان به من المسلمين سوف يزعمون بحياته في وقتٍ من الأوقات، ويؤّيدون النصارى في عقيدتهم بأنّ المسيح كان إلهًا ولم يكن بشرًا كبقية الرسل والأنبياء. فها نحن نذكر ههنا من القرآن المجيد، الآيات الدالة على وفاته ليتدبّر العقلاء ويعرفوا الحق المستبين.

الآية الأولى

وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (سورة المائدة: 118)

لا شكَّ أنَّ هذه الآية تدلُّ دلالةً واضحة على وفاة المسيح ابن مريم لأنَّ السؤال المذكور في ابتداء الآية وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ

لا يكون إلا يوم القيامة بدليل قوله تعالى بعد هذه الآية: هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ وبدليل قول المسيح إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ إنَّ عيسى يقول في جوابه إنّه كان رقيبًا شهيدًا على قومه، وأنّه لم يُفارقهم إلا بالموت بدليل قوله وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ولم يُفارقهم إلا بالوفاة لقوله فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ والمسيح لم يعلم أبدًا بأنَّ النصارى كفروا وضلّوا بعد أن فارقهم واتخذوه إلهًا، فلو كان رجوعه من السماء محتملاً لعلِم ضلالهم وكفرهم واتخاذهم إيّاه إلهًا. ومن المعلوم أنَّ النصارى اتخذوا المسيح إلهًا قبل نزول القرآن المجيد كما أشار الله تعالى إليه في الآية: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (سورة المائدة) وما زالوا يتخذونه إلهًا. ومن المتفق عليه أنّه يأتي لإبطال ديانة النصارى خاصةً، فكيف يصحُّ جوابه بأنّه لا يعلم شيئًا من أمرهم أصلاً فلا ريب في كون الآية المذكورة صريحة الدلالة على موته، وقد استشهد بها النبي في حديثه المذكور في البخاري، ولم يرد من لفظ التوفي الوارد في الآية إلا الموت، كما جاء في حديث ابن عباس : قال قال رسول الله  “…. ثم يؤخذ برجالٍ من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي؟ فيُقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم

وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ….

عن قُبيصة قال: هم المرتدون الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر، (صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب واذكر في الكتاب مريم)، فكما أنَّ الارتداد في الصحابة حصل بعد وفاة النبي كذلك الارتداد في النصارى حصل بعد وفاة عيسى . فلو سلّمنا أنَّ المسيح حيٌّ في السماء بجسده العنصري ينزل منها ويُشاهد بنفسه أنَّ النصارى اتخذوه إلهًا، فلا شكَّ أنّ جوابه المذكور في الآية يوم القيامة يكون كذبًا وخلاف الحقيقة. ولا يمكن لنبي أن يكذب أمام الله تعالى يوم القيامة.

الآية الثانية

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (سورة آل عمران: 56)

إنَّ التوفي إذا كان من باب التفعُّل وكان المتوفّي (الفاعل) هو الله أو أحدٌ من ملائكته، والمتوفّى (المفعول به) من ذوي الأرواح، وليس ثمة قرينة صارفة عن المعنى الذي وُضِع له -كالمنام أو الليل مثلاً- فليس معناه سوى الموت وقبض الروح. ولا يوجد في القرآن المجيد ولا في الأحاديث ولا في اللغة العربية ولا في دوواين الشعراء ولا في كتب نوابغ العرب مثالٌ واحد يدلُّ على غير الموت مثل هذا التركيب. وكفاك بعض الأمثلة من القواميس والقرآن المجيد والأحاديث:

توفّى الله فلانًا: أي قبض روحه. (أقرب الموارد)

توفّاه الله: أي قبض روحه. (القاموس المحيط)

توفّاه الله: إذا قبض نفسه. (لسان العرب)

توفّاه الله أماته. توفّي فلان: قُبضت روحه ومات. (المنجد)

يقول الله تعالى:

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا (سورة البقرة)، تَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (سورة آل عمران)، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (سورة يوسف).

وفي الأحاديث:

“عن عائشة رضي الله عنها قالت: تُوفّي النبي في بيتي” (صحيح البخاري)

فلما تُوفّي رسول الله ودُفن في بيتها (تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك).

“من توفّيته منّا توفّه على الإيمان” (دعاء الجنازة)

وفي البخاري قال ابن عباس: “متوفّيك، مميتك”. كتاب التفسير: تفسير سورة المائدة.

فما استُعمل التوفّي في الأمثلة السابقة إلا بمعنى قبض الروح فقط، ولا يوجد له استعمال أبدًا بمعنى الرفع إلى السماء بالجسد العنصري.

وأما قول بعض الناس أنَّ الواو لا تقضي الترتيب في هذه الآية، ورافعك مقدّم ومتوفّيك مؤخّر، فيستلزم التحريف في كلمات الله كاليهود الذين كانوا يُحرِّفون الكلِم عن مواضعه. ومن ذا الذي يجترئ أن يُقدِّم آية، ويؤخّر أخرى ويُبدّل ترتيب الله مع أنَّ الله بنفسه رتّب القرآن كما قال

وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (سورة القصص)

يقول العلّامة أبو القاسم راغب الأصفهاني في معنى هذه الآية (وقول الله : لقد وصلنا لهم القول أي أكثرنا لهم القول موصولاً بعضه ببعض) المفردات.

ورد في الحديث: أنَّ النبي قرأ في الركعتين: “قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ إنَّ الصفا والمروة من شعائر الله، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه” (صحيح مسلم باب حجة النبي ).

وفي جامع الترمذي (نبدأ بما بدأ الله به، كتاب الحج، باب ما جاء أنّه يبدأ بالصفا قبل المروة. وكتاب التفسير: تفسير سورة البقرة).

فانظر كيف أنَّ النبي ما خالف ترتيب الله، فلا يحقُّ لأحدٍ من المفسرين أو غيرهم أن يغّيروه، فإنَّ ترتيب الله أحقُّ وأحرى أن يُتّبع.

وأما لفظ الرفع في آية (رافعك إلي) و (بل رفعه الله إليه) فلا يقتضي صعود المسيح إلى المساء حيًا بجسده العنصري، الناس يدعون بثلاثة أشياء لا وجود لها في كتاب الله تعالى. وهي الحياة والسماء والجسد. فكيف تتحقّق دعواهم؟ فالرفع هنا رفعة المقام والدرجات والتشريف والتقريب إليه روحيًا لا جسديًا، لأنَّ الله تعالى ليس بمتحيّز في مكان حتى تُرفع إليه الأجساد المادية. بل إنّه موجود في الأرض كما هو موجود في السماء وغيرها، لقوله وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ فلا حيّز له ولا مكان له، ولا يكون معنى الرفع إذا كان الله رافعًا والإنسان مرفوعًا غير المعنى المذكور كما جاء في النهاية لابن الأثير:

(في أسماء الله تعالى: الرافع، هو الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد وأولياءه بالتقريب).

وكذلك قال الله تعالى:

وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ (سورة الأعراف)، في بيوتٍ أذِنَ الله أن تُرفع (سورة النور)، و يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ (سورة المجادلة)

وفي الأحاديث: قال النبي لسعد ابن أبي وقّاص: “عسى الله أن يرفعك فينتفع بك ناسٌ ويُضرُّ بك آخرون” (صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب ان يترك ورثته أغنياء).

وفي موضعٍ آخر: “كل يوم هو في شأن يغفر ذنبًا ويكشف كربًا ويرفع قومًا ويضع آخرين”. (صحيح البخاري كتاب التفسير – سورة الرحمن).

وفي صحيح مسلم: قال عمر: أما أنَّ نبيكم قد قال: “أنَّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين”. (باب فضل من يقوم بالقرآن). و “وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله”. (باب استحباب العفو والتواضع).

والدعاء بين السجدتين في الصلاة: “ربِّ اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني”. (سنن ابن ماجه)، فهل جميع هؤلاء الناس ارتفعوا إلى السماء بأجسامهم المادية؟

ولا يظنُّ أحدٌ أن إدريس كان رُفِع إلى السماء حيًا بجسده العنصري لقوله تعالى:

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (مريم)

لأنّه إذا قلنا إنَّ إدريس حي في السماء بجسده العنصري فلا يخلو من حالتين: إما أنه ينزل من السماء إلى الأرض ثم يموت أو يبقى في السماء إلى الأبد، أما نزوله فلا أصل له ولم يعتقد به أحد. وأما بقاؤه في السماء بجسده العنصري إلى الأبد بدون الموت الجسدي فيخالف الآية الكريمة: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ (الأنبياء) وإذا قلنا إنه يموت في السماء فيكون مخالفًا لقوله تعالى:

قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (الأعراف)

فالحق أن الله رفعه روحيًا لا جسديًا كما رفع إليه جميع الانبياء.

وكذلك لا يوجد في كلمة (إلي) وإليه ما يدلُّ على الرفع الجسدي لقد قال إبراهيم إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي (سورة العنكبوت)، وقال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (سورة الصافات) والحال إنه لم يُرفع إلى السماء، بل ذهب إلى الشام كما ذكر في تفسير هذه الآية في تفسير الجلالين.

(وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي) مهاجرٌ من دار الكفر (سَيَهْدِينِ) إلى حيث أمرني ربي بالمصير إليه وهو الشام: سورة الصافات)

ويقول الصابرون عند نزول المصيبة: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (سورة البقرة) وكقوله تعالى فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (سورة الذاريات)

وفي الحديث: “إذا تواضع العبد رفعه الله إلى السماء السابعة” (الفتح الكبير الجزء الأول صفحة 95، وكنزل العمل الجزء الثاني صفحة 25).

فالحاصل أن الرافع إذا كان الله المنزَّه عن المكان والحيّز والجهات والمرفوع هو الإنسان، فلا يكون معناه الرفع بالجسد، وإلا فليأتِ من كان مُنكِرًا بمثالٍ واحد خلاف هذا.

وأما القول بأنَّ الله توفّى عيسى ابن مريم ثلاث ساعات من النهار أو ثلاثة أيام ثم أحياه ورفعه إلى السماء، فليس بثابتٍ من القرآن ولا من الأحاديث الصحيحة، بل هو خيالٌ باطل يروى عن النصارى. يقول الله تعالى

أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (سورة يس)، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ (سورة الزمر).

  وفي الأحاديث: “قال يا عبدي تمنَّ عليَّ أُعطِك، قال يا ربيّ تُحييني فأُقتل فيك ثانيةً، قال الربُّ تبارك وتعالى: إنّه سبق مني القول أنهم لا يرجعون”، فنزلت وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا . (مشكاة المصابيح عن الترمذي، جامع المناقب، وابن ماجه الجزء الثاني: باب فضل الشهادة في سبيل الله).

وأيضًا ورد عن رجل ميت: فجئنا رسول الله ، وذكرنا ذلك، وقلنا: ادعُ الله يُحييه لنا. فقال: “استغفروا لصاحبكم … وقال لهم: اذهبوا فادفنوا صاحبكم”. (مشكوة المصابيح عن مسلم: باب ما يحلُّ أكله وما يحرم).

فلا شكَّ أنَّ الاعتقاد المذكور في الحقيقة مأخوذ عن عقيدة النصارى، لأنّهم اعتقدوا بأنَّ المسيح مات على الصليب، ثم قام من القبر بعد ثلاثة أيام، ثم رُفِعَ إلى السماء حيًّا، وجلس عن يمين الله تعالى، وينزل في آخر الزمان مع الملائكة بكل قوةٍ وشوكة، ويغلب جميع الناس. أما نحن فنقول كما يظهر بكل وضوح من الآية القرآنية بأنَّ المسيح كان عُلِّقَ على الصليب، لكنه لم يمُتْ عليه، وأُوذيَ كما أُوذيَ جميع الأنبياء، كما أنَّ إبراهيم أُلقيَ في النار ولكن الله نجّاه منها. وكما أنَّ سيد الرسل محمدًا أُوذيَ أشدَّ الإيذاء حتى أُغميَ عليه يوم غزوة أُحد من شدّة ما أصابه من أيدي الكفار، كذلك المسيح ابن مريم عُلِّق على الصليب وتحمَّل الأذى بضع ساعات، ولما أُنزِل منه كان مغشيًّا عليه وعصمه الله من لعنة الموت الصليبي، وجعله مقرَّبًا طبق وعدِه إيّاه وأعلن اليهود قتله مع أنّه لم يكن ميتًا في الحقيقة، ولكن شُبِّه لهم بالمقتول والمصلوب. وذهب إلى بلادٍ أخرى وعاش فيها كما أخبر النبي “إنَّ عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة سنة وإنّي لا أراني إلا ذاهبًا على رأس الستين”. (كنز العمال: الجزء السادس، صفحة 120).

وكذلك قال النبي :

“لو كان موسى وعيسى حيّين لما وسِعهما إلا اتّباعي”. (اليواقيت والجواهر، الجزء الثاني، صفحة 24)

وكذلك:

“لو كان عيسى حيًّا لما وسعه إلا اتّباعي”. (شرح الفقه الأكبر صفحة 101).

ومات بموته الطبيعي ودُفن مثل جميع الأنبياء حتى أنَّ النبي رآه ليلة المعراج في الموتى مع يحيى .

  “إنَّ نبي الله حدَّثهم… ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية …. فلما خَلَصتُ إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة قال هذا يحيى وعيسى” (صحيح البخاري، باب حديث الإسراء).

الآية الثالثة

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ  وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (النحل: 21 – 22)

إنَّ عيسى أعظم من دُعيَ من دون الله، وإنَّ كل من دُعيَ من دونه ونُسبَ إليه الخلق أخبر الله تعالى عنهم في هذه الآية بأنّهم أمنواتٌ غير أحياء ولا يشعرون أيّان يُبعثون.

الآية الرابعة

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ (آل عمران: 145)

  وليس معنى الخلوّ في هذا المقام غير الموت، وقد استُعمل لفظ الخلوّ بمعنى الموت في القرآن المجيد واللغة العربية بكثرة قال الله تعالى:

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ (البقرة: 142) قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ (الرعد: 31) الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ (يونس: 103)

و  “خلا فلانٌ إذا مات” (لسان العرب)

وخلا الرجل: أي مات (أقرب الموارد)

وقال السموأل بن عاديا:

إذا سيّدٌ منا خلا قام سيدقؤولٌ لما قال الكرام فعول      (ديوان الحماسة)

ومعناه: إذا مات منا سيدٌ قام مقامه سيد.

فالآية المذكورة تُصرِّح بأنَّ جميع الرسل قبل النبي ماتوا وبضمنهم عيسى ، وبها استدلَّ أبو بكر على وفاة النبي بدليل أنَّ جميع الأنبياء الذين جاءوا قبله قد ماتوا. وقال في خطبته التي ألقاها بعد وفاة النبي :

“أما بعد، فمن كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت، قال الله تعالى: وما محمد إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل إلى قوله الشاكرين وقال (الراوي) والله لكأنَّ الناس لم يعلموا أنَّ الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقّاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها. فأخبرني سعيد بن المسيّب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعتُ أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلّني رجلاي، وحتى أهويتُ إلى الأرض حين سمعته تلاها أنَّ النبي قد مات”. (صحيح البخاري، باب مرض النبي ووفاته )

فلما سمع الصحابة استدلال أبي بكر بالآية الكريمة بأنَّ رسول الله تُوفيَ كما تُوفّيَ جميع الأنبياء الذين جاءوا من قبله، سكتوا ولم يرد أحدٌ منهم على أبي بكر قائلاً بأنَّ استدلالك ليس بصحيح، لأنَّ عيسى لم يمت بل هو حي في السماء ويرجع إلى هذه الدنيا مرةً ثانية. فهذا السكوت يدلُّ على أنَّ الصحابة y أجمعوا على وفاة جميع الرسل الذين خلوا قبل النبي ولا يكاد يوجد إجماع مثله في الأمة المحمَّدية!

الآية الخامسة

وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (مريم: 34)

وإذا سلّمنا كما يقول بعض الناس بأنَّ المسيح كان رُفع حيًّا إلى السماء بجسده العنصري فلا شكَّ أنَّ ذلك اليوم كان يوم سلامٍ له خاص دون أن يُشاركه فيه أحدٌ من الأنبياء، وكان لا بد من ذكره، ولكن الأمر الحق هو أنَّ قصة صعوده إلى السماء مخترعة وإنّه مات كما مات يحيى ، لأنّ الله تعالى أيضًا يقول عن يحيى

وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (مريم)

الآية السادسة

مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ (المائدة: 76)

فالمسيح جاء إلى الدنيا حسب سُنّة الأنبياء، وخلا كما خلوا. والآن هو لا يأكل الطعام، وفي الزمان الماضي كان يأكل الطعام، وكما أنَّ عدم أكل مريم عليها السلام للطعام دليلٌ على موتها، هكذا عدم أكل عيسى للطعام دليلٌ على وفاته، ولا يمكن لبشرٍ أن يحيا حياةً جسدية بغير طعام كما نصّت عليه الآية الواردة في حقّ الأنبياء عليهم السلام خصوصًا: وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (الأنبياء : 9)

الآية السابعة

قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (الأعراف: 26)

وتقديم الظرف (فيها) على الفعل (تحيون) يفيد الحصر، والقانون عام يشمل جميع بني آدم، فكيف خرج عيسى ابن مريم من جملة بني آدم ومن هذا القانون العام ورُفع حيًا إلى السماء بجسمه العنصري؟ ويعيش في السماء منذ ألفي عام من دون أكل وشرب خلافًا لما قال الله تعالى في القرآن المجيد:

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (المرسلات: 26 – 27)، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (البقرة: 37).

وهناك آياتٌ أخرى كثيرة وأحاديث تدلُّ دلالةً قاطعةً على وفاة المسيح عيسى ابن مريم ، وأنه لا يعود إلى هذه الدنيا أبدًا. ولو كان من الممكن رجوع نبي من الأنبياء إلى هذه الدنيا لكان نبيّنا محمد أولى وأجدر بأن يُرسل ثانيةً من حيث كماله وفضائله وإرشاده الخلق إلى الهداية. وما دام الله لم يشأ إرجاعه فكيف يُرجع المسيح المتوفى؟ ولَنِعمَ ما قال حسان بن ثابت يوم وفاة النبي :

كنتَ السوادَ لناظري فَعمي عليكَ الناظرُمن شاء بعدكَ فَليَمُتْ فعليكَ كنتُ أُحاذِرُ
Share via
تابعونا على الفايس بوك